حسن
ملاط
كان
لاستقالة الرئيس الحريري الأثر الكبير في زعزعة الإستقرار الذي كان سائداً في
البلاد خلافاً لما هو حاصل في المحيط. ولكن الظروف التي أحاطت هذه الإستقالة تركت
آثاراً كبيرة على مكونات الإجتماع اللبناني، ليس من السهل تجاوزها.
في
الأستقالة
لم يكن
هناك أي مؤشر يوحي بأن الرئيس سيستقيل من منصبه. ما جرى هو استدعاؤه إلى السعودية
والطلب منه الإستقالة، هذا إذا أحسنا الظن، ولكن الوقائع تشي بخلاف ذلك، هذا إذا
اعتمدنا على المصادر الأجنبية، فرنسية، أمريكية، بريطانية أو المانية...أو غيرها.
وجميعها تؤكد أن الحريري لا يمتلك الحرية بالتعبير عن رأيه في المكان الموجود فيه.
أما عن
المقابلة الصحفية التي أجراها، فهي تقول بأنه ليس بأوضاع طبيعية.
كانت
ردود الفعل على الإستقالة وطنية بامتياز. فجميع مكونات الإجتماع اللبناني انتقدت
الطريقة التي تمت بها الإستقالة. ومنها من اتهم النظام السعودي علناً ومنها من
أشار إليه ضمناً. ولكن المتفق عليه كان هو أن الإستقالة غير قائمة حتى عودة
الحريري إلى لبنان.
الإستقالة
و"سنة" لبنان
لقد
بذل الرئيس رفيق الحريري قصارى جهده، وبالتعاون مع النظام السعودي لتحويل السنة
إلى طائفة... ولم يُفلحوا. السنة في لبنان لا يملكون شعور الأقلية، لذلك لا نرى
التماسك الطائفي أو المذهبي الموجود عند الطوائف أو المذاهب الأخرى.
جميع
المعارك التي جرت في لبنان لم تتمكن من زحزحة الأغلبية الساحقة من "سنة"
لبنان عن مواقفهم الوطنية أو القومية. ولكن الأموال التي دفعتها السعودية ودول
الخليج لل"دعاة" تمكنت من خلق أقلية عند السنة تتحدث باللغة المفروضة
على الإقليم من رعاته الإقليميين، الرعاة الذين آلوا على أنفسهم أن يشتتوا الشعب
من أجل الإحتفاظ بمكتسباتهم القائمة على نهب خيرات شعوب هذا الإقليم. وهذه الأقلية
تملك إمكانية الحركة أكثر من غالبية السنة بسبب من الدعم الخارجي المعد من أجل
قسمة المسلمين والمجتمعات المحلية.
وبما
أن الطبقة السياسية السنية تتبنى طروحات الذين يمسكون زمام الأمور، أعني السعودية
وبعض دول الخليج، فاستقالة الرئيس الحريري ستترك آثاراً كبيرة على المكون السني في
الإجتماع اللبناني.
الضغط
الذي مارسته السعودية على الحريري والتعامل الذي يتسم بالبربرية معه أحدث شرخاً
داخل التيار الذي يدين للسعودية في نشأته والذي يمثل السنية السياسية بأغلبيتها.
فبعد أن كان هذا التيار متماسكاً، تمكنت السعودية من إحداث انقسامات في الرأي
داخله، لن يتمكن حتى الحريري من معالجتها في حال عودته. فالسعودية لن تثق به بعد
الآن، ولا وجود لأية شخصية بإمكانها توحيد غالبية السنة كما كان يفعل الحريري الذي
ورث هذا التماسك في الطائفة عن والده. وهذا يعني أن الطوائف الأخرى سوف يصبح
بإمكانها التعامل مع المكون السني كما تعاملت مع الموارنة بعد اتفاق الطائف
الشهير.
من
هنا، يمكننا القول وبكثير من الثقة أن السعودية قد خسرت معركتها في لبنان وتمكنت
من إحداث شروخات ضمن السنة لن يتمكن أحد وعلى المدى المنظور من معالجتها. ولا
نبالغ إذا قلنا بأن السياسي الذي سيحاول التعامل مع السعودية مطلوب منه العد إلى
المئة قبل الإقدام على ذلك.
ما
معنى إذلال ممثل الطائفة الكبرى في البلد من قبل من وضعت هذه الطائفة الآمال
بدعمها لها؟
هل من
سبيل إلى معالجة هذا الموقف؟
نعم!
ولكنها مفعمة بكثير من الشكوك!
1-
حتى
يتمكن الحريري من أخذ المبادرة لما فيه مصلحة البلد ومصلحة إستقراره، يصبح مطلوباً
من القوى الأخرى، وبالتحديد حزب الله، إشعار الطوائف الأخرى بأنها شريكة في أخذ
القرار وأن بإمكانها وضع فيتو على ما تراه يُسيء إلى الشراكة بين مختلف الطوائف.
ومن حسنات هذا الأمر أن الضغوطات التي مارستها السعودية على الحريري تصبح من غير
معنى. كما وأن التنازل للطوائف الأخرى لا يعتبر نصراً للسعودية فيما قامت به.
النصر الذي تحققه السعودية هو عندما يصبح مستحيلاً على
الطبقة السياسية اللبنانية الإستمرار في الحكم بشراكة بين مختلف الأطراف الفاعلة
في الطوائف جميعها.
2-
إن إمكانية الحريري على استرداد الفعالية التي
كان يتمتع بها ما قبل الإستقالة يجب أن يستعيدها بمؤازرة من جميع الطوائف الأخرى،
وخاصة من حزب الله، لما في ذلك من أهمية للتمثيل الأكبر ضمن الطائفة السنية حتى
يكون فاعلاً في ضبط جميع التحركات التي يمكن أن توحي بها أطراف خارجية ضمن الطائفة
السنية.
3-
السيطرة المطلقة على الطائفة السنية من دون
تغطية من السعودية تبدو أنها صعبة جداً، خاصة
وأن علاقات الطوائف مع الدول الخارجية تقوم على الإستخدام. من هذه الدول من يحترم
خدامه ومنها من يتصرف بكثير من العنجهية، وهذه الصفة الأساسية للمجتمعات الريعية.
وبما أن استخدام المال السياسي في هذه المرحلة لا يبدو متوفراً، فلا بد من الإستعاضة
عن ذلك ببديل سياسي وازن يمكن الحريري من إظهار عدم حاجته إلى تغطية خارجية في
التمثيل الفاعل للطائفة السنية.
4-
إن التشرذم الذي سببته السعودية للسنة في لبنان بممارساتها
الصبيانية له آثار سلبية على الساحة اللبنانية. ما من أحد بإمكانه أن يتحدث عن حرب
أهلية، ولكن ليس مستحيلاً أن يتمكن الصائدون بالماء العكر من تعكير الأمن نسبياً،
وهذا ما سيُعتبر نقطة لصالح الطرف الذي يريد إعاقة حركة حزب الله...
خلاصة
ليس للتهديدات التي أطلقتها السعودية بحق
لبنان وحزب الله أية مفاعيل حقيقية. فالمجتمع السعودي في حالة تشتت وضياع بسبب
سياسة ولي العهد الذي أعلن الحرب على اليمن على أساس أنها نزهة ولم يتمكن حتى الآن
من تحقيق أي تقدم.
أما عن سيطرته على القوى
المسلحة، فهي ليست أكيدة. فسلمان لم يكن المؤسس للجيش السعودي إنما سلطان هو من
أسس الجيش الذي تسلمه سلمان منذ عدة سنوات فقط. أما الحرس الوطني وهو جيش أيضاً
كان بعهدة عبد الله ثم تسلمه متعب الذي يقبع في السجن حالياً. وهذه التشكيلة
العشائرية غير مأمونة من قبل ابن سلمان. والأمر نفسه ينطبق على قوات وزارة
الداخلية التي كانت بعهدة نايف ومن بعده ابنه محمد. فكيف يخوض حرباً من لا يأمن
جانب قواته؟
نعود إلى سنة لبنان الذين
يتميزون بعدم اللحمة الداخلية الصلبة بسبب عدم شعورهم بأنهم أقلية. وليس لهم حماية
خارجية. فمصر لا يمكنها حماية نفسها والسعودية تتصرف تصرف الذين لا يملكون تجربة
سياسية.
من هنا، نرى بأن
الإستقرار في لبنان يستوجب الإتفاق بين القوى السياسية الفاعلة على كيفية إدارة
الحياة السياسية في البلد حتى إيجاد الحلول في الإقليم وسورية على الأخص.
خلاف ذلك سيخلق عدم
استقرار يُفقد جميع الأطراف فعاليتها الداخلية منها والخارجية.
17 تشرين الثاني
2017
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق