ماذا عن سوريا
"المفيدة"؟
حسن ملاط
بعد أن قضى على المعارضة الشعبية غير المسلحة، والتي لم
يعد بإمكانها التحرك السلمي بعد انتشار السلاح والإفراج عن المجرمين المسجونين،
واستخدام السلاح ضدها، لجأ النظام إلى تكتيكات أخرى. أفرج عن المتطرفين الإسلاميين
على أن لا يقوموا بعمليات ضد قوات النظام، وراح يدعم قاعدته المذهبية والتي تضم
أقليات متحالفة معه من ضمن سياسة حلف الأقليات، على أن تصبح المنطقة الساحلية هي
المنطقة الآمنة، ثم تمددها على أن تشمل حمص ودمشق مع منطقة القلمون.
وبالرغم من تخلي النظام عن الجزء الأكبر من سورية، لم
يتمكن من تأمين الحماية للجزء الذي اختاره من البلاد، حتى مع المساعدة غير
المسبوقة من النظام الإيراني والذي أمده بالمال والرجال والعتاد، من دون أن نغفل
عن إغداق الروس للنظام بالسلاح أيضاً.
في خطاب للرئيس الأسد بعد أن تمكنت "الدولة
الإسلامية" من الإستيلاء على تدمر، قال بأن لا مانع لديه من التخلي عن بعض
الأراضي من أجل حماية المناطق المفيدة. فتعبير سوريا "المفيدة" هو من
اختراع الرئيس.
على كل حال، اضطُر الأسد والنظام الإيراني إلى اللجوء إلى
الروس من أجل حماية النظام من الإنهيار.
كان التدخل الروسي من ضمن خطة عسكرية وسياسية واضحة
ومدروسة. ذلك أن الروسي لا يمكنه المغامرة المسلحة لوقت طويل بسبب الأزمة
الإقتصادية الخانقة التي يعانيها، يُضاف إليها التدهور الكبير لأسعار النفط
والإنهيار بسعر الروبل الروسي والذي كان قبل المقاطعة الغربية 34 روبل للدولار
والذي أصبح الآن 85 روبل للدولار الواحد. وقد حذر رئيس الوزراء الروسي مرات عدة من
الوضع الإقتصادي المتدهور، حتى أنه استخدم عبارة "عدم الإمكانية على
الصمود".
الخطة العسكرية التي استخدمها الروسي هي البدء بتأمين
سورية المفيدة وهي اللاذقية وطرطوس وحمص ثم دمشق. وبعدها انتقل إلى التوسع باتجاه
ريف حماه فحلب وريفها. كما واتجه إلى الجنوب في درعا.
هذا التوسع يجعل الروسي على تماس مع التركي شمالاً، ومع
لبنان غرباً ومع الكيان الصهيوني والأردن جنوباً. وحدوده مفتوحة مع البحر من دون
أي عائق.
ما هو المضمون السياسي لهذه الخريطة العسكرية التي
تحدثنا عنها؟
إنطلاقاً مما صرح به الرئيس الروسي بأنه جاء إلى سوريا
للدفاع عن روسيا من سوريا، وأنه جاء للدفاع عن الأقليات الدينية وخاصة المسيحيين،
من أجل ذلك كان دعم الكنيسة الروسية له والتي أسمت هذه الحرب
بال"مقدسة". نرى أن سوريا "المفيدة" تحمل المضامين التالية:
1- هذه السوريا تضم الأقليات المسيحية والعلوية والإسماعيلية والشيعية والدرزية
والكردية والتركمانية وغيرها من الإتنيات. وتضم أيضاً "الأقلية السنية
المفيدة". الأقلية السنية التي تعاونت تاريخياً مع الرئيس حافظ الأسد كما
وتعاونت مع خليفته بشار. في سوريا "المفيدة" يوجد عدد كبير من السنة
المتعاونين تاريخياً مع النظام والذين يمثلون البورجوازيات المدينية، وخاصة حلب
ودمشق.
2- المنطقة الشرقية المحاذية للعراق والتي تضم الأكثرية السنية والتي لا
يمكنها أن تكون فاعلة سياسياً، فلا بأس من تفاعلها مع غربي العراق لأنها لا يمكنها
التأثير سياسياً في الإتجاه الغالب للسياسة السورية والذي سيقوم على حكم أقلوي
بامتياز.
3- إن حكماً كهذا لا يمكنه أن ينتج مواطنين، بل كائن مذهبي طوائفي، كل ما
يتمناه من "وطنه" (هذا الكائن) هو ما يمكنه أن يحصل عليه من منافع خاصة.
4- وبما أن هذا النمط من التكافل الطائفي المذهبي الإتني لا يخلق تضامناً
وطنياً، فهو بحاحة إلى جهاز أمني لحمايته. من أجل ذلك نرى بأن الولايات المتحدة
تحرص على المحافظة على كيان الجيش السوري حتى يلعب دوراً أمنياً في حماية التوازن
الداخلي بين مختلف مكونات المجتمع السوري.
5- وهذا النمط هو للتعميم في إقليمنا. ففي لبنان يوجد مجتمع طوائفي مذهبي، وفي
العراق أيضاً. كذلك في اليمن والأردن وفلسطين. ودول الخليج لا تختلف عن أخواتها
العربيات. أما السؤال فهو: هل تظل إيران وتركيا بعيدتان عن هذه الكأس السامة لأمد
طويل.
6- الإتفاق الأميركي الروسي يقوم على القضاء على الإرهاب الإسلامي وتفكيك
المجتمعات وحماية الكيان الصهيوني. ما هو الحاصل الآن"؟
"حذر رئيس الوزراء الروسي دميتري ميدفيديف من
"حرب عالمية جديدة" في حال حصول تدخل بري عربي في سوريا". التحذير هو من التدخل العربي!
وماذا يعني التهديد بالتدخل البري؟
هذا التهديد الأمريكي لا يحمل إلا معنىً واحداً وهو:
ضرورة احترام حدود الإتفاق. لا ننسى أن الإنبهار بنصر ما يُغري بتمدد ذي طابع
ميكانيكي، إن لم يجر ضبطه، يساهم في تغيير موازين يؤدي بدوره إلى تعديل في
التوافق. من هنا ضرورة ضبطه. لذلك كان التهديد بالتدخل البري والذي لن يحصل كما
يبدو. فكما قلنا في البداية، الروسي لا يمكنه أن يخوض حرباً طويلة.
خلاصة
استراتيجية سوريا "المفيدة" هي الوصفة التي
تجعل من الكيان الصهيوني دولة طبيعية في منطقتنا تحمل نفس مواصفات مختلف المجتمعات
المحيطة. كما أن هذه الاستراتيجية تقضي على أي إمكانية مستقبلية لإنتاج مجتمع
مواطنين في إقليمنا. هذه المواصفات هي التي تؤمن الظروف المثالية لاستنزاف خيرات
بلادنا من الرأسمال المعولم. والإتجاه المستقبلي للعولمة النيوليبيرالية هو القضاء
على جهاز الدولة القطرية، فكونفيديرالية الطوائف هي وصفة مثالية لعدم التمكن من
إنتاج دولة.
12 شباط 2016
hassanmallat.blogspot.com