حسن ملاط
هناك مسائل يتكرر طرحها باستمرار لأسباب لا تبدو واضحة.
ومن هذه المسائل، السنة النبوية الشريفة، من حيث وجودها ومن حيث ضرورتها من عدمها بوجود
القرآن. والحجة الأساسية التي يوردونها هي أنه بما أن القرآن قد وصلنا بالتواتر،
وبما أنه لا يوجد أي شك بصحة الكتاب الذي بين أيدينا، فلم يعد من ضرورة للجوء إلى
السنة التي وصلتنا عن طريق آحاد وأنه بدأت كتابتها بعد أكثر من قرن ونصف من موت
رسول الله. كما وأن الأهواء السياسية قد لعبت دوراً كبيراً بتحريف الأحاديث
الشريفة بما يتناسب مع مصالح الحكام بمختلف أنواع تسمياتهم: ملوك، سلاطين، أمراء
ووزراء وخلفاء...
سنناقش بعض هذه المسائل إنطلاقاً من أن جميعها صحيحة.
1-
القرآن هو الصحيح مطلقاً ويحوي جميع ما على
المؤمن أن يقوم به حتى يتحقق إيمانه. وقد ورد في القرآن أن رسول الله أسوة حسنة
لمن كان يرجو الله واليوم الآخر. وحيث أن المؤمن هو من يرجو ذلك، فقد أصبح التأسي
بالرسول واجباً. وإذا كانت السنة غير مؤكدة فهذا لا يعني أن جميع ما وردنا من
أحاديث عن النبي كان كاذباً. وبما أن احتمال الصدق موجود كما هو احتمال الكذب
أيضاً، فقد أصبح من الواجب التفتيش عما يجعل إمكانية التأسي بالرسول ممكنة. أي
التفتيش عن معيار صحيح مطلقاً نعرض عليه جميع ما ورد من أعمال أو أحاديث قام بها
الرسول. هذا المعيار موجود بين أيدينا وليس بإمكان أحد التشكيك بصحته: القرآن.
النية الصادقة تستوجب عرض ما وردنا عن النبي الرسول على المعيار الصادق أي
القرآن حتى نتمكن من التأسي برسول الله.
2-
الممارسة العملية للمعتقدات
أن نقول بأن مهمة الرسول هو تبليغ الرسالة فقط، هذا أمر يصح إذا كانت ظرفاً
مختوماً لا تعني الرسول الذي يحمل هذه الرسالة. ولكن حيث أن الله تبارك في علاه قد
وصف النبي بمعيته لأصحابه (محمد والذين معه)، فهذا يعني أن الجميع معني بالرسالة
التي يحملها النبي وعليه تبليغها (بلغ ما أنزل إليك من ربك).
ما تقدم يعني أن المؤهل الأول لمعرفة كيفية تنفيذ مضمون الرسالة هو النبي
صلى الله عليه وسلم، لأنه معني كغيره بمضمون هذه الرسالة. وهذا ما تعنيه الآية
التي تتحدث عن الأسوة الحسنة.
هنا يطرح السؤال التالي نفسه: هل كان من الممكن تنفيذ مضمون الرسالة التي
حملها النبي من دون النبي نفسه: الجواب هو بلا! لأنه من خلال مضمون الخطاب القرآني
يتبين لنا أن القرآن قد ركز على كيفية تعامل النبي مع النص. أضف إلى ذلك، فقد كان
أحياناً ينتظر الوحي لأخذ قرار ما، وأحايين عديدة يأخذ القرار من دون انتظار
الوحي. وفي هذا دليل أيضاً على أنه لا يمكن الإستغناء عن معرفة ممارسة النبي
لإسلامه عندما يريد الناس معرفة كيفية ممارستهم لدينهم في حال أرادوا الإلتزام.
من هنا تلازم القرآن وممارسة النبي، ومن هنا أيضاً تلازم القرآن وممارسة
النبي لما جاء به كتاب الله.
3-
التأسي برسول الله وكيفيته
بما أن تأسيس "العلوم الدينية" قد تم في عهود الظلم، فهذا يتطلب
أو يوجب إعادة النظر بجميع هذه العلوم وعلى ضوء القرآن الكريم. هذا لا ينتقص من
عبقرية العلماء الذين أنتجتهم أمتنا، ولكن تقديرنا لهؤلاء يجب أن لا يجعلنا نقامر
برسالة الله تبارك وتعالى للعالمين. من هنا، علينا أن ننطلق أن معيار صحة وصدقية
أي نص وصلنا أو سيصلنا هو القرآن. كما وأن معيار صحة أي ممارسة عملية هو بالتأسي
بالرسول على ضوء ما جاءنا، ولكن، بعد تفحص معيارية صدقيته من القرآن الكريم.
هذا يقودنا إلى التساؤل عن كيفية التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم.
بما أن التأسي ليس التقليد، فهذا يعني أن المتأسي ملزم بالتفكير بماهية
العمليات العقلية التي استخدمها النبي حتى توصل إلى القرار الذي رأى أن عليه
تنفيذه بمعية المؤمنين (محمد والذين معه). وهذا يتناقض مع ما جاءنا من قصص وحكايات
عن تدخل جبريل بأمور معينة (من دون أن تكون قرآناً موحى به). وهذه القصص تعبر عن
مدى سذاجة الناقل لها والتي توحي وكأن النبي عاجز عن أخذ القرار أو كأن النبي ليس
عليه أن يفكر بما يجب القيام به. وفي نفس الآن يتحدثون عن كيفية مشاورته أصحابه.
حتى الخادمة التي في بيته استشارها في أمر ما يرتدي أهمية كبيرة!
لقد جعلوا من التأسي عملية آلية (ميكانيكية) لا مردود إيجابي لها بما ينمي
تجارب الأمة ويراكمها. حتى أن بعض الروايات تضع القارىء أمام نبي لا يمكنه الدفاع
عن قراراته، كما في الحديبية أمام اعتراض عمر بن الخطاب على الصلح.
نحن نعتقد بأن هذا النقل كان لتبرير ممارسات الملوك والسلاطين وتسلطهم
الغير مبرر أمام الناس. لذلك كانوا يلجأون إلى الروايات للقول للناس: ما يعرفه
الخليفة لا يمكنكم إدراكه.
ما تقدم يجعل من الدين تديناً على قياس ملوك كل عصر.
4-
هذا يقودنا للتحدث عن الإجتهاد أو التجديد.
التجديد في التفكير الديني أو الإجتهاد في الدين لإيجاد حلول لما يعانيه المجتمع
من آفات، يتطلب التطلع إلى النص من خارجه وليس من داخله. الإجتهاد كان على مر
العصور الإسلامية ينطلق من براديغم ثابت يتم القياس عليه. وهذا البراديغم ثابت لا
يتغير. من أجل ذلك، فالإجتهاد لا يحمل معنى الخلق إنما معنى التزيين.
نحن بحاجة إلى التفكر في القرآن انطلاقاً مما يسر الله لنا من تسخير ما في
السماوات والأرض لنا. نحن بحاجة للتفكر في القرآن على ضوء ما أعطانا إياه العلم
الحديث. وهذا يتطلب التطلع إلى النص بأدوات حديثة لم تكن معروفة سابقاً. فما الذي
يمكن أن توحيه لنا الآية: الذين يتفكرون في خلق السماوات والأرض، هؤلاء يصلون إلى
نتيجة تقول: ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك ثم يطلبون الوقاية من عذاب النار. ما
الذي يجعل الذي تمكن من اكتشاف نجمة ولدت منذ مئات ملايين السنين يقول فقنا عذاب
النار. هل يمكن أن يكون تفكير هذا العالم كمثل تفكير إنسان ساذج مثلنا على سبيل
المثال. وإلا ما معنى: إنما يخشى الله من عباده العلماء: علماء الفيزياء
والإلكترونيات والذرة ووو... وعلماء اللغة وغيرهم.
هذا ما يجعلنا نقول بأن النظر إلى النص الثابت من خارجه على ضوء ما يسر لنا
الله من اكتشافات علمية يجعل مقولة أن هذا الدين هو لكل زمان ومكان صحيحة.
إن جل ما فعله ويفعله "الفقهاء" هو العمل على إدخال الناس، كل
الناس إلى النفق حيث يوجدون. هذا مع العلم أن كمال حرية الإنسان هي بكمال عبوديته
لله. بقدر ما نؤمن بقدرة الله، بقدر ما نكون أحراراً.
ليس الإلتزام بالإسلام هو بالعودة إلى القرن السابع، إنما هو بالتأكيد أن
الرسالة التي حملها النبي صلى الله عليه وسلم في القرن السابع هي صالحة لكل زمان
ومكان، ومنها القرن الواحد والعشرون ومنها بلادنا على سبيل المثال لا الحصر.
وللمساهمة تتمات.
31تموز
2017