الإحتفاظ بالنصر في فلسطين!
حسن ملاط
الإنتصار، إما أن يكون لفلسطين وإلا، لا إنتصار. الكل يتحدث عن غزة. ولكن
غزة قاتلت لأنها جزء من فلسطين. واهتمام العدو بها نابع من أنها جزء من فلسطين.
فالحديث عن غزة تأتي أهميته أنه يؤرخ لفلسطين.
يقول أحد القادة السياسيين أن الأهم من النصر هوالإحتفاظ بالنصر. لقد
انتصرت المقاومة في غزة، ولكن الشيطان الذي يكمن في التفاصيل هو الذي يجعلنا نؤكد
على أهمية الإحتفاظ بالنصر.
منذ اليوم الأول للعدوان الصهيوني على غزة، لعب الحكم الجديد في مصر دوراً،
يمكننا القول أن طابعه إيجابي. ولكن هذا لا يجعلنا نغفل أن من بنود الإتفاق، البند
التي أدخلته هيلاري كلنتون، وزيرة الخارجية الأمريكية، والذي ينص على أنه عند وقوع
الخلاف بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية في غزة، يعود المتخاصمان لمصر حتى تحل
هذا الخلاف. فمصر حسب نص الإتفاقية هي طرف محايد، برضى الطرفين، الفلسطيني
والصهيوني. أما نحن، فلا نستسيغ أن نظاما محسوباً على الإخوان المسلمين، أول من
قاتل الصهاينة في فلسطين، يمكن أن تجعل منه كلنتون محايداً بين القاتل والمقتول.
وكلنا يعلم أن نصرة المظلوم من أركان الدين. فحلف الفضول الذي قام في الجاهلية،
قال عنه النبي عليه الصلاة والسلام أنه إذا دعي به في الإسلام لأجاب. وهذا الحلف
ينص على نصرة المظلوم والتأسي بالمعاش.
هذه سلبية من سلبيات إتفاق وقف العدوان. لانريد الوقوف عندها، علماً أن
الإعلام الصهيوني قد ركز على دور مصر في حماية حدود إسرائيل. كما وركز أيضاً على
الإتفاق ما بين مصر والإدارة الأمريكية على وضع مجسات على حدود غزة لمنع تهريب
السلاح إليها.
ليس هذا فحسب، بل إن الصحافة الإسرائيلية قد ركزت أيضاً على دور مزعوم
لحماس بحماية حدود إسرائيل من منظمات المقاومة الفلسطينية. أي أن من المهام
المطروحة على حماس في الفترة المقبلة منع جميع المنظمات المقاومة من ضرب الصواريخ
على الأرض المحتلة، لأن الإتفاق ينص على عدم إطلاق الصواريخ على الأرض المحتلة.
نحن لا نعتقد بأن حماس وحدها هي من عقد الإتفاق على وقف العدوان على غزة.
ولكن كان هناك دور بالموافقة على نص الإتفاق لجميع القوى المقاومة. والجميع يعلم
أن أي اتفاق هو تعبير عن ميزان قوى مزامن لتوقيع الإتفاق. توافق عليه الأطراف
تبعاً لتقييمها لقوتها وقوة الخصم وهنا لقوة العدو. فالبحث ببنود الإتفاق يمكن أن
يفيد منه المفاوض من أجل المستقبل. ولكن ما على القوى المقاومة القيام به الآن هو
البحث بكيفية تحسين شروط هذا الإتفاق. وهذا يستدعي الضرب في الأمكنة التي لا
يغطيها الإتفاق. وهذا ما سوف نتحدث عنه لتوضيح وجهة نظرنا بكيفية الإحتفاظ بالنصر.
أولاً: هناك خلل لا بد من العمل
على إصلاحه، وهو عدم وجود السلطة الفلسطينية في المفاوضات التي جرت من أجل الوصول
للإتفاق. صحيح أن الدكتور شلح قد كسر حدة هذا الغياب عندما صرح بأن المفاوضين
كانوا يضعون الرئيس محمود عباس بجميع تفاصيل المفاوضات. وكذلك الإتصال الذي أجراه
هنية بعباس. ولكن ما سبق يدخل ضمن نطاق ما يسمى بالعلاقات البروتوكولية، وليس
بعلاقات حقيقية مع رئيس سلطة، من المفترض أن يكون له رأي وازن في المفاوضات. إن
تركيزنا على هذه النقطة لا ينبع من ثقتنا بوطنية محمود عباس، الذي أعلن بالفم
الملآن تخليه عن فلسطين. ولكن، من حيث ضرورة عدم الفصل، من حيث المسؤولية
السياسية، ما بين الضفة الغربية والقطاع. كل ذلك حتى لا نصبح أمام ثلاث فلسطينات:
الضفة والقطاع وأراضي 48. وواضح أن إسرائيل تريد أن تجعل من غزة فلسطين المستقبل
وتبدأ بترانسفير جديد لفلسطينيي 48، لأنها لم تعد تطيق تحمل وجودهم في أرضهم. ولا
يغيب عنا الجهود الصهيونية للإستيلاء على كامل الضفة الغربية وحرمان السلطة
الفلسطينية منها.
ثانياً: لا يمكن للمقاومة
الفلسطينية أن تحتفظ بنصرها الذي حققته في غزة، إلا بأن يصبح هذا النصر فلسطينياً.
إن شرط تحقيق هذا العامل هو أن تصبح الضفة الغربية بؤرة مقاومة، كما هو الحال في
غزة. مخطىء من يعتقد أن غزة بإمكانها الإحتفاظ بالنصر من دون مساعدة الضفة. لآن
عدم تحقيق هذا الشرط سيؤدي حتماً إلى خلل في التطور السياسي والإجتماعي ما بين
الضفة والقطاع. وهذا ما سيؤدي حتماً إلى انفصال فعلي فيما بينهما. وهذا ما تقوم به
سلطة عباس- فياض على قدم وساق. إن مجابهة هذا الفعل الشنيع سياسياً يتطلب انخراط
الضفة بمقاومة الإحتلال الإسرائيلي، إما بعمليات استشهادية، أو بانتفاضة جديدة أو
بأشكال يبتدعها المقاومون في الضفة الغربية. وهذا يتطلب حملة سياسية ضد القمع الذي
تمارسه سلطة عباس-فياض على أهل الضفة الغربية حتى تمنع قيام أية ظاهرة مقاومة.
ولكن، أظهر الشعب الفلسطيني في الضفة، خلال العدوان الصهيوني على غزة، أن جميع
جهود الثنائي عباس- فياض بالقضاء على روح المقاومة قد باءت بالفشل.
ثالثاً: ما من منصف إلا ويعلم أن
المفاوضات مع العدو الصهيوني تعني إعطاءه الوقت الكافي من أجل إتمام تهويد القدس
والإستيلاء على أراضي الضفة الغربية. من هنا ضرورة إصلاح الكيان الذي توافق الشعب
الفلسطيني على الإجتماع في ظله، منظمة التحرير الفلسطينية. لابد من المباشرة الآن،
وفي ظل النهوض الوطني والثوري الفلسطيني القائم الآن، بإصلاح المنظمة. هناك ضرورة
لدخول جميع المنظمات المقاومة إلى جسم المنظمة وإصلاح ميثاقها الوطني الذي شوهته
المسيرة الخاطئة التي اعتمدت على المجتمع الدولي وأهملت الإعتماد على قوى الشعب
الفلسطيني الذي لم يبخل يوماً بتقديم كل ما يطلب منه من أجل التحرير والعودة. وشرط
الإصلاح يفرض الفصل بين قيادة السلطة وقيادة المنظمة. كما ويفرض أيضاً بأن لا يكون
للسلطة أي دور سياسي. إن مهمة السلطة هي الحفاظ على المصالح الإقتصادية
والإجتماعية للفلسطينيين تحت الإحتلال، وجميع فلسطين هي تحت الإحتلال، بشكل أو
بآخر. ومهمة المنظمة هي الدفاع عن الحقوق السياسية للشعب الفلسطيني والتي تتلخص
بحق العودة والتحرير لكامل الأرض الفلسطينية. أما الكيفية فتعود لممثلي الشعب
الفلسطيني تحديدها.
رابعاً: على قيادة منظمة التحرير
أن تكون خارج الوطن المحتل، حتى لا يتمكن العدو من الضغط على قيادة المنظمة كما
يفعل الآن.
خامساً: الإهتمام الفعلي
بالمخيمات، وإعادة الحياة إلى منظمات المجتمع المدني التي تربط الفلسطيني بأرضه
وتقضي على الأمراض الإجتماعية الموجودة في هذه المخيمات. كما وتنظيم الجماهير من
أجل الدفاع عن حقوقهم الإجتماعية في أماكن تواجدهم. كما والدفاع عن حقوقهم
السياسية، وأهمها حرية انخراطهم في صفوف المقاومة.
إن الإحتفاظ بالنصر يتطلب هذه
الشروط وغيرها أيضاً. ولكن هناك ضرورة لعدم إعطاء العدو فرصة لقضم هذا النصر الذي
حققته المقاومة. وهذا يتطلب الجرأة على الإقدام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق