بحث هذه المدونالهجرة النبويةة الإلكترونية

حسن ملاط

صورتي
القلمون, طرابلس, Lebanon
كاتب في الفكر الاجتماعي والسياسي والديني. تربوي ومعد برامج تدريبية ومدرب.

الخميس، 2 ديسمبر 2021

بين الخصومة والعداوة

 

                

الدكتور جوزيف عبد الله

حسن ملاط

مقدمة

بات معروفاً أن على التنظيمات السياسية أن تحدد بدقة من هو

العدو ومن هو الخصم، كما وتحديد الحليف والصديق. ولا

نعني بالعدو أو الحليف حليف التنظيم أو عدوه، إنما حليف

الأوطان والمجتمع وعدو الأوطان والمجتمع.

كيفية تحديد العدو

العدو هو ذلك الذي يقف عائقاً أو سداً أمام المواطنين لتحقيق

أهدافهم بالحرية والتقدم والازدهار لوطنهم وأمتهم. وفي حالتنا

الراهنة، هناك عَدُوّان للوطن والأمة يتمثلان بالكيان الصهيوني

الذي احتل فلسطين وطرد أهلها والذي لا يزال حتى اللحظة

يحتل مزارع شبعا وبعض القرى اللبنانية، ولا يزال يحتل أيضاً

الجولان السوري وغور الأردن.

أما العدو الثاني فيتمثل بالإدارة الأمريكية التي تحتل موقع

المركز بالنسبة للعولمة النيوليبيرالية التي تستنزف خيرات كافة

الشعوب في العالم بالتحالف مع معظم دول كتلة الرأسمالية الغربية (الأوروبية- اليابانية...)؛

وبالتوافق أحياناً والافتراق غالباً مع الصين وروسيا (الدعوة

إلى أوراسيا وطريق الحرير...) خصوصاً حول موقع القيادة

العالمية والهيمنة الكونية.

وهنا لا بد من التمييز بين العدو الذي من المفروض أن

تتشارك قوى الإقليم الحية في النضال ضده وذلك العدو

الإقليمي الذي تتسلم قوى الإقليم الحية الصراع ضده.

بين الخصم والعدو

الخصم هو من يمكنك حل التناقض معه بإزالة أسباب

الخصومة مع بقائه وجودياً. أما العدو فهو ذلك الذي لا يمكن

حل التناقض معه إلا بإزالته كلياً، وهذا ما ينطبق على العدو

الصهيوني. فالتناقض مع هذا العدو لا ينتهي إلا بعودة

الفلسطينيين الى أرضهم وعودة المستعمرين الغزاة الى البلاد

التي جاءوا منها.

في التطبيق العملي: نماذج تاريخية

1- النبي وقريش: بعدما استحال عليه الاستمرار بمهمة

التبليغ في مكة، هاجر النبي الى المدينة.

كان أول ما قام به هو كتابة الوثيقة بين المهاجرين من

مكة والأنصار في المدينة وما بين المهاجرين

والأنصار من جهة وأهل المدينة من اليهود والآخرين

من المشركين من جهة ثانية.

 

وكان أهم ما ورد في هذه الوثيقة هو منع أطرافها من

أي شكل من أشكال التعامل مع قريش.

هذا المنع هو الذي يعني أن العدو المحدد مسبقاً من قبل

النبي هو قريش التي كانت تمثل رأس حربة للشرك في

الجزيرة العربية.

فقريش كانت قبلة جميع العرب لوجود البيت العتيق

فيها. كما كانت قريش عصب الاقتصاد الجاهلي حيث

كانت أسواقها المهمة التي تشابه البورصة بالنسبة

لأيامنا هذه. كما كانت قريش تملك جيشاً محترفاً خاصاً

بها: الأحابيش...

من هنا، فقد كان الانتصار على قريش يمثل تدميراً

للشرك وحماته في الجزيرة العربية.

وللتأكيد على صحة ما ذهب اليه النبي الكريم، هو أنه

بعد فتح مكة، جاءت العرب الى النبي بعدما كان يذهب

اليهم.

2- فيتنام: حدد الفيتناميون عدوهم بالغزاة الأمريكيين.

وكان أقرب الأصدقاء لهم الصينيون والسوفيات.

عندما تضاعفت بشكل كبير الخسائر الأمريكية من

الجنود والعتاد، وعندما قام الشعب الأمريكي

بالمظاهرات اليومية في مختلف المدن الأمريكية، لم

يبق أمام الإدارة الأمريكية الا اللجوء الى المفاوضات.

وافق الفيتناميون على هذه الخطوة شريطة استمرار

العمليات العسكرية الى حين الوصول الى اتفاق.

 

لم يُعجب هذا الاقتراح الإدارة الأمريكية التي تريد وقف

القتال فوراً. وطلبت هذه الإدارة تدخل السوفيات

والصينيين لاقناع الفيتناميين بوقف الحرب. ولكن

الفيتناميين طلبوا من أصدقائهم عدم التدخل في

المفاوضات.

3- الصين: خلال المسيرة الكبرى للحزب الشيوعي

الصيني والتي كانت تحرر المدن والقرى من حكم

الكيومنتانغ المعادي للعمال والفلاحين وصغار الكسبة،

قامت اليابان باحتلال أجزاء من الصين.

عندها تواصل ماو تسي تونغ، قائد الحزب مع الرئيس

الصيني شان كاي شك وعرض عليه وقف القتال

وتوجه جميع المحاربين لقتال العدو الخارجي المتمثل

بالاحتلال الياباني. ولكن زعيم الكيومنتانغ رفض. فما

كان من ماو تسي تونغ الا أن أوقف هجماته على

السلطة الصينية ووجه سلاحه ضد المحتل الياباني.

 

النتائج

بالنسبة للمسلمين وصراعهم مع قريش، فقد حققوا نصراً مؤزراً

كان من نتيجته دخول العرب في الإسلام أفواجاً وانتقلت قيادة

الجزيرة العربية من قريش الى المسلمين. المسلمون الذين لم

يكونوا قبيلة، إنما تشكيل جديد لم تعرفه الجزيرة العربية من

قبل، يقوم على الانتماء الى عقيدة تربط الناس بعضهم ببعض

تقوم على بناء المجتمعات بفلسفة جديدة من أجل سعادة الانسان

في الحياة الدنيا وفي الحياة الآخرة. فالنبي اُرسل رحمة للعالمين.

أما بالنسبة للفيتناميين، فقد انتصروا على أعتى قوة في العالم

بفضل تخطيطهم الصحيح الذي أدى الى وقوف الشعب

الأمريكي ضد ادارته مطالبها بترك فيتنام لأهلها. وقد انسحب

الأمريكي من دون أن يتمكن من فرض أي شرط على الشعب

الفيتنامي.

أما الصينيون فقد اعتبروا أن القتال ضد المحتل الأجنبي هو

أولوية على تصحيح الأوضاع الداخلية. لذلك وجهوا سلاحهم

ضد العدو الخارجي وفرضوا الهدنة مع النظام.

ماذا عن الوضع الراهن في بلادنا وفي الإقليم؟

لبنان

في بلدنا، لم تُميز جميع القوى القائمة بين العدو والخصم. كما

وأنها لم تميز بين مصالح تنظيماتها ومصالح الوطن من ناحية

ومصالح الامة التي تنتمي اليها ومصالح الإقليم.

تدعي بعض القوى القائمة أن عدوها الوجودي هو الكيان

الصهيوني. ولكنها في المقابل تعاملت مع جميع الخصوم

وكأنهم أعداء وجوديون.

فالحرب مع الكيان الصهيوني لم تعد على بساط البحث الا

دعائياً. والدليل على ذلك أن جميع الحروب الحامية تقوم في

 

سورية والعراق واليمن ولبنان. أما مع العدو فحال من السلام

والأمان ونراه يتوسع في علاقاته مع مِن المفترض أن يكونوا

من معسكر أعداء الصهاينة لو أن المعسكر الذي يدعي العداء

للصهاينة كان يملك حس التمييز بين العدو والخصم.

(كان النبي يذهب لقتال المشركين بعيداً عن المدينة، علماً أن

المدينة كانت محاطة بالمشركين. لماذا لم يعتدوا على المدينة؟

ببساطة تامة لأن المسلمين لم يعاملوهم معاملة الأعداء).

كيف لمجتمع تتقاذفه العداوات الداخلية أن يُقاتل عدواً خارجياً؟

هذا غير ممكن. وهذا ما فعله القائد الصيني الشيوعي الذي

أوقف القتال من جانب واحد مع حكومة بلاده ووجه سلاحه

ضد العدو الخارجي.

 

النتيجة

علينا أن نُميز بين العداوة والخصومة. لا يمكن لحزب الله أن

يقضي على خصومه بحجة أنهم أعداء. ولا يمكنه أيضاً أن يُقيم

تحالفاته الا على أساس نظرة كل طرف الى العدو المعلن: الصهاينة والإمبريالية المتجسدة في المحالفة الغربية،

الأميركية- الأوروبية. وهذا ما لا يجري عملياً.

فالتيار العوني والقوات لهم نفس النظرة للعدو الصهيوني: حقه في الدفاع عن دولته المزعومة. فلماذا يتحالف الحزب مع التيار العوني ويُعادي القوات؟ هل لانعدام الخيارات؟ الجواب بالنفي فهو بامكانه التحالف مع القوى اليسارية والحزب القومي السوري والمجموعات اليسارية والوطنية الأخرى.

 

وهذا لا يتطلب اعلان الحرب على الأحزاب الأخرى.

فالمطلوب بالأحرى تغيير التحالفات والممارسات باتجاه

انتخابات ديمقراطية فعلية، لا محاصصة طائفية، واعتماد

نضال سياسي واقتصادي وتحرري في النقابات وفي المجالات

الاقتصادية والاجتماعية، وصولاً إلى بلوغ عملية تحرير وطني

جدية: سياسية واقتصادية واجتماعية...

 

كما لا يمكن أن يكون التكتيك معادياً لاستراتيجية الحزب

المعلنة. ومن هنا وجب أن تكون التحالفات في الداخل اللبناني

منطلقة من ضرورة تأمين مصالح الناس من جهة وتأمين

إمكانية النصر على العدو الوجودي.

أما على الصعيد الإقليمي، فعلى الدول الناشطة في التدخل في

الشؤون الداخلية لدول الإقليم، وعلى رأسها ايران وتركيا،

عليها أن تعلم: أولاً، إن الاستثمار في الانهيار العربي الراهن،

وتعميقه، يشكل عدواناً على شعوب الأمة العربية بصرف

النظر عن طبيعة أنظمتها القائمة. وهذا ما لن يساهم في توحيد

الإقليم، ولا يساهم في حمايته من التدخل الاستعماري من

الشرق والغرب. إن التدخل في الأوطان العربية بتعلة عناوين

الانتماء الديني، المذهبي والطائفي هو سلوك عدواني لا يزيد

 

من عناصر التفكك المجتمعي في العالم العربي فحسب، بل وفي

العالمين الإيراني والتركي أيضاً.

ثانياً، أنه لن يكون من حلول للأزمات التي تعيشها شعوب

الإقليم، ومنها الأتراك والايرانيون، لا يمكن أن تجد الحلول في

ظل النظام النيوليبيرالي المعولم إلا بكتلة متراصة بين دول

الإقليم تقوم على التكامل الاقتصادي وبما يحقق مصالح هذه

الشعوب قاطبة.

مثلاً: إن وضع اليد على العراق وتحويله إلى منهبة واعتباره

سوقاً للمنتجات الإيرانية أو التركية، لن يحل مشاكل الشعب

الإيراني والتركي، ولا يلبي حلاً لمشاكل الشعب العراقي

بالطبع. أما الدليل على ذلك أن هناك 40 مليون إيراني يعيشون

على المساعدات (الرشوات) التي تقدمها لهم الدولة. أما في

تركيا فقد خسرت الليرة التركية الكثير من قيمتها مما سيؤدي

الى أزمات لدى غالبية الشعب التركي.

هذه المشاكل لا يكمن حلها بوضع اليد على الشمال السوري أو

على جزء من الشمال العراقي أو بوضع اليد على هذه البلدان

أو غيرها. إنما الحل هو بالتكامل بين اقتصادات هذه الشعوب،

بحيث أن كل شعب ينتج للجميع وليس لنفسه فقط. الإنتاج الكبير

يخفف الكلفة ويؤمن إمكانية التطوير ويجعلنا نستغني عن

التبعية للرأسمال المعولم.

 

لا بديل عن التكامل بين شعوب منطقة المشرق المتوسطي (ما بين إيران وتركيا والوطن العربي)، وكف اليد عن السلاح الموجه إلى شعوبنا وتحويله باتجاهه الصحيح: إلى صدور الغزاة الصهاينة وأسيادهم الأمبرياليين.

إن القضاء على الصهاينة يقضي على عملائهم، أما القضاء

على العملاء فلا يقضي على العدو.

وفي كل الأحوال، يستلزم الأمر العمل لقيام تيار عربي عابر

للأقطار العربية وللطوائف والمذاهب، ويعمل باتجاه التحرر

العربي ووحدة العرب وإقامة دولة (دول) مناهضة للإمبريالية

والصهيونية وعاملة باتجاه التحرر الشعبي وتلبية المصالح

والحاجات الشعبية العربية الاقتصادية والاجتماعية

والديمقراطية.

ليست هناك تعليقات: