نحو نظرية اقتصادية اسلامية
مارس 28th, 2009
حسن ملاط
لقد كان للأزمة التي يمر بها النظام الرأسمالي العالمي، بعض الحسنات، منها اهتمام الناس بمفردة “الاقتصاد” و”الاستثمار” و”البورصة” و”السرقة الموصوفة” …. وقد تحدث الكثير الكثير عن الأزمة، ولكن يمكنني أن أزعم أن أهم عامل على الاطلاق في هذه الأزمة لم يؤت على ذكره، ليس لقصور ذهني انما أعتقد أن المصلحة تستدعي عدم الحديث عنه، عنيت “نظام القيم” المسؤول عن انتاج هذه الأزمة وسوف ينتج غيرها. وهذا التأكيد هو يقين وليس ظنا.
كتب “مالك بن نبي” منذ أربعة عقود على الأقل: “الديناميكية الاقتصادية ليست هي هذه النظرية أو تلك الخاصة بعلم الاقتصاد، بل هي مرتبطة بجوهر اجتماعي”. لو أن الممسكين بالقرار الاقتصادي- السياسي في بلادنا ( التي تمتلك الأموال) كانوا يشعرون أنهم مؤتمنون على أرزاق الناس ومسؤولون عن هذه الأمانة أمام من ائتمنهم، ما كان لهم أن يخوضوا معركة الدفاع عن النظام الرأسمالي. ان مئات المليارات التي أنفقتها دول النفط للدفاع عن السارق الأمريكي لخيرات بلادنا هي حق لأهلنا الذين يكدون ويشقون، ولكن وللأسف فان شقاءهم ذاهب من أجل أن يتمتع الأمريكي أو الأوروبي. ان جميع من راقب الأزمة التي ما زالت مستمرة يعرف كم هي هائلة الخسائر التي تكبدتها بورصات دولنا، وما زالت، لا لذنب اقترفته شعوبنا التي تكد وتشقى لتأمين قوت يومها، انما ارضاءً للسيد الأمريكي والأوروبي. وما الثمن الذي يقدمه هؤلاء لشعبنا مقابل هذه السرقة الموصوفة؟ استعباد واستغلال واذلال. وقد اعتبر نبي أمتنا صلى الله عليه وسلم، أن الشقي الشقي هو من باع آخرته بدنيا غيره. فحكامنا يبيعون آخرتهم بدنيا الأمريكان والأوروبيين.
اخترع الأمريكي النمط الاستهلاكي لتأمين مصالح الطبقة السائدة في بلاده، الممسكة بالقرار الاقتصادي والسياسي. هذا النمط الذي لا يهتم الا بتكديس الأرباح. ومن مخترعاته التي أودت بممتلكات الكادح الأمريكي وفي باقي الدول هو ما يسمى بالاقتصاد الوهمي الذي أدى الى الأزمة الحاضرة.
لماذا علينا الخضوع لهذا النمط؟
هناك عاملان مهمان يمكن أن نجد فيهما تفسيراً لخضوع مجتمعاتنا للنمط الاستهلاكي.
العامل الأول هو الذي تحدث عنه ابن خلدون في مقدمته الشهيرة. يقول ابن خلدون: “ترى المغلوب يتشبه أبداً بالغالب في ملبسه و مركبه و سلاحه في اتخاذها وأشكالها بل وفي سائر أحواله”. اخترع الغرب البورصة لتجميع الأموال في أيدي الطبقة المسيطرة. فما كان من مقلدي الغرب من حكامنا الا أن أنشأوا البورصات حتى يتمكن الغرب من تجميع الأموال عنده وليس عندهم. ونظرة بسيطة من أي مراقب الى الخسائر التي تكبدتها بورصات دول الخليج ومصر خلال الأزمة الحالية تجعله يتأكد مما ذهبنا اليه في تحليلنا لما جاء على لسان ابن خلدون. ان جميع ما نتشبه به بالغرب انما يخدم الغرب، سواء في الملبس (نشغل المصانع الأوروبية أو الأمريكية للنسيج) أو المركب (السوق العربية هي من الأسواق الناشطة في استيراد السيارات) أو في السلاح (فالسلاح الذي نستورده لايقتل أعداءنا، انما نتقاتل فيه فيما بيننا. كم تحدث الاعلام عن ترسانة الأسلحة عند جيش صدام العراقي، هذا الجيش الذي قتل العراقي والكويتي ولكنه لم يقتل الأمريكي عندما دخل العراق. وبدأت مقاومة الأمريكان بعد انهيار الجيش العراقي التابع لصدام، ولم تستعمل المقاومة الباسلة لا الطائرات ولا الدبابات وغيرها من أنواع السلاح الثقيل الغالي الثمن، انما استعملت السلاح الفردي، الذي يمكن الحصول عليه بسهولة). فنحن المغلوبين نقلد من غلبنا فيما يؤمن فائدة الغالب، ولا نقلده بالشكل الذي يؤهلنا أن نصبح غالبين. لماذا؟ لأن الاتجاه نحو تقليد الغالب انما هو ناتج عن الاعجاب بهذا الغالب. وهذا الاعجاب يولد شعورً بالدونية عندنا مما يجعلنا نعتقد بأن هذا الغالب غير مؤهل أن يصبح مغلوباً، أو بأننا قاصرون أن نكون مثل الغالب. وهذا يوصلنا الى العامل الثاني.
العامل الثاني هو الذي تحدث عنه مالك بن نبي. انه العامل الذي أسماه فيلسوفنا الفذ “القابلية للاستعمار”. ان التحدث عن هذه الاشكالية ودراستها هي المدخل الى امكانية تحرير أنفسنا وبلادنا من التبعية للغرب الاستكباري. لقد نقل بن نبي المشكلة من الآخر الى الأنا. أحد الاستراتيجيين الكبار اعتبر معرفة النفس أساساً لا يمكن الاستغناء عنه لتأمين النصر. فهو يرى أن من يعرف نفسه ويعرف عدوه لا بد له الا أن ينتصر. فمشكلة التخلف، هي مشكلة ذاتية لها أسباب تاريخية. وحلها يستدعي دراستها على أنها مشكلة موضوعية خاصة شعبنا، وهذه الخصوصية هي العامل الحاسم في امكانية حلها. وهذا ما يراه مالك بن نبي وهومحق بذلك. اي بتعبير آخر، الدواء الألماني لايفيد في حل مشاكلنا لأن طبيعة شعبنا مختلفة عن طبيعة الشعب الألماني.
عندما اتخذ الكويتيون القرار بافتتاح “سوق المناخ” تقليداً منهم للغرب الذي استعبد عقلهم أول ما استعبد منهم، حقق خسائر بعدة مليارات من الدولارات، او بصيغة أخرى استولى الغرب على أموال المقامرين الكويتيين. وبذلك يكون الغرب قد استولى على البترول الكويتي من غير مقابل. لماذا؟ لا أريد أن أسأل القرد الذي حاول تقليد النجار لماذا قطع ذيله.
هذه الأزمة الحالية لا زالت تستنزف مليارات الدولارات من الدول الخليجية عن طريق البورصات. من قال أن بناء الاقتصاد يستدعي وجود البورصات. فوجود البورصة الذي لم يأت تبعاً لتطور طبيعي للاقتصاد الخليجي، سوف يجعل منها جسماً غريباً (وهي كذلك) تخدم من اخترعها. ذلك الذي اخترعها كوسيلة لنهب كل ما تجمع من أموال في أيدي من يثق بهؤلاء الرأسماليين. وهكذا نرى البورصات الخليجية تلعب الدور المرسوم لها، وهو نهب أموال البترول لصالح السيد الأمريكي. نعود للسؤال لماذا، حتى نجيب أن قابليتنا للاستعمار هي التي جعلتنا نثق بمن يستعمرنا ولا نثق بقدراتنا الذاتية بسبب من شعورنا بالدونية أمام من يستعبدنا برضىً منا. من المؤكد أن القابلية للاستعمار ليست العامل الوحيد ولكني أزعم أنه العامل القائد.
النظام الاقتصادي هو نظام قيم. وهذا النظام القيمي لا يمكن بناءه بمعزل عن الأنظمة الأخرى، أعني النظام التربوي والسياسي… دعونا نطرح السؤال التالي: لماذا يريد الرئيس الأمريكي بوش تغيير النظام التربوي الاسلامي وكلنا يعلم أنه لا يوجد في دولنا من يلتزم بالاسلام كنظام للحياة؟ الجواب هو أن تشرّب أبناء شعبنا للقيم الاسلامية سوف تؤهل من يلتزم بها الى أن يكون مقاوماًلكل من يريد أن يستعبد الناس، وهم الأمريكان في عصرنا الحاضر. ليس هذا فحسب، بل يمكنني أن أزعم أنه لا يوجد تقاطع بين القيم الاستهلاكية الأمريكية والقيم الاسلامية. فالقيم الأمريكية تقوم على الفردانية، كل يعمل لتحقيق مصالحه الخاصة بمعزل عن مصالح الآخرين. بينما الاسلام لايرى الخلاص الا عبر الأمة، أي أن من يبغي ايجاد الحلول للمشاكل الفردية عليه اللجوء الى الجماعة، الى “الأمة”. قديماً اعتبر أحد الساسة البريطانيين أن مشكلة الاستعمار البريطاني هي مع القرآن الكريم، لذلك اقترح ضرورة القضاء عليه في أنفس الناس. وما يجري اليوم ليس بعيداً عما اقترحه السياسي الاستشرافي، وذلك عبر ما يسمى “تيار الوسطية” الذي يريد أن يدخل المفاهيم الغربية في المفاهيم الاسلامية،معتبراً الاسلام وعاءً يتسع لجميع ما يلقى فيه. وهذا الكلام غير صحيح، لأنه يفرغ الاسلام من القيم التي تميزه، أي التي تعطيه هويته. ان ما يقوم به الداعون الى القيم “الوسطية” والتخلي عن القيم الاسلامية، باعتبار الاسلام هو الوسطية هو أكبر تزوير معاصر للقيم الاسلامية وللدين الاسلامي. ولا داعي للتذكير أن هذا مضمون ما طلبته الادارة الأمريكية عقب تفجير نيويوك. طلبته من وكلائها في الدول الذي يدين أهلها بالاسلام.
وفي هذا المجال لا بد من الاشارة الى ما يسمى بمراكز “التنمية البشرية” والتي زاد تفريخها في بلادنا. فهذه المراكز تستقطب عادةً المؤهلين لأخذ المراكز الهامة في الدولة. أما المواد التي تدرسها هذه المراكز فيمكن تلخيصها ب”كيف تصبح أمريكياً”، أي كيف تتشرب النفسية الأمريكية. تصوروا الكوارث التي سوف تحل على شعوبنا عندما يتحكم فينا من يفكر على الطريقة الأمريكية.
هل ما تقدم له علاقة بالنظرية الاقتصادية الاسلامية؟
أعيد التأكيد أن النظام الاقتصادي هو نظام قيم، سواء كان اسلامياً، رأسمالياً أو شيوعيا.
بيل غيتس يتبرع للجمعيات الخيرية لأن ما يتبرع به يخفف من الضرائب. التاجر المسلم يدفع زكاة أمواله، لأن طاعة الله توجب عليه دفع الزكاة. التاجر المسلم لا يتوازن نفسياً ان لم يدفع الزكاة، ولكن بيل غيتس يمكنه أن يدفع الضرائب من غير أن يتبرع للجمعيات الخيرية. كما وأن دفع الزكاة بالنسبة للتاجر المسلم لا يعفيه من دفع الضرائب المتوجبةعليه. ودفع الزكاة والضريبة لا تعني أن هذا التاجر سوف لن يدفع الصدقة للمحتاجين، لأن التوازن العاطفي والنفسي الذي يفرضه نظام القيم الاسلامي يدفع هذا التاجر لدفع الضريبة والزكاة والصدقة.
التوصل الى اقرار الضمانات الاجتماعية الموجودة في الغرب الأوروبي قد كلف الطبقات الكادحة عشرات الآلاف من القتلى. وعلى العكس من ذلك فنظام القيم الاسلامي يمنع على المؤمن أن يشبع وجاره جائع وهو يعلم. أي أن التضامن الاجتماعي ليس مفروضاً على الانسان المسلم، انما ينبع من داخل. نعود فنقول أن الاستقرار النفسي يستدعي الممارسة العملية للقيم التي يفرضها ايمان المؤمن. فبمجرد قبولك بالالتزام الديني يستتبع القيام بما يفرضه نظام القيم لهذا الدين. ولا داعي للتذكير بأن التوازن النفسي يتطلب الالتزام بالقيم التي يفرضها الالتزام الديني.
دعونا نوضح ما نذهب اليه في القول أن النظام الاقتصادي هو نظام قيم:
1 – بالنسبة للنظام الرأسمالي يكون العامل الحاسم لنجاح مشروع استثماري ما، هو تأمين الربحية التي يتطلبها التوظيف المالي في هذا المشروع.
2 – بالنسبة للنظام الشيوعي معيار نجاح المشروع مرهون بقيام كل من يساهم فيه بالمهمات المطلوبة منه في الزمان والمكان المحددين.
3 – بالنسبة للنظام الاسلامي يكون معيار نجاح المشروع هو مدى الفائدة التي يحققها للناس.
ثلاثة اتجاهات مختلفة لأن القيم التي تنطلق منها مختلفة، حتى وان كان المشروع الذي نتحدث عنه هو نفسه. من هنا لا يمكننا القول أن الاسلام اشتراكي على سبيل المثال، أو أن البنوك اسلامية كما نسمع ويقال في أيامنا هذه. فالمجتمع الرأسمالي له قيمه الخاصة، والتي يفرضها على جميع من يعيش في كنفه سواء كان مسلماً، ملحداً أو خلاف ذلك. أي أن العلاقات التي تكون سائدة في المجتمع الرأسمالي هي علاقات رأسمالية، والعلاقات التي تسود في المجتمع الاسلامي عندما يسود النظام الاسلامي تكون اسلاميةً والشيء نفسه ينطبق على النظام الاشتراكي أو الشيوعي.
اليكم هذه الرزمة من التصريحات لمسؤولين في دول اسلامية، (أعني أنها تدعي بأنها تحكم بما أنزل الله عز وجل) وما أرجوه من ايرادها التفتيش الدقيق على القيم الاقتصادية الاسلامية الكامنة في هذه التصريحات (مصلحة الناس).
قال وزير الاقتصاد الإماراتي امس الخميس إن اقتصاد الإمارات العربية المتحدة قد ينكمش هذا العام بسبب التباطؤ العالمي مع تزايد المؤشرات على أن الأزمة المالية العالمية وجهت ضربات أعنف مما كان متوقعاً بادئ الأمر لمنتجي النفط الخليجيين.
وقال وزير الاقتصاد لخامس أكبر بلد مصدر للنفط في العالم إن الاقتصاد قد ينكمش هذا العام في خضم أزمة أوقعت معظم العالم الصناعي في ركود. وفي وقت سابق هذا الأسبوع توقع محافظ البنك المركزي أيضا أن الاقتصاد قد ينكمش.
أكد عضو مجلس الشورى السعودي وكبير الاقتصاديين في البنك الأهلي الدكتور سعيد بن عبدالله الشيخ أن المملكة قادرة على مواجهة الأزمة الاقتصادية العالمية إذا ما استمرت حتى عام 2011 بسبب الفائض الذي حققته العام الماضي والبالغ حوالي 1.1 تريليون ريال. وأكد الشيخ أن سياسات مؤسسة النقد المتحفظة، والتي استثمرت الاحتياطات في سندات الخزينة الأميركية بعيداً عن سوق الأسهم ولا في الاستثمارات المهيكلة التي انخفضت قيمتها جعلت المملكة تحافظ على قيم أصولها التي تتراوح بين 450-460 مليار دولار صافي الاستثمار الأجنبي، وهو وضع أفضل بكثير من هيئات الاستثمار في أبو ظبي أو الكويت مثلا، لأن 40 % من استثماراتها كانت في سوق الأسهم الذي انخفض بشدة فتراجعت تلك الصناديق 30%.
أين تكمن مصالح المسلمين بما أوردناه من تصريحات على لسان المسؤولين في الدول الاسلامية التي تملك الأموال؟
جميع ما يتحدث عنه هؤلاء هو كيفية الاستثمار على الطريقة الرأسمالية في مؤسسات رأسمالية. وهذا لا علاقة له بالاسلام حتى وان صاموا وصلوا. الاستثمار على الطريقة الاسلامية لا يمكن أن يكون الا في نظام سياسي اسلامي، يتبنى القيم الاسلامية. وأما ما يقال عن بنوك اسلامية تتعامل بالدولار فهي طريقة لتجميع الأموال في مؤسسات ذات طابع رأسمالي، يضاف اليها بعض من “الفذلكات” اللفظية توحي للمتعامل المؤمن أنه لا يقع في المحظور الديني. نقول هذا الكلام باختصار حتى لانضطر للحديث عن النقد الورقي وكيف نشأ هذا النقد وماذا يمثل هذا النقد. ان مجرد التعامل بالدولار هو خدمة للنظام الأمريكي الذي ينهب خيرات بلادنا وينهب خيرات جميع الشعوب، فما بالكم بالذين يوظفون خيرات بلادنا في الخزينة الأمريكية؟ فهذا يعني كما قلنا سابقاً أننا نؤمن للسارق الأمريكي سرقتنا مرتين، في الأولى عندما يستولي على النفط في طرق متعددة، وفي الثانية عندما “نستثمر” أموال النفط في الخزينة الأمريكية أو في أسواق الأسهم أينما وجدت لأن خراجها سيعود الى المايسترو الأول: الأمريكي صاحب الدولار.
ان التعامل مع البنوك الاسلامية انما هو تعبير من المتعامل على صدق تمسكه بدينه بالطريقة التي يراها، فهو يزكي نفسه وأمواله ولا يمكن لأحد أن يلومه. فالنظام الاقتصادي الاسلامي هو نظام مجتمع وليس نظاماً فردياً أي لا يمكن التحدث عن علاقات اقتصادية اسلامية في مجتمع تحكمه العلاقات الرأسمالية. اليكم ما يقوله مالك بن نبي في هذا المجال: “واذا بالمسلم الذي يختار هذا الاتجاه يغوص في محاولة تخليص الرأسمالية من الربا، لأنه محرم في شريعته”. ويضيف: “وكأنه من الناحية الفنية يحاول تخليص جسد من روحه، ويرجو أن الجسد سيبقى حياً ويقوم بمهامه”. ثم يوضح قائلاً: “وان نجح في ايجاد حل نظري في قضية الربا يطابق الفقه الاسلامي، فيكون كأنه وجد روحاً لا يضمه جسد، أو تناقض مع جسده؛ لأن نظام البنوك يرفض هذا الروح وهو يرفضه، فيبقى الحل النظري معلقاً عملياً، لأن صاحبه انطلق على أساس مسلمة استثمار المال بصفته منطلق للديناميكا الاقتصادية، دون أن يراجع هذا المبدأ نفسه”. هذا ما ذهبنا اليه سابقاً، أي ليس علينا الاستسلام الى القول أن النظام الاقتصادي هو دراسة العلاقات بين الأصول المالية، انما هو نظام قيم. من هنا طلب مالك بن نبي ضرورة مراجعة الأساس الذي يقوم عليه النظام الاقتصادي وليس النظر الى متفرعاته.
نظر النبي صلى الله عليه وسلم الى بلال بن رباح وقال له: “أنفق يا بلال”!
من هو بلال حتى ينفق؟ من المعروف أن بلالاً هذا كان عبداً مملوكاً عند أحد عتاة الكفر في مكة، ولا يملك أموالاً حتى ينفقها، والنبي عليه الصلاة والسلام يعرف هذا، فلماذا اختصه بهذا الطلب أو الأمر؟ لا يمكن ايجاد الجواب الا بالنظر الى نظام القيم الاسلامي للتعامل بالمفردات الاقتصادية. ان من يريد أن يحترز المال، من الناحية النفسية، هو ذلك الذي حرم منها، لذلك كان طلب النبي من بلال وليس من ابن عوف المعروف بغناه. فالمال مهما كانت كميته ليس للكنز انما للتوظيف حتى يستفيد المجتمع من حركته، حركة المال. لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: “الدينار كنز والقيراط كنز”.
كيف يمكن صياغة نظام اقتصادي انطلاقاً من القيم الاسلامية؟
هذا هو موضوع بحثنا القادم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق