لبنان والسعودية؟
حسن ملاط
هي المرة الأولى التي تمر فيها العلاقات اللبنانية-
السعودية بهذا التأزم الناتج عن تراكمات بسبب الحرب في سوريا التي يشارك فيها حزب
الله في المعسكر المعادي للسعودية والموالي لإيران.
وللضغط على الحكومة اللبنانية، أقدمت الحكومة السعودية
على تجميد الهبة المخصصة لمساعدة القوى العسكرية والأمنية ومقدارها 4 مليار دولار.
ومن الجدير ذكره أن السعودية سبق وقدمت للبنان هبات ومنح مالية قدرها 70 مليار
دولاراً على مدى ربع قرن من الزمان (معلومات عن موقع روسيا اليوم). وإذا أضفنا إلى
هذا المبلغ كمية الدين والتي تزيد على 74 ملياراً من الدولارات، تكون المنهوبات من
كل فرد لبناني هي ما يزيد على 37 ألف دولاراً، عليه تسديد نصفها كدين عليه لم
يتصرف به.
هذه المليارات لم تغير شيئاً في أحوال المواطن اللبناني.
فالآلاف من أصحاب الإختصاص بلا عمل، ونسبة كبيرة من السكان تحت خط الفقر (طرابلس
هي المدينة الأفقر على حوض البحر المتوسط)، ولا بنى تحتية ولا كهرباء رغم
المليارات التي أنفقت وما زالت تنفق عليها...
إن تأزم العلاقات مع السعودية يمكن أن يتضرر منه
السياسيون الذين يستفيدون من الإنفاق السعودي في لبنان وليس المواطن العادي. أما
بالنسبة للعاملين في الخليج، فهؤلاء يعملون لأن من يستخدمهم بحاجة إليهم.
ما سبب تأزم العلاقات؟
هناك أسباب عديدة تراكمت حتى أدت إلى هذا التطور الذي
كان متوقعاً.
1- تحسن العلاقات الأمريكية-الإيرانية الذي أدى إلى احترام المصالح الإقليمية الإيرانية
من قبل الإدارة الأمريكية، والتي تراها السعودية متناقضة مع مصالحها في ظل التنافس
القائم بين الدولتين الإقليميتين.
2- عدم تمكن السلطة السعودية من تحقيق أهدافها في الساحة اليمنية الهامة جداً
بالنسبة لها، بالإضافة إلى خذلانها من الباكستان ومصر.
3- اتجهت السعودية إلى الساحة السورية للتعويض عن التعثر في اليمن، وذلك
بالتحالف مع تركيا. ولكن أمريكا لم تتجاوب مع الثنائي التركي-السعودي.
4- ترابط الساحة السورية مع الساحة اللبنانية جعل السعودية تربط بين تقدم
النظام المدعوم من حزب الله وإيران وبين تراجع حظوظها بالموازنة بين تراجعها في
الساحة اليمنية وإمكانية تعويضها في الساحة السورية من أجل المقايضات المستقبلية،
عند البحث بترتيب الأوضاع في كافة ساحات الإقليم.
5- عودة الرئيس الحريري إلى بيروت والتي كانت منسقة مع حزب الله، الذي فتح
النار الإعلامية على السعودية منذ فترة، من قبل أمينه العام. فقد ارتفعت وتيرة
التصعيد المذهبي كثيراً في الساحة اللبنانية التي أصبحت بحاجة إلى من يضبطها. ولا
إمكانية لضبطها إلا من قبل الحريري وحزب الله. لذلك كان استدعاؤه، هذا أولاً.
وثانياً، المصالح السياسية للرئيس الحريري والتي تتطلب تفاهماً مع حزب الله من دون
المرجعية الإقليمية (السعودية)، التي خسرت الكثير من تأثيرها في الساحة اللبنانية.
توجهات متناقضة للطرفين الداخلين يفرض عليهما تنسيقاً على أعلى المستويات.
6- تصعيد الحريري ضد الحزب مضبوط من قبل الحريري نفسه. فهو يصعد كلامياً من
دون السماح للقيام بأي إجراء يمكن أن يفسر كتوتير للأوضاع الأمنية القائمة.
والتوتير الإعلامي مطلوب من أجل الإستثمار في الساحات المتناقضة، وهذا التناغم
مطلوب ومضبوط من قبل الطرفين.
7- الموقف العملي الذي أخذه وزير العدل أدى إلى قطيعة مع الحريري. وعندما هدد
الوزير المشنوق بوقف الحوار مع الحزب، تراجع عنه الوزير في اليوم نفسه، بعد اتصال
من الحريري.
8- ما تقدم جعل السعودية تشعر أنه لا يمكنها أن توجه الساحة اللبنانية بشكل
يخدم سياستها الإقليمية. فأقرب المقربين لها يلعب لعبته الخاصة بالإستقلال عنها
بسبب ضعف تأثيرها في هذه الساحة. لذلك رأت ضرورة مراجعة حساباتها.
ما هي المآلات المتوقعة لهذا التصعيد السعودي؟
هناك احتمالات متناقضة، فإذا تركت السعودية
الساحة اللبنانية، سيسمح هذا للحزب أن يزيد من فعاليته في الساحة السورية مما يؤثر
سلباً على حلفاء السعودية في سوريا.
أما إذا اتجهت للمواجهة العنيفة في الساحة
اللبنانية، فهذا الخيار غير ممكن بسبب عدم امكانيتها على بناء جيش يوازي معشار قوة
الحزب العسكرية مضافاً إلى تجارب ميدانية تزيد على ثلاثة عقود.
أما خيار التوتير الأمني، وهو الأسهل، فقد
يكون من الصعوبة بمكان استثماره سياسياً، لأنه يتوسل خراب البلد.
حزب الله لا ينوي تخفيف التوتر مع السعودية،
بل هو في طريق تصعيده، حيث أن الأمين العام اعتبر مظلومية الشعب اليمني أكبر من
مظلومية الشعب الفلسطيني. وهذا يعني أن قتال السعودية أصبح أولوية بالنسبة للحزب
أكثر من قتال العدو الصهيوني. ولكنه لا يزال عند اقتراحه بالتقاتل مع أعدائه خارج
الساحة اللبنانية، وهو اقتراح وجيه، فهل تقبل السعودية بمساعدة حلفائها على
التنافس السلمي مع الحزب في لبنان ومحاربته خارج البلد، في الساحة التي تختارها:
سورية، العراق أو اليمن؟
نقطة الضعف الوحيدة عند الحزب، هي أنه لا
يمكنه الإستئثار بالسلطة السياسية لأن الولايات المتحدة لا تقبل بذلك. والنتيجة
ستكون الإنهيار الإقتصادي. هو يعلم أنه يمكنه السيطرة العسكرية على البلاد ولكن
ليس السيطرة الأمنية. من أجل ذلك، ليس من بديل عن التشارك. وهذا التشارك طرفه الآخر
هو الحريري، الذي يعرف بدوره حاجة الحزب له. لذلك عاد متجاوزاً كل المخاوف
الأمنية.
من هنا، نرى بأن كل ما يمكن للسعودية أن
تفعله، هو العمل على دعم التحالف المنافس للحزب من أجل الضغط السلمي على هذا
الأخير للإنسحاب من الساحات الخارجية حفاظاً على قوته في مواجهة العدو الصهيوني.
1 آذار 2016
hassanmallat.blogspot.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق