حسن ملاط الوضع في لبنان
يتخوف المراقبون من الحال التي وصل
إليها الوضع في لبنان. وأهم ما يثير هذه المخاوف، هو نأي السياسيين بأنفسهم عن
الوضع الراهن الذي وصلنا إليه بسبب ممارساتهم التي لا تتسم بحس المسؤولية الوطنية.
فالسياسي عليه تحمل المسؤولية عن الوطن والمواطن، لأنه منتدب من المواطنين لهذه
المهمة. ومن لا يجد في نفسه القدرة على تمثيل الناس بما يخدمهم ويخدم البلاد، فما
عليه إلا أن يعلن أمام الملأ تخليه عن مسؤولية تمثيل الناس.
لقد رفعت الحكومة شعار النأي
بالنفس عن الأحداث في سوريا. وقد أيد هذا الشعار إلى جانب شريحة كبيرة من
المواطنين، جميع دول المجتمع الدولي. وهذا أحد أهم الأسباب الذي جعلت هذه الدول
تنآى بنفسها عن حلفائها التقليديين، قوى 14 آذار، الذين رفعوا شعار إسقاط الحكومة.
هذا الشعار الذي عارضته الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن إلى جانب ممثلة
الإتحاد الأوروبي في زيارتهم الغير مسبوقة للقصر الجمهوري، والذين حذروا خلالها من
الفراغ الحكومي، كما وأيدوا دعوة الرئيس سليمان للحوار الوطني والمحافظة على
الإستقرار الحكومي. الإستقرار الذي يعني ضرورة إتفاق جميع القوى على برنامج الحكومة
القادمة ومهمتها الرئيسة هي إدارة الإنتخابات النيابية. لذلك رأت معظم القوى التي
لا ترفع شعارات عدمية وجوب الإتفاق عل قانون انتخاب جديد ثم استقالة الحكومة
والإتيان بحكومة لا تضم مرشحين للإنتخابات النيابية المقبلة. قوى 14 آذار غير
موافقة على هذا الطرح وتشترط استقالة الحكومة قبل البحث في قانون الإنتخابات. وهذا
ما لا توافق عليه قوى الأكثرية ومن ورائهم الدول التي دعمت الحكومة الميقاتية
والرئيس سليمان.
الأزمة التي تعيشها البلاد هي أكثر تعقيداً مما سبق ذكره. فالوضع السوري
تضاعف ضغطه على الوضع المحلي من عدة جوانب. فبعض أطراف الأكثرية لا تلتزم بشعار
الحكومة التي تبنته قوى الأكثرية بالنأي بالنفس عن الأحداث في سوريا. وقد خلق هذا
الوضع شرخاً على الصعيد الوطني يتفاقم ويزداد يوماً بعد يوم. حتى أن بعض المراقبين
يصورون الوضع وكأننا على شفير خضة وطنية كبيرة، لأننا لا نريد استخدام تعبير حرب
أهلية. وما يزيد من تفاقم هذه الأوضاع بشكل مضاعف هو تدخل أطراف من 14 آذار بالوضع
في سوريا كما يفعل بعض أطراف من 8 آذار الشيء نفسه. لقد بات الوضع وكأن هناك عدم
إمكانية على التقاطع بين قوى 14 و8 آذار. وهذا يشكل خطراً كبيراً على الوضع
الداخلي، كما على الإستقرار الوطني.
في ظل هذه الأزمة، هناك احتمالات
تزداد يوماً بعد يوم من عدم الإمكانية على إجراء الإنتخابات النيابية، خاصة إذا
ازدادت حركة النزوح من الداخل السوري. فمن الممكن أن يكون عمر هذه الحكومة مديداً.
لذلك لا يجوز أن تحافظ المعارضة على هذا الكم الكبير من التحريض المذهبي الذي
يساهم بتفكيك اللحمة الداخلية والوطنية. ونفس الكلام يوجه إلى أطراف 8 آذار من أجل
بذل الجهود من أجل التقارب مع المعارضة حفاظاً على اللحمة الوطنية.
إزاء هذا الوضع لابد من جهود يقوم
بها أطراف المجتمع الأهلي تساهم في تخفيف الإحتقان. كما وتقوم بجهود كبيرة من أجل
الضغط على أطراف الأكثرية والأقلية لإجبارهم على النأي بأنفسهم عن أحداث سوريا.
يكفي لبنان ما يقوم به من جهود جبارة في إغاثة الإخوة النازحين. لماذا لا تقتصر
الجهود اللبنانية على الإغاثة بدلاً من مساعدة المقاتلين من الطرفين على تدمير
ممتلكات الشعب السوري.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق