بحث هذه المدونالهجرة النبويةة الإلكترونية

حسن ملاط

صورتي
القلمون, طرابلس, Lebanon
كاتب في الفكر الاجتماعي والسياسي والديني. تربوي ومعد برامج تدريبية ومدرب.

السبت، 14 سبتمبر 2013

الوضع السوري



                                 تقاسم الحصص!
حسن ملاط
ما يبدو في الظاهر أن من يتصارع على سوريا معسكران، ولكن حقيقة الأمر هي خلاف ذلك تماماً. المعسكر الذي تقوده روسيا والذي يضم إيران والمعسكر الذي تقوده أمريكا ويضم السعودية، فيهما من الخلافات الداخلية التي تجعل من التحالف شكلي فقط.
1 – أمريكا: الولايات المتحدة لم تخض حرباً إلا خسرتها. وقد تراجعت سطوتها في العالم، وهذا انعكس على نخبها السياسية، حتى بات أخذ القرار عملية شاقة. كما وأنه استجد على آلية أخذ القرار ما لم يكن في البلاد الديموقراطية، وهو إشراك العسكر. وهذا دليل سلبي على الممارسة الديموقراطية. ففي المسألة السورية، كان يروج كيري وزير الخارجية للضربة العسكرية، وكان معه وزير الدفاع ورئيس الأركان وأكثر من جنرال. وحيث أن الرئيس يحق له أخذ القرار من دون الرجوع إلى الكونغرس، فهذا يعني أن أوباما ليس بإمكانه أن يكون حازماً. دعونا نقول، كان مهزوماً من الداخل، بالرغم من أن جنرالته قد أكدوا له أن النظام السوري لايؤثر سلباً على الجيش الأمريكي.
هذه الصورة السوداوية للحالة الأمريكية ليس مبالغاً فيها. ولكن الواقع هو أنه ما من أحد من القوى المؤهلة نسبياً للحلول مكان الولايات المتحدة تريد لعب الدور الأمريكي. هذا ما يجعل أمريكا تحافظ على دورها كقطب وحيد في العالم. لا قرار ذو طابع دولي من دون موافقة أمريكا. ولكن أمريكا تأخذ القرار من دون الرجوع لأحد. وحتى لا نكون مبالغين، فإن روسيا قد أخذت قراراً وحيداً من دون الرجوع إلى أمريكا وهو عند احتلالها جورجيا وتقسيمها.
في سوريا تراجعت أمريكا. ولكن تراجعها لم يكن له انعكاسات إيجابية على الوضع السوري. فالحرب على الشعب السوري لا زالت مستمرة والقتل لا زال مستمراً. تغير شيء واحد تريده روسيا وأمريكا مجتمعتين وهو إعطاء الأمان لإسرائيل أن لاسلاح كيماوي يوازن النووي الإسرائيلي، كما لا طرح لمسألة أسلحة الدمار الشامل الإسرائيلية مقابل تخلي سوريا عن أسلحتها الكيماوية.
وبالرغم مما تقدم فإن أمريكا قد تراجعت لأنها تهيبت من خوض تجربة جديدة بعد أفغانستان والعراق.
2 – روسيا: كان بإمكانها أن تكسب لو أنها أجلت إعلانها الرسمي على لسان وزير الخارجية وعلى لسان بوتين نفسه أنها غير معنية بحرب تشنها أمريكا على سوريا. من قرأ الإعلام المتعاطف مع النظام السوري كان عليه أن يتأكد أن روسيا ستحارب عن النظام السوري. فهذا الإعلام يحمل من المصداقية صفراً. نضيف بأن روسيا لا تملك الجرأة بالتقدم على الولايات المتحدة، لذلك كان الإقتراح الروسي "العبقري" نتيجة توافق بين أوباما وبوتين في بطرسبورغ. وكان سؤالاً مركباً لكيري إن كان بالإمكان التجاوز عن ضرب سوريا فكان جوابه بالإيجاب مشترطاً تخلي النظام السوري عن ترسانته الكيماوية. وكان اقتراح لافروف العبقري، وكانت التسوية. ولكن لم يكشف الإعلام حتى الآن ماهي شروط هذه الصفقة. أي أن التهديد لا زال قائماً، مع تراجعه الأكيد.
روسيا منذ إعلانها أنها غير معنية بالحرب على سوريا، يعني أن تسوية ما، تم التوصل لها بين أمريكا وروسيا. كما ويعني أن هذه التسوية قد تمت بمعزل عن إيران والنظام السوري. أما الإخراج الأخير لتأجيل العدوان أو إلغائه، فهو العمل على إخراج التسوية إلى العلن. وتقديرنا أن هذا سيتم عبر جينيف2.
روسيا لن تخسر مكتسباتها في سوريا لأن أمريكا أضعف من أن تفرض حلاً على كافة الأطراف، وخاصة على روسيا.
3 - إيران: الساحة السورية هامة جداً بالنسبة لإيران، فخسارتها للساحة السورية سيؤثر سلباً على كل استرتيجيتها في الشرق العربي. وربما يترك انعكاسات سلبية على الساحة الخليجية، وهي الساحة المركزية بالنسبة لإيران. لذلك رأينا إيران قد حشدت كل قواها من الصف الثاني في الساحة السورية. وبعد إعلان أمريكا عن نيتها العدوان على سوريا، أقامت إيران حرب تصريحات غير رسمية تبشر أمريكا بعظائم الأمور. ولكن حيث أن إيران دولة تعرف ما تريد، فلم نجد تصريحاً رسمياً واحداً شارك في هذه الحرب الإعلامية.
أمريكا وروسيا لا يمكنهما تجاوز إيران. لذلك لا بد من الإنتظار حتى نعلم ما هو الثمن الذي عليهما دفعه. فإيران تملك مفتاحاً للحرب والسلم في سوريا.
الأغلب أن أمريكا مجبرة على التفاوض مع إيران على خارطة كبيرة تمتد من وسط آسيا مارة بالخليج إلى أن تصل إلى شرق المتوسط. هدوء الساحة السورية مرهون بما تقدم.
4 – السعودية: خسارة الساحة السورية من دون خسارة إيران للساحة نفسها يعني مباشرة انحسار النفوذ السعودي إلى داخل المملكة فقط. كما وتصبح السعودية ودول الخليج بحاجة إلى حماية خارجية مباشرة ومعلنة أمام تزايد النفوذ الإيراني. من هنا تبدو أهمية الساحة السورية في السياسة السعودية والتي تتحرك باستقلالية نسبية عن السياسة الأمريكية. أمريكا غير مهتمة بالهواجس السعودية لأنها لا تؤثر على سياستها. فقد تمكنت من الوصول إلى تسوية مع إيران في الساحة الأفغانية وكذلك في الساحة العراقية. فهل أن الساحة السورية تختلف عن تلك الساحات بالنسبة للولايات المتحدة. ومن الممكن أن تكون إيران قوية حاجة للسياسة الأمريكية في الخليج. فالإحتلال المباشر يمكن أن يكون مريحاً لأمريكا أكثر من الإحتلال غير المباشر.
إن توتر المسؤولين السعوديين والإيرانيين تبعاً لأهمية الساحة السورية على سياساتهما قد أثر سلباً على الساحة اللبنانية. وسيستمر هذا التوتر في لبنان، إلى أن تتضح الإتجاهات التي ستأخذها الحلول المطروحة في الساحة السورية.
خسارة السعودية في سوريا أسهل على المجتمع الدولي من خسارة إيران. حيث أن إيران تملك من القوة والتأثير ما لا تملكه السعودية. لذلك فالتضحية بالمصالح السعودية هو المرجح.
5 – النظام السوري: في الواقع، أصبح النظام السوري مجموعة طائفية مذهبية كباقي المجموعات الموجودة على الساحة السورية. سياسة النظام يحددها إما المندوب السامي الروسي أو نظيره الإيراني، وما على صاحب القرار "الرسمي" إلا الموافقة. وهذا حال جميع الأنظمة التي لا تملك القوة بنفسها إنما تملك القوة بغيرها.
نظام وطني ومسؤول، كان عليه عند إعلان أمريكا نيتها العدوان على سوريا، أن يوقف القتال من جانب واحد وأن يدعو المعارضة إلى اختيار شخص مؤهل لتشكيل حكومة وحدة وطنية تتمتع بكامل الصلاحيات وإعلان التعبئة الوطنية لمجابهة العدوان، كل في الساحة الموجود فيها. هذا لو أن النظام يتمتع بحس وطني. ولكنه آثر التنازل لإسرائيل بدل من إعلان التعبئة الوطنية.
هو ينتظر ماذا سيقررالروسي والأمريكي والإيراني والسعودي. هذه الأطراف هي التي بإمكانها متفقة أن تنهي القتال الدائر في الساحة السورية.
الشعب السوري هو الضحية لهذه التشكيلات الطائفية والمذهبية. أما المعارضة السلمية فلا زال النظام يجد متسعاً من الوقت لسجن ممثليها وقمعهم.
15 أيلول 2013

ليست هناك تعليقات: