بحث هذه المدونالهجرة النبويةة الإلكترونية

حسن ملاط

صورتي
القلمون, طرابلس, Lebanon
كاتب في الفكر الاجتماعي والسياسي والديني. تربوي ومعد برامج تدريبية ومدرب.

الثلاثاء، 9 فبراير 2016

تأملات في الوضع الراهن

                                 تأملات في الوضع الراهن
حسن ملاط
هذا ليس تحليلاً سياسياً للأوضاع الراهنة، إنما تأملات.
1 – تسلمت أمريكا العراق دولة موحدة وحولته خلال سنوات قليلة إلى مصنع للتطرف الديني، الطائفي والمذهبي، ومصنع للتطرف العرقي: عرب، أكراد، تركمان، أشوريون، أيزيديون ووو...إلخ. ومصنعاً لحروب لا تنتهي. حروب أهلية، تدمر ولا تبني. أما آخر التقليعات هي بناء سور عازل يمنع تسلل عناصر من مذاهب مختلفة إلى بغداد. يدمرون مدن الأنبار، تحت الرعاية الأمريكية، ويمنعون الأهالي السنة من الدخول إلى بغداد، هرباً من الجحيم.
في ديالى، يحصل نفس الشيء، الإيرانيون يطردون الأكثرية السنية من هذه المحافظة العراقية لأنها محاذية لإيران. بيوت دُمرت وبيوت تغير ساكنوها، فأصبحوا إيرانيين بدلاً من أن يكونوا عرباً عراقيين. هذا ما دفع رئيس البرلمان العراقي إلى الذهاب إلى واشنطن لطلب المساعدة الأمريكية لطرد الإيرانيين وإعادة العراقيين المطرودين إلى ديارهم...
ما تفعله إيران والميليشيات الموالية لها في ديالى وبغداد وصلاح الدين، وما يفعله الجيش العراقي برعاية أمريكية مباشرة في محافظة الأنبار ليس مساعدة للشيعة أو دعماً لهم، إنما هو تدمير العراق وتفتيته، بحيث يصبح من المستحيل إعادة توحيده. وهذا ما يمكن الإدارة الأمريكية من الإستيلاء على ثرواته، مع توزيع بعض الفتات على المتعاونين معها.
من الذي سمح للآليات العسكرية بالدخول إلى الموصل واحتلالها، وتأسيس الدولة الإسلامية؟
2 – سوريا، وضعها لا يختلف عن جارتها العراق. طالب الناس بحقوقهم، فتحولت إلى حرب طائفية ومذهبية. هذا يدافع عن المزارات، وذلك يدافع عن أبناء الطائفة الموجودين في البلد المجاور. ومنهم من جاء يدافع عن الدين. المهم أن كلاً من المدافعين يتبع إلى جهة معينة تمده بالتمويل من أجل تدمير ممتلكات الشعب السوري، وتحويله إلى شعب لاجئين.
إيران رفعت شعار الدفاع عن الأقليات، ولكنها لم تتمكن من الإنتصار على الأكثرية، لذلك استنجدت بقوة غاشمة خارجية هي روسيا التي أعلنت حربها المقدسة (بتأييد من الكنيسة) دفاعاً عن المسيحيين والعلويين والنظام. ثم تطور الشعار فأصبح الدفاع عن الأقليات. وبذلك تكون قد انتزعت الشعار من إيران، لأنها هي الأقوى ويمكنها التدمير من دون أن تتوقع العقاب من أهل سوريا لأنها بعيدة.
3 – الملاحظ أن الحروب في سوريا والعراق تحصل في الأماكن حيث تتواجد الأكثرية السنية. وبما أن السنة هم الأكثرية في الإقليم، وبما أن هذا الإقليم يجب أن يكون إقليم الأقليات، لذلك وجب أن تتحول جميع مكونات هذا الإقليم إلى أقليات بحيث يصبح من المستحيل التعايش دون حمايات أو إشراف أجنبي.
4 – في لبنان يوجد أكثر من مليون ونصف مهجر سوري وحوالي نصف مليون فلسطيني سوري ولبناني. بدأت الأونروا بتقنين المساعدات للفلسطينيين، وهذا مؤشر خطر، بحيث تصبح مسؤولية هؤلاء على البلد المضيف. وبالنسبة للبنان، من المستحيل أن يتمكن من تأمين عمل لهؤلاء، خاصة إذا علمنا أن عدد المهاجرين السنوي من اللبنانيين هو حوالي 83 ألف لبناني لا يجدون عملاً في بلدهم.
تصوروا أن تبادر الدول التي تساعد المهجرين السوريين إلى توقيف المساعدات أو تقنينها. ما الذي سيحصل في لبنان؟
عندها ستبدأ بوادر التحلل المجتمعي بحيث لن تقدر أية قوة أن تحافظ على السلم الأهلي.
من بدأ بالفلسطينيين، ما الذي يمنعه من أن يكمل مهمته بالسوريين. إن المؤشرات توحي بأن الحلول المطروحة للمنطقة تقوم على تقطيع أوصال اللحمة القائمة بين مختلف مكونات أهالي المنطقة. المكونات هي خليط من المذاهب والطوائف والإتنيات... ففي الأردن، مثلاً، الحساسيات الأردنية الفلسطينية والتي سيضاف إليها السورية، إلى جانب النشاط الذي يقوم به بعض من من يسمى بالمسيحيين المشرقيين (بقايا اليسار الأردني والفلسطيني) من أجل القضاء على اللحمة المجتمعية خدمة لحلف الأقليات.
في لبنان 17 طائفة بالإضافة إلى الفلسطينيين والسوريين والعراقيين.
في سوريا، لا يختلف الوضع عنه في لبنان وفي العراق أيضاً. من يعيد اللحمة بين هذه المكونات، خاصة أنه لا يوجد أي تنظيم أو حزب يطرح شعارات العمل من أجل الوحدة المجتمعية.
في إيران، خليط من الإتنيات والمذاهب والأديان، وكذلك في تركيا.
هل يُعمم النموذج "الإسرائيلي" على جميع دول الإقليم، حيث أن الحصانة المجتمعية قد سقطت بعد أن تحولت بوصلة الحروب من العدو الصهيوني إلى "الأعداء" الداخليين. هذا النوع من الحروب الذي أنهك الأمة على امتداد تاريخها.
إن الآلية التي تتعامل بها القوى الفاعلة مع الأحداث التي تجري في إقليمنا لا تخدم إلا أعداء شعوب هذا الإقليم، سواء كانت هذه القوى دولاً أو أحزاباً أو منظمات.
تصوروا أن تتحول بلادنا إلى كانتونات: أربعة أو خمسة في تركيا، سبعة أو ثمانية في إيران، وكذلك في سوريا والعراق، إثنان في كل إمارة من إمارات الخليج. هل هذه هي الأمة الواحدة؟
نحن بحاجة إلى التفكر!
                                                                                    9 شباط 2016
hassanmallat.blogspot.com


ليست هناك تعليقات: