الوضع الحكومي
حسن ملاط
حديثنا عن الوضع الحكومي لا يعني أن الحكومة الحالية تعاني من اهتزاز ما في
وضعها الحالي. ولكنه يتعلق بتوقعاتنا للقادم من الأيام.
الحكومة تتمتع بأكثرية في مجلس النواب، وهي غير مهددة من أي تحالف قوى في
المجلس الحالي. كما وأنه بعد اغتيال اللواء وسام الحسن، أعطتها المعارضة بتصرفاتها
العشوائية قوة إلى قوتها. أضف إلى ذلك هذا السيل من المطالب العدمية، حتى لا نقول
الصبيانية التي رفعتها أطراف الرابع عشر من آذار. هي تريد استقالة الحكومة وتشكيل
حكومة جديدة محايدة، وهي لن تشارك بأي نشاط نيابي تشارك فيه الحكومة. لنفترض أنها
لن تشارك، فهل هذا يعطيها أكثرية في المجلس النيابي؟ كل ما يمكن أن تقوم به هو
الضغط لتعطيل المجلس النيابي، وهذا ما يناقض شعارها الأساسي "العبور إلى
الدولة". إن من يريد العبور إلى الدولة عليه أن يقوم بتنشيط عمل المؤسسات لا
أن يعطلها.
ليس هذا فحسب، بل إن الرئيس الحريري، الذي يريد أن يسقط الحكومة، بدلاً من
جمعه للأصدقاء، نراه قد قطع علاقته مع الأقرب إليه من الطرف الآخر عنيت وليد
جنبلاط. فكيف يريد أن يسقط الحكومة؟
لقد استعمل أولاً الأسلوب الغوغائي بأن ترك "الجماهير الآذارية"
تهجم على السراي الحكومية، التي حماها الرئيس عمر كرامي والمرحوم فتحي يكن، عندما
فكرت قوى 8آذار بمحاصرتها. وكان يومها المناضل فؤاد السنيورة رئيساً لمجلس
الوزراء. هذه الهجمة فشلت فشلاً ذريعاً. فلجأت إلى أسلوب التهديد والوعيد، عندما
قدم الرئيس السنيورة مطالبه للرئيس سليمان. وطالب بتنحي الرئيس ميقاتي، مع أنه
يملك الأكثرية النيابية. وهذا ما جعل هذا المطلب غير واقعي. وكان آخر الدواء هو
الطلب إلى الدول الكبرى تغيير موقفها من دعم الحكومة ودفعها إلى المطالبة بتغيير
حكومي. وقد أعلنت الولايات المتحدة أن ما يهمها هو الإستقرار، ولا مانع لديها من
التغيير الحكومي إذا كان يساهم في الإستقرار. وهذا يعني أنها لا تصر على التغيير
الحكومي إذا كان لايساهم في الإستقرار. وتقديري أن مختلف الدول الأوروبية توافق
على هذه الصيغة الأمريكية في توصيف الوضع الحكومي. وهذا يرضي أطراف الرابع عشر من
آذار (حلفاء الغرب) بالرغم من عدم تلبيته مطالبهم، ولكن هذا أكثر ما يمكنهم الحصول
عليه.
إلى أين يتجه الوضع الحكومي؟
لقد أعلن الرئيس ميقاتي منذ البداية أنه مع حكومة وحدة وطنية، ولا يعنيه إن
كان هو رئيسها أو أية شخصية أخرى. ولكن ما جعله يتراجع عن هذا العرض هو سوء تصرف المستقبل
وحلفائه عندما حاولوا اقتحام السراي، وعندما رفعوا مطالب ليس لهم القدرة على تحقيقها.
يُضاف إلى ذلك الدعم الدولي غير المحدود للحكومة التي يرأسها. ولكن رغم محدودية
تيار المستقبل وحلفائه بالضغط باتجاه مطلبهم بحكومة حيادية، نرى بأن الرئيس ميقاتي
وحلفاءه يوافقون على حكومة وحدة وطنية، وليس حكومة حيادية تشرف على الإنتخابات
وتكون برئاسة ميقاتي. هذا القول يتناسب مع ميزان القوى القائم في المجلس النيابي
وعلى المستوى الشعبي. إن الممارسات التي يقوم بها تيار المستقبل سوف تقضي على ما
تبقى له من عطف جماهيري. لذلك عليه المسارعة إلى تغيير تكتيكاته قبل أن يقضي على
أي أمل له في الإنتخابات القادمة.
الحكومة الجديدة سيكون التنافس فيها محدوداً. المقاعد الشيعية محسومة لصالح
أمل وحزب الله، والمقاعد الدرزية محسومة لوليد جنبلاط. أما المقاعد السنية
فالتنافس فيها على أربعة مقاعد إن كانت الحكومة ثلاثينية. فالمقعدان اللذان لا
تنافس عليهما هما رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي وحليفه الثابت فيصل كرامي.
الأربعة مقاعد يتنافس عليها الرئيس ميقاتي وتيار المستقبل. أما المقاعد المسيحية،
فدائرة التصارع مروحتها واسعة. المؤكد أن المتنافسين هم: رئيس الجمهورية، العماد
عون، القوات، الكتائب، جنبلاط وميقاتي. فالحكومة التي ستنتج سوف تكون حتماً حكومة
أقلية وأكثرية. وعلى جميع الأطراف أن ترضى بهذه التركيبة، وإلا فليبق القديم على
قدمه. ولننتظر الإنتخابات القادمة في ظل حكومة ميثاقية ودستورية وتحوز على ثقة
مجلس النواب.
27 تشرين الأول 2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق