الطرفان الرئيسيان في الصراع في لبنان هما حزب الله
وتيار المستقبل. هل تقدم أحدهما يعني تراجع الآخر بالضرورة؟ هذا ما سنحاول الإضاءة
عليه...
تشير الكثير من التحليلات الساذجة إلى أن تقدم تيار
المستقبل على الساحة السياسية المحلية يستلزم وجوباً تراجع الطرف المنافس، أي حزب
الله. وهذا الكلام لا يرتدي أية مصداقية!
1- كان نشوء حزب الله مرتبطاً بنجاح الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام
الخميني. وقد اهتم الطرف الإيراني برعاية الحزب على قاعدة قتاله للعدو الصهيوني
الذي كان يحتل قسماً من أرض لبنان كما ويحتل الأرض الفلسطينية!
2- أما تيار
المستقبل الذي أسسه الرئيس الراحل رفيق الحريري، فقد كان تحت رعاية المملكة
السعودية وبدعم منها.
وبما أن التنافس بين إيران والسعودية ليس
جديداً، فهو قائم منذ أيام الشاه، ولكنه ازداد شراسة عند إعلان السعودية وشركائها
عداءهم المطلق للثورة الإسلامية. انعكس هذا الصراع على الساحة اللبنانية تنافساً
بين تيار الحريري وحزب الله.
هذا التنافس الشديد ترافق مع سياسة معلنة من
قبل الرئيس الحريري والسيد نصرالله بضرورة التعاون بينهما بما يفيد لتحرير الأراضي
المحتلة من قبل العدو الصهيوني.
مر هذا التعاون بكثير من الأزمات والتي كانت
تُحل دائماً بالتي هي أحسن. ولم يسمح السيد نصرالله ولا الرئيس رفيق الحريري لهذه
الأزمات أن تنعكس سلباً على جمهور الطرفين. حتى خلال الحرب الخليجية على إيران
الخميني، لم ترتفع وتيرة الصراع المذهبي على الساحة اللبنانية. فقد كان الإمام
الخميني يعتبر الأولوية للصراع مع العدو الصهيوني وليس قتال العراق الذي دخل
الأراضي الإيرانية معتدياً. وهذا ما جعل الإمام يقبل بوقف القتال مع العراق بالرغم
من صعوبة تقبله عليه. ولكن مصلحة المسلمين كانت تقتضي ذلك.
إن صحة هذه السياسة من قبل الإمام الخميني هي
التي أدت إلى توحد الساحات الإسلامية والعربية ضد العدو الصهيوني، بعكس ما هو حاصل
حالياً!
3- نبدأ بحزب الله لأنه الطرف الأكثر فعالية. ما الذي يريده الحزب من الساحة
اللبنانية؟
للحزب أولويتان، الأولى هي الحفاظ على دوره
الإقليمي الذي يرتبط مباشرة بالسياسة الإيرانية في الإقليم.
أما الأولوية الثانية فهي الحفاظ على دوره
القيادي على الساحة المحلية، وخاصة من حيث ارتباط طائفته به. فالدور المحلي هو
الذي يلعب الدور الأساسي بإمكانية لعب الحزب دوراً إقليمياً.
4- ما الذي يريده الحريري؟ كانت عودة الرئيس الحريري إلى لبنان في المرحلة
الأكثر تأزماً على الساحة المحلية والإقليمية. تمكنه من العودة كان بسبب التنسيق
الحقيقي مع حزب الله. وإلا لكانت هذه العودة مستحيلة. إن تراجع دور الحريري بسبب
من الأزمات الخاصة به، وبسبب تغير السلطة في المملكة، بحيث لم يتمكن حتى الآن من
ترتيب هذا الوضع. وبما أن الواضح أن الدور القيادي في المملكة عاد إلى ولي العهد
الذي لا ود بينه وبين الحريري، أصبح لزاماً على هذا الأخير أن يعطي الأولوية
لعلاقاته الداخلية.
هذه هي نقطة التقاطع مع حزب الله!
هذا التقاطع يقوم على الآتي:
أ- القوى العالمية متفقة أن الإرهاب الذي يجب مقاتلته هو الإرهاب "السني".
وهذه الدول هي روسيا، أوروبا، إيران، تركيا والسعودية، جميعها بقيادة أمريكا.
ب-
إنطلاقاً من هذا التحديد، تكون كل ساحة سنية
في أي بلد هي ساحة مهيأة للإنخراط في الإرهاب. والساحة اللبنانية ليست استثناءً،
خاصة أنه قد حصلت عدة عمليات إرهابية وإن لم تكن جميعها "سنية".
ت-
بما أن الأمن سياسي دائماً، لذلك فإن استقرار
الساحة اللبنانية يتطلب توافقاً بين القوى الفاعلة.
ث-
الحريري هو الوحيد، حتى الآن وعلى المدى
المنظور، الذي بإمكانه ضبط الساحة السنية، وبما أن الأمن الداخلي هو أولوية
بالنسبة لحزب الله حتى يتمكن من التحرك العسكري خارج الساحة المحلية، لذلك،
فالحفاظ على قوة الحريري هي حاجة للحزب كما هي في الوقت نفسه حاجة للحريري نفسه.
ج- بما أن
الحزب هو الوحيد الذي بإمكانه رعاية حركة مناهضة للحريري، فقوة الحزب تمكنه من
الحفاظ على تماسك ساحة الحريري أيضاً.
النتيجة
ليس إضعاف طرف لطرف هو الذي يحافظ على الإستقرار في
الساحة الداخلية، إنما عكس ذلك تماماً. إن مصلحة حزب الله هو بتمتع الحريري بقوة
على الساحة الداخلية، كما أن من مصلحة الحريري أن يبقى الحزب على قوته وتماسكه من
أجل الحفاظ على قوة الحريري نفسه.
متناقضان، متنافسان، مصلحتهما تقتضي عدم إضعاف كل منهما
الآخر! هذا هو الواقع الذي نعيشه!
4 أيلول 2016
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق