بحث هذه المدونالهجرة النبويةة الإلكترونية

حسن ملاط

صورتي
القلمون, طرابلس, Lebanon
كاتب في الفكر الاجتماعي والسياسي والديني. تربوي ومعد برامج تدريبية ومدرب.

الجمعة، 17 مايو 2013

لم يفت الأوان بعد!


                                 لم يفت الأوان بعد!
حسن ملاط
الصراع موجود في جميع المجتمعات. وهذا الصراع يأتي نتيجة التناقضات. والتناقضات، منها ما هو أساسي ومنها ما هو خلاف ذلك. أما التناقض الرئيس فهو ذلك الذي تجعل منه القوى الفاعلة في المجتمع كذلك. وليس شرط التناقض الرئيسي أن يكون أساسياً. إنما شرطه أن تتقدم به القوى الفاعلة على أنه التناقض الذي يقود التناقضات الأخرى ويُخضعها للوجهة التي يأخذها. وبذلك تصبح جميع التناقضات الأخرى ثانوية.
وهذا التوصيف لا ينطبق على مجتمع واحد، إنما يميز جميع المجتمعات بدون استثناء، ومنها المجتمع اللبناني. فمن التناقضات الأساسية في مجتمعنا، التناقض مع العدو الصهيوني، والتناقض مع السياسات التي تُخضع مختلف فئات وطبقات المجتمع اللبناني للرأسمال المعولم، وعلى رأسها المصارف. وهذه بدورها تخضع للرقابة الأميركية (البنك الكندي وشركتي الصرافة). فمجرد تهمة من الإدارة الأميركية للبنك الكندي أدت إلى تصفية هذا المصرف. فلبنان حر بالخضوع للإدارة الأميركية. الحرية هي حرية الخضوع.
ما ميز المرحلة السابقة على ال2005، هو تقدم الصراع مع العدو إلى أخذ الأولوية المطلقة. فالقوة الرئيسة كانت "المقاومة" وصراعها مع العدو كان يُخضع جميع التناقضات الأخرى لأولويته فيجعل منها ثانوية. وقد حاولت بعض القوى الداخلية حرف المقاومة عن قتال العدو وتحويلها للصراع الداخلي، ولكنها لم تتمكن، بسبب ميزان القوى الذي كان يميل لصالح المقاومة.
هذه المرحلة كانت ذهبية بالنسبة للمقاومة. فجميع الإتهامات التي كانت توجه لها لم تكن تلقى أي صدىً إيجابي عند الشرائح الكبرى في المجتمع اللبناني.
بعد اغتيال الرئيس الحريري، تغيرت الأجواء كثيراً، وانتقل الصراع من أن يكون مع العدو الصهيوني، إلى أن يصبح بين مختلف شرائح المجتمع اللبناني. فكانت الإجتماعات المتناقضة والحشود المتضادة في ساحة رياض الصلح وساحة الشهداء. ولم تتمكن حرب 2006 من تهدئة هذه الحرب الشرسة. ورئيسية الصراع مع العدو انتقلت إلى الساحة الداخلية، ولا تزال. ولكنها بدأت تأخذ مظاهر سيئة تهدد المقاومة بوجودها، كما أنها تهدد الإستقرار الداخلي والإقليمي. ولا بأس من التذكير بأن الحلف الرباعي لم يساهم إلا بتخفيف الإحتقان لمدة محدودة، لأسباب عديدة لا مجال لذكرها.
من المؤكد أن التحالفات الداخلية التي أعقبت الحلف الرباعي، والتي أرساها حزب الله قد لعبت دوراً سلبياً في هذا المجال. نعني الحلف مع العماد عون. فقد بدأ هذا الحلف باتجاه إيجابي، عندما أعلن العماد عون انتماءه للمسيحية المشرقية، والتي كانت واضحة في الرسالة التي بعثها إلى بابا الفاتيكان السابق. ولكنه لم يلبث أن بدأ يبث السموم المذهبية والأقلوية وأخذ يحرض على السنة في لبنان انطلاقاً من عقدة النقص التي يحملها إزاء أحد التيارات التي يدعي تمثيل سنة لبنان. حزب الله لم يلعب دوراً في تخفيف غلواء العماد عون، مما أوحى وكأن الحزب يوافق على ما يقوم به العماد. هذا ما ساهم برفع وتيرة الإحتقان، حتى بات البعض يعتقد وكأن هناك مصلحة بإظهار نغمة الأقليات والتي تحدث عنها عون وجعجع. حيث أن الأول تحدث عن ضرورة التحالف مع الأقليات كمبرر لتحالفه مع الحزب. أما جعجع، فقد تحدث عن التحالف مع الأكثرية (السنة) كضرورة لحماية  الأقليات المسيحية في الشرق.
التحالف مع عون بالإتجاه الذي أراده عون لم يكن موفقاً إذا أحببنا أن نتحدث عن مصلحة المقاومة، واستمرارها في بلادنا. فقد بدأ عون ب"يا شعب لبنان العظيم" إلى الذهاب إلى الكونغرس الأمريكي للترويج لل1559 ثم إلى حلف الأقليات وكان آخرها قانون اللقاء الأرثوذكسي الذي سيحول شعاره المحبوب إلى "يا شعوب لبنان العظيم". نحن نعلم، والجميع يعلم أن مصلحة المقاومة تستدعي تجميع الناس حولها، لا قسمة الناس حتى تصبح معزولة عن محيطها الأوسع. وهذا ما وصلت إليه المقاومة مؤخراً. وليس في هذا دعوة إلى عزل العماد عون، إنما هو دعوة إلى خدمة شعار ضرورة التوحد على شعار مقاومة العدو الصهيوني.
إن ما يدفعنا إلى هذا الكلام هو الوضع المأساوي التي وصلت إليه المقاومة والذي يستدعي الوقوف والتفكر. فمجتمعنا اللبناني والعربي بحاجة ماسة للمقاومة، لأنها لا إمكانية للتحرير من دون المقاومة. ولا أمل في تحرير فلسطين إلا عبر المقاومة. فقوة المقاومة واستمراريتها تعنينا جميعاً كما تعني المنتمين إلى صفوفها. من أجل ذلك، يصبح لزاماً على الجميع العمل الجدي على حمايتها.
وجود المقاومة في مجتمع ما يحول هذا المجتمع إلى مجتمع مقاوم، خاصة إذا كانت المقاومة فاعلة. التكتيكات الأخيرة أدت إلى عكس ذلك، مما يتطلب الإستدراك والتفكر. لقد حدد السيد نصرالله أن الخلاف في لبنان يقوم على موضوعين هما قانون الإنتخاب والتدخل في سوريا، ثم أكد أن الحزب يقبل في أن يكون لبنان دائرة واحدة على أساس النسبي، ولكن إذا حصل اقتراع على الأرثوذكسي، فالحزب سيصوت للأرثوذكسي. وأكد في المجال نفسه أنه سيظل يتدخل في سوريا. اي بصيغة أخرى فليبق الخلاف في لبنان... أين المقاومة؟
وفي خطاب آخر للسيد، أكد أن الحزب يمثل الشيعة مع حركة أمل، وأن الحزب سيدافع عن الشيعة في القصير وسوف يدافع عن مقام السيدة زينب، رضي الله عنها، وكأن المقام بني منذ عدة سنوات وليس منذ مئات السنين. هذا الكلام أدى إلى الشك في أن هناك أجندة تختلف عن أجندة تأكيد مكانة المقاومة في لبنان وفي الإقليم. وأكد أن هذه القرارات ترتبط بمصالح إقليمية أسماها السيد تحالف المقاومة والممانعة. وبلغة أخرى، يرتبط هذا التكتيك بمصلحة النظام السوري القائم لأن إيران ترى مصلحة في ذلك. والتبرير أن النظام السوري مقاوم ليس مقنعاً لأن هذا النظام لم يكن يوماً مقاوماً. إسرائيل لا تزال حتى الآن تصرح أنها لا تقبل عنه بديلاً لأنه أمن حدودها لأكثر من أربعين سنة. أما من حيث إيصال السلاح فهذه تجارة يمكن أن تتم عن مختلف الطرق. وهذا لا يستدعي تفتيت المجتمع من أجل مصالح هذا النظام الذي يقتل شعبه، ويهدم منشآته غير آبه إلا لمصلحته والشريحة التي تنهب خيرات هذا الشعب. نظام دمر الصناعة والزراعة من أجل مصالح حفنة من أصحاب الرأسمال المعولم. نظام لا يعرف كيف يتخلص من تحالفه مع إيران وحزب الله اللذان يريدان أن يضعاه بمواجهة الكيان الغاصب، هو الذي يريد أن ينهي مشاكله مع الكيان الغاصب بالمفاوضات، تارة عبر تركيا أو أمريكا أو أوروبا، حتى لا تلتصق به شبهة المقاومة أو غيرها من الأوصاف. والمزحة الكبرى أخيراً فتح باب المقاومة في الجولان، موضوع تورط فيه من عليه أن لا يتورط. المقاومة ليست قراراً يأخذه من أفنى نضاله بقتال المقاومين. أضف أن أول عملية للمقاومة كانت في تركيا. فقد قرر النظام المستعبد عند سايكس بيكو تحرير لواء الإسكندرون. لقد أفاقت أمتنا من سباتها بقيادة النظام السوري المقاوم.
إيران، جادة في عدائها للكيان الصهيوني، لأن إيران تريد أن تكون جزءاً من الإقليم وإيران تعرف أن باب الولوج إلى منطقتنا هو المقاومة ضد الكيان الصهيوني. ولكن لإيران حساباتها، حسابات لا تتطابق مع الحسابات الجزئية للكيانات الموجودة في بلدنا. ليس من مصلحة لبنان إخضاع استقرار لبنان وأمنه لما يخدم الدفاع عن أمن النظام السوري. فسياسة النأي بالنفس وإعلان بعبدا هما من السياسات التي وافق عليها الحزب لأنها تخدم أمن البلد. فإذا كان هناك من يتدخل في سوريا، وهذا التدخل يجعل الصراع في لبنان يأخذ طابعاً مضراً بالبلد وبأمنه واستقراره ويخلق انقساماً حاداً حول المقاومة لأنها غيرت اتجاه بندقيتها... هذا يعني ضرورة إعادة التفكير بهذه التكتيكات التي ستؤدي إلى القضاء على المقاومة باتجاه العدو الصهيوني.
بقي نقطة لا بد من الإشارة إليها. حزب الله يعتبر حزب "المستقبل" هو الممثل الوحيد للسنة في لبنان. علماً أن هذا التوصيف لا يوافق عليه الكثير من أهل السنة في لبنان. فالكثير منهم يساندون المقاومة مساندة فعلية، ولكن منطق التعاون الذي درج عليه الحزب في تعامله مع هذه الفئات لا يؤدي بهذه الفئات إلى الإستقلالية التي تمكن هؤلاء من التجذر في بيئتهم. فهناك الكثير من القرارات التي يأخذها الحزب من دون التشاور مع هؤلاء مما يجعلهم معزولين عن محيطهم بسبب تأييدهم للحزب ولا يجعلهم فاعلين في خيارات الحزب. فلو أن التشاور كان يتم معهم، لأضحى الوضع أفضل مما هو عليه. على كل حال، لم تقم القيامة بعد، واستمرار المقاومة وتجذرها وتطورها وتعميم مثالها وتحويل المجتمع إلى مجتمع مقاومة يستدعي مناقشة جميع هذه القضايا. فلم يفت الوقت بعد.
إن نقل الصراع الإقليمي إلى الداخل اللبناني، أو الإنتقال إلى الخارج للمشاركة في المعركة الإقليمية سوف يكون له تأثيرات على الداخل اللبناني. ولكن من المعروف أن التناقضات الداخلية هي التي تلعب الدور الرئيس في موضعة القوى في الداخل. أما الخارج لا يمكنه إلا أن يكون عنصراً مساعداً. هناك من اعترض على سعد الحريري عندما أعلن أن انتصار الثورة في سوريا سوف يمكنه من العودة إلى السلطة في لبنان، قد وقع للأسف في نفس "المطب".
لماذا التركيز على حزب الله؟
حزب الله هو حزب المقاومة في لبنان، والكثير الكثير من الشعوب العربية قد وضعت كل ثقتها في المقاومة، ونحن نريد أن تستمر المقاومة وتُعمم. هذا هو سبب تركيزنا على الحزب. لا تزال ثقتنا قوية بمن حقق انتصارين كبيرين على العدو، ولكن لابد من المراجعة والتصحيح وتعميم المشاركة في المقاومة على جميع من يريد أن يكون مقاوماً بصرف النظر عن دينه أو طائفته أو مذهبه. لم يفت الأوان بعد!
17 أيار 2013





ليست هناك تعليقات: