المحالفات في عصر
العولمة
حسن ملاط
المثقف، بدلاً من
دراسة الواقع وكشف تناقضاته واتجاهاته، يكون مع المزمرين والمطبلين!
يتعامل عدد لا بأس
به من الكتاب السياسيين مع الأوضاع الراهنة وكأننا لا زلنا نعيش في أيام الحرب
الباردة التي انتهت مع انهيار الإتحاد السوفياتي. وقد انهارت مع انهياره جميع المنظومات
الفكرية والسياسية التي كانت تؤرخ لذلك العهد. ويمكننا التمثيل على ذلك بما جاء في
مقررات مؤتمر بوتسدام الذي عقد بعد مؤتمر يالطا الشهير، والذي نص على تعهد الغرب،
بقيادة الولايات المتحدة، بعدم التدخل في مناطق النفوذ السوفياتي. وهذا ما جعل
الولايات المتحدة وحلفاؤها تمتنع عن التدخل في تشيكوسلوفاكيا، أيام ربيع براغ،
وسمحوا للدبابات السوفياتية بالقضاء على الحركة التحررية التي قادها أمين عام
الحزب الشيوعي التشيكوسلوفاكي ألكسندر دوبتشيك. وحصل الأمر نفسه في دول أخرى من
الكتلة الشرقية.
ولكن بعد انهيار
الإتحاد السوفياتي تدخل الغرب بأوروبا الشرقية حتى المحاذية لروسيا من دون ردود
فعل من روسيا، بسبب تغير الظروف. ودخلت أكثر دول الإتحاد السوفياتي السابق في حلف
الأطلسي، بعد قضائهم على حلف وارسو.
ما الذي تغير؟
في عصر الحرب
الباردة، كان هناك معسكران منفصلان فعلياً. فالتجارة السوفياتية، بمجملها كانت مع
الكتلة السوفياتية أو بعض دول عدم الإنحياز. كما أن التبادل التجاري مع الكتلة
الغربية كان يتم ضمن شروط خاصة جداً. لم يكن هناك تجارة حرة. أما بالنسبة للنقد
المتداول فهو العملات المحلية. أما العملة الصعبة فكانت تلزم فقط للتعامل مع الدول
الغربية. لذلك، لم يكن للدولار الهيمنة القائمة اليوم في جميع دول العالم. هذا
الإنفصال سمح لبعض الإقتصادات الوطنية بالتطور. وهذا ما لا إمكانية له في عصر
العولمة إلا بشروط خاصة غير متوفرة في أي من المجتمعات، إذا استثنينا ربما، كوريا
الشمالية. ووضع هذه الدولة لا يشبه وضع إيران، رغم المقاطعة الإقتصادية لهما. ذلك
أن إيران لا زالت تتعامل في العملة الصعبة التي تحصل عليها نتيجة بيع النفط
والغاز. وهذه المنتجات لا تملكها كوريا الشمالية.
ما تغير هو أن
العالم كان يحوي العديد من العملات وأصبح الآن يخضع لعملة واحدة تُقيم جميع
العملات تبعاً لها. ففي أزمة 2008 التي عصفت في الولايات المتحدة، لم يبق اقتصاد
واحد في العالم لم يتأثر بها. وقد كانت الخسائر من نصيب جميع الإقتصادات في
العالم. أما الولايات المتحدة فقد طبعت مئات بلايين الدولارات، وتغطيتها كانت من
جيوب تلك الدول التي تقدس الدولار.
العالم اليوم هو
كقرية كونية، كما يحلو للكثير أن يسميه. في هذه القرية يوجد قائد واحد، ويوجد
الكثير ممن يود التحرر من هيمنة هذا القائد. ولكن، حتى الآن لم يوفر أحد الشروط
الموضوعية لإمكانية التحرر.
التحدث عن المحاور
سهل على اللسان صعب على التحقق في الواقع ضمن الظروف القائمة. هناك في العالم
دولتان وتكتل يمكنهم أن يحققوا شروط التحرر. ولكن هذا يستدعي العمل من هؤلاء بهذا
الإتجاه، وهذا ما لم يحصل حتى الآن.
روسيا: تملك
ترسانة عسكرية هامة تجعل رأيها مسموعاً نسبياً من الولايات المتحدة. ولكن هذه
الترسانة لا تجعلها مؤهلة لأن تكون قطباً موازياً للولايات المتحدة. فرئيس الوزراء
الروسي صرح بأن روسيا لا يمكنها أن تستمر
في ظل الإقتصاد الريعي. روسيا لا تملك سوى الصناعة العسكرية، لذلك فحجم اقتصادها
متواضع. وهو يقوم على بيع الغاز والنفط والسلاح الذي بلغ حجمه حوالي 18 مليار
دولار.
الصين: وهي تملك
ثاني أكبر اقتصاد في العالم، ولكن ترسانتها العسكرية لا تزال متواضعة. فهي لا تملك
سوى حاملة طائرات واحدة. وقوة رأسالمال يلزمها قوة عسكرية موازية. كما أن هناك آفة
عضوية في الإقتصاد الصيني وهو عيشه على التصدير وليس على الإستهلاك الداخلي. وقد
قررت القيادة الصينية الإلتفات إلى الداخل الصيني من أجل تدعيم اقتصادها. كما
علينا التأكيد على أنه لا يمكنها أن تكون قطباً منافساً للولايات المتحدة في
الظروف الحالية، خاصة وأن حجم توظيفاتها في الولايات المتحدة يزيد على 1,6تريليون
دولار. كما أن التوظيفات الأمريكية في الإقتصاد الصيني تعتبر الأهم على الصعيد
العالمي.
ولا يغيب عن بالنا
أن الصين وروسيا يعتبران الولايات المتحدة الأمريكية الشريك الأهم لهما.
الإتحاد الأوروبي:
نسي الإتحاد الأسباب التي من أجلها قام الإتحاد. حيث أن السبب الإيديولوجي عند
التأسيس كان التحدي الأمريكي. بعد أحداث البلقان تبين للأوروبيين أنهم متخلفين
عسكرياً (حسب ما صدر عن اجتماع وزراء الدفاع بعد أحداث كوسوفو). لذلك تخلو كلياً
عن فكرة منافسة امريكا.
نأتي إلى
المحالفات الدولية، وأهمها على الإطلاق "البريكس". فهو يضم أكبر دولتين
في العالم من ناحية عدد السكان، الصين والهند، والبرازيل أكبر دول أمريكا وجنوب
أفريقيا، أهم دولة إفريقية، بالإضافة إلى روسيا. هذه الدول مجتمعة تضم حوالي نصف
عدد سكان العالم. ولكن إذا علمنا أن حجم المبادلات البينية لا يبلغ إلا 2% من حجم
المبادلات العالمية، نصبح مجبرين على تخفيف حجم التفاؤل بإيجاد تكتل يمكن أن ينافس
الولايات المتحدة على قيادة العالم. أضف إلى ما تقدم أن الصين، حليفة روسيا،
تستورد نفطها من إيران والسعودية وغيرهما، علماً أن هناك حدوداً مشتركة بين الصين
وروسيا، وان النفط الروسي والغاز أيضاً يوجدان في القسم الأسيوي للإتحاد الروسي. والهند
أيضاً تستورد نفطها من إيران. هذا إذا لم نشر إلى ما قاله أحد الإستراتيجيين الروس
عندما أعلن أن الصين لا يمكنها أن تتمدد (استعمارياً) إلا في روسيا أو كازاكستان.
نعني أن روحية المحالفة غير موجودة.
أما المحالفة
الهامة الأخرى هي دول تفاهم شانغهاي والذي يضم الصين وطاجيكستان وكازاكستان
وروسيا، وقد طلبت الهند الإنضمام إلى هذه المحالفة. وأهمية هذه المحالفة أن دولها
متجاورة جغرافياً. ورغم ذلك لم تتطور هذه المحالفة بحيث تصبح منافساً فعلياً
لأمريكا.
لن نتحدث عن
"ميركوسير" و دول آسيان لأنهما يقلان أهمية عن التكتلات التي تحدثنا
عنها.
أما الكلام عن
محور روسيا، الصين، إيران، العراق وسوريا، فهو كلام سوريالي لايمت إلى الحقيقة
بصلة. او من يتحدث عن بريكس وإيران والعراق وسوريا، كمحالفات مقابلة لمحالفة
الولايات المتحدة مع بعض دول الخليج وتركيا.
ما تقدم من شروحات
يُظهر بشكل جلي وواضح بأنه لا مكان للمحالفات قبل التحرر من هيمنة الدولار
الأمريكي على العالم. لا يمكن التحدث عن محالفات اقتصادية وسياسية قبل إمكانية
التحدث عن الروبل مقابل الدولار أو عن الروممبي أو الروبية...ألخ
العالم يقوده مجلس
إدارة عالمي بقيادة الولايات المتحدة يضم شركاء متشاكسين متنافسين، كل منهم يريد
القضاء على الآخر عندما تتوفر الظروف.
أما الحديث عن
تحالفات الأنظمة مع أحزاب فقد اختُبر هذا الموضوع في تجربة الإتحاد السوفياتي مع
الأحزاب الشيوعية في مختلف البلدان. كما أن طبيعة الدول هي غير طبيعة الأحزاب.
لذلك فالأحزاب لا يمكن أن تكون حليفة للدول ولكن تابعة لها، تنفذ أجنداتها.
أما على صعيد
التجربة السورية، فروسيا هي التي استدعت أمريكا إلى كرمها السوري. حيث أن الرئيس
الأمريكي قد أعيا أتباعه بعدم الإلتفات إلى محاولاتهم جره إلى المستنقع السوري. وفعلة
الروسي تدخل ضمن معرفة الأخير أن حل أي مسألة دولية يجب أن تحمل توقيع الأمريكي.
من هنا نرى بأن
الأطراف التي يمكنها الإستثمار في الحدث السوري هي محدودة جداً. ولا يمكنها المشاركة
إلا برضى الولايات المتحدة. وهذا ما جعلنا نقول أن الخاسر الأكبر هو الشعب السوري
لأن كل التوافقات سوف تكون على مصالحه. نقول أن المكسب الوحيد لهذا الشعب هو
اكتسابه تجربة غنية يمكنه استثمارها في نضالاته المستقبلية في مسيرة تحرره
الطويلة.
29 حزيران 2013
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق