حسن ملاط
"جورج عدوان:
نحن لا ننسق مع حزب الله، ولكن نتقاطع معه في أمور كثيرة".
لقد بات مؤكداً
عند مختلف القوى السياسية أن تشكيل الحكومة في لبنان هو قضية إقليمية بقدر ما هو
قضية داخلية تعبر عن موازين القوى بين مختلف القوى المذهبية والطائفية. من هنا
ضرورة الإضاءة عل ما حصل من تغيرات في الإقليم حتى نتمكن من الإجابة عن السؤال حول
تشكيل الحكومة المتوقع.
إقليمياً
بعد التفاهمات
الأمريكية الروسية والتي تم تتويجها في قمة هلسنكي، كان التحرك الأمريكي في التخلي
عن جماعتها في جنوب سورية معلناً. فقد أبلغت الإدارة الأمريكية من يعنيهم الأمر
أنها لن تساعد هذه المعارضة وأن على هذه المعارضة أن تدخل في تفاهمات مع النظام أو
مع الإحتلال الروسي.
ليس هذا فحسب، بل
إن الإحتلال الروسي فتح المعركة على درعا وذلك بقصفها بشكل غير مسبوق يُذكر بغروزني
وتدميره لها على سكانها، واستدعى المعارضة للتفاوض. قبلت بعض الأطراف ورفض بعضها
الآخر... وحُسمت المعركة لصالح النظام كتعبير عن انتصار للغزاة الروس.
وأصبحت قوات
النظام السوري على تخوم الجولان السوري المحتل. وهذا ما يريده الكيان الصهيوني،
تبعاً لما أعلنه كبار مسؤوليه السياسيين والأمنيين، مذكرين باتفاق 1974 الذي يكلف
جيش النظام بحماية أمن حدود الإحتلال. تقول جريدة "إسرائيل اليوم" التي
تعبر عن رأي نتنياهو: "إن بشار ذاته، وأباه قبله، حرصا دوما على حفظ الهدوء التام على
طول الحدود".
هناك موضوع لم يتم
الإتفاق عليه في قمة غروزني، وهو التواجد الإيراني في سورية. فأمريكا لا تقبل بهذا
الوجود المسلح وكذلك الكيان الصهيوني. ولكن روسيا بحاجة لإيران في معركة الضغوط
المتبادلة بينها وبين الولايات المتحدة، من هنا يبدو أن روسيا تتجه نحو تخفيف
الوجود الإيراني شيئاً فشيئاً بالشكل الذي يُرضي كيان العدو والإدارة الأمريكية
ولا يُغضب في الآن نفسه الحليف الإيراني.
هذا لا يعني أبداً أن
العدو سيسكت على هذا ألأمر، حتى وإن قبلت به الإدارة الأمريكية، ودليلنا على ذلك
هو استمرار الإعتداءات الصهيونية على سورية حتى بعد قمة هلسنكي وتسلم الجيش السوري
للقنيطرة السورية.
ولكن يبدو أن الإدارة
الأمريكية تريد الإستمرار بمعركتها من أجل تطويع النظام الإيراني بالشكل الذي
يتوافق مع سياستها في إقليمنا وذلك بفتح المعركة عليه في العراق، الساحة الأهم
بالنسبة للإيراني.
ففي الإنتخابات
الأخيرة، تمكن مقتدى الصدر الذي يشكل المرجعية الشيعية العربية الوحيدة تقريباً
المتواجدة في العراق من تحقيق النصر في الإنتخابات بشعارات معادية للطائفية
والمذهبية والتي تعتمدها إيران بتقسيمها للساحة العراقية لتأبيد الصراعات المذهبية
مما يمنع من قيام كيان عراقي متماسك.
هذا الإنتصار أجبر
سليماني، رئيس لواء القدس في الحرس الثوري الإيراني، والذي يُعتبر كقوات تدخل سريع
خارج إيران، على المجيء إلى العراق لنزع إنتصار الصدر ومنعه من تشكيل إئتلاف يمكنه
من تشكيل حكومة عراقية جديدة. ويبدو أنه نجح في مسعاه.
ولكن المفاجأة الغير متوقعة كان الحراك الشعبي الكبير في المدن الشيعية،
إضافة إلى الشعارات المرفوعة والتي تطالب إيران بالخروج من الساحة العراقية،
بالإضافة إلى المطالب ذات الطابع الإقتصادي والإجتماعي.
رغم هذا النجاح، يبدو
أن إمكانية الإرتياح للوضع العراقي المستجد غير مرجحة. ليس من السهل على دولة
كإيران أن تفتح أربع معارك في نفس الآن: سورية، العراق، اليمن والساحة الداخلية،
حيث أصبحت التحركات الشعبية شبه يومية.
ما هي انعكاسات هذا
الوضع على لبنان؟
القوى الرئيسة على
الساحة اللبنانية هي: حزب الله وأمل كممثلين للشيعة، الحريري كممثل للسنة، جنبلاط
كممثل للدروز والقوات اللبنانية والتيار العوني كممثلين للمسيحيين.
إن دراسة كل من هذه
القوى على حدة يظهر ما يلي:
1-
حزب الله هو قوة داخلية تملك ارتباطات خارجية تفرض
عليه ربط موقفه الداخلي بالوضع الإقليمي.
2-
أمل ينبع موقفها من الداخل ومن ارتباطها المذهبي
بحزب الله.
3-
ما يعني جنبلاط هو الدروز كما علينا الإشارة إلى
أنه المتمرس الأبرز باللعب الطائفي.
4-
ما يعنيه للحريري هو تفرده بتمثيل الساحة السنية.
ومن الجدير الإشارة له في هذا المجال هو أنه الوحيد المؤثر في الساحة السنية على
كامل الأراضي اللبنانية، وذلك بعكس الآخرين الذين يمثلون ساحتهم المحلية فقط.
5-
أما القوات اللبنانية فتمثيلها للساحة الطائفية
المسيحية مستمد من تاريخها في هذه الساحة بالإضافة إلى شعاراتها التي تتبناها كل
قوة تريد العمل في الساحة المسيحية.
6-
التيار العوني يملك قوته الخاصة من دون امتلاكه
لشعاراته الخاصة. ومن رأى الشعارات التي رفعها قائد التيار العوني يتأكد أنها تحمل
بصمة القوات اللبنانية. وعليه يمكننا القول بأن قوة التيار العوني تحتاج إلى معونة
الشيعة حتى تتمكن من منافسة القوات اللبنانية.
التأثير الأقوى على
الساحة الداخلية هو لحزب الله الذي يملك القوة العسكرية بالإضافة إلى تأثيره على
خليط من القوى في الساحة المحلية. لذا علينا استكشاف رأيه بتشكيل الحكومة قبل غيره
من القوى الأخرى.
ليس من السهل في أي
حال من الأحوال التأكد إن كان التشكيل حالياً يناسب الحزب من عدمه. فعلى المستوى
المحلي يمكننا القول أن الحزب قد فاز في الإنتخابات وهذا يستتيع أنه من المناسب له
تشكيل الحكومة وهو في أوج قوته. ولكن، هل انعكاس الأوضاع الإقليمية على الساحة
الداخلية تمكنه من تحقيق أهدافه من خلال مشاركته الفاعلة في الحكومة؟ ماذا إذا تم
تفعيل العقوبات الأمريكية على لبنان في حال مشاركته الفاعلة... إلخ من الأسئلة
التي يمكن طرحها.
نحن نرى أن التطورات
الأخيرة في الساحة السورية مضافاً إليها مؤتمر هلسنكي والتي أتت التطورات في
الجنوب السوري عقبه قد قربت المسافات بين مختلف القوى الفاعلة على الساحة السورية.
ومن ضمن هذا السياق جاء تسلم قوات النظام الحدود مع العدو الصهيوني وطرد حلفاء
أمريكا. وهذا ما جعل النقاطع قائماً بين القوات والحزب على حد تعبير جورج عدوان.
وهذا ما جعل أيضاً ممكناً تسلم عدوان رئاسة إحدى اللجان النيابية الهامة تقليدياً.
وهذا ما يجعل إمكانية تأليف الحكومة ممكناً من دون كثير من التخوف من انعكاسات هذا
التأليف على رد الفعل الأمريكي إذا لم تفعل إيران ما يعكر هذا التصافي.
هذا لا يمنع من ضرورة
مراقبة الوضع العراقي وتطوراته وعلى الأخص ما سوف تقوم به إيران في هذه الساحة.
وهذا ما يفرض التنشيط لعملية تأليف الحكومة.
23
تموز 2018
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق