في الوضع السوري والجوار
حسن ملاط
قبل التحدث عن اتجاهات الوضع السوري وتفاعلاته مع
الجوار، علينا أن نحدد من يوجد في سوريا.
بدأت الأحداث في سوريا في آذار 2011 عندما كتب بعض
الطلاب بعض العبارات التي تطالب بالحرية. فما كان من النظام القمعي إلا أن تعامل
معهم بالعنف الوحشي. تظاهر الناس استنكاراً، فأطلق النظام عليهم النار. هذا الوضع
أدى إلى احتجاجات سلمية في العديد من المدن السورية، كان النظام يجابهها بالعنف
والقتل.
استغل أعداء الشعب السوري الوضع المتفجر في البلاد
واستغل أعداء النظام الوضع المتفجر وأمدوا بعض المعارضات بالسلاح. أخاف هذا الوضع
المستجد النظام فكانت المجابهة العنيفة منذ البداية. وأخرج النظام المساجين من
جميع الفئات الإجرامية من السجون وسلحهم وتركهم يعيثون في المجتمع فساداً.
رغم هذه الأساليب اللاأخلاقية، لم يتمكن النظام من قمع
الناس، فلجأ إلى المساعدة الإيرانية، ولجأت بعض المعارضات إلى المساعدات السعودية
والقطرية والتركية.
لم يتمكن الإيرانيون وميليشياتهم من العديد من الجنسيات
من الإنتصار على المعارضات المتعددة الجنسيات أيضاً، فما كان من النظام السوري ومن
الإيرانيين إلا أن طلبوا المعونة الروسية للقضاء على المعارضة، والتي اصطُلح على
تسميتها "التكفيريون".
لا بد من التذكير هنا بأن التحالف الغربي كان يشن
الغارات الجوية على "التكفيريين" قبل التدخل الروسي. وجميع الإنتصارات
التي حققتها الميليشيات المذهبية العراقية المؤتلفة تحت اسم "الحشد
الشعبي"، وبقيادة الحرس الثوري الإيراني، كانت بمعونة التغطية الجوية
الأمريكية وبتحضير الأرض من قبل الأميركيين لدخول هذه الميليشيات.
هذا لا يعني أن أمريكا تساعد الحكومة العراقية، ولكن
يعني أن هذه الحكومة هي عميلة للإدارة الأميركية، فهي تستعين بالقوى الخارجية
لقتال شعبها.
بالعودة إلى سوريا، القوات الغازية الروسية جاءت إلى
الأراضي السورية لتدمير المدن والقرى السورية على رؤوس أهلها بطلب من الحكومة العميلة،
والتي لا تمثل الشعب السوري لأنها استدعت قوات أجنبية لقتل شعبها. هذا يذكر بما
فعلته حكومة سايغون في ما كان يُدعى فيتنام الجنوبية، عندما استدعت القوات
الأمريكية الغازية للدفاع عنها وقتل الشعب الفيتنامي.
المقاومة الفيتنامية التي كانت الصين الشعبية والإتحاد
السوفياتي يمدانها بالسلاح، لم تطلب منهما الدخول إلى أراضي فيتنام الشمالية
للدفاع عنها أمام جبروت آلة القتل الأمريكية لأن حكومة فيتنام الشمالية لم تكن
حكومة عميلة لا للصين ولا للإتحاد السوفياتي. حتى أنها لم تسمح لهاتين الدولتين
الحليفتين بالتدخل في المفاوضات بينها وبين الحكومة الأمريكية.
أما في سوريا فالإنتصار، إن حصل، لن تحققه الحكومة
السورية ولا الحكومة الإيرانية ولا ميليشياتهما، إنما ستحققه روسيا وجيشها الغازي.
على جبهة المعارضة، الوضع لا يختلف كثيراً. هذه
المعارضات تستمد سلاحها من السعودية وقطر وتركيا، وهي مرتبطة بهذه الدول. وهذه
مرتبطة بدورها بأمريكا، لذلك فإمدادات الأسلحة للمعارضة السورية المسلحة مرتبطة
بقبول الولايات المتحدة بذلك.
دعونا نضع القضية في إطارها الصحيح، ابتداءً من الإطار
الدولي فالإقليمي وصولاً إلى المحلي.
دولياً
لم تقبل الإدارة الأمريكية إعطاء روسيا صفة الدولة
العظمى، وفرضت عليها حصاراً صاروخياً. ولكنها قبلت أن تعطيها صفة الدولة الإقليمية
الكبرى. لذلك نرى الإدارة الأمريكية تتعامل مع الروس تبعاً للملفات بشكل منفصل،
وليس تبعاً لتخطيط استراتيجي كما كانت تفعل مع الإتحاد السوفياتي السابق. فالملف
الأوكراني منفصل عن الملف السوري على سبيل المثال. ودليلنا على ذلك هو التعاون مع
روسيا وتأييدها لاحتلالها سوريا، في نفس الوقت التي تحاصر فيه روسيا أوروبياً. فقد
قررت الإدارة الأميركية تخصيص حوالي ال4 مليار دولار كمعونة عسكرية لدول البلطيق
(المعادية) لروسيا وبعض دول أوروبا الشرقية المحيطة بروسيا تحت قيادة حلف شمال
الأطلسي. ولم تقبل بإزالة الدرع الصاروخي الذي يحاصر روسيا، مع أنها اتفقت مع
إيران حول ملفها النووي (أمريكا كانت تدعي ىأن الدرع الصاروخي هو لحماية أوروبا من
الإعتداآت الإيرانية المحتملة). كما أنها لا تزال تزيد من عقوباتها الاقتصادية على
روسيا مما اضطُر هذه الأخيرة إلى رفع سعر الفائدة البنكية، حتى لا تنهار الروبل
أكثر مما هي عليه من الإنهيار. وهناك اتجاه لبيع أصول الدولة الروسية شريطة أن لا
يستدين الشاري من البنوك الروسية.
أما في سوريا، فالتعاون على أشده بين الإدارة الأمريكية
وموسكو، وسنوضح هذه النقطة عندما نتحدث عن الوضع المحلي.
إقليمياً
الدول الإقليمية الناشطة والتي يمكن لها أن تلعب دوراً
فعالاً هي إيران، تركيا، الكيان الصهيوني والسعودية تتدرج في هذا المضمار.
إيران وتركيا تتقاطع مصالحهما في ملفين اثنين على الأقل:
الملف الكردي والملف الإقتصادي. علينا أن نتذكر بأن أول كيان كردي كانت عاصمته
مهاباد في إيران، وأن المناطق المحاذية لتركيا والعراق هي مناطق كردية. لذلك فكل
نمو للحركة الكردية باتجاه انفصالي سيؤثر على إيران (عدد أكرادها حوالي 10 مليون) كما
تأثيره على تركيا والعراق وسوريا.
أما بالنسبة للملف الإقتصادي، فإن أسهل طريق لتصدير
النفط والغاز الإيراني هي عبر تركيا. كما أن كل غاز أو نفط يُصدر إلى أوروبا يعد
انتقاصاً من حصة روسيا في هذه المنطقة. لذلك الكلام عن بيع النفط الإيراني للشركات
الروسية لا مستقبل له بسبب عدم إمكانيتهما على تأسيس احتكار منافس في السوق
النفطية لأن توافر هذه المادة هو أكثر من حاجة السوق لها.
الإختلاف بينهما يتمثل في الملف السوري والملف العراقي.
فكل منهما يمتلك رؤية مختلفة عن جاره. وهذا ما أدى إلى الموافقة الأمريكية على
تسليم القضية السورية لروسيا. وتتولى الإدارة الأمريكية بنفسها الملف العراقي.
أما بالنسبة للكيان الصهيوني، فالظاهر أن جميع الأطراف
ملتزمة بعدم التصارع مع الكيان الصهيوني ما دامت الملفات الأخرى لم تُحل بعد. وبدا
ذلك جلياً بالتعمية على العدوان الصهيوني الذي أدى إلى استشهاد سمير القنطار الذي
قامت به القوات الصهيونية بتغطية روسية وبصمت من جميع الأطراف.
الإدارة الأميركية تمكنت من إلزام جميع الأطراف بضرورة
التقاتل فيما بينها. وهذا ما يحصل في سوريا والعراق واليمن والبحرين...
أما بالنسبة للسعودية، فقد أعلنت أخيراً أنها على
استعداد لبعث قوات برية إلى سوريا لقتال داعش. وهذا الإعلان يدل على أن ولي ولي
العهد قد وصل إلى يقين بعدم إمكانيته على تحقيق نصر في اليمن. وحتى لا يعلن
انكفاءه، أعلن عن استعداده للحرب في سوريا.
الوضع المحلي
من يتطلع إلى كيفية قيادة الحرب من قبل روسيا في سوريا،
يصل إلى يقين إلى أن هناك توافقاً بينها وبين الإدارة الأمريكية على استبعاد أية
أدوار رئيسية لتركيا وإيران. القوات الروسية تركز على المناطق المحاذية لتركيا
لتمنع التواصل معها. وهذا يعني تحجيماً لدورها. أما بالنسب لإيران وميليشياتها،
فهي تعمل تحت الإدارة الروسية وضمن استراتيجيتها. وهذا يعني أن أي دور مستقبلي
لإيران في سوريا تحدده الدولة الأكثر فعالية وهي روسيا. صحيح أن روسيا لا يمكنها
أن تنفي أي دور لتركيا في سوريا لأن هناك 950 كلم من الحدود المشتركة، ولكن يمكنها
تحجيم دورها. وبذلك تلعب روسيا الدور الأهم في سوريا وبرضى من الولايات المتحدة.
قامت الإدارة الأمريكية بتدريب عناصر سورية في الأردن
وتركيا. والعمليات الروسية تتم على حدود هذين البلدين. أليس لافتاً أن الإدارة
الأميركية لا تزود هذه المعارضات بأسلحة فعالة وتمنع حلفءها من السعوديين
والقطريين والأتراك من تزويد هذه المعارضة بالأسلحة الفعالة. أمريكا تعلم أن ما
هزم الإتحاد السوفياتي في أفغانستان هي الصواريخ المضادة للطائرات، هذه الصواريخ
الممنوعة عن المعارضة السورية.
أمريكا لا تريد هزيمة روسيا في سوريا، لأن هناك تفاهماً
على ملف الشرق الأوسط. والذي يتلخص بحماية أمن الكيان الصهيوني، تصفية الإرهاب
السني، منع الدول الإقليمية من لعب دور رئيسي في الإقليم وأخيراً تنظيم شؤون استخراج
الطاقة، بحيث لا يؤثر بشكل سلبي على الإقتصاد الروسي ولا على استخراج النفط الصخري
الأمريكي المكلف.
سوريا باتجاه الحلول، ولكن بعد إنهاك جميع القوى
المشاركة في الحرب بما فيها روسيا نفسها.
6 شباط 2016
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق