أبو نزهة في الممارسة
المرحلة التي تمر فيها منطقتنا تكاد تكون مصيرية على
أكثر من صعيد. فالحدث السوري، أصبح، نتيجة أهمية سوريا، ونهج النظام السوري،
والتدخلات الخارجية التي استدعاها هذا النظام، من دون أن نغفل إمكانية التدخل من
دون استدعائها من النظام بسبب نهجه القاصر، المحدد لإتجاه سياسات أكثر من دولة
ومنظمة ذات طابع شعبي.
لن نتحدث عن جميع من يتدخل في الحدث السوري، ولكننا
سنتحدث فقط عن القوى الفاعلة في مجتمعنا، وذلك بسبب أهميتها على مستقبل الحركة
الشعبية في بلدنا وأمتنا.
إن التجربة الإجتماعية لا تتم في المختبر كما باقي
التجارب العلمية. ولكن عالم الإجتماع يدرس تجارب الشعوب حتى يصل إلى قوانينه
الإجتماعية. كما أن تعميم هذه القوانين يتطلب شروطاً لسنا بصدد تحديدها ودراستها
في هذه المقالة. إنما أردنا القول أن دراسة التجربة الراهنة على ضوء تجارب أخرى هي
ممارسة مشروعة وتحمل طابعاً عملياً وعلمياً.
التكفيريون أو الجهاديون: أصبح التحدث عن التكفيريين أو
الجهاديين ( وهو الإسم الذي كان معتمداً قبل أخذ القرار بشيطنتهم) في هذه الأيام
وكأننا نتحدث عن مرض خطير يجب استئصاله، حتى من دون إمعان الفكر بأحقية ذلك.
الجهاديون هم الذين أعلنوا الجهاد على الأمريكان أعداء الشعوب في أربع جهات الكرة
الأرضية. صحيح أن ممارستهم تتسم بالعبثية والطفولية السياسية لأنهم يستبدلون أنفسهم
بالمجتمع. فهم يعتقدون أنه بإمكانهم تغيير المجتمع ببعض العمليات الإرهابية، ناسين
المبدأ الأساسي بالتغيير الإجتماعي: إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما
بأنفسهم. من أجل ذلك، لم يجرؤ أحد على تأييدهم لأنهم بممارساتهم عزلوا أنفسهم عن
المجتمع.
في سوريا، يقال أن جبهة النصرة تمثل تنظيم القاعدة، لذلك
أعلنت أمريكا أن هذه الجبهة إرهابية، ورفضت تسليح المعارضة خوفاً من وصول السلاح
لهذه الجبهة. وأعلنت روسيا أنها هي المستهدفة من الجهاديين، بعد معركة سوريا. لذلك
اتخذت القرار مع أميركا بضرورة محاربة النصرة في سوريا قبل أن تنتقل إلى الإرهاب
العالمي، أو قبل سفر أعضائها إلى القوقاز الروسي الإسلامي. ولكن المثير للإستغراب
هو معركة إيران وحزب الله على جبهة النصرة. فمن المعروف أن كوادر القاعدة قد لجأوا
إلى إيران بعد انتهاء حرب أمريكا ضد طالبان في أفغانستان. ألم يكن بالإمكان التوصل
إلى تفاهمات مع أعداء أمريكا من قبل الإيرانيين، الذين يجمعهم مع القاعدة العداء للشيطان
الأكبر. كما أن حزب الله قد أعلن الحرب على النصرة قبل محاولة التفاهم معها، خاصة
أن مساحة المشترك معها أكبر بكثير من الخلافات. وأهم المشترك هو العداء للشيطان
الأكبر وإسرائيل. أما الخلاف فهو يختصر بتقييم كل طرف للنظام السوري. فمن المعروف
أن النظام السوري الحالي قد تعامل مع القاعدة قبل أن يسلم رؤوسهم لأمريكا.
إن شيطنة جبهة النصرة، لأسباب تكتيكية تتعلق بمصلحة
النظام السوري الحالي، لا تخدم المقاومة على المستوى الاستراتيجي. لذلك لا مبرر
لحرب النصرة التي تتماهى مع مصلحة الأمريكان والروس والنظام السوري. ولا يغيب عن
بال أحد التصريح الذي أدلى به الرئيس الأمريكي عند زيارته للأردن، حيث قال أن
الرئيس الأسد لم يف بتعهداته. والتعهدات تتعلق بجبهة النصرة تحديداً. فما معنى هذه
المعركة المشتركة مع أمريكا. نحن نعلم أن الحزب لا يمكن أن يقدم أوراق اعتماد
لأمريكا. لذلك فالخطأ في مكان آخر؟
أما التذرع بحرب القاعدة في العراق، فإنه حديث يطول.
ولكن ما يمكن تأكيده أن التكفيريين لا يقتصرون على المنتمين لأهل السنة والجماعة،
فالتكفيريون موجودون عند السنة والشيعة. منذ أقل من أسبوعين أعلنت "عصائب أهل
الحق" التعبئة العامة ضد السنة في العراق. ولم يعلن الحزب ضرورة محاربة
"عصائب أهل الحق" الذين يأتمرون بأوامر إيران مباشرة. وبذلك يصبح الشعار
ضرورة محاربة التكفيريين الذين يحاربون الإستكبار العالمي، سواء كان أمريكياً أو
روسياً، من دون إغفال فكرهم الذي يفرق الأمة ولا يجمعها. وهذا يستوجب إقامة الدليل
عليهم. أما أولئك الذين لم يطلقوا طلقة واحدة على الإحتلال الأمريكي، فلا بأس من
حمايتهم، او على الأقل إغفال دورهم التخريبي داخل الأمة. أما إيران فقد طلبت من
جميع الأحزاب الشيعية تأييد المالكي، الذي يلعب دوراً تخريبياً، بدل من الطلب منهم
التفاهم مع المتظاهرين حول المطالب المحقة لهم. هذه المطالب التي أيدها المرجع
السيستاني والمرجع النجفي.
هذا ما جعلنا نستذكر تجربة الحزب الشيوعي السوفياتي مع
الأحزاب المنضوية في منظمة الكومنترن. حيث كان الحزب الشيوعي السوفياتي (ك. ج. ب.)
هو الذي يقرر سياسات هذه الأحزاب تبعاً لمصلحة الدولة السوفياتية تبعاً لرؤية
الحزب القائد. هذه السياسة التي أدت إلى خفوت دور الأحزاب الشيوعية التي كانت
متجذرة في مجتمعاتها، نذكر الحزب الشيوعي السوداني والعراقي والسوري على سبيل
المثال لا الحصر.
هل يمكن أن تكون إيران تلعب الدور نفسه مع حزب الله الذي
كان يلعبه السوفيات مع أحزاب الكومنترن؟
من المعروف أن إيران تدعم النظام السوري بكل قوتها لأنها
تعتقد أنه النظام المثالي لإمكانية تمدد نفوذها في شرق المتوسط. ولا بد من دعم هذا
النظام حتى تتمكن من الإحتفاظ بحصتها من النفوذ في سوريا. وخلاف ذلك، فإنه يعني أن
الغرب سيتمكن من إبعادها عن شرق المتوسط. لذلك لا بد من دعم هذا النظام، فبعثت ب
10000 مقاتل للذود عن المقامات(!) والدفاع عن النظام. وأوعزت إلى حزب الله للقيام
بنفس المهمة التي يقوم بها الباسيج في سوريا. وهذا بغض النظر عن مدى مصلحة الحزب
من وراء القيام بهذه المهمة.
هنا لا بد من العودة إلى الدور الذي كان يقوم به
الكومسومول في الإتحاد السوفياتي، والدور الذي يقوم به الباسدران والباسيج في
النظام الإيراني. فالكومسومول اخترعه السوفيات من أجل الدفاع عن الحكم السوفياتي
وإقناع المجتمع بضرورة الخضوع لما تراه الإدارة السوفياتية. اي بلغة أخرى، من أجل
فرض الهيمنة. والهيمنة هي القبول من داخل وليس الفرض من خارج أي التسلط. لم يتمكن
الكومسومول من القيام بذلك، إنما تمكن من أن يكون سلطة على الشباب المنضوي في
صفوفه، سيما أن من لا ينضم للكومسومول لم يكن ليتمكن من الحصول على أدنى حقوقه
المشروعة. هذا هو الدور الذي يلعبه الباسيج في إيران. حيث أن الباسدران قد تجاوز
هذا الدور. فهو يلعب دور الجيش الشعبي على الطريقة الصينية. وهذه طريقة أخرى
لديمومة التسلط. لقد نجحت الدول الغربية من فرض الهيمنة من خلال منظمات المجتمع
المدني، الغير موجودة في الدول التسلطية. علماً أن النتيجة تكاد تكون متطابقة من
حيث النتيجة في المجتمعات الغربية والمجتمعات التسلطية.
بقي إشارة لا بد منها، وهي أن التدخل الإيراني بهذا
الحجم في سوريا، يذكر المرء بتدخل الإتحاد السوفياتي في تشيكوسلوفاكيا، بعد انطلاق
ربيع براغ بقيادة دوبتشيك. فقد رأى السوفيات أن هذا الشعب سوف يتمتع بالحرية
المحرومة منها جميع الشعوب التي تدور في الفلك السوفياتي. لذلك كان لزاماً التخل
العسكري للقضاء على ربيع براغ. وهكذا تأخر التغيير لسنوات، ولكن لم يُقض عليه،
فالشعوب تظل أقوى من جلاديها.
نحن لا نشك بعداء إيران لإسرائيل، لكننا لا نشك بأن
السياسات كما تُدار تؤدي إلى عكس ما تريده الشعوب العربية والشعب اللبناني. لا
مصلحة لربط مستقبل حزب المقاومة بنظام آيل للسقوط نتيجة ظلمه لشعبه لعقود عديدة.
إن المؤهل لتحديد السياسات المحلية هي الكوادر المحلية وليس الخارج، مع العلم أنه
لابأس من التشاور مع الخارج.
لقد حدد أمين عام حزب الله أن الخلاف يقوم في لبنان على
نقطتين هما الموقف من سوريا والموقف من قانون الإنتخاب. وبدلاً من التحاور حول
النقطتين جاء قرار التدخل في سوريا. وهذا القرار خارجي بامتياز. لأن مصلحة
المقاومة تستدعي أن يكون الداخل متآلفاً. والتأكيد أن حزب المقاومة يمثل شريحة
طائفية معينة هو تحضير لمعركة فئوية لا يوافق عليها أكثر الشعب اللبناني. لذلك
كانت شعارات المعركة مذهبية استحضرت خلافات مضى عليها مئات السنين. هل نحارب العدو
بقسمة الساحة الداخلية وجرها إلى غرائزها؟ إنه القرار الخارجي والذي يخدم الخارج.
مصلحة المقاومة تفرض إعادة التفكير بالخيارات المتخذة،
والتفكير بتوحيد الساحة الداخلية لما فيه مصلحة الشعب والأمة. الإنسحاب من الساحة
السورية وتحضير الساحة الداخلية للتصدي لعدوان إسرائيلي محتمل. الجميع يعرف ماذا
يقول الأمريكان والروس والصهاينة: اتركوا المتطرفين السنة والشيعة يقضون على بعضهم
البعض. هذا أحد أهم أسباب عدم إعلان الحرب علينا من قبل الإسرائيلي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق