حسن ملاط مصر، أي مستقبل؟
عادت الأنظار تتجه إلى مصر. فالإنقلاب العسكري الذي قام
به الجيش المصري سرق الأولوية من الحدث السوري وأعطاها إلى مصر ذات التسعين
مليوناً.
ما هي المحفزات التي ساعدت العسكر على القيام بخطوتهم؟
لم يمر أكثر من عام على حكم الإخوان المسلمين، ورغم ذلك
كانت الألسن تتناولهم بالنقد. وهذا ناتج عن أسباب عديدة. فالشعار الذي يرفعه
الإخوان، ولا زالوا، أن الإسلام هو الحل فقد انتظر الناس على أحر من الجمر
"الإسلام" حتى يريحهم من مصائبهم الكثيرة. ولكن الرئيس مرسي لم يتمكن من
ذلك.
الثورة التي قامت على الرئيس مبارك كانت لها أسباب عديدة
ومتنوعة سنوجزها بثلاثة: الإقتصادي-الإجتماعي، السياسي والوطني. ولنناقش هذه
الأمور وكيفية تعامل مرسي والإخوان معها.
1 – المسألة الإجتماعية: قبل قيام الثورة على مبارك كان
معدل التحركات الشعبية على الحكومة لأسباب إقتصادية-إجتماعية هي بمعدل ثلاث تحركات
يومياً، رغم القمع الشديد الذي كان يميز حكم مبارك. وكان اللافت أزمة الخبز التي
وقع نتيجتها عدة قتلى.
لم يتعامل مرسي مع هذا الموضوع بجدية. ففي المئة يوم
الأولى من حكمه كان هناك 300 تحركاً إقتصادياً-إجتماعياً. ولم يتهم أحد هذه
التحركات بأسباب أو تحريض ذي طابع سياسي. إن ما جعل مرسي عاجزاً عن مقاربة أي حل
لهذه المشاكل يعود إلى أن البرنامج السياسي لحزب الإخوان المسلمين الذي خاضوا
الإنتخابات على أساسه متواضع بحيث لم يتعامل بجدية مع قضايا الناس. فجميع
المجموعات الإسلامية لا تهتم بهذه الأمور وتركز على الأمور العقائدية. هذا مع
العلم أن الرسول عليه الصلاة والسلام سارع إلى إقامة سوق للمسلمين في المدينة لأن
سوق المدينة كان يسيطر عليه يهود.
لا يمكن لأحد أن يلوم الناس إذا تحركوا من أجل مصالحهم،
خاصة أننا تعلمنا جميعاً أن الإسلام هو لتأمين سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة.
وحيث أن حكم الإخوان هو حكم الإسلام، كما أوحوا للناس، فهم من يتحمل وزر هذا الخطأ
الإستراتيجي، وهم من يدفع ثمنه. كما أن الإسلام لا يمثل وجهة نظر مجموعة معينة
مهما ادعت ذلك.
2 – المسألة السياسية: الثورة على مبارك قامت بتآلف عريض
من القوى الشعبية والمنظمات والأحزاب السياسية. والإخوان لم تكن من المجموعات
الناشطة جدياً في الميدان، هذا إذا استثنينا الشباب الذين شاركوا بجميع التحركات،
بدون مباركة من قيادتهم. ومعروفة المناورات التي قام بها الإخوان مع عمر سليمان. ولكن
صمود الناس أدى إلى إجهاضها جميعاً. وانتصرت الثورة على مبارك. وجرت الإنتخابات
النيابية ونجح الإخوان والسلفيون. كما ونجحوا أيضاً في مجلس الشورى بحوالي سبعين
بالماية. ولكن بدل أن يطرحوا الإئتلاف مع القوى التي أتت بهم إلى البرلمان، تنكروا
لها وتعاملوا معها على أنها أقلية "منبوذة".
وجاءت انتخابات الرئاسة’ ولم يتمكن مرسي من الحصول على
أكثر من ثلث الأصوات مما اضطره لخوض الإنتخابات التكميلية. وقد فاز بما يزيد
قليلاً عن نصف أصوات الناخبين.
ما لم يفعله الإخوان هو الوفاء لناخبي مرسي. فناخبوه
كانوا يتألفون من مروحة واسعة من مختلف القوى المعارضة لحكم مبارك والذين على
شاكلته، مثل أحمد شفيق. لقد استبعد الإخوان جميع القوى التي أنجحتهم في
الإنتخابات. لقد اشترت عداوتهم وأثبتت للقاصي والداني أن فكرهم إقصائي بدل من أن
يجمع جميع الناس حول من يدعي أنه يمثل الإسلام. النبي صلى الله عليه وسلم جمع جميع
أهل المدينة على الوثيقة وبرضاهم ومن دون إكراه من أحد. جميع أهل المدينة قبلوا
بقيادة النبي. أما الإخوان لم يطرحوا الإئتلاف مع الذين سلفوهم بانتخابهم لمرسي.
لم يتعلموا حتى من أسوتهم الحسنة بنص الكتاب الكريم.
3 – المسألة الوطنية: برنامجهم السياسي ذكر القضية
الفلسطينية مرة واحدة وباتجاه تسووي وليس باتجاه استرجاع فلسطين. أما اتفاقية الذل
في كامب ديفيد فقد تعهدوا باستفتاء شعبي حولها. وقد تراجعوا عن الإستفتاء عندما
ذهب الوفد الشهير إلى الولايات المتحدة لتقديم أوراق الإعتماد عند الأميركي البشع.
قامت الجماهير المصرية بطرد السفير الأسرائيلي وبإغلاق السفارة. ولكن مرسي بعث
برسالة ودية لشمعون بيريز رئيس ما يسمى إسرائيل، محطماً جميع تاريخ الإخوان
المسلمين الجهادي ضد الكيان الصهيوني.
أما في غزة، فبدلاً من فتح معبر رفح، حافظ على إغلاقه
وعلى إغلاق الأنفاق، المتنفس الوحيد لغزة. هذه الأنفاق التي لم يجرؤ مبارك على
إقفالها. لا بل سمح للجيش والمخابرات بالقيام بحملة عنصرية على الفلسطينيين، لخلق
عداوة مصرية- فلسطينية، متهماً المقاومة بقتل الجنود المصريين أو بالمساعدة على
قتلهم من دون أي دليل. ليس هذا فحسب، بل عند العدوان الأخير على غزة كلف الأمريكان
الرئيس مرسي أن يكون وسيطاً نزيهاً بين غزة وإسرائيل. وقد كان باعتراف العدو.
فبدلاً من أن يكون حليفاً للشعب الفلسطيني ضد العدوان
الصهيوني، كان مرسي وسيطاً. لا نريد التحدث عن شحنات الأسلحة التي عطلت وصولها
مخابرات جيش سيسي.
ما تقدم يبين أن الإخوان المسلمين، عن وعي أو خلاف ذلك،
هم من هيأ للجيش إمكانية قيامه بانقلاب عسكري.
الجيش والإخوان والآخرون
إذا تصرف الإخوان بشكل خاطىء، فهذا لا يبرر للجيش
بالقيام بانقلاب على الدستور، بصرف النظر عن رأينا بالدستور الذي أقره الإخوان
خلافاً لرأي أكثر المصريين.
أما الجيش فقد أصبح عديده قليلاً بالنسبة لدولة مثل مصر
تعدادها حوالي ال90 مليوناً. ولكن اتفاقية كامب ديفيد منعت من تطوير الجيش بحيث
يلعب دوراً فعلياً بحماية الحدود من العدو الإسرائيلي. أضف إلى ذلك البنود الأخرى
والتي تجعل من هذا الجيش عدواً للشعب المصري. فهو شرطة مجهزة بأسلحة ثقيلة. أضف
إلى ذلك أن كل ضابط من رتبة عقيد فما فوق يجب أن يمر باختبار تأهيل عند الإدارة
الأميركية. فإذا كان هناك شبهة عداء لإسرائيل أو للأميركان فيكون نصيبه التسريح.
فالجيش المصري إذن هو معاد للشعب المصري وصديق لأمريكا وإسرائيل. إذا أضفنا إلى ما
تقدم الرشوة السنوية والتي تبلغ مليار وثلاثة مئة مليون دولار التي تقدمها الإدارة
الأميركية نعرف مدى حرية هذا الجيش. ليس هذا فحسب، بل إن الجيش المصري يملك مشاريع
إقتصادية خاصة به لا تدخل ضمن ميزانية البلاد، ويقال أنها تبلغ حوالي40% من حجم
الإقتصاد المصري. فهو يتمتع بخيرات البلاد في الوقت الذي يتقاتل فيه المصريون على
لقمة العيش.
جميع ما تقدم هو لنقول أن القوى التي قدمت البلاد على
طبق من ذهب للجيش قد اقترفت خطأً أكبر بكثير من الأخطاء التي وقع فيها الأخوان المسلمون.
إن التخلي عن رئيس منتخب للعسكر هو جريمة موصوفة بحق نضال الشعب المصري. لقد قدم
الشعب المصري الشهداء لنيل حريته فما كان من القوى التي تدعي تمثيله إلا أن باعته
مجدداً للعسكر.
إن استبدال الرمضاء بالنار لن يحل المشكلة الإقتصادية –
الإجتماعية ولن يحل المسألة الوطنية ولن يعيد تشكيل الحياة السياسية. إن تأمين
التغطية الشعبية للإنقلاب العسكري في الوقت الذي كان على القوى الديموقراطية دعم
الخيار الديموقراطي ومتابعة النضال الديموقراطي بالضغط على مرسي للوصول للمطالب
المحقة. أما تدخل الجيش فكان كفيلاً لمن يتمتع بأي حس ديموقراطي أن يحول مظاهراته
ضد الجيش اللاوطني واللاديموقراطي.
مصر إلى أين؟
نحن لا نرجح الخيار الجزائري. ولكن على الإخوان
المسلمين، إذا كانوا يؤمنون فعلاً بالخيار الديموقراطي، أن يعملوا على إعادة ترميم
علاقتهم مع القوى التي أوصلت مرسي إلى الرئاسة. كما أن عليهم فتح نقاش جدي حول خطورة
خيار سيطرة العسكر على السلطة الشرعية. صحيح أن هذه المحاولة تبدو شبه مستحيلة بعد
أن تركوا الأمور تصل إلى هذا الحد، ولكن لا بد من المحاولة.
أما الخيار الآخر وهو تمكن الجيش من لجم الحركة
الإحتجاجية للإخوان المسلمين، وهو الخيار الأسوا والذي سيتيح للعسكر الحكم بشكل
مقنع. العسكر يتمتع بخيرات البلاد والإحتجاجات الشعبية تكون ضد الواجهة التي لا
تملك القرار.
7 تموز 2013
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق