بحث هذه المدونالهجرة النبويةة الإلكترونية

حسن ملاط

صورتي
القلمون, طرابلس, Lebanon
كاتب في الفكر الاجتماعي والسياسي والديني. تربوي ومعد برامج تدريبية ومدرب.

الخميس، 6 يوليو 2017

الحقيقة في أزمة النزوح

         
حسن ملاط
بعد تحركات أكثر دينامية من قبل الإدارة الأمريكية باتجاه سورية (قصف قاعدة الشعيرات، تسليح القوات الكردية بأسلحة نوعية، احتلال الحدود المشتركة بين سورية والعراق والأردن، قصف القوات السورية والميليشيات الإيرانية أو الحليفة التي جاءت لتأمين ما اصطُلح على تسميته التواصل البري بين إيران وحزب الله اللبناني عبر سورية والعراق)، كل هذه التحركات أعطت مؤشرات لجدية الإدارة الأمريكية بإيجاد حل للأزمة السورية.
وبعد التحضير لآستانة الخامسة، والذي أفضى إلى نتائج متواضعة.
وبعد إعادة التواصل بين الإدارة الأمريكية وروسيا وتأكيد انعقاد الإجتماع بين ترامب وبوتين.
بعد كل هذه التطورات، أصبح لزاماً على جميع الأطراف محاولة تحديد مناطق نفوذها على الساحة السورية، بالإضافة إلى المساحات التي لا يمكن التخلي عنها.
هذه التطورات الإقليمية والسورية هي التي حتمت الإلتفات إلى الوجود السوري في لبنان.
العوامل التي تجعل من التحرك على الأرض اللبنانية ليس لبنانياً وإنما سورياً ساحته لبنان.
المعطيات المتوفرة حتى الآن تجعل من "سورية المفيدة" هي مركز اهتمام الطرف الإيراني. وبما أن هذه المنطقة هي مركز نفوذ روسي إيراني مشترك، فلا بد من أن يُحدد كل طرف لنفسه المساحة التي تهمه أكثر من غيرها، حتى يكرسها منطقة نفوذ صافية له مستقبلاً. وهذه المنطقة بالنسبة للإيراني هي المنطقة المحاذية للبنان. وبما أن نقطة التموضع هي سورية، لذلك أصبحت الساحة اللبنانية امتداداً للساحة السورية. من هنا ضرورة فهم ما يحدث في لبنان على أنه تطور سوري وليس لبنانياً.
جميع المناطق السورية المحاذية للبنان قد تم تهجير معظم أهلها المنتمين إلى مذهب معين. وهي تضم ريف دمشق وريف حمص. وبما أنه لا يمكن ملؤها بسكان من اتجاهات مذهبية معينة، أصبح لزاماً إفراغها. ووجود أكثر النازحين من هذه المناطق في لبنان ستشكل عودتهم إلى مناطقهم مجدداً نسفاً لكل المنجزات الحربية. لذلك فالتهجير من لبنان يبدو مساوياً، من حيث الأهمية، للتهجير الأول من الأراضي السورية.
لهذه الأسباب علينا النظر إلى ما حصل في مخيمات النزوح السوري في عرسال من هذه الزاوية. ولذلك أيضاً، إن الإضاءة على ما حصل وتضخيمه لا يخدم المحافظة على بقاء النازحين في لبنان. فالخوف الذي سيطر على النازحين بعد التضخيم الإعلامي جعل النازح يريد النجاة بنفسه ولو باللجوء إلى المناطق الأكثر بعداً عن بيته الذي نزح منه. وهذا ما يريده النظام السوري نفسه.
أما ما طُرح عن ضرورة المفاوضات بين الحكومة اللبنانية والحكومة السورية بشأن إعادة النازحين، فهذا يكاد يكون نوعاً من المزاح بقصد تضييع الوقت. ما هو الدور الذي لعبته الحكومة اللبنانية بشأن النزوح؟ طبعاً الجواب لا شيء. عندما كثُر عدد اللاجئين السوريين طُرح إقامة مخيمات على الحدود السورية. لم توافق بعض الأطراف لافتراضها أن اللاجئين سيكونون جيش احتياط للمعارضة السورية بسبب انتمائهم المذهبي.
أما عن عودتهم الآن. فهذه العودة هي افتراضية فقط. فإما أن يعودوا إلى معسكرات الإعتقال أو يتم تهجيرهم إلى إدلب كما حصل مع معظم سكان ريف دمشق وضواحيها وحمص وضواحيها وريفها.
المفاوضات تعني إما تهجيرهم من لبنان إلى الحدود التركية، أو تهجيرهم إلى الحدود التركية بعد دمغهم من حكومة دمشق.
ما نقوله ليس أوهاماً. إسمعوا إلى حديث رئيس بلدية عرسال عن مشكلة المخيمين واتهام الجيش وعن مشكلة النازحين.
فعن الجيش بعد اتهامه بتعذيب المعتقلين ومنع كاتب عدل من الوصول إلى عرسال، قال:  سأل الحجيري في حديث مع "لبنان 24": "هل من الطبيعي أن يتوجه كاتب العدل الى المواطن أم على المواطن ان يتوجه الى كاتب العدل كي يوكل محامياً؟ داعياً إلى عدم اثارة فتنة والاستخفاف بعقول الناس".
ثم أضاف: "أنه يحظر على اللاجئين مغادرة المنطقة حول عرسال" (فكيف يذهبون إلى كاتب العدل؟).
ولكن أهم ما جاء على لسان الحجيري هو التالي: أن "بعض أهالي حمص والقصير باتوا مقتنعين بوجوب العودة الى جرابلس وإدلب في الشمال، أما بالنسبة الى أهالي القلمون، فهم بانتظار تسوية مع النظام للعودة الى بلداتهم وقراهم".
واضح أن العودة ستكون إلى شمال سورية، هذا إن حصلت. ولكن المؤكد أن لبنان لن يكون من الآن فصاعداً محطة لجوء للسوريين.
لذلك، فالمسارعة إلى اتهام الجيش على أنه طرف ضد الوجود السوري لن يخدم استقرار النازحين في الأراضي اللبنانية. وهذا الأمر هو سياسي بامتياز حتى وإن تخلله بعض التحركات ذات الطابع الأمني، وهذا يُعتبر ضرورياً لاستقرار الوضع الداخلي اللبناني الذي يخدم اللبنانيين والسوريين في نفس الوقت.
خلاصة:
التحركات الجارية حالياً بشأن الوجود السوري في لبنان، هي شأن سوري، بمعنى ترتيب مناطق نفوذ الأطراف الفاعلة على ساحة الحرب السورية. من هنا فإن إشراك الحكومة اللبنانية بهذا الشأن لا معنى له. فالحكومة اللبنانية لا يمكنها أن تفرض على الحكومة السورية إعادة النازحين إلى أرضهم كما أنه لا يمكنها فرض التعامل الإنساني مع هؤلاء بعد عودتهم، إذا عادوا.
أما إذا كانت الحكومة اللبنانية تريد أن تلعب دوراً إيجابياً وإنسانياً بالنسبة للنازحين السوريين في لبنان، فما عليها إلا أن تبحث هذا الأمر جدياً مع الحكومة الروسية. وهذا ما لن يتم.
                               7 تموز 2017


ليست هناك تعليقات: