هل يسقط عدم الإنسجام
الحكومي الحكومة؟
حسن ملاط
1 - تتصرف هذه الحكومة بعكس تقاليد العمل الحكومي
التقليدي. فأطراف الحكومة في واد والحكومة في واد آخر. فإذا أخذنا على سبيل المثال
التحرك النقابي بقيادة جبهة التنسيق النقابية، نرى بأن مختلف أطراف الحكومة مؤيدة
لهذا التحرك ولكن الحكومة لا تلبي مطالب الموظفين، ما جعل هؤلاء يعلنون الإضراب
ويقومون بالمظاهرات ضد الرئيس ميقاتي، وكأن الرئيس ميقاتي، منفرداً، يقرر أو يمنع
تلبية مطالبهم. ولا نرى بالتالي أي دعم من أطراف الحكومة لرئيسها.
2 – أحالت الحكومة مجتمعة قانون الحكومة الإنتخابي إلى
المجلس النيابي. وقام الرئيس بري بتعيين لجنة مصغرة لمناقشة القانون الإنتخابي
الذي يمكن الإتفاق عليه من أجل إجراء الإنتخابات القادمة. وكانت النتيجة أن حزب
الله وأمل والتيار العوني لم يطرحوا هذا المشروع، إنما طرحوا مشروع اللقاء
الأرثوذكسي وأيدوه. أما كتلة جنبلاط فهي منذ البداية تحفظت على مشروع الحكومة.
3 – قررت الحكومة مجتمعة تسليم الرئيس ميقاتي القرار بموضوع
تسليم داتا الإتصالات للقوى الأمنية والعسكرية. ولكن الوزير المختص لم ينفذ قرارات
رئيس الحكومة، مع أنه ملزم بذلك. ولم يعترض الوزراء على تصرف الوزير. إنما وجدوا
له المبررات.
4 – قررت الحكومة مجتمعة تخصيص 100 مليون دولار لمشاريع
ملحة لمدينة طرابلس المظلومة والمهملة. ولكن لم يتم صرف هذه المخصصات حتى الآن ولم
ينفذ أي مشروع حيوي في هذه المدينة. في نفس الوقت خصصت الحكومة مبلغ مليار ومئة
مليون دولار لوزير الكهرباء وتم صرف المبلغ ولم نر الكهرباء.
5 – قررت الحكومة النأي بالنفس بالنسبة لأحداث سوريا.
ولكن أطراف في الحكومة لا زالت تتدخل في سوريا، وباعتراف أعلى المرجع. هذا مع
العلم أن هذا التدخل، كما التدخلات الأخرى تؤدي إلى توتر الأوضاع الداخلية إلى
أبعد حد. حتى أن أمن البلد بات مهدداً. وأن الحكومة غير فاعلة مطلقاً في هذا
الموضوع. ولكن جميع السهام موجهة إلى الحكومة بسبب الفلتان الأمني الذي يتحدث عنه
من يحمون هذا الفلتان، وهذا طبيعي.
6 – تحدث أحد المراجع الفاعلة في البلد عن التوتر
المذهبي، وأطلق في نهاية حديثه ما يشبه التهديد. علماً أن هذا المرجع قد تمكن من
صياغة تحالفات مع أطراف كانت تشكل نقيض تنظيمه. ولكن المرجع نفسه لم يحاول صياغة
أي تحالف مع أطراف أخرى فاعلة. حتى بات الجميع يعتقد أنه من الواجب أن يكون الصراع
في لبنان بين السنة والشيعة لأنه لم يحاول الطرف الفاعل باعتبار رموز مهمة من
السنة كممثلين لهذه الطائفة، أو دعونا نقول أطراف فاعلة في هذه الطائفة. إن هذا
التوجه يجعل الصراع قائماً لأنه لا يمكن الإلتقاء بين تيار المستقبل وحزب الله.
ولكن الطائفة السنية التي اختزلها حزب الله بتيار المستقبل ليست كذلك. ففي اتفاق
الدوحة قبل الحزب بأن تتمثل الطائفة السنية بتيار المستقبل فقط. هذا مع العلم أن
الرئيس ميقاتي والرئيس كرامي يمثلان شريحة لا بأس بها من الطائفة السنية وكذلك
الرئيس الحص. والحزب يتعامل اليوم وكأن هؤلاء الرؤساء قد فقدوا صفتهم التمثيلية.
ولو أن الأمر خلاف ذلك، كان على الحزب الدعوة إلى مناقشة ما يؤدي إلى توتير الوضع
الداخلي مع ممثلي الطائفة السنية الذين دعوا لحل مشكلة المجلس الشرعي الأعلى.
عندها سوف يجد أن من يلبي الدعوة 3 من 5 من ممثلي الطائفة السنية. هذا التصرف كان
سيساهم بفتح نقاش واسع بدل من التهديد الذي لن يوصل إلى أية نتيجة، إلا ما لا
نريده جميعاً والذي حذر منه سماحة السيد نصر الله، نعني التوتر المذهبي.
هذه الأمور جميعها تجعل الإنسجام الحكومي في أدنى
درجاته. ولكن، رغم ذلك لا نعتبر أن التغيير الحكومي بات قدراً. فالرئيس ميقاتي
وغيره من المرجعيات في البلد، وحتى سفراء الدول الفاعلة، يعلمون أن إمكانية تشكيل
حكومة جديدة هو شبه مستحيل إن لم يكن مستحيلاً. لذلك نعتقد بأن الرئيس ميقاتي لن
يترك البلد في مهب الريح مع علمه الأكيد أن استمراره في تحمل المسؤولية، في الظروف
القائمة، يكاد يكون انتحاراً سياسياً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق