الوضع الدولي في بداية العام
الجديد
حسن ملاط
انتهى العام 2012
من دون أن يعطي مؤشرات على تغيرات كبرى في الوضع العالمي. هذا مع العلم أن سطوة
الولايات المتحدة على العالم قد تراجعت نسبياً، والواقع يبشر بإمكانية انبثاق قوى
أخرى. ولكن هذه القوى لم تصبح حتى الآن واقعاً معاشاً.
الصين هي قوة
إقتصادية كبرى، واقتصادها يعتبر ثاني اقتصاد في العالم، حيث يبلغ حجمه ما بين 8
تريليون و11تريليون دولار تبعاً للمصادر المختلفة. ولكن الصين تسمي نفسها
"دولة نامية" وليس دولة كبرى. كما وأنها لا تقبل بأن تسمي نفسها منافسة
للولايات المتحدة، إنما تعتبر أن جل ما تطمح إليه أن تكون شريكة لأمريكا. من أجل
ذلك نراها تلوم أمريكا على مواقفها في بحر الصين الجنوبي وبحر الصين الشرقي،
وتتهمها بتأييد منافسيها على ملكية هذين البحرين. أو بصيغة أخرى تتهم الولايات
المتحدة بتحريض فيتنام والفيليبين واليابان على الصين. ونحن نعلم أن التوتر على
أشده، خاصة بين اليابان والصين. وهما مختلفتان على ملكية جزر تبعد عن الصين حوالي
200 كلم وتبعد عن اليابان حوالي 400كلم وهي جزر غير مأهولة. والأمر نفسه في بحر
الصين الجنوبي بالنسبة لفيتنام والفليبين.
والصين تعتبر من
الشركاء الأساسيين لأمريكا الذي يبلغ حجم اقتصادها 14,8تريليون دولار. وأمريكا هي
من أهم الدول التي توظف رؤوس الأموال في الإقتصاد الصيني، وكذلك فإن حجم استثمار
الصين في الخزينة الأمريكية يعتبر الأكبر ويبلغ حوالي 1,4تريليون دولار.
أما الولايات المتحدة
فهي من أكبر الدول المستدينة في العالم على الإطلاق، لأنها الدولة الأكثر
استهلاكاً على وجه المعمورة. أما حجم الدين الصيني فهو يبلغ حوالي 750 مليار دولار.
وهذا الدين صغير جداً بالنسبة لبلد مثل الصين.
أما على المستوى
العسكري، فتبلغ ميزانية الدفاع الصينية حوالي 106مليارات دولار، أما ميزانية
الدفاع الأمريكية فتبلغ 633 مليار دولار. فمـشـروع الـقـانـون
يـسـمـح بــأن تـكـون المـيـزانـيـة الأسـاسـيـة لوزارة الدفاع (البنتاغون) 527.5
مليار دولار إلى جانب 88.5 مليار دولار للعمليات الخارجية خاصة الحرب في
أفغانستان. وتشمل النفقات الأساسية نحو 17.4 مليار دولار للبرامج النووية الخاصة
بوزارة الطاقة والمتعلقة بالدفاع.
أما
تعداد الجيش الصيني فيبلغ 2500000عسكري. بينما يبلغ تعداد الجيش الأمريكي 1.371.500عسكرياً.
ولابد من الإشارة أن
الصين تقوم بتحديث جيشها ولكن هذا لا يقارن بالجيش الأميركي من حيث الحداثة. ونحن
لا نعتبر أن هناك حظاً لقتال بين الجيشين الأمريكي والصيني. ولكن الصين تحدثت عن
التحديث عندما تيقنت أن الرأسمال بحاجة إلى سلاح لحمايته. من أجل ذلك اشترت حاملة
طائرات، وهي بصدد تجهيز عدة حاملات أيضاً.
كما وعلينا أن نشير
أن الصين تمارس التهديد الغير مباشر على الفيليبين وفيتنام واليابان أيضاً. وهذه
تصرفات تذكر بممارسات الدول الإمبريالية.
ونذكر أن الصين لا
تضع احتمال الصدام مع الولايات المتحدة عسكرياً. أما إقتصادياً، فهي تعتبر
الولايات المتحدة شريكاً وليس منافساً. هذا ما يقوله الصينيون عن أنفسهم.
أما بالنسبة لروسيا،
فهي تتعامل مع الولايات المتحدة بمنطق مختلف عن المنطق الصيني. فهي استحضرت قاموس
المفردات الذي كان سائداً أيام الحرب الباردة ووظفته بحديثها مع أمريكا. فعندما
حضرت أمريكا نفسها لنشر الدرع الصاروخي حول روسيا هددت روسيا بأنها سوف تفعل وتفعل
إن لم تشاركها أمريكا بدرعها. ولكن الولايات المتحدة لم تأبه للتهديدات الروسية
وباشرت بنشر هذه الدرع وبدأت في تركيا. كما فعلت روسيا الشيء نفسه بالنسبة
للباتريوت الذي ينوي الناتو نشره على الحدود السورية التركية. ولكن هذه الحملة
انتهت أيضاً عندما أبلغت أنقرة موسكو بأنها ستسحب هذه الصواريخ عند انتهاء الحرب
في سوريا. وبعد زيارة بوتين إلى تركيا حيث قررا رفع حجم التبادل إلى 100مليار
دولار والذي يبلغ الآن 50 مليار دولار.
أما حجم الجيش الروسي
فيبلغ 1,027,000
عسكرياً. أما ميزانية الدفاع، فقد أعلن رئيس
الحكومة الروسية، دميتري مدفيديف، ان موازنة وزارة الدفاع الروسي لعام 2013 ستبلغ
نحو 70 مليار دولار، مضيفا "نحن لا نسعى لمحاربة أحد ونهجنا سلمي"،
معللا سبب ارتفاع مصروفات وزارة الدفاع بضرورة زيادة رواتب العسكريين وحل مسألة
تأمين السكن لهم أولا.. وثانيا ضرورة إعادة تأهيل الجيش بسبب تقادم العتاد في بعض
أسلحة الجيش بنسبة 70 إلى 80 في المئة.
إن
هذا الحجم المتواضع للميزانية لا يعبر عن فعالية الجيش الروسي الذي يملك السلاح
النووي الرادع، وإلا ما كان للولايات المتحدة أن تعيره الإنتباه. من هنا، يكون
الموقف الروسي محمياً بالسلاح برغم تخلفه عن السلاح الأمريكي، علماً ان هناك
سلاحاً فعالاً مثل صاروخ اسكندر، وكذلك تكتيك حمل الصواريخ في قاطرات السكك
الحديدية الذي يصعب على العدو استهدافها، وهذا تكتيك من الحقبة السوفياتية.
أما
من حيث منافسة الولايات المتحدة، فالروس لا ينافسون إلا من حيث إرادتهم بالإحتفاظ
بنفوذ ما على الساحة العالمية. ولكن علينا أن نتأكد بأن روسيا ليس بإمكانها حتى
الآن أن تلعب الدور العالمي التي تلعبه أمريكا عالمياً وخاصة على الصعيد الإقتصادي
لأن حجم الإقتصاد الروسي يعتبر متواضعاً إزاء الإقتصاد الأمريكي. فحجم الإقتصاد
الروسي هو سُبع الإقتصاد الأمريكي، وروسيا الإتحادية هي أكبر بلد في العالم من حيث
المساحة. أما اقتصادها فيقوم على تصدير المواد الأولية، أي إقتصاداً ريعياً حتى
الآن، علماً أن بإمكان الروس تطوير اقتصادهم سيما أنهم يملكون صناعة عسكرية لا بأس
بها.
هل
هناك مبشرات لتغيير ما في الوضع الدولي؟
هناك
محاولات حقيقية لإيجاد توازن ما في الوضع الدولي وأهمها مجموعة دول البريكس والتي
تضم اقتصادات واعدة، وهي البرازيل والصين وروسيا وجنوب أفرقيا والهند. وتبلغ
المبادلات فيما بينها حوالي 230 مليار دولار، أي ما يوازي 2% من حجم المبادلات
العالمية، وهذا رقم متواضع جداً.
أما
المحالفة التي نراها واعدة أكثر من البريكس فهي دول ميثاق شنغهاي والتي تضم دول
متجاورة وذات ثقل. «منظمة شنغهاي»، تحالف جديد صاعد من قلب آسيا يضم
حوالى نصف سكان العالم (في حال انضمام الهند والباكستان وايران اليها بشكل دائم،
وهي تحضر اجتماعات المنظمة)، ويمتلك نحو 40 مليون كلم2 من مساحة الكرة الأرضية،
ويشمل أربع دول نووية روسيا، الصين، كازاخستان،
قيرغيزستان وطاجكستان.
ولا
بأس من استذكار الدول الإسلامية الثمانية الكبار، والتي تذكرت أن تعقد اجتماعاً
هذه السنة. تضم مجموعة الدول الثماني الإسلامية النامية (d-8) في عضويتها
كل من إندونيسيا وبنجلاديش، وإيران، وماليزيا، ومصر، ونيجيريا، وباكستان وتركيا،
وتعد المجموعة جزءاً من منظمة المؤتمر الإسلامي. وقد قررت هذه الدول مجتمعة إقامة مصنع للسماد الكيماوي لصالح هذه
الدول وللتصدير أيضاً. ومن المأمول أن تنضم السعودية إلى هذه المجموعة حتى تصبح
أكثر فعالية.
أخيراً لا بد من التأكيد أن العالم لا يمكن أن يستمر في ظل
هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية لأن الشعوب ترفض هذه المعادلة. كما وأنه يتجه في
أن يصبح متعدد القطبية، علماً أن هذا يتطلب جهوداً كبيرة، وأهمها عدم الخضوع
للضغوط الأميركية. فالتبادلات بين إيران وروسيا يبلغ حجمها 3,65مليار دولار بسبب
خضوع روسيا للإبتزاز الأمريكي الذي يفرض عقوبات إقتصادية على إيران.
2 – 1 - 2013
2 – 1 - 2013
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق