روسيا الصديقة!
قبل البدء بالكلام عن الصداقة الروسية العربية أو الصداقة الروسية لسوريا، لابد من التحدث عن تاريخية هذه الصداقة وظروفها.
كانت علاقة جميع الدول العربية مع الإتحاد السوفياتي، حيث كانت روسيا تقوده، سيئة ولا تتسم بالصداقة، وذلك لارتباط جميع هذه الدول بالغرب الإستعماري. بدأت علاقة الإتحاد السوفياتي مع الدول العربية بعد "ثورة 23 يوليو" المصرية بقيادة جمال عبد الناصر، حيث بدأت العلاقة بصفقة بيع الأسلحة السوفياتية التي عقدتها مصر مع تشيكوسلوفاكيا التي كانت من دول الكتلة السوفياتية. كانت هذه الصفقة بسبب امتناع الدول الغربية عن بيع مصر السلاح خوفاً من أن تستخدمه ضد الكيان الصهيوني.
وهكذا بدأت علاقة جديدة مع قطب عالمي يضاهي بقوته العالم الغربي المتحد بحلف الأطلسي الذي يضاهيه حلف وارسو بقيادة الإتحاد السوفياتي. وكانت المرة الأولى في التاريخ تشتري فيها دولة عربية سلاحاً غير مشروط بعدم استخدامه ضد إسرائيل.
أما الظروف التي مكنت مصر من شراء سلاح غير مشروط هي ظروف الحرب الباردة ما بين المعسكر الغربي (العالم الحر) بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والمعسكر الشرقي (الشيوعي أو الستار الحديدي) بقيادة الإتحاد السوفياتي، والذي تقوده روسيا. وبالإضافة إلى هذه الظروف، نضيف عاملاً لا يقل أهمية عن العامل الأول، هو العامل الإيديولوجي. حيث أن الإتحاد السوفييتي كان يرفع شعار صداقته لشعوب الدول المستضعفة والمستعمرة (بفتح الميم). فالمصالح كانت مزدوجة، أي إلى جانب المصالح الإقتصادية، لابد من التحدث عن العامل الإيديولوجي (صداقة الشعوب).
وحيث أن ظروف الحرب الباردة قد تغيرت حالياً، فهل لا زال بإمكاننا التحدث عن صداقة ما بين الدول؟ نحن نميل إلى استحالة التحدث عن صداقة مابين دول تقوم على النهب. إن ما يهم الولايات المتحدة من علاقتها مع الدول الأخرى هو نهبها خيرات شعوب هذه الدول. وتشترك في هذه الغايات دول الإتحاد الأوروبي وخاصة فرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا، وكذلك الروسيا والصين. وأضفنا الصين بالرغم من وجود حزب لازال يُسمى الحزب الشيوعي الصيني والذي يحمل تراث التحرر الوطني. أما سبب هذه الإضافة فيعود إلى انكشاف حقيقة الدول التي كانت تنهج النهج السوفياتي في إدارة الدولة. حيث أن البيروقراط، سواء من الحزب أو من كبار الموظفين قد تحولوا إلى مالوقراط حيث كانوا يستولون على أموال الدولة والمجتمع بسبب سيطرتهم على شؤون الدولة أو قربهم من الحكام. وهذا هو نفس ما هو حاصل في الصين. أما بالنسبة لكوبا وكوريا الديموقراطية فلا يمكننا التأكيد أو النفي لضآلة المعلومات التي نملكها عن هذين البلدين.
إذن، روسيا التي تمد يد العون للنظام السوري إنما تفعل ذلك ليس لأنها صديقة للشعب السوري، ولكنها تفعل ذلك لمصالح علينا استكشافها، ولا يدخل ضمنها أي شبهة صداقة للشعب السوري.
فما هي الأسباب التي دفعت الروسيا إلى التمرد على الإجماع الدولي، مع الصين واستخدامهما حق النقض (الفيتو) لعرقلة القرار الأممي العربي – الغربي؟
هناك مجموعة من الأسباب. سنتحدث عن السبب الذي جمع الصين وروسيا من أجله. إنه الضعف الذي أصاب الولايات المتحدة الأمريكية وأدى إلى اضطرارها إلى ترك العراق من دون الوصول إلى الإتفاقات التي كانت تزمع إقامتها مع الحكومة العراقية قبل إتمام انسحابها من العراق. وحيث أننا رأينا أنها قد انسحبت من دون هذه الإتفاقات، فهو دليل على ضعفها، لعدم تمكنها من إجبار الحكومة العراقية على الرضوخ لمطالبها. فأرادت الصين وروسيا أن لا تمدا يد المعونة للأمريكان، لذلك كانتا في الجانب المعاكس للتموضع الأمريكي.
نضيف إلى هذا العامل إعلانها (أمريكا) الإنسحاب المبكر من أفغانستان واضطرارها للتفاوض مع طالبان من أجل الإنسحاب المخزي من هذا البلد.
أما السبب الذي يجعل الصين تؤكد هذا الأمر هو إعلان الولايات المتحدة أنها سوف تتفرغ للمحيط الهادي، أي المنطقة الحيوية بالنسبة للصين، والتي يهمها أن تأتي أميركا وهي ضعيفة وليست وهي قوية. هذا من دون الإشارة إلى الضعف الإقتصادي التي تعاني منه الولايات المتحدة منذ أزمة 2008. ولا داعي للتذكير أن الصين هي المستثمر الأكبر في الميزانية الأمريكية( 4،1 تريليون دولار).
أما العامل الثاني الذي يجعل روسيا تتمسك بدفاعها عن النظام السوري هو وجود القاعدة البحرية في طرطوس واستعدادها لتفعيل قاعدة قاسيون للتنصت على الغرب.
كما وعلينا التنبه إلى أن سوريا هي المكان الوحيد في البحر المتوسط الذي لايزال على علاقة طيبة مع روسيا. نضيف إلى هذه العوامل 5،4 مليار دولار ثمن فاتورة الأسلحة من سوريا إلى روسيا. وما دخول الخبراء الروس إلى الأراضي السورية إلا لتأمين القواعد التي تحدثنا عنها.
ما تقدم يبين بوضوح أنه لا مكان لأي عامل إيديولوجي في موقف روسيا من الأحداث الجارية في سوريا، إنما لعبة مصالح فقط.
هل بإمكان أحد تأمين هذه المصالح لروسيا حتى تستجيب لما تريده الولايات المتحدة الأمريكية؟ أي تتخلى عن دعمها للنظام السوري؟
التقارير الأمريكية تزعم بأن الإدارة الأمريكية لم تتخذ حتى الآن قراراً يفيد بأنها تريد أن تتخلى عن إدارة الرئيس بشار الأسد لسوريا. لذلك لم تعمد إلى مفاوضة الروس من أجل التوصل إلى اتفاقات ترضي الطرفين. فأمريكا لا تريد أن تعترف بأن روسيا هي دولة كبرى (قطب دولي) لها مصالحها المستقلة عن مصالح أمريكا. لذلك لم تعمد إلى تعديل الدرع الصاروخي الذي يحاصر روسيا. أي أنها لا تعتبر أن لروسيا الحق بالإعتراض على محاصرتها عسكرياً من قبل الحلف الأطلسي. فهذه الدرع موجودة في أوروبا الشرقية وتركيا أي أن روسيا أصبحت محاصرة من قبل الحلف الأطلسي. ومن المنطقي أن يكون لها حق الدفاع عن نفسها. من هنا جاء دفاع الروس عن النظام السوري وكذلك عن إيران. ومن أجل إضعاف أمريكا كان تأييد الصين للموقف الروسي.
أين الصداقة بين الشعوب في الموقف الروسي، أو الصيني؟ إنها لعبة المصالح. المصالح التي لا دخل لها بالقيم. فلا داعي أن يتشدق البعض بالصداقة الروسية للعرب حتى لا يُصدموا كما كانوا يُصدموا دائماً في رهاناتهم على الخارج. إن من يريد الحرية عليه أن يعتمد على نفسه وعلى نفسه فقط.
12 شباط 2012 حسن ملاط
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق