|
حسن ملاط
هذه المقالة تطمح للإضاءة على بعض القضايا
التي تتطلب النقاش الجاد. من أجل ذلك، نحن نطمع بالإطلاع على آرائكم الجادة
والقيمة في آن.
المشهد الدولي
يحار المرء مما يراه من
القرارات التي يأخذها الرئيس الأمريكي، ترامب، والمعادية لما أرسته الإدارة
الأمريكية من علاقات مع باقي دول العالم. فهذه القرارات هي معادية للعولمة
النيوليبيرالية التي تقودها الولايات المتحدة بواسطة أدواتها المعروفة: الدولار
وحاملات الطائرات إضافة إلى منظمة التجارة العالمية والبنك الدولي وصندوق النقد
الدولي.
هل أن أمريكا قررت العودة إلى الانكفاء على
نفسها، أو ما اصطُلح على تسميته مبدأ مونرو؟ حتى إذا سلمنا جدلاً في هذا الأمر،
نرى بأن قرارات ترامب بالنسبة لمعاهدة "نافتا" التي تنظم العلاقة بينه
وبين المكسيك وكندا قد طالها مقصه. والمبدأ المشار إليه يعتبر الدول الأمريكية من
"أهل الدار".
أن يبدأ بفرض الرسوم على الصين يُمكن فهمه،
أما على المكسيك وكندا، فهذا عصي على الفهم.
كبار علماء الإقتصاد الأمريكيين لم يصلوا
إلى استنتاجات نهائية لفهم ما يفعله ترامب من تقويض للقواعد التي أرستها أمريكا في
المبادلات الإقتصادية على الصعيد العالمي.
ملاحظة يمكن إضافتها في هذا المجال، وهي أن
الرئيس الأمريكي أوحى للأنظمة الغنية والضعيفة أن أمريكا هي قوة جاهزة لحمايتها
مقابل أجر. وهذا ما يفعله مع دول الخليج العربي، على سبيل المثال لا الحصر. فقد أنذر الرئيس الأمريكي الدول الأوروبية أيضاً، أن عليها من الآن فصاعداً، أن تدفع مقابل
حمايتها.
هل هناك مجابهة لما يقوم به الرئيس
الأمريكي؟
لقد حاولت الدول المتضررة من الهيمنة
الأمريكية، (الهيمنة بالمعنى الذي استخدمه غرامشي، أي القبول بالخضوع للجبروت
الأمريكي، وهذا خلاف السيطرة التي تكون بالإلزام من خارج)، من تشكيل عدة محالفات
مثال بريكس ومعاهدة شنغهاي وميركاسور وأولها كان الإتحاد الأوروبي. ولكن هذه
المحالفات جميعها لم تلعب الدور الذي أنشئت من أجله، حيث أن كل دولة على حدة كانت
ترى أن علاقاتها الثنائية مع أمريكا هي أهم من علاقاتها مع مجموع الدول الأخرى.
ليس هذا فحسب، بل إن كل دولة كانت تُخضع علاقاتها مع حلفائها لمصالحها الخاصة مع
أمريكا. وكل هذا ناتج عن أن النظام الرأسمالي يجعل من مصالح الطبقة المسيطرة هي
مصالح الدولة سواء رضي الشعب عن ذلك أم رفض.
لنأخذ هذا المثال التوضيحي قبل أن نغادر هذه
النقطة: الصين توظف في الخزينة الأمريكية حوالي 1300مليار دولار، كما ولديها رؤوس
أموال موظفة في أمريكا بحوالي 700مليار دولار. أما مبادلاتها مع جميع حلفائها سواء
في بريكس أو معاهدة شنغهاي لا تبلغ معشار هذه المبالغ. فهل من مصلحة الرأسمالية
الصينية مغادرة علاقاتها مع أمريكا أو تهديد استقرار دولارها؟
الوضع الإقليمي
يتميز الوضع الإقليمي بالحروب القائمة في سورية والعراق واليمن
وليبيا. والمراقب يرى أن الغاية المتوخاة منها جميعاً هو تدمير هذه البلاد وتدمير
المجتمعات التي كانت ترتبط بانتمائها الوطني والقومي، والتي كانت ترى أن قضيتها
الأساسية هي القضاء على الكيان الصهيوني والتحرر من السيطرة الأمريكية على مختلف
ثروات شعوبنا والتي تنهبها بحماية الأنظمة التي ترعاها خلافاً لإرادة شعوبها.
بعض الأنظمة ترى أن الأولوية هي لقتال إيران، وبعضها الآخر يرى أن
الأولوية هي لقتال النظام السعودي والتكفيريين، حسب تصنيفهم. أما التحدث عن العداء
لأمريكا والصهيونية فهو لا يخرج عن كونه ديكور لتجميل الصورة، لأن القتال هو في
المدن السورية واليمنية والعراقية والليبية.
جميع ما نراه يتم تحت أنظار ورعاية أمريكا وروسيا. وبما أنه لا
يوجد في إقليمنا سوى ثلاث دول هي تركيا وإيران وكيان العدو، فإن أمريكا وروسيا
أيضاً ترى أن لهذه الدول دوراً في هذا الإقليم يجب احترامه. وهذا الدور لا يعني من
قريب أوبعيد مصالح هذه الشعوب، إنما يعني مصالح الأنظمة القائمة بما لا يتعارض مع
الاستراتيجية الأمريكية لهذه المنطقة.
ماذا يعني هذا الكلام؟
بالنسبة لكيان العدو الصهيوني يعني المحافظة على تفوقه على جميع
الصعد ومحاولة تطبيع علاقاته مع الدول العربية الخاضعة للحماية الأمريكية.
أما بالنسبة لتركيا، فالإدارة الأمريكية تريد أن تحدد الدور التركي
بما لا يسمح للأخيرة أن يكون لها تأثير على المحيط. وبما أن الجغرافيا هي أقوى من
الوقائع المستجدة، فإن أمريكا تستعين بالأكراد لتجميد أي سياسة تركية في المنطقة.
فالإدارة الأمريكية تريد تأبيد الحروب التركية الكردية.
أما العلاقة مع إيران فهي لا تخلف نوعياً عما قدمناه عن تركيا.
فالإدارة الأمريكية تريد دوراً لإيران يكرس الإنقسامات الطائفية والمذهبية في الإقليم
كما ويكرس الخلافات الإتنية، ولكن من دون أن يكون دورها قائداً.
إن دوراً نشطاً لإيران في الإقليم سيجعل دول الخليج تنفق كل ما
لديها من ثروات لحماية عروشها. وهذا كله يعود للخزينة الأمريكية. وبحيث أن الإدارة
الأمريكية لا يمكنها الإستحصال على المال الإيراني في نفس الطريقة، فهي تلجأ إلى
العقوبات من أجل دفع النظام الإيراني على القبول بالدور الذي تحدده الإدارة
الأمريكية له.
لماذا تتمكن الإدارة الأمريكية من لعب هذا الدور؟
إن كل من يختار النمط الإقتصادي الأمريكي سيخضع لمتطلبات هذا
النمط. لا يوجد حتى الآن أي نظام يريد أن يتصدى للرأسمال المعولم، حتى أولك الذين
يعلنون ليل نهار عداءهم للإدارة الأمريكية.
أما على صعيد إقليمنا فإن معظم الأنظمة تعلن خضوعها لأمريكا. أما
عن تركيا، فهي متناقضة مع الإدارة الأمريكية على ماهية الدور الذي تريد أن تلعبه
تركيا وذلك الذي تريده لها الإدارة الأمريكية.
تركيا هي عض فاعل في حلف الناتو، وجيشها يعتبر الثاني بعد الجيش
الأمريكي. وهي تنسق مع أمريكا منذ عشرات السنين، وقاعدة انجرليك هي خير دليل على
ذلك.
هل بإمكان تركيا بمفردها أن تتمرد على أمريكا؟
لقد حذر البنك الدولي تركيا مراراً إلى أن بنية الإقتصاد التركي
هشة، لأنها تقوم بمعظمها على الإستثمارات الأجنبية. ولم يفعل النظام شيئاً
لإصلاحه. كما وأن الحرب المفتوحة مع الأكراد تؤثر سلباً على الإقتصاد التركي. كما
وأن الأهم أن معظم تجارة تركيا هي مع حلفاء أمريكا. من هنا فإن إمكانية المجابهة
بالنسبة لتركيا مرتبطة بإيجاد بدائل تمكن الإقتصاد التركي من الإستمرار في تماسكه.
ولكن حيث أن النظام التركي لا يجد تناقضاً بينه وبين النظام المعولم، فإن معركته
مع الإدارة الأمريكية لا تتعدى تحسين شروط التحالف.
أما عن إيران، فقد حاول النظام فيها التعاون مع الأمريكي في عدة
محطات مثل أفغانستان في 2001 والعراق في ال2003 وأخيراً في العراق في الحروب على
الشعب العراقي والسوري حيث أن الطرفين ينتميان إلى نفس المعسكر ويقاتلون نفس
العدو.
جميع هذه التجارب لم تنفع مع الأمريكي بإقناعه بالتماهي مع تصور
النظام الإيراني لدوره في الإقليم. لذلك، كانت الضغوطات ولا تزال.
ولكن، علينا التأكيد أن التناقض بين الطرفين لن يصل إلى حد التحارب
لأن النظام الإيراني لا يُحارب النظام المعلم إنما يريد أن يكون جزءاً منه. لذلك
رأيناه يضغط في أكثر من اتجاه حتى تقبل الإدارة الأمريكية إدخال البنوك الإيرانية
في النظام المصرفي الأمريكي. ولكن أمريكا رفضت لأنها تريد هي أن تحدد لإيران دورها
في الإقليم.
أما بقية الأنظمة فلم نتحدث عنها لأنها لم تعلن لا سراً ولا جهراً
عن رغبتها أو إرادتها بمجابهة الهيمنة الأمريكية.
ماذا نستنتج؟
إن مهمة مجابهة سلطة الرأسمال المعولم هي مهمة مطروحة على شعوب هذا
الإقليم. لذلك علينا دراسة الشروط المادية لإمكانية قيام هذه المجابهة.
إن مسيرة الأنظمة تقوم على نهب الثروات الطبيعية وبيعها وإنفاقها
من دون التفكير بحصة الأجيال القادمة من الثروة التي وهبها الله لشعوب هذه الدول.
إن إنتاج ملايين براميل النفط يومياً من قبل أنظمة إقليمنا من أجل الإنفاق على
حماية العروش من دون التفكير في مستقبل الأجيال القادمة هي سرقة موصوفة ولصالح
استمرار النهب الذي يمارسه الرأسمال المعولم.
حماية ثروات أجيالنا القادمة هي مهمة الشعوب.
فلنوضح هذه المسألة: إن استيراد القمح من الدول الأجنبية يكلف
ميزانيات مختلف دول الإقليم ملايين الدولارات سنوياً. أما إنفاق هذه الملايين على
استزراع الأراضي السودانية أو التركية فيُعد استثماراً ناجحاً لتوفير هذه الملايين
وحماية الثروات الكامنة.
لا يوجد في إقليمنا أية دولة صناعية. فالإقتصاد يسمى صناعياً عندما
يُنتج الآلات والمصانع وليس عندما يستوردها جاهزة ويشغلها في بلاده.
الثروة النفطية التي يحتاجها الغرب الصناعي لماذا لا نربط بيعها
بتصنيع بلادنا؟
لا أريد الاسترسال بالأمثلة لأن الفكرة أصبحت واضحة. ولكن علينا أن
نفكر كشعوب في كيفية الضغط على أنظمتنا حتى تسير في طريق التنمية والتحرر من
التبعية للرأسمال المعولم والعمل الفعلي من أجل القضاء على كيان العدو الصهيوني.
30 أيلول 2018
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق