بحث هذه المدونالهجرة النبويةة الإلكترونية

حسن ملاط

صورتي
القلمون, طرابلس, Lebanon
كاتب في الفكر الاجتماعي والسياسي والديني. تربوي ومعد برامج تدريبية ومدرب.

الأربعاء، 21 ديسمبر 2022

إضراب الهيئات التعليمية في لبنان

 

حول إضرابات الجامعة اللبنانية والثانويات والمهنيات والمدارس الرسمية 

دكتور جوزيف عبد الله

حسن ملاط

الإضرابات والاعتصامات والمظاهرات هي من أشكال الاحتجاجات الأساسية التي يقوم بها الناس ضد الذين يأكلون حقوقهم ويتسببون بالأذى لهم. من المعروف والبديهي أن المسؤولين، من حيث انتماءاتهم الطبقية، يشجعون الجامعات والثانويات والمهنيات والمدارس الخاصة. فما بالهم إذا تعلم أولادهم وحُرم أبناء الطبقة المتوسطة والطبقات الكادحة من التعليم الرسمي في جميع مستوياته؟ هل الإضرابات التي قام بها الأساتذة في الجامعات والثانويات والمهنيات والمدارس الرسمية شكلت ضغطاً على المسؤولين أو على الطبقة السياسية المسؤولة عن كل ما يصيب هذه الفئة من اللبنانيين من أذىً ومدى انعكاسها على أكثرية الشعب اللبناني؟

لقد تبين بما لا يقبل الشك أن الإضرابات لا تهتم بها الطبقة المسيطرة. لماذا؟ وما هو البديل إذن؟

 -1 ينبغي الفصل بين أساتذة الجامعات والأساتذة في سائر مراحل التعليم. وذلك رغم أنهم يشتركون جميعاً في قصر تحركاتهم على المطالبة بتحسين رواتبهم (من دون الحديث كثيراً عن الضمانات الاجتماعية، ربما كان يخيّل إليهم، لقصر نظرهم، أنها من باب تحصيل الحاصل). ونادراً ما كان الاهتمام بوضع المؤسسات التربوية والمناهج ومصالح الطلاب عموماً على جدول أعمالهم، الأمر الذي أوجد استهتاراً من قبل الطلاب وأهاليهم بمصلحة الأساتذة. نجحت السلطة منذ قيامها بتفريع الجامعة اللبنانية، بعيداً عن المبررات الأكاديمية، بتحويل التعاقد مع الأساتذة والموظفين إلى علاقة استتباع، وضربت تدريجياً كافة أمثال التمثيل داخل مجلس الجامعة، لصالح التعيين تبعاً للولاءات المحلية والمركزية، فأصبح الترقي الإداري، ولاحقاً الرُتب الأكاديمية (بروفسور..) مثيرة للسخرية. وامتد هذا الأمر ليصيب الأداة النقابية التي أصبحت موالية بالمطلق لقوى السلطة، وأصبحت المداورة الطائفية في احتلال منصب رئيس الهيئة التنفيذية للأساتذة المتفرغين عرفاً ثابتاً، ولا يثير أي اعتراض في الأوساط الجامعية. في هذا السياق ومع انهيار المستوى المعرفي لدى الأساتذة، وعدم اهتمام المستويات الإدارية العليا بمستوى الأداء، بات راتب الأستاذ الجامعي مرتفعاً جدا مقابل الجهد المطلوب تقديمه، ما جعله بغنى عن مساءلة السلطة عن أي أمر. أما في مراحل التعليم الأخرى، فالأمر مرتبط بشكل أساسي بضرب الحركة النقابية بشكل أساسي، وبأنماط التعاقد والتوظيف كما هي الحال في الجامعة اللبنانية.

2- كما وأن هناك سؤالاً يجب طرحه: هل أن هذه الفئة القيادية من الشعب اللبناني لم تجد طريقة للضغط على المسؤولين عن حرمانهم سوى الاضراب؟ بالمعنى المذكور أعلاه، هذه الفئة، وخصوصاً أساتذة الجامعات، ليست قيادية على وجه الإطلاق، هي ملحقة بشكل مبرم بقوى السلطة، منذ حصولها على أول ساعة تعاقد جامعي. من هنا كان غياب الأساتذة الجامعيين، واستطراداً طلاب الجامعات (خلافاً لما يشاع أحيانا، الأكثر بروزاً خلال فعاليات الانتفاضة الشعبية. ولم يلحظ من بين الوجوه القيادية في ساحات الانتفاضة أستاذ جامعي واحد. حتى هيئة التنسيق النقابية في ذروة زخمها الاعتراضي، كانت تشكو بدورها من أمرين: المبالغة في وهم الفعالية، وعدم إثارة مشكلات التعليم الرسمي، اللهم إلا من باب رفع العتب. الاعتقاد الأبرز أنه لم تكن على دراية ومتابعة جدية وفهم لخطورة تخلف التعليم الرسمي وتهالكه.
3- اليس بإمكانهم المبادرة الى مناقشة أشكال التحركات الاحتجاجية التي يجب القيام بها ضد الطبقات المسيطرة من خلال جمعيات عمومية في جميع هذه المؤسسات؟ عقد الجمعيات العموميات يخضع لأليات العمل النقابي، الممسوك من قيادة الهيئات النقابية الموالية للسلطة. لا يستطيع المندوب بمبادرة ذاتية الدعوة إلى عقد جمعية عمومية
.

4- كم عدد المؤسسات التعليمية التي ناقشت الاضراب مع الفئة المتضررة منه وطلبت دعمها لأن ليس بإمكان المعلمين الاستمرار بالمجيء الى مدارسهم أو جامعاتهم بسبب تبخر الرواتب نتيجة الغلاء الفاحش وعدم اهتمام الطبقة الحاكمة بمصالح الناس؟ ما يحصل هو خلاف ذلك، بل نقيضه، وهذا أمر تتم رعايته من قبل قوى السلطة من داخل المؤسسات التعليمية ومن خارجها، إذ يجري العمل على طلب مساعدات من جهات نافذة في السلطة والمجتمع، وعوض أن تكون الأزمة مجالاً لتعميق الموقف من الطبقة السياسية الحاكمة تصبح فرصة لتحويل أركان تلك الطبقة إلى فاعلي خير. نحن نعلم أن دعم العاملين في المؤسسات التعليمية والتربوية يكون انعكاسه ايجابياً على الطبقات الكادحة. وهذا ما جعلنا نتحدث عن هذا الموضوع ونناقشه. ولكن حصر برنامج التحرك النضالي المطلبي، واقتصارالأنشطة على مشاركة المعلمين، واستبعاد أو تغييب الطلاب والأهل، وعدم السعي الكثيف لتعبئتهم يشكل ثغرة أساسية في فشل هذا النضال المطلبي.

فما العمل؟ لا بد من طرح المشكلة التربوية بكل أبعادها: أزمة تربوية تنطوي على غياب الاهتمام الفعلي بالمشروع التربوي (في كل مراحله)، لجهة تخلف البرامج واستهدافاتها، وطرح البدائل الفعلية على ضوء تطور العلوم التربوية والمناهج التعليمية، وربط التعليم بسوق العمل ومجالات الإنتاج؛ طرح واقع أبنية المدارس والحاجة إلى تطويرها، وتوفير وتطوير مختبراتها وملاعبها، وللجامعات مطاعمها وأماكن لسكن الطلاب؛، طرح قضية كلفة نقل الطلاب والطبابة و...  يجب الشروع بجد ونشاط وصبر ومثابرة في تعبئة الرأي العام الطلابي، والأهل، والمجتمع عامة بكل هذه المسائل، عبر أشكال النضال التعبوية المعروفة: البيانات، اللقاءات الفردية والجماعية، على مستوى أبنية السكن والأحياء الصغيرة (والكبيرة) في المدن، وعلى مستوى أحياء القرى والحارات في الريف. يجب استتباع كل هذه الأنشطة بخلق اللجان الطلابية ولجان التواصل بين الأهل وبين الفعاليات الاجتماعية من أوساط الطبقات الكادحة والمتوسطة. إن واقع الضعف، بل الانهيار، الكبير في المؤسسات النقابية، للمعلمين وللطلاب، يستلزم دفع الأهل، المجتمع المعني بالتعليم (اهل الطلاب خاصة والمتعاطفين معهم) إلى المبادرة إلى جانب المعلمين وقبلهم أحياناً للشروع في هذه المهام النضالية. وما خلا ذلك فلا يكون هناك حل لمشاكل المعلمين ولا للمسائل المتعلقة بالطلاب وبأهاليهم.

                                                22 كانون الأول/ ديسمبر/ 2022

 

 

 

 

ليست هناك تعليقات: