بحث هذه المدونالهجرة النبويةة الإلكترونية

حسن ملاط

صورتي
القلمون, طرابلس, Lebanon
كاتب في الفكر الاجتماعي والسياسي والديني. تربوي ومعد برامج تدريبية ومدرب.

الأربعاء، 31 أغسطس 2016

المستجدات في الوضع الإقليمي والمحلي

            
حسن ملاط
ثلاثة أحداث كان لها وقع هام على تطور الأوضاع في الإقليم. وهي المصالحة بين تركيا وروسيا، التدخل العسكري التركي في سوريا وعودة الأمور إلى طبيعتها على صعيد السلطة السياسية في المملكة العربية السعودية. أما فشل الإنقلاب العسكري التركي، فلم يغير شيئاً في الاتجاه العام للأحداث.
1- الاشتباك السياسي الذي أعقب إسقاط تركيا للمقاتلة الروسية فوق الأراضي التركية، أعاق إلى حد بعيد فعالية التدخل التركي في سوريا. كما وسمح للأعداء المعلنين لتركيا، الأكراد والنظام السوري، بالتقدم على مختلف جبهات القتال ضمن الأراضي السورية. وكان الشلل شبه التام من قبل الأتراك للرد على هذا التقدم: فلا إمكانية لتقدم قوات برية خوفاً من الطيران الروسي، ولا إمكانية لاستخدام الطيران الحربي خوفاً من "الأس 400" الروسية.
2- العقوبات الروسية الإقتصادية كان وقعها سيئاً على الإقتصاد التركي (الزراعة والسياحة والعمالة التركية في روسيا). وقد ترافق ذلك مع تزايد العمليات الإرهابية ضمن الأراضي التركية. كل هذه العوامل أدت إلى انخفاض الليرة التركية...
3- المصالحة التي بادر إليها الرئيس التركي والتي استجاب لها الرئيس الروسي مباشرة ومن دون شروط معلنة، أنعشت الساحة الداخلية التركية والروسية على السواء. فقد فُتحت الأجواء على التو بين روسيا وتركيا، وبدأ تدفق السواح...
4- المحاولة الإنقلابية الفاشلة وردة الفعل الروسية والإيرنية عليها، أدخلت الدفء إلى العلاقات بين تركيا وروسيا وإيران، ورفعت التنسيق بين البلدان الثلاثة.
5- التدخل العسكري التركي كان مستحيلاً من دون المصالحة مع روسيا. هذا التدخل الذي أعاد التركي إلى الفعالية على الساحة السورية من بابها الواسع، وبتغطية من جميع الأطراف الرئيسية، قد يُساهم بتنشيط الحلول السلمية للمسألة السورية، خاصة وأنه يجري ضمن خطوط متفق عليها ومحددة سلفاً.
إذا كانت المساحة التي يمكن أن يحتلها التركي بالنسبة للحلول المقترحة للمسألة السورية، تبدو وكأنها واضحة، ولكن الطرف الإقليمي الآخر، أي إيران، رغم تدخلها النشط على مختلف ساحات القتال السوري، لم يظهر حتى الآن بوادر اتفاق من قبل الدول الفاعلة على حجم الدور المستقبلي لها في هذا البلد. هذا هو الجانب الذي يجعلنا نتحدث عن الإنعكاس المحلي للمستجدات الإقليمية.
6- التدخل المعلن لحزب الله اللبناني في سوريا مرتبط بما يسمونه التحالف بين إيران والنظام السوري. أو بصيغة أخرى، يرتبط هذا التدخل وحجمه واستمراره بما سيرسو عليه الحل للمسألة السورية والدور الإيراني المستقبلي في هذا البلد. من هنا، يبدو أن الحلول في لبنان على مستوى ترتيب السلطة السياسية ينتظر الحل السوري. وهذا يعود إلى أن حزب الله سيحدد دوره في لبنان، تبعاً للدور الإيراني في سوريا، وذلك لارتباط الساحات فيما بين بعضها البعض.
هل هناك احتمالات أخرى؟
هذا يقودنا إلى الجانب الآخر من التأثيرات الخارجية على الساحة اللبنانية، ونعني الجانب السعودي في مقابل الجانب الإيراني. ومن المعروف أن حزب الله هو الذي يمثل الجانب الإيراني فيما يمثل الجانب السعودي تيار المستقبل.
من المعروف أن الود بين الرئيس الحريري وولي العهد السعودي مفقود نهائياً. وهذا ما جعل المساعدات التي كانت تؤمنها السعودية لتيار الرئيس الحريري متوقفة. ولكن، وبعد أن اندفع ولي ولي العهد السعودي للعب الدور القيادي الأول في المملكة، انفتح الرئيس الحريري على محمد بن سلمان. واتخذ الأخير قراراً بحل المشاكل المالية المعلقة للحريري في المملكة. ولكن اندفاعة ابن سلمان تعثرت، وعادت الأولوية لمحمد بن نايف، فتوقفت جميع الإجراءات التي كانت ترمي إلى حل المشاكل المالية للحريري. وهذا ما أدى إلى تعثر خطى الأخير اللبنانية.
اتجه الحريري إلى اللاعب الهام في الإقليم، التركي. (هنا لا بد من الإشارة إلى أن اجتماع وزير الخارجية الأمريكي مع وزراء الخارجية الخليجيين  لم يأت على ذكر سوريا والعراق، إنما ركز على حل المسألة اليمنية فقط. وفي هذا إيحاء أن الملعب السعودي يقتصر على الساحة اليمنية). واستقبله الرئيس التركي على أحسن ما يكون الإستقبال. إذا أضفنا إلى ذلك أن اللاعبين الإقليميين هما إيران وتركيا، وإذا أضفنا أن حليفي هذين اللاعبين هما اللاعبان الأساسيان في الساحة اللبنانية، هل يمكن أن يؤشر ذلك إلى إمكانات مستقبلية لتعاون من رؤية أخرى بين المستقبل وحزب الله؟ خاصة وأن العلاقات التركية الإيرانية هي بأحسن حالاتها بعد الموقف المؤيد للحكومة التركية من السلطات الإيرانية، بعد المحاولة الإنقلابية الفاشلة.
7- الوضع اللبناني الحالي يتسم بكثير من التوتر. الطبقة السياسية الحاكمة تحاول تمرير الوقت بمناورات فارغة لن تأتي بأية حلول للمسائل العالقة: استحالة إجراء انتخابات رئاسية، شلل مجلس النواب، تعثر الحكومة، استحالة إجراء انتخابات نيابية... أضف إلى ما تقدم، ارتفاع وتيرة التحريض المذهبي رغم استمرار جلسات الحوار الفولكلورية بين الحزب والمستقبل.
هل هناك إمكانية لتجاوز هذه العقبات؟
في بلادنا لم تتكون مجتمعات متماسكة بعد تقسيمات سايكس- بيكو. وهذا ينطبق على جميع بلدان الإقليم باستثناء تركيا وإيران ومصر جزئياً. وبما أن الإنتماءات الطائفية والمذهبية، كانت ولازالت لها الأولوية في التموضع، اتجهت أعين الطوائف إلى البلاد التي اعتقدت أن بإمكانها حمايتها.
أ‌-    الشيعة، ليس لهم بلد يلوذون إليه إلا إيران. العراق أصبح مقسماً وليس من الممكن أن يصبح دولة قوية يمكن أن تكون ملاذاً لأحد. العراق نفسه أصبح بحاجة لمن يحميه.
ب‌-                    السنة تغيرت توجهاتهم تبعاً لتطور الأحداث الإقليمية. بعد ثورة الضباط الأحرار في مصر والتي أعقبها تأميم قناة السويس ومن ثم الإعتداء الثلاثي، أصبحت مصر قبلة المناضلين العرب من أجل حريتهم. وأصبح ارتباط زعماء السنة اللبنانيين وغيرهم بقيادة الرئيس المصري جمال عبد الناصر، بالرغم من حربه الشعواء على تنظيم الإخوان المسلمين.
ت‌-                    بعد هزيمة ال67 وانبعاث المقاومة الفلسطينية، أصبحت الأخيرة قبلة السنة اللبنانيين. ففي الحرب الأهلية في لبنان كان التعبير السائد هو أن الفلسطينيين هم جيش السنة في لبنان.
ث‌-                    في ال1973 بعد الحرب مع الكيان الصهيوني والخطوة التي قام بها الملك فيصل بقطع النفط عن الغرب والتي أعقبها ارتفاع أسعار النفط، دخلت السعودية باب الإستقطاب من الباب الواسع. فقد فتحت باب الرشوة الواسع لجميع من يعمل تحت قيادتها. أصبح الإستقطاب السني في لبنان من نصيبها. وما ساعد السعودية كثيراً هو الدور الذي لعبته بإقرار اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية في لبنان.
ج‌- اجتياح ال1982 وتهجير المقاومة الفلسطينية من لبنان، أعطى القوات السورية التي دخلت لبنان بموجب اتفاق الطائف الحرية بإفساد الساحة، وذلك بتحريض الناس على بعضهم البعض واضطهاد المناضلين والإرتهان للقادرين على الرشوة واعتبارها حامية للأقليات ضد السنة وليس ضد الكيان الصهيوني. وهذا ما ساعد السعودية على ربط سنة لبنان بها.
ح‌- انطلاق ما اصطُلِح على تسميته "الربيع العربي"، وتعثر السعودية برعايتها لأحد أطراف النزاع، جعلها من دون فعالية في العراق وفي سوريا. وبعد ذلك تدخلها في اليمن والذي يبدو بأنه آيل إلى هزيمة إن لم تنجدها أمريكا بحل ما لهذا المأزق. كل ذلك جعل الدور السعودي الإقليمي يتراجع كثيراً. ولم يعد بإمكان السعودية أن تكون مركز استقطاب.
خ‌- الإنطلاقة التركية كان لها صدىً إيجابي لدى السنة العرب ومنهم اللبنانيين. الظاهر أن هناك توجهاً لاعتماد تركيا كرافعة لأبناء هذا المذهب في بلاد لا قيمة فعلية للإنتماء الوطني.
د‌-    إن التفاهم القائم بين إيران وتركيا والذي سيتدعم مستقبلاً يمكن أن يكون رافعة لتفاهم جديد بين القوى الأكثر فعالية وتمثيلاُ في الساحة اللبنانية، عنيت حزب الله والحريري. والرهان على دور سعودي في لبنان أصبح من دنيا الماضي بعد أن حدد المايسترو الأكبر الأمريكي نطاق الدور السعودي في الخليج واليمن.
خلاصة
ننهي فنقول بأن أخذ هذه الوقائع بأبعادها بعين الإعتبار يمكن أن يساعد بتحويل التوتر القائم حالياً إلى رافعة لحل مستقبلي يبرمج العلاقة بأبعادها الداخلية والسورية بانتظار ما ستتبلور عنه الأحداث في سورية.
                                             31 آب 2016


ليست هناك تعليقات: