كان الانقلاب الذي قاده الرئيس حافظ الأسد على رفاقه بمثابة الانتقال بسورية من الحكم الوطني الى حكم يقوم على توازنات بين الطوائف بقيادة العسكر الذي يسيطر عليه الرئيس.
لم يتمكن الأسد الأب من تغيير المعادلات القانونية التي تدل على أن الأكثرية الشعبية في سورية تنتمي الى مذهب معين. لذلك، كان يحرص على أن يكون منصب المفتي مقرباً منه، كما وأنه تقرب من جميع أصحاب الطرائق الدينية التي تنتمي الى الطائفة الأكثر عددياً.
هذه المعادلة لم تكن مريحة للعاملين على ما يسمى حلف الأقليات لأنها لم تكرس قانونياً الاتجاه الذي يريد هذا الحلف تكريسه.
الحرب على الشعب السوري التي خاضتها أطراف عديدة لا يمكن تبرئة أحد منها، كانت تبغي الى القضاء على اللحمة القائمة عند الشعب السوري التي تميزه بعدائه للقوى الاستعمارية وللكيان الصهيوني.
هذه الحرب جعلت السوري يفتش عن الخلاص بمعنى التمكن من حماية نفسه وعائلته من الموت بالسلاح أو بالجوع أو بالتهجير... الخ.
تمكنت هذه الحرب بقيادة القوى الطائفية والمذهبية من خلق هندسة جديدة للشعب السوري: النظام مسؤول عن الأقلية العلوية والأقلية السنية بعد تهجير القسم الأكبر من المنتمين لها والقرار النهائي بعدم السماح لهم بالعودة الى الساحل السورية أو دمشق أو حمص والضواحي التي تحاذي الأراضي اللبنانية.
أما ايران فهي مسؤولة عن الأقلية الشيعية والتي تحاول اكثارها من خلال عمليات التشييع بواسطة الأموال التي تنفقها على العشائر العربية، خاصة في دير الزور أي المناطق المحاذية للعراق.
الروس أعلنوا أنهم جاءوا لحماية الأقليات المسيحية وخاصة الأرثوذكس. لذلك أعلن بطرك موسكو أن الحرب التي يقودها بوتين في سورية هي حرب مقدسة.
ولا عجب لأن بوتين حذر الأرثوذكس الروس أنهم سيصبحون أقلية في روسيا لأن الروس المسلمين يُنجبون أكثر من اخوانهم الأرثوذكس وعرض عليهم الأرقام الموثقة وفي خطبة جماهيرية.
ما تقدم، يُظهر بأن الخطوة التي قام بها الرئيس الأسد هي تكريس قانوني لعدم وجود أكثرية لتسلم منصب الافتاء.
أما تسليمه السلطات الدينية لمجلس يضم جميع الطوائف والمذاهب، فهو للحفاظ على الطابع الأقلوي للدولة وليس اتجاها لتكريس علمانية الدولة. فتكريس علمانية الدولة يتطلب عدم تدخل الدولة في الشؤون الدينية التي هي من مهمات المجتمع الأهلي ولا علاقة للدولة بها. المواطن عليه الالتزام بقوانين الدولة اللادينية.
من هنا، ليست الخطوة التي قام بها الأسد قفزة الى الأمام، انما هي عودة الى الوراء بتكريس التباعد بين صفوف الشعب السوري الذي أحدثته الحرب على هذا الشعب الكريم، الذي تسلم شؤون الأوقاف فيه سابقاً، وبموافقته وزير مسيحي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق