حسن ملاط
مقدمة
منذ بدء الأحداث في سورية والتي كانت بقصد تغيير الوضع السوري لصالح الأكثرية الساحقة من الشعب، تحولت هذه الأحداث إلى حرب على الشعب السوري، شاركت فيها قوىً متصارعة تتبع كل منها محالفة إقليمية.
أما وأن هذه الحرب شارفت على النهاية، بعد أن أُنهكت جميع الأطراف من دون استثناء، فقد أظهر كل طرف ما الذي يريده من مشاركته في هذه الحرب الظالمة.
وبما أن الأطراف التي يمكنها فرض إرادتها أكثر من غيرها، هي الإدارة الأمريكية وروسيا، لذلك علينا معرفة أهداف هاتين الدولتين. وبعدهما يأتي دور الأطراف الإقليمية: إيران، تركيا والكيان الصهيوني.
* أمريكا صرحت مرات عديدة بأنها لا تريد أي وجود لقوات أجنبية في سوريا باستثناء القوات الروسية.
* روسيا تريد انسحاب جميع القوات الأجنبية، بما فيها قواتها أيضاً، ولكن بعد تنفيذ إجراءات معينة.
* إيران صرحت مرات عديدة أنها موجودة في سورية بناء لطلب من الحكومة السورية ولن تُغادر حتى تطلب منها القيادة السورية ذلك.
* تركيا تريد أن تكون المناطق المحاذية لها تحت رقابتها حتى تقضي على أي فعالية لأعدائها من الكرد.
* العدو الصهيوني لا يريد أي تواجد لقوات إيرانية أو من حزب الله اللبناني في المناطق المحاذية للأراضي المحتلة.
هذا ما تريده الأطراف المشاركة في الحرب على الشعب السوري.
ولكن ما هي المستجدات التي حصلت مؤخراً والتي تتطلب نظرة مختلفة للوضع اللبناني؟
1- المستجد الأول: هو أن التهديدات الأمريكية بالعقوبات على إيران أرادتها الولايات المتحدة من دون فعالية حتى تكون أداة ضغط محتملة في محادثاتها الغير مباشرة مع الطرف الإيراني. فالدول الرئيسة المستوردة للنفط الإيراني، هي معفاة من العقوبات لمدة ستة أشهر. أضف أن تركيا أعلنت على لسان كبار المسؤولين أنها لن تلتزم بأية عقوبات على إيران وستستمر باستيراد النفط والغاز الإيرانيين.
كما أن المسؤولين الأمريكان قد صرحوا بأنهم لا يريدون تغيير النظام الإيراني، إنما تغيير سلوكه. وهذا يعني أنهم يريدون اتفاقاً مع النظام الإيراني ينظم التواجد المشترك في المناطق التي تسمح الإدارة الأمريكية للجانب الإيراني التواجد فيها.
أما عن سورية فقد صرح أحد كبار المسؤولين العسكريين الإيرانيين أنه لا وجود لقواعد عسكرية إيرانية في سورية. علماً أن التصريحات الإيرانية السابقة كانت تنص على عدم الإنسحاب إلا بطلب من الحكومة السورية. هذه التصريحات تعني تراجعاً سياسياً إيرانياً أمام الضغوط الأمريكية. ليس هذا فحسب، بل إن الجانب الروسي صرح أكثر من مرة أنه بناءً لرغبة العدو الصهيوني فقد تم انسحاب القوات الإيرانية والقوات الموالية لها إلى بعد يزيد على مئة كيلومتر من حدود الجولان المحتل.
أليس هذا تحضيراً لتنفيذ الرغبة الأمريكية بضرورة انسحاب القوات الإيرانية والقوات الموالية لها من سورية؟ ولكن بعد تنفيذ بعض الشروط التي من الممكن أن تشترطها إيران على أمريكا.
2- المستجد الثاني هو استبعاد أي حرب مع العدو الصهيوني. وهذا بارز جداً في ما يحصل من تطورات على الأرض.
ففي سورية كانت جميع الجبهات مشتعلة ما عدا الجبهة مع العدو، من دون أن نعدد التهديدات الفارغة التي كان يُطلقها الجانب الإيراني. وحتى بعد الاعتداءات المتكررة للجانب الصهيوني على القوات الإيرانية وقوات حزب الله، وعندما قررت إيران الرد، فقد كان الرد في المنطقة السورية المحتلة (إيضاح من السيد حسن نصرالله) مع تهديد بتجاوزها حدود الجولان المحتل في حال كرر العدو عدوانه (وقد كرر عدوانه ومن دون رد).
أما إيران فقد أنكرت أنها ضربت العدو واتهمت الجيش السوري بأنه هو من ضرب العدو والذي أنكر بدوره القيام بذلك.
ما ذكرناه يبين بوضوح أن العدو ليس على أجندة أي من الأطراف المتحاربة في سورية.
عن لبنان
بما أن الوضع السوري هو المؤثر الفعلي على الوضع اللبناني،
وبما أن الوضع السوري هو باتجاه الحل بإشراف أمريكي وروسي مشترك،
وبما أن أمريكا والعدو لا يقبلان بالتواجد الإيراني في سورية،
وبما أن الجانب الإيراني قد أعلن أنه لا قواعد عسكرية له في سورية،
وبما أن لبنان محاصر من قبل سورية من جهة ومن قبل العدو في الجهة الأخرى،
فإن القبول بالنفوذ الإيراني في لبنان لن يكون له تأثير سلبي على الوضع الإقليمي، لذلك فإن الإدارة الأمريكية لن تعترض على هذا النفوذ.
كيف ظهر ذلك؟
لم يكن الاهتمام الإعلامي الإيراني بالوضع الداخلي اللبناني بارزاً خلال أزمة تعثر تشكيل الحكومة. ولكن بعد المستجدات التي تحدثنا عنها، قامت صحيفة كيهان المقربة من القائد بكتابة مقال من دون توقيع، أي يعبر عن رأي الجريدة، يتضمن هجوماً شرساً على الرئيس الحريري. وكان صداه في بيروت معروفاً. من هنا، نرى بأن اللعبة المذهبية والطائفية أصبح مسموحاً بها في لبنان، ومن دون اعتراض من أي من الأطراف الدولية. فلتُنتج الطائفة الأقوى حكومة تعبر عن ميزان القوى الفعلي للأطراف الموجودة على الساحة. وليتم استلحاق جميع الطوائف بالطائفة الأقوى بعد أن يتم تشتيت تلك الطوائف. لقد تم الانتهاء من جميع الطوائف الأخرى باستثناء السنة الذين جاء دورهم الآن.
الحريري لم يعد حاجة لحزب الله في لبنان. الحرب في سورية والتي فرضت التنازل من قبل الحزب لصالح الحريري ولصالح وحدة الطائفة السنية، حتى يطمئن الحزب إلى قاعدته الخلفية، باتت في نهايتها. لذلك، فقد انتفت هذه الحاجة. ومن هنا ضرورة العمل على تفتيت هذه الطائفة كما بقية الطوائف.
إما أن يقبل الحريري بالتركيبة التي يريدها الحزب، وإما الابتعاد عن الميدان. وهذا الموقف لن يعترض عليه أحد سواء من القوى المحلية أو الدولية الفاعلة.
على الجميع أن يعلم أن الفاعل في لبنان هو الحزب ومن ورائه إيران. أما الشرط الدولي الوحيد فهو الاستقرار على الحدود الجنوبية، وهذا حاصل.
8 كانون الأول 2018
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق