الوضع الحكومي.. مؤشرات إيجابية؟
حسن ملاط
مضى خمسة شهور كاملة على استقالة الحكومة التي تسير
الأعمال حالياً، ولم يتمكن الرئيس تمام سلام، المكلف تشكيل الحكومة الجديدة من
إتمام مهمته. ويعزى البعض عدم التشكيل إلى الشروط والشروط المضادة التي يريد أن
يفرضها طرفا المعادلة في لبنان، 8 و14 آذار. ولكننا نعتقد أن ما منع تشكيل الحكومة
هو عدم نضوج الظروف الموضوعية لولادة الحكومة الجديدة.
ولكن دراسة متأنية للوضع القائم حالياً تؤدي إلى
الإستنتاج أن هناك مستجدات في الوضع الإقليمي والدولي سوف تنعكس إيجاباً على الوضع
المحلي، بحيث يصبح متاحاً تأليف حكومة جديدة، ولكن ليس برئاسة تمام سلام.
كما أن الأوضاع المحلية تبدو مساعدة لتشكيل الحكومة العتيدة
ضمن شروط معقدة ولكنها قابلة للحياة.
الوضع السوري: بعد أن تأكد لمختلف الأطراف الإقليمية
والدولية أن جبهة النصرة وأخواتها هي الأكثر نشاطاً في الحرب القائمة على الشعب
السوري، قرر الأمريكي ضرورة مراقبة حركة تسليح المعارضة السورية لنظام الرئيس
الأسد. واتخذت الإدارة الأمريكية قراراً بتصنيف جبهة النصرة منظمة إرهابية يجب
محاربتها. ومنعت أتباعها من تسليح المعارضة بشكل جدي يمكنها من الإنتصار على
النظام. واتفقت الأطراف التي تقود الصراع في سوريا وعليها، أعني أمريكا وروسيا
وإيران وتوابعهم من "الحلفاء"، على تحديد العدو الذي يجب محاربته في
سوريا. وتحدد العدو بجبهة النصرة وحلفائها. فموسكو أكدت أن الجهاديين سينتقلون إلى
القوقاز الروسي بمجرد انتهاء الحرب في سوريا. وأمريكا أعلنت أنه يجب إنهاء
الإرهابيين السنة والشيعة (المقصود حزب الله) في سوريا. من أجل ذلك، أعلن أوباما،
الرئيس الأمريكي عند زيارته إلى عمان أن الأسد لم يوف بتعهداته. والمقصود إنهاء
جبهة النصرة.
المعارضة السورية، لسذاجتها، اعتقدت أنها هي من يحدد
روزنامة التحرك في سوريا. ولم تع أن الدول المستكبرة هي من يحدد للآخرين حركتهم. فأجندة
النظام تتقاطع بشكل كبير مع ما تريده الولايات المتحدة. من أجل ذلك نرى أمريكا
تعلن عن تسليح المعارضة ثم تعلن عن عدم تسليحها، تبعاً لما تراه مناسباً لها. فقد
ترافق عدم التسليح مع تقدم النظام على مختلف الجبهات. ولكن هذا التقدم لم يقلق
أمريكا في شيء. ولن يقلقها أيضاً إذا بقي الأسد على رأس النظام في سوريا رغم إعلان
أوباما عدة مرات أن بشار الأسد يجب أن يرحل.
هذا التوافق الدولي إقليمياً، هل ينعكس إيجابيا في
ساحتنا المحلية؟
جميع المعارك التي خيضت تأييداً للنظام السوري كانت تغطى
إيجابياً من الإدارة الأمريكية. وحيث أن الأطراف العربية والإقليمية التي تشارك في
الصراع في سوريا بشكل أو بآخر، لها وجود في الساحة المحلية، لذلك لا بد من هذه
الإنعكاسات الإيجابية. صحيح أن بعض الأطراف السعودية لم تتمكن من هضم الموقف
الأمريكي من النظام في سوريا، ولكن المواقف السياسية تتحدد من الدراسة الواقعية
للقوى وليس من خلال العواطف. الإدارة الأمريكية لا تريد للنظام السوري أن ينتصر
انتصاراً باهراً. لذلك هي سمحت للسعودية بتسليح محدود للمعارضة، بشكل لا يمكنها من
تغيير الحقائق المستجدة على الأرض؛ ولكن على أن لا تُمكن النظام من تحقيق نصر مؤزر
على المعارضة. أي ما تريده أمريكا هو أن يبقى الوضع السوري بأيديها هي وروسيا.
بحيث تتمكن هي وروسيا من تحديد مستقبل هذا البلد بمعزل عن حكومته ومعارضته.
في لبنان، أمريكا لا تريد للأوضاع أن تتفجر، لذلك تضغط
باستمرار في هذا الإتجاه. فالموقف السلبي الذي أخذته المعارضة من الجيش بعد عملية
صيدا لم توافق عليه الإدارة الأمريكية. إنما أعلنت أنها سوف تسلح الجيش وترعاه.
وكذلك فعل الإتحاد الأوروبي والأمم المتحدة.
ولكن الأوضاع في لبنان ليست بالبساطة التي تجعل تصريحاً
ما يغير وقائعها. من أجل ذلك لا بد من توافق ما بين القوى الفاعلة لحماية الوضع
الداخلي من التفجر.
هل تحتاج هذه القوى للتوافق؟
لم يبق في جعبة 14 آذار من شعارات تعمل عليها من أجل ضبط
جمهورها سوى التحريض المذهبي. هذا لا يعني أن الآخرين لا يقومون بنفس العمل. ولكن
يعني أن هذا الفريق بحاجة ماسة للسلطة. كما أن الطرف الآخر بحاجة إلى تغطية لحركته
التي لا تحظى بتأييد أي طرف لبناني. من المؤكد أن سعد الحريري لن يغطي تدخل حزب
الله في سوريا، ولكن يمكنه أن يسكت عنه. والحزب ليس بحاجة لأكثر من ذلك، خاصة بعد
سلسلة العمليات الأمنية التي أعطت انطباعاً أن منطقة نفوذ الحزب أصبحت مكشوفة
أمنياً، مثلها مثل باقي المناطق اللبنانية.
إن توافقاً مثل هذا يفيد الطرفين. ولكن هذا التوافق
يستدعي وجود الأصيل وليس الوكيل. هذا على الصعيد الداخلي، أما خارجياً، فالحل يوجب
توافقاً بين الراعيين الإقليميين. والأنباء تتحدث عن زيارة متوقعة للزعيم الإيراني
الجديد للمملكة السعودية.
الصبح قريب! الحظ لم يؤات تمام سلام. فلينتظر فرصة أخرى!
19/7/2013
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق