بحث هذه المدونالهجرة النبويةة الإلكترونية

حسن ملاط

صورتي
القلمون, طرابلس, Lebanon
كاتب في الفكر الاجتماعي والسياسي والديني. تربوي ومعد برامج تدريبية ومدرب.

الأحد، 18 نوفمبر 2012

فلسطين، إلى أين؟


                                  فلسطين، إلى أين؟
حسن ملاط
   تمر فلسطين في هذه الأيام بمخاض خطير، ربما يقرر مستقبلها لسنين عديدة. وليس كل مخاض ينتج عنه مولود مكتمل. من هنا تأتي الخطورة مما يحصل اليوم. فالمشهد يكتنفه ضباب كثيف. واللاعبون ليسوا جميعاً من ذوي الأيدي النظيفة. من هنا أصبح من الواجب علينا الحذر مما يحصل الآن.
   المشهد تحوطه الدماء من كل جانب، فيما يخص غزة: "ارتفعت حصيلة شهداء العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة منذ أربعة أيام، إلى 40 شهيداً، وأكثر من 300 جريح، بينهم 174 من الذكور و96 من الإناث، فيما بلغ عدد الأطفال من المصابين 101، منهم 34 طفلاً تقل أعمارهم عن 5 سنوات، بينما بلغ عدد البالغين 169، بينهم 21 رجلاً أكبر من 50 سنة". ومن المعلوم أن الأحداث الراهنة بدأت بعد أن اغتالت يد الإجرام الصهيونية مسؤولاً هاماً في حركة حماس. وما أن بدأت آلة الإجرام الإسرائيلية بتدمير غزة، حتى بدأت إسرائيل بجهودها من أجل وقف إطلاق النار. وهذا ما قاله مسؤول في الجهاد الإسلامي: قال زياد نخالة:«إسرائيل تريد التهدئة ومصر تريد التهدئة، وحماس تريد التهدئة لأن مصر تسعى إلى تحقيقها بقوة حقناً للدماء الفلسطينية، ونحن من جانبنا نريد تهدئة". ولكن نخالة أعطى مواصفات للتهدئة التي يريدونها، فقال: "تهدئة تحفظ كرامتنا كفلسطينيين، وفقاً لمعايير وليس شروطاً، على رأسها رفع الحصار عن قطاع غزة وتشغيل معبر رفح بشكل طبيعي ومعاملة الفلسطينيين في المطارات معاملة آدمية وليس احتجازهم في مطار القاهرة بلا أي أسباب تستدعي ذلك... لن نقبل بعرض مذل أو مهين". وهذه المواصفات مطلوبة من مصر أكثر مما هي مطلوبة من العدو الصهيوني. أما موسى أبو مرزوق، نائب خالد مشعل فلم يحدد شروطاً، إنما ترك الأمر غائماً فقد قال في مقابلة تلفزيونية اجرتها معه من القاهرة «فضائية الاقصى» التابعة لـ «حماس»: «منذ ساعات طويلة وهو (الجانب الاسرائيلي) يطالب عدد كبير من الوسطاء التدخل لتهدئة الاوضاع في قطاع غزة، وكان جوابنا: انتم الذين بدأتم المعركة وعليكم ان تتوقفوا حتى تعود الامور الى ما كانت عليه».  طبيعي أن المسؤول الفلسطيني لا يريد استمرار الحصار الإسرائيلي والحصار المصري على غزة، ولكنه يريد أشياء أخرى لم يفصح عنها وتركها للمفاوض الفلسطيني.
   هذا على الجانب الفلسطيني، أما على الجانب الإسرائيلي فقد صرح أفيغدور ليبرمان، وزير ما يسمى الخارجية الإسرائيلية بما يلي: الأهدافَ التي حددتها إسرائيل من حربها الحالية، وهي «تحقيق الهدوء لجنوب إسرائيل، وإعادة تأهيل هيبة الردع، وتدمير مخزون الصواريخ بعيدة المدى التي في حوزة الجهات الإرهابية في القطاع».
   ما تقدم يظهر وكأن الجانبين المعنيين بالحرب القائمة في غزة لا يملكان أي تصور لما سيحدث غداً. ومن السذاجة أن نصدق ذلك. وهذا يعني أن الطرفين يملكان، كل منهما، أجندة خاصة لم يفصح عنها، وهي متروكة للمفاوضات التي بدأها الجانب المصري ودخل على خطها الجانب التركي والجانب القطري.
   في هذا الوقت اجتمع وزراء الخارجية العرب برئاسة لبنان وأصدروا قراراً: "نص مشروع القرار على المطالبة بالوقف الفوري للعدوان وتأكيد الدعم العربي الكامل للقطاع وضرورة التحرك الفوري لوقف القتال وتشكيل وفد عربي يضم الأمين العام للجامعة ومن يرغب من الوزراء لزيارة غزة فوراً. وشدد المشروع على أهمية تحقيق المصالحة الوطنية باعتبارها أمراً ملحاً وضرورياً في مواجهة العدوان مع توفير الدعم الكامل للقيادة الفلسطينية في توجهها إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة للحصول على وضع دولة غير عضو (مراقب) في المنظمة الدولية. وأكد المشروع الدعم العربي للجهود المصرية من التوصل إلى تحقيق هدنة طويلة المدى بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في غزة بضمانات دولية تحفظ الأمن والاستقرار في المنطقة.
   وطالبت الجامعة العربية بحماية دولية للشعب الفلسطيني وقيادته وأرضه ومقدراته. 
   كما طالبت بملاحقة المسؤولين الإسرائيليين من سياسيين وعسكريين عن هذا العدوان الوحشي وما سبقه قضائياً.
   لا يمكننا أن نعزل أي حدث عن سياقه الحقيقي. فهذه الحرب قامت بسبب الإرتباط القائم ما بين غزة والكيان الصهيوني، بعد انسحاب الأخير من غزة ومن مستعمراته فيها وتسليم غزة لما يسمى السلطة "الوطنية" الفلسطينية. وقد تمكنت حماس من السيطرة على القطاع وطرد السلطة منها. والحكومة القائمة في غزة هي غير تلك القائمة في الضفة الغربية. أي أن هناك حكومتين فلسطينيتين واحدة في غزة والأخرى في الضفة الغربية. من أجل ذلك دعا مشروع القرار العربي إلى المصالحة الفلسطينية.
   ما تتضرر منه حماس هو الحصار المضروب على غزة من قبل إسرائيل، ومن قبل مصر أيضاً. وما تريده حماس هو رفع هذا الحصار. ولكن رفع الحصار له معان خطيرة تؤثر سلباً على قضية الشعب الفلسطيني. فارتباط غزة بإسرائيل ناتج عن أنها (إسرائيل) هي السلطة المحتلة. وفك الإرتباط مع السلطة المحتلة يعني بالتالي فك الإرتباط ما بين غزة وباقي الوطن، أي فلسطين. من هنا تأتي حساسية الوضع القائم اليوم.
   إذا ربطنا ما تقدم بما يدور في فلسطين المحتلة ما بين المستعمرين، يتبين لنا خطورة ما يحصل اليوم عل القضية الفلسطينية برمتها. فكتاب الرأي يتهمون الحكومات المتعاقبة بالكذب عليهم (المستعمرن). فالحكام لا يريدون فك الإرتباط مع غزة. لذلك يطالب المستعمرون، من غير الحكام، بفك الإرتباط مع غزة والسماح لها بمرفأ ومطار وفتح المعبر مع مصر وفك أي ارتباط مع غزة. وذلك حتى تصبح الحدود ما بين الكيان الصهيوني وغزة آمنة ويصبح جنوب الوطن المحتل آمناً للمستعمرين. وهذا يستبطن عدم تعامل الغزاويين بالشيكل الإسرائيلي.
 هذا معنى فك الإرتباط مع غزة.
هل هذا ما يريدوه الفلسطينيون في غزة؟ إلى أي جبهة أو منظمة انتموا؟
إن اعتبار ما يريده الفلسطينيون اليوم وكأنها مطالب حيوية ليس لها صبغة سياسية تستبطن الخطر الأكبر على فلسطين ومستقبلها على المديين القريب والبعيد. من هنا تأتي أهمية عدم نسيان المغزى السياسي لكل مطلب ذي صبغة اجتماعية.
   نعم يطالب الفلسطينيون بفتح المعابر جميعها، ما بين مصر وغزة وما بين غزة وفلسطين المحتلة. ولا يقبلون بأي فك ارتباط مع السلطة المحتلة حتى يحتفظوا بالرابط القانوني ما بين غزة وكامل الوطن، فلسطين. وتبقى صفة المحتل على العدو الإسرائيلي.
   ما تقدم لا يعفي أحد من ضرورة المصالحة الفلسطينية، في هذه الظروف المصيرية، والعمل الجاد على إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية والفصل ما بينها وما بين رئاسة السلطة، ومنع السلطة من أي ممارسة سياسية لأنها خاضعة للإحتلال. وضرورة أن يكون مقر منظمة التحرير خارج الأرض المحتلة. فجميع الأراضي الفلسطينية هي تحت الإحتلال بشكل أو بآخر...

ليست هناك تعليقات: