أين فلسطين في المفاوضات الفلسطينية – الفلسطينية
لقد بات من شبه المؤكد أن المفاوضات ما بين المنظمات الفلسطينية تتجه في المسار الخاطىء، المسار الذي يؤدي الى خسارة جميع المكاسب التي كان من الممكن أن يحظى بها الشعب الفلسطيني من خلال الصمود البطولي أمام آلة الدمار الصهيوني في غزة، والذي أجبر المعتدين على الانكفاء.
1 – اذا تمكن الفرقاء الفلسطينيون من الاتفاق على حكومة وحدة وطنية حتى بالمواصفات التي تريدها حماس، فان هذه الحكومة لن تكون مؤهلة الا الى التراجع أمام الضغوطات الاسرائيلية والعربية المشابهة للضغوطات الصهيونية. فتأمين المتطلبات الحياتية للفلسطينيين في الضفة والقطاع لا يمكن الا من خلال العدو الصهيوني، وهذا الأخير سوف يستخدم هذه الحاجات للضغط على أية سلطة لتأمين مصالحه السياسية. وحيث أنه لا معنى لوجود سلطة وطنية ان لم يكن بامكانها تامين المصالح الحيوية لشعبها، فلماذا التقاتل والاختلاف والتنافس بين الفلسطينيين على حكومة لن يكون مآلها الا مثل حكومة سلام فياض، حكومة تنتظر ما يفرض عليها من تنازلات. ان من يعتقد بأنه يقود سلطة لها حرية التصرف وأخذ القرار يكون واهما. من هنا لا معنى لحكومة في الضفة والقطاع الا لحكومة تؤكد للمجتمع الدولي أنها حكومة تسيير أعمال لمصالح الشعب الفلسطيني الحياتية والذي لا يزال يرزح تحت الاحتلال، أما كل ما يتعلق بالشؤون السياسية فيجب أن تكون سلطة القرار فيه خارج الضفة والقطاع.
2 – ان اصلاح منظمة التحرير الفلسطينية يستدعي بالضرورة الاشراف على الشؤون السياسية للشعب الفلسطيني في الوطن وفي الشتات. وهذه المنظمة يجب أن تكون أولى مهامها الاشراف على مقاومة الشعب الفلسطيني في الداخل وفي الشتات. وعندما نقول مقاومة، فهذا يعني جميع اشكال المقاومة ومنها المقاومة المسلحة طبعا. من هنا أصبح بديهيا أن قيادة هذه المنظمة يجب ان تكون منفصلة عن قيادة ما يسمى السلطة الوطنية في الضفة والقطاع. ان القسم الأكبر من الشعب الفلسطيني لا زال خارج أرضه، وهذا القسم هو الذي يعاني أكثر من ذلك الذي يعيش تحت ذل الاحتلال: فظلم ذوي القربى أشد مضاضة... وحيث ان المهام المنوطة بمنظمة التحرير هي أكبر بكثير من تلك المكلفة بها السلطة الوطنية ومنها الادارة السياسية للسلطة الوطنية، من هنا ضرورة وجودها خارج اطار الضغط الصهيوني عليها.
3 – ان اتجاه الحوار ما بين المنظمات الفلسطينية يدعو الى الأسى. فهي لم تتعلم من تجربة الرئيس عرفات الذي عاش آخر حياته في الأسر.فكيف يقود شعباً من هو بالأسر؟ أما الثنائي عباس – فياض فلم يكن بحاجة للأسر لتقديم التنازلات. وعندما نتحدث عن التنازلات فلا نعني بأنها من اختصاص هذا الثنائي، لا بل أن الظروف التي يعيشها القائد في ظل الاحتلال تحتم عليه تقديم التنازلات. والمبرر دائماً جاهز وتحت الطلب: وهو امتناع الاحتلال عن تقديم المتطلبات الحياتية الا مقابل التنازلات السياسية. فما معنى المفاوضات التي تجريها المنظمات الفلسطينية لاعادة انتاج حكومة أهم مهامها التنازل للاحتلال الاسرائيلي مهما كانت وطنية، اذا أرادت أن تكون حكومة "سياسية".
4 – لقد قدم السيد سلام فياض استقالة حكومته لرئيسه محمود عباس قائلاً: ان "هذه الخطوة تأتي دعما لجهود تشكيل حكومة توافق وطني، وانسجاما مع دعوته المستمرة لتشكيل حكومة توافق تعيد الوحدة للوطن". واعتبر ان "الاولوية هي لعمل لجان الحوار المقرر ان تنهي اعمالها كحد أقصى في نهاية آذار"، مشدداً على ان "الجولة الأولى للحوار في 25 شباط الماضي، ينبغي ان تتمثل في سرعة الاتفاق على تشكيل حكومة توافق وطني، باعتبارها الاداة العملية القادرة على تجسيد اعادة وحدة الوطن بصورة فورية، وبما يمكن من توحيد مؤسسات السلطة الوطنية، وحماية النظام الديموقراطي الفلسطيني من خلال التحضير لانتخابات عامة رئاسية وتشريعية متزامنة في بداية السنة المقبلة حداً أقصى". ان من يقرأ هذا الكلام عليه أن يتنبه جيداً الى تعابير مثل "اعادة الوحدة للوطن" أي رئيس حكومة السلطة الوطنية يعتبر أن الوطن هو الضفة وغزة. وليس هذا فحسب بل انه يضيف "حماية النظام الديموقراطي الفلسطيني"، وكأن هناك نظام فلسطيني، أللهم الا اذا اعتبرنا أجهزة القمع التي تبنيها حكومة عباس بمعونة الادارة الأميركية والاسرائيلية والأردنية، هي النظام الديموقراطي الفلسطيني.
5 – أما ما يدعو الى الأسى أكثر، فهو رد فعل حماس على الخطوة التي أقدم عليها سلام فياض. فقد صرح الناطق باسمها فوزي برهوم بأن "حماس ليست اسفة على استقالة فياض وحكومته اذ انها حكومة غير شرعية اصلا وغير قانونية وبنيت على باطل". واضاف: "يبدو ان هناك خلافات مالية وامنية وشخصية بين سلام فياض ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وان هذه الخلافات طفت على السطح منذ تأسيس هذه الحكومة".
اما حكومة رئيس الوزراء المقال اسماعيل هنية فرأت ان "الحكومة المتنفذة في الضفة الغربية هي حكومة غير شرعية، وتمارس عملها بشكل مخالف للقانون، ومعاكس لارادة الجمهور الفلسطيني الذي صوت بغالبيته لبرنامج التغيير والاصلاح الذي تمارسه الحكومة الشرعية برئاسة هنية". ودعت الى "تمكينها من ممارسة دورها كاملا بالضفة الغربية الى حين انتهاء اعمال الحوار الوطني في القاهرة".
ان من يقرأ هذا الكلام يعتقد أن المتحدثين به لا يعيشون في منطقة لا زالت تحت الاحتلال. كما وأن الاحتلال هو من النوع الاستيطاني، أي على النمط الأمريكي الذي يطرد السكان الأصليين حتى يستوطن مكانهم. فهم يتناقشون على راحتهم، غير متهيبين من الأوضاع الفعلية التي يعيشها الشعب الفلسطيني الذي يمثلونه نظريا. لا أريد أن أضيف أنه في الوقت الذي يدور هذا النقاش ما بين المنظمات الفلسطينية، تقوم اسرائيل بهدم بعض المنازل الفلسطينية في القدس الشريف لاقامة حي استيطاني يهودي يكمل تهويد القدس بطرد عشرات العائلات المقدسية.
6 – اليكم ما يقوله تقرير الاتحاد الأوروبي عن تهويد القدس:
"وأكد التقرير السرى الذي حصلت عليه صحيفة الجارديان البريطانية نشرته السبت (أي البارحة) ان الحكومة الإسرائيلية تستخدم التوسع الاستيطاني وهدم المنازل وسياسات التمييز فيما يتعلق بالإسكان والجدار العازل في الضفة الغربية كوسيلة لمواصلة الضم غير المشروع على نحو نشط للقدس الشرقية.
وأوضح التقرير ان الحقائق الإسرائيلية على الأرض، بما في ذلك إقامة مستوطنات جديدة والجدار العازل وسياسات التمييز في قطاع الإسكان وهدم المنازل ونظام التصاريح المقيد لبناء المساكن واستمرار إغلاق المؤسسات الفلسطينية، تهدف الى زيادة الوجود الإسرائيلي اليهودي في القدس الشرقية وإضعاف المجتمع الفلسطيني في المدينة وعرقلة التطور الحضري الفلسطيني وعزل القدس الشرقية عن بقية الضفة الغربية.
وأضاف التقرير ان إسرائيل قد أسرعت بوتيرة خططها الخاصة بالقدس الشرقية وأنها تقوض مصداقية السلطة الفلسطينية وتضعف المساندة لمحادثات السلام.
وأكد تقرير الاتحاد الأوروبي ان عمليات هدم المنازل ليست قانونية بموجب القانون الدولي ولا تخدم أي غرض واضح ولها تاثيرا ت إنسانية خطيرة وتؤجج الشعور بالمرارة والتطرف.
وقال التقرير ان الاتحاد الأوروبي أعرب عن قلقه في لقاء دبلوماسي رسمي في الأول من شهر كانون اول /ديسمبر الماضي.
وبين الاتحاد الاوروبي انه يتم إقامة مستوطنات في شرق القدس بخطى سريعة، مشيرا الى انه منذ بدء محادثات السلام في انابوليس في أواخر عام 2007 تم عرض قرابة 5500 وحدة إسكان جديدة في المستوطنات للمراجعة العامة وتمت الموافقة على ثلاثة الاف منها. ويوجد الان نحو 470 الف مستوطن في الاراضي المحتلة بما في ذلك 190 الف في القدس الشرقية.
وكشف القرير ان الهدف من وراء ذلك هو خلق التواصل الأرضي بين المستوطنات الواقعة في القدس الشرقية والمدينة القديمة ولعزل القدس الشرقية وكتلتها الاستيطانية عن الضفة الغربية.
ومن جانب آخر قالت مصادر فلسطينية السبت إن السلطات الإسرائيلية سلمت خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية إخطارات لـ 21 عائلة فلسطينية في مدينة القدس لهدم منازلها بدعوى عدم الترخيص.
وذكرت المصادر أن السلطات الإسرائيلية سلمت عائلتين فلسطينيتين من سكان حي الشيخ جراح شمال البلدة القديمة من القدس أمرين بالإخلاء من منزليهما لصالح جمعية اليهود الشرقيين التي تنشط في الاستيلاء على عقارات المقدسيين.
وتتيح أوامر الإخلاء للعائلتين القيام بتنفيذ الأمرين بعد الخامس عشر من الشهر الجاري وعلى نحو فوري.
وفي نفس السياق سلمت الشرطة الإسرائيلية أوامر هدم جديدة لـ 19 عائلة فلسطينية جديدة في حي الطور في القدس وأمهلتها مدة 40 يوما لتنفيذ أوامر الهدم، في وقت قررت فيه مصادرة نحو 15 دونما من أراضي الحي.
وكانت بلدية القدس سلمت الجمعة 36 عائلة فلسطينية في حي العباسية إخطارات هدم لمنازلها ويقيم في هذه المنازل أكثر 230 فلسطينيا، حيث أمهلتهم البلدية مدة عشرة أيام لإخلائها".
أما ممثلو عباس وعباس نفسه يريدون من حماس صكا بالاعتراف باسرائيل حتى تتمكن من المشاركة في حكومة الوحدة الوطنية، والا فهي سوف تستفز اسرائيل التي سوف تعاود اغلاق المعابر. فاسرائيل تحترم المواثيق، فما تقوم به في القدس هل هو باستفزاز من الثنائي عباس – فياض؟
يقول نبيل عمرو سفير فلسطين في مصر (كم نتمنى أن تصبح فلسطين واقعا): : "جميع أصدقاء حماس السوريين والقطريين يقولون لا داعي لحكومة جديدة إذا كانت الحكومة ستطيل الحصار أو تأتي بحصار جديد، ولذا فقد أصبحت الأمور واضحة، فليس مطلوبا من حماس أن تلبي شروط الرباعية وإنما الـمطلوب من الوزراء المسميين أن يعلنوا أمام الرئيس أنهم ملتزمون التزاما كاملا بالتزامات منظمة التحرير وأنهم سيعملون ما يكلفهم إياه الرئيس، وهم لا يستطيعون أن يقوموا بعمل في وزاراتهم دون أن يكون لذلك علاقة تنسيق مع الإسرائيليين".
هذا ما قاله السيد نبيل عمرو ولكنه لم يقل لنا ما هي مكاسب الشعب الفلسطيني من مشاركة حماس في السلطة التي تلتزم هذه السياسات.
7 – اذا كانت المنظمات الفلسطينية جادة في نقاشها وتصبو الى تصحيح المسار فما عليها الا أن تستأنس بما يقترحه السيد كلوفيس مقصود الذي يتمتع بخبرة طويلة:
1 - اعادة شمولية منظمة التحرير الفلسطينية في اطار غير مطعون بشرعيته لكل مكونات الشعب الفلسطيني وشرائحه.
2 - ان تكون منظمة التحرير بعد اعادة تنظيمها مرجعية المقاومة للاحتلال، وتكون السلطة الفلسطينية هيئة ادارية تتعامل مع الاحتلال، ولكن خاضعة لقيادة مقاومة مرجعيتها منظمة التحرير الفلسطينية.
3 - يستتبع هذا ان تحدد المقاومة خياراتها لتؤمن حقوقها الوطنية، وهذه الخيارات تكمن في استنفاد البدائل المتوافرة من عصيان مدني، تظاهرات واحتجاجات شعبية، تعبئة اعلامية لانتزاع تأييد شامل يوفر عنصراً ضاغطاً على المحتل ومسانداً لأهداف المقاومة المعترف بها شرعياً ودولياً.
هذه الوسائل يجب ان تكون خيارات المقاومة حتى اذا لم تؤد الى نتيجة ملموسة تلجأ الى الكفاح المسلح كخيار اخير يحتضنه الرأي العام الدولي تعبيراً عن حق المقاومة في مواجهة الاحتلال بموجب ميثاق الامم المتحدة، وكما حصل في نضالات التحرر الوطني في افريقيا وآسيا.
ثم يتحدث عن المفاوضات التي أجرتها المنظمة فيقول:
كذلك الأمر في ما يتعلق بمصطلح "المفاوضات" الذي استعمل منذ اتفاقات اوسلو واخيراً في انابوليس. فالمفاوضات تشير بدورها الى توقعات مستحيلة الانجاز، فما كان يتم منذ اتفاقات اوسلو هو محادثات غير مرتبطة بالمعادلة القانونية التي كان يجب تأكيدها وهي "احتلال تقابله مقاومة". لذلك لم تأت تلك المحادثات المسماة خطأ بالمفاوضات إلا بتعطيل احتمالات قيام دولة وبتعطيل مماثل لقيام مقاومة فلسطينية شاملة ومرجعية وموثوق بها تفاوض عند اللزوم، معتبرة ان التفاوض منهج سليم للمقاومة اذا اتفقت مع المحتل مسبقاً على النتيجة المتوخاة.
ثم ينهي قائلا:
لذلك الوضع أخطر مما يعتقد، ولعل استقالة فياض مناسبة لوضع الحقائق في نصابها، فتكون الاولوية لإعادة منظمة التحرير الفلسطينية إطاراً للشعب الفلسطيني بمختلف مكوناته القابعة تحت الاحتلال واللاجئة في المخيمات والمنتشرة في بقاع العالم. وهذا الإطار الجامع يتحول بالضرورة مرجعية ديموقراطية تحسم قبل اي محادثات ان الطريق لانجاز ما تمليه الشرعية الدولية هو استقامة معادلة مقاومة تواجه احتلالاً، وبدون هذه المعادلة نبقى في حيز اجترار ما هو حاصل من مآس وعبثية، كما في تكرار ما هو بالنسبة الينا بديهيات، ولا مفر من تحقيق شروط احتضان عربي قادر على ردع التمادي الاسرائيلي المستمر، فتعود القضية الفلسطينية مؤهلة لاحتضان الضمير العالمي لها، كما كانت في أوج مراحل الهامها.
8 آذار – مارس 2009 حسن ملاط
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق