حسن ملاط
بعد اجتماعه مع وزير حربه ووزير خارجيته، أعلن الرئيس الروسي بوتين عن
سحب قواته الرئيسية من سورية. وأوعز
لوزير الدفاع، سيرغي شويغو، بتنفيذ القرار بدءا من يوم الثلاثاء 15 مارس/آذار. أما مبرر هذا القرار، فقد اعتبر بوتين أن "المهمات التي كُلفت بها القوات
الروسية في سوريا قد تم انجازها". وأعرب بوتين عن أمله بأن بدء سحب القوات
الروسية من سوريا سيشكل دافعاً إيجابياً لعملية التفاوض بين القوى السياسية في
جنيف. كما كلف بوتين وزير الخارجية، لافروف، "بتعزيز
المشاركة الروسية في تنظيم العملية السلمية لحل الأزمة السورية".
وقد أعلم الرئيس بوتين الرئيس الأسد بالقرار الصادر عن هذا الإجتماع.
كما وأجرى اتصالاً بالرئيس الأمريكي أوباما وأعلمه بقرار سحب القوات.
وتزامناً مع هذا القرار أعلن وزير الدفاع أن القوات الروسية في سورية
قتلت 17 قائداً من المتمردين الروس و2000 من العناصر المتواجدة في سوريا.
أما عن ردود الفعل على هذا القرار، فقد قال البيت الأبيض في بيان إن الرئيس الأمريكي باراك أوباما تحدث
هاتفياً يوم الاثنين مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن الأزمة في سوريا وإعلان
بوتين عن سحب جزئي للقوات الروسية.
أما وزير
الخارجية الإيراني فقد قال أن
"حقيقة أن روسيا أعلنت بدء سحب جزء من قواتها يشير إلى أنهم لا يرون حاجة
وشيكة للجوء إلى القوة في الحفاظ على وقف إطلاق النار". وتابع "هذا في حد ذاته يجب أن
يكون إشارة إيجابية. الآن علينا أن ننتظر ونرى".
وقال
شتاينماير، وزير الخارجية الألماني:" إذا تم تحقيق الإعلان عن سحب القوات
الروسية، فسيمارس ذلك ضغطا على نظام الرئيس الأسد ليقدم، في نهاية المطاف، على
المشاركة بكامل جديته في مفاوضات جنيف حول الانتقال السياسي الذي سيضمن الحفاظ على
مؤسسات الدولة السورية، مع الأخذ بعين الاعتبار مصالح جميع أطياف المجتمع السوري".
أما وكالة سانا الرسمية السورية فقد
قالت: أكدت رئاسة الجمهورية العربية السورية أن سورية وروسيا ما زالتا كما كانتا
دائما ملتزمتين بشكل مشترك بمكافحة الإرهاب أينما كان في سورية.
وأشار ماخوس، عضو الهيئة العليا للمفاوضات المنبثقة عن
مؤتمر الرياض، إلى أن قرار الرئيس الروسي،
فلاديمير بوتين، بسحب قوات روسيا الرئيسة من سوريا، والذي وصفه ماخوس بالصاعقة،
سوف يقلب في حال تطبيقه عملية تسوية الأزمة السورية وسيعطي فرصة أمام الحل
السياسي، معتبرا في الوقت نفسه أن هذه الخطوة ستؤدي إلى سقوط النظام السوري في
القريب العاجل.
من جانبه، أكد المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات،
سالم المسلط، أن المعارضة السورية ترغب في أن يكون الروس أصدقاء لها في سوريا.
وقال المسلط تعليقاً على قرار الرئيس الروسي
بسحب القوات الروسية الرئيسية من سورية، إن هذه الخطوة ستنعكس إيجاباً على
المحادثات الجارية في جنيف، حول تسوية الأزمة السورية، معرباً عن أمله في تطبيق
القرار عما قريب.
هذا في الوقائع، ولكن ماذا عن أسباب هذا القرار؟
كان هذا القرار حاجة روسية داخلية، مع أنه
جاء في ظرف غير مناسب.
1- إنفاق عدة عشرات من مليارات الدولارات على الألعاب
الأولمبية في سوشي.
2- العدوان على أوكرانيا، والذي لا يزال مستمراً، وضم شبه
جزيرة القرم إلى الأراضي الروسية، الذي كلف الميزانية الروسية الكثير من الأموال
لإدخال اقتصاد القرم في الإقتصاد الروسي.
3- إنخفاض سعر النفط من أكثر من مئة دولاراً إلى أقل من
ثلاثين دولاراً، وكذلك سعر الغاز. والإقتصاد الروسي يقوم في الأساس على بيع النفط والغاز
والسلاح.
4- المقاطعة الإقتصادية من قبل الإتحاد الأوروبي وأمريكا
والذي أدى إلى هروب ما بين 100 و200 مليار دولاراً.
5- إعلان رئيس الوزراء الروسي ميدفيديف، أن الإنفاق على
القوات الروسية في سوريا تؤمنه الميزانية الروسية للدفاع، وأن بإمكانها الإنفاق
لمدة أربعة أشهر. والعدوان مستمر منذ أكثر من خمسة أشهر. إضافة إلى ذلك، فقد عُقد
مؤتمر اقتصادي في سوشي، أعلن خلاله ميدفيديف أن الإقتصاد الروسي لا يمكن أن يستمر
في الوتيرة الحالية، ولا بد من بناء اقتصاد إنتاجي (وليس ريعياً).
هذه العوامل
جميعها حتمت على الرئيس الروسي أن يحول المعركة في اوكرانيا وفي سوريا على أنها
معركة الكرامة الروسية لإيقاظ الروح الشوفينية عند الشعب الروسي من أجل نسيان
مشاكله الإقتصادية. ولكن هذا الأمر لا يمكن أن يستمر إلى ما لانهاية. فقد رأى
الرئيس الروسي أن هذا الظرف مناسب لسحب القوات، خاصة بعد وقف النار الذي صمد وجاء
نتيجة توافق أمريكي- روسي.
وما يجعلنا نؤكد
على أولوية العامل الداخلي في قرار سحب القوات الرئيسية، هوإعلان الرئيس الروسي أن
القوات قد أنهت معظم مهامها، وأنها تحتفظ بقاعدتيها الرئسيتين في حميميم وطرطوس.
وتلاه إعلان وزير الدفاع عن قتل الإرهابيين الروس، حيث أن مبرر بعث القوات إلى
سوريا كان الدفاع عن روسيا.
وأهم من كل ذلك
ارتفاع سعر الروبل مقابل الدولار فور إعلان قرار الإنسحاب. وإذا علمنا أن سعر
الفائدة الروسية هو حوالي 17% نعلم بأن هذه الفائدة لا تسمح بقيام استثمارات
إنتاجية. هذه الفائدة تقابلها الفائدة الأمريكية والتي تبلغ بعد رفعها حوالي الربع
بالمئة، بعد أن كانت صفراً.
لماذا لم يُبلغ
الرئيس الروسي إيران بسحب قواته؟
الإعلان الروسي
حدد أن من أبلغهم الرئيس الروسي بالقرار هما الرئيس السوري والرئيس الأمريكي فقط،
هذا مع العلم أن إيران هي شريك أساسي للروسي في عدوانه على سوريا.
عندما بدأ العدوان
الروسي على سوريا وبتنسيق مع الإدارة الأمريكية، أعلنت هذه الأخيرة أنها تحترم
المصالح الروسية في سوريا. ألا يعني عدم إبلاغ الروسي قرار الإنسحاب إلى الإيراني
بأن روسيا لا تعترف بمصالح إيرانية في سوريا؟ أضف إلى ذلك، أن هذا يعني أنها لا
تعترف بشراكتها مع أنها شريكتها فعلياً؟
ولماذا جاء
الإنسحاب بعد أن أعلن وزير الخارجية الروسي عن إدخال قوات تركية إلى الأراضي
السورية. هل هذا يستدعي الإنسحاب أم المجابهة؟ هل هو محاولة توريط لإيران بقتال مع
القوات التركية في سورية بعد زيارة أوغلو الناجحة لإيران؟
هل انتصرت روسيا
في سورية؟
من المؤكد أنها لم
تُهزم. والإعلان من موسكو عن أن الطائرة السورية التي اُسقطت في حماه كان بصاروخ
أرض-جو محمولاً على الكتف، لا يعني أن موسكو خائفة من تكرار التجربة الأفغانية،
لأن ما من أحد قد أطلق صاروخاً على طائرة روسية معتدية. ولكن تقييم الإنتصار
الروسي مرتبط بالأمور التالية:
1- إعلان الغرب رفع العقوبات الإقتصادية عن روسيا.
2- إعلان الإدارة الأميركية الإستمرار بانتقال أولويتها إلى
المحيط الهادىء، وهذا يعني القبول بتسليم ملف الكيان الصهيوني وسوريا إلى روسيا.
3- إعلان الصين عن استثمارات بحوالي 1،8مليار دولاراً في
الشرق السيبيري الروسي لا يطمئن روسيا كثيراً، خاصة وأن الإستراتيجيين الروس
يقولون أن المجال الوحيد للتوسع الصيني لا يمكن أن يكون إلا في الشرق الروسي.
4- من الممكن أن الشراكة مع الأميركان تستدعي موقفاً من
موسكو من قضايا بحر الصين الجنوبي، وهذا يؤثر سلباً على الإستثمار الصيني في الغاز
الروسي....
في الخلاصة، نقول
بأن النتائج غير واضحة حتى اللحظة، ولكن هذا الإعلان يتضمن ضغطاً على جميع
الأطراف، وخاصة على النظام من أجل إنجاح المحادثات الجارية في فيينا.
ولكن ما يجب
مراقبته هو إن كانت ستؤدي إلى تغييرات على صعيد السلطة السياسية في روسيا نفسها؟
15 آذار 2016
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق