قراءة لاتفاق النووي الإيراني
حسن ملاط
بعد كثير من المماحكات التي دامت سنوات عدة، تمكن
الإيرانيون من توقيع اتفاق مع الدول الستة 5+1. نص الإتفاق فيما نص عليه على
التالي:
بالنسبة لإيران:1 - تحتفظ بنصف مخزون اليورانيوم الموجود حاليا
والمخصب بنسبة 20 بالمئة على شكل أوكسيد يورانيوم لصنع الوقود الخاص بمفاعل البحث
المدني الإيراني.
2 - تعالج نصف المخزون الثاني ليصبح تخصيبه بنسبة
أقل من 5 بالمئة.
3 - تعلن أنها لن تخصب اليورانيوم إلى ما فوق
5 بالمئة خلال ستة أشهر.
4 - توقف كل النشاطات في مصنع “نتانز”
و”فوردو” ومفاعل” آراك” الذي يعمل بالماء الثقيل.
5 - لا تهيئ مواقع تخصيب جديدة ولا تبني منشآت قادرة
على المعالجة.
6 - تسلم معلومات مفصلة إلى الوكالة الدولية
للطاقة الذرية تتضمن تصاميم المنشآت النووية ووصفاً لكل مبنى. وتقدم معلومات عن
عمل مفاعل “آراك”.
أما بالنسبة الدول الستة: 1 - تعليق الجهود
لفرض مزيد من الخفض على مبيعات إيران من النفط الخام ما يتيح للزبائن الحاليين
لإيران مواصلة شرائه بالمعدلات نفسها.
2 - تعليق العقوبات الأميركية حول صناعة السيارات في
إيران وحول الخدمات المرتبطة بها.
3 - لاعقوبات جديدة من مجلس الأمن والاتحاد
الأوروبي والولايات المتحدة مرتبطة بالنووي.
4 - إقامة
نظام تمويل يتيح التجارة الإنسانية لتلبية حاجات إيران.
5 - تعليق عقوبات الاتحاد الأوروبي والولايات
المتحدة حول الذهب والمعادن الثمينة والخدمات المرتبطة بهما، وحول الصادرات
البتروكيميائية الإيرانية والخدمات المرتبطة بها.
ما الذي مكن إيران من توقيع الإتفاق؟
نحن نعتقد أن هناك عاملين هامين مكنا المفاوض
الإيراني من الوصول إلى اتفاق مع الدول الستة. أما العامل الأول فهو: تمتع المفاوض
الإيراني بالبراغماتية التي تجعله قادراًً على التركيز على الهدف الذي من أجله
يخوض المفاوضات. الإيراني أعلن أنه يخوض المفاوضات من أجل الإحتفاظ بالتخصيب في
إيران ومن أجل سحب العقوبات الإقتصادية المفروضة على إيران. والذي يقرأ البنود في
الأعلى يرى بأنه حقق جزئياً هذه الأهداف. نقول جزئياً لأن هذا الإتفاق مؤقت عمره
ستة أشهر فقط.
أما العامل الثاني فهو إهمال العامل
الإيديولوجي من قبل المفاوض الإيراني والذي تخلصت منه إيران منذ تخلصها من إرث
الإمام الخميني في قيادة الدولة واستبداله بالبراغماتية التي تميز سياسات الدول. وإيران
دولة عمرها مئات السنين وليست طارئة كما هي أكثر الدول في الشرق الأوسط.
هذان العاملان هما اللذان مكنا المفاوض
الإيراني من قيادة المفاوضات بشكل أوصله لما يريد.
في الإتفاق
نقلت الأخبار أن هذا الإتفاق كان نتيجة
مباحثات ثنائية بين المفاوض الإيراني والأمريكي، دامت أكثر من خمسة أشهر. أما
الدول الخمسة فهي من الديكور الضروري للإخراج. وبذلك يكون الإتفاق بحقيقته اتفاقاً
بين الإدارتين الأميركية والإيرانية. لذلك علينا التعامل معه على هذا الأساس. من
هنا نرى بأن الإتفاق يقوم على أسس ثابتة. أما الدليل على ذلك فهو ما تناقلته
الأنباء عن وجود العشرات من المستثمرين الأمريكان في طهران منذ ما قبل توقيع
الإتفاق ولكن بجوازات سفر سويسرية. وتناقلت الأنباء أن الشهر المقبل هو موعد تدشين
غرفة التجارة الأمريكية الإيرانية. وهذا يعني أن الحديث عن نجاح الإتفاق أصبح
حديثاً غير ذي بال.
النتائج المتوقعة
لهذا الإتفاق نتائج عديدة على الصعد
الإقتصادية والسياسية والثقافية. سنتحدث عن كل منها.
الصعيد الإقتصادي: إيران دولة غنية بالمواد
الأولية وأهمها الطاقة. نحن نتوقع أن إيران ستصبح دولة ناشطة على صعيد تطوير
استخراج البترول والغاز بالتقنية الأمريكية المتطورة . وكذلك في مجال الصناعات
البتروكيميائية وتكرير النفط الخام. أما في الصناعة، فسيتم تحديث الأسطول الجوي
سواء العسكري أم المدني، إما بتحديث طائرات الف4 أو الف5 أو بأسطول جديد، وكذلك
بالنسبة للأسطول المدني. أما بالنسبة لصناعة السيارات التي توقفت مع رينو الفرنسية
فقد قيل أن وكيل جنرال موتورز كان من أول الواصلين إلى طهران، وهذه الشركة تملك
عدة ماركات من السيارات. أما بالنسبة للصناعات التحويلية الأخرى فستنشط بعد
تجهيزها بآلات حديثة أو بقطع الغيار الضرويرية. أي يمكننا القول أن إيران ستصبح
ورشة ناشطة تقضي نسبياً على البطالة المستشرية. وهذا ما ينشط الحركة الإقتصادية من
حيث اكتمال الدورة الإقتصادية.
الصعيد السياسي:
منذ أيام الشاه كان طموح إيران أن تلعب دوراً
كبيراً في الإقليم الذي تعيش فيه. وهذا الدور تعزز بعد قيام الثورة الإسلامية تحت
شعار الوحدة الإسلامية. لا زالت إيران تريد أن يكون لها دور فاعل في إقليمها. من
هنا تدخلها في أفغانستان والعراق وسوريا ولبنان والبحرين واليمن... هل أن هذا الإتفاق
سيعزز هذا النهج أم سيرشده؟ نحن نعتقد أن أمريكا توافق على أن يكون لإيران دور ما
بالنسبة للشيعة في مختلف دول الإقليم، يكبر أو يصغر تبعاً لطبيعة كل نظام قائم في
الدول الموجود فيها مواطنين شيعة. ففي سوريا على سبيل المثال حيث ستكون المسألة
السورية على بساط البحث، لا تمانع الولايات المتحد من أن يكون لإيران رأيها بوضع
العلويين والشيعة في الدولة الجديدة. لا بل إنها تؤيد ذلك. أما بالنسبة للكويت على
سبيل المثال تقبل باستمزاج الرأي وليس أكثر من ذلك. في لبنان الحزب المؤيد لإيران
والشيعي هو فاعل. فتدخلها وعدمه سيان لأن بإمكان حزب الله فرض ما يراه مناسباً
لطائفته. هذا ما نعتقده من دور إيران في هذه المنطقة، أما دورها الرئيسي فسوف يكون
في مكان آخر بالتعاون مع تركيا وباكستان.
باكورة هذا الدور ستكون في منظمة التعاون
الإقتصادي وذلك بتفعيلها وهي تضم أذربيجان، أفغانستان، أوزبكستان، إيران، باكستان، تركيا، تركمانستان، طاجيكستان، قيرغيزستان وكازاخستان. وهذا الدور سيكون بالتعاون مع باكستان وتركيا. ومن
الممكن أن ينضم إلى هذه المنظمة العراق في حال وُجد ضرورة لإبعاده عن محيطه
العربي. وهذه الدول هي في خلفية الدول المطلة على المحيط الهادي، مركز اهتمام
الإدارة الأميركية المستقبلي.
أما بالنسبة للموقف من القضية الفلسطينية،
فالإعتقاد أن الموقف الإيراني لن يتغير، إنما سيركز على الحلول السلمية. ذلك أننا
نعلم أن نقطة الإرتكاز في كل اتفاق تقيمه أمريكا هي أمن إسرائيل. المؤكد أن إيران
لا تريد من حزب الله ومنظمات المقاومة الفلسطينية أن تكون حرس حدود للكيان الغاصب،
في نفس الآن عدم استبعاد "الحلول السلمية".
الصعيد الثقافي: حيث أن النظام الإقتصادي الإجتماعي
يترك انعكاسات على شكل الحياة التي يمارسها الناس، فلا بد من أن يتأثر المجتمع
الإيراني بنمط الحياة الأمريكي. فمن الممكن أن تترك هذه التغيرات حركة حوارية
ناشطة في المجتمع الإيراني.
لا يظنن أحد أن هذا الإتفاق سيُخرج إيران من
جلدها. ولكن كل تغير يسبب تبدلات معينة. وما سقناه هو توقعات من الممكن أن تصيب أو
تخطىء. فما علينا إلا مراقبة الأحداث.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق