بحث هذه المدونالهجرة النبويةة الإلكترونية

حسن ملاط

صورتي
القلمون, طرابلس, Lebanon
كاتب في الفكر الاجتماعي والسياسي والديني. تربوي ومعد برامج تدريبية ومدرب.

الأحد، 13 يناير 2019

التعاون الإقليمي كضرورة




حسن ملاط
                             للمناقشة
موضعة القضية
منذ سيطرة العولمة النيوليبيرالية على مختلف مفاصل الإقتصاد العالمي، بات العالم كله يخضع لنمط الإنتاج الوحيد والذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية. كما وأن وحدة النقد المعتمدة للتقييم والتبادل أصبحت واحدة وهي الدولار الأمريكي. وما اليورو الأوروبي والين الياباني والريميمبي الصيني إلا الأشكال التي تأخذها العملة الموحدة. ولعل انعكاس السوق العالمية الموحدة هي ما تجعل من الدولار يتميز بهذه الآحادية الإختيارية أو المفروضة.
إن أبرز الملاحظات التي تركتها أزمة الديون في الولايات المتحدة في ال2008 هي التالية: أزمة مالية أمريكية داخلية تركت انعكاساتها السلبية على جميع الإقتصادات الهامة من اليابان والصين والروسيا وألمانيا وفرنسا... إلخ وراحت كل من هذه الإقتصادات تحصي خسائرها.
وعندما أرادت الإدارة الأمريكية إيجاد الحلول لهذه الأزمة البنيوية التي أصابت الإقتصاد الأمريكي (العالمي)، لجأت إلى تمويل البنوك التي سببت الأزمة وذلك بسبب قيامها بعمليات مالية غير قانونية بشهادة من وزارة الخزانة الأمريكية. وقد علق على هذه المعالجة أحد أبرز الإقتصاديين الحائز على جائزة نوبل للإقتصاد بول كروغمان: خسر الناس ومولوا البنوك. نفس الملاحظة أوردها توماس بيكيتي صاحب كتاب رأسالمال في القرن الواحد والعشرين، قائلاً: الآلاف خسروا مدخراتهم جميعها وراحت الإدارة الأمريكية تمول البنوك بدلاً من تمويلها هؤلاء!
هذه الملاحظة فيها دلالة واضحة على وحدة السوق وارتباطها وخضوعها للأمريكي الذي يملك الدولار وحاملات الطائرات التي تحمي العملة العالمية.
إن أي تفكير بالتحرر من الهيمنة الأمريكية يتطلب إيجاد الشروط المادية له. وهذا يعني أن وجود كتلة منسجمة مع بعضها البعض تاريخياً وتتجه إلى توحيد سوقها وبناء إقتصادها الإنتاجي وفيها ما يكفي من البشر هو الشرط الضروري للتحرر.
تجمعات دولية
بريكس: وهو تجمع يضم روسيا، الصين، جنوب افريقيا، البرازيل والهند. وهذه هي أكبر الإقتصادات النامية. ومن الجدير ذكره أن هذا التجمع أنشأ مصرفاً للتنمية لمنافسة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وهو برأسمال يصل إلى 100 مليار دولار. ولكن لا يزال تقدمه متعثراً رغم مرور عدة سنوات على إنشائه.
كما وأن الصين أنشأت مصرفاً للبنية التحتية برأسمال يصل إلى 50 ملياراً من الدولارات. وينطبق عليه ما ينطبق على البنك الأول.
دول معاهدة شنغهاي: وتضم روسيا والصين والهند وقيرغيزستان وكازاكستان وطاجيكستان والهند وباكستان ... وهذه المنظمة يميزها أنها تملك حدوداً مشتركة بين بعضها البعض وتقع في نفس المسطح الجغرافي. بينما البريكس تقع في اوروبا وآسيا وأمريكا وافريقيا.
هذان التجمعان اللذان ولدا من أجل التحرر من هيمنة الولايات المتحدة، لم يتمكنا من فعل ذلك لأنهما التزما بالقوانين التي فرضتها أمريكا من أجل السيطرة على العالم. فالتقييم والتبادل والإدخار يتم بالدولار. وهذا يكفي من أجل تأبيد الهيمنة الأمريكية.
ملاحظة: لم تكن تجربة الإتحاد الأوروبي ناجحة بسبب عدم امتلاكها للقوة العسكرية التي تعطيها إمكانية الإستغناء عن القوة الأمريكية. هذا من جهة، ومن جهة ثانية، لم تقم بمشروع وحدوي غير مشروع الآرباص وكانت ولا تزال تعتمد على التقنية الأمريكية بالنسبة للتكنولوجيا المتطورة، مما يعطي الأمريكي الحق بالفيتو على بعض المبيعات.
وعلينا الإشارة أخيراً أن ظروف إقليمنا لا تتشابه مع الدول الأوروبية.

هل بإمكان دول الإقليم أن تقيم تعاوناً فعالاً يحررها من الهيمنة الأمريكية؟
1-  إيران، تركيا والدول العربية متواصلة جغرافياً وتاريخها المشترك يمتد لمئات السنين، بل لآلاف السنين، منذ ما قبل الإسلام وما بعده.
2-  إتنياته ودياناته تعيش مع بعضها البعض. والكثير من هذه الإتنيات كان لها الحظ بقيادة معظم دول الإقليم في مرحلة من مراحل التاريخ.
3-  التعاون والتكامل فيما بين الدول القائمة لا يفرض على أي من القوميات عدم التعبير عن نفسها.
4-  هناك شرط سياسي لا بد من توافره لإمكانية التعاون وهو الرغبة في التحرر من السيطرة الأمريكية وهيمنتها.
5-  وهناك شرط قومي وهو الرغبة لكل من هذه القوميات بالتعبير عن نفسها بحرية تامة ومن دون وصاية من أية دولة.
6-  إن شرط تعاون هذه الدول فيما بينها هو العداء للكيان الصهيوني الذي اغتصب أرض فلسطين ويريد أن يتوسع في أراضي الغير ويمنع أي تطور حر لشعوب المنطقة. ليس هذا فحسب، بل ويجب أن يكون هناك استعداد للقضاء على الصهيونية واستئصالها من جذورها.
7-  توفر مثل هذه الشروط هو مصلحة لشعوب الإقليم وليس لطغمه الحاكمة. من هنا، نرى بأن التفكير بالعمل على توفر هذه الشروط يتطلب وجود حركة شعبية ضاغطة على حكامها من أجل إقامة مشاريع إقتصادية تكاملية توفر شروط الحياة المادية الآمنة لمختلف طبقات شعوب هذا الإقليم. والأمثلة على ذلك عديدة: تزريع السودان (حيث النيلان الأزرق والأبيض، بالمحاصيل الاستراتيجية مثل القمح والذرة بشكل يؤمن الغذاء لمختلف شعوب الإقليم)، تخصيص بلد معين من البلدان المنتجة للنفط بالصناعات البيتروكيميائية لتأمين حاجات شعوب الإقليم...
عل كل حال، لا ضرورة للتعداد لأن هذا عمل يختص بالخبراء. ولكن ما علينا التركيز عليه هو الإجابة على الأسئلة التالية:
أ‌-     هل شعوب الإقليم تحتاج لهذا المشروع التكاملي؟
ب‌-                      هل شعوب الإقليم ونخبها المثققفة مستعدة للنضال من أجل تنفيذه؟
ت‌-                      هل الظروف الإقليمية والدولية والمحلية مؤاتية للنضال من أجل تحقيقه؟
ث‌-                      ... إلخ
جميع ما ورد يحتاج إلى نقاش جدي ويحتاج أيضاً إلى تعميم نشره من أجل استحلاب الآراء لما يساعد على تأمين مصالح شعوبنا بالتحرر من التبعية السياسية والإقتصادية والعلمية والفكرية...

ليست هناك تعليقات: