عن تفعيل التدخل
الروسي
حسن ملاط
تحدث الكثير عن حاجة روسيا إلى قاعدتها البحرية في
طرطوس. كما وتحدث الكثير أيضاً عن أن المعارضات السورية قد أعطت تطمينات للسلطات
الروسية بعدم التعرض للمصالح الروسية في سوريا في حال وصولها للحكم. كما وأن هناك
تنسيقاً ما بين إيران وروسيا كداعمين أساسيين للنظام السوري. ومعروف أن إيران
تتدخل في سوريا عبر خبرائها العسكريين، والميليشيات الأفغانية والعراقية الموالية
لها. كما وأن حزب الله اللبناني يقدم مساعدة كبيرة للنظام السوري. فما المستجد حتى
تقوم موسكو بحركة غير مسبوقة في تفعيل وجودها العسكري المباشر في سوريا، ونقل
الأسلحة الثقيلة والحديثة والبدء بمناورات بحرية بالذخيرة الحية ستمتد إلى تشرين
الأول، والإتصال بالولايات المتحدة الأمريكية للتنسيق معها بالنسبة للطلعات الجوية
فوق الأراضي السورية!
بعد فشل جميع الجهود لإيجاد حل سلمي للنزاع السوري، وبعد
فشل جميع الأطراف من الإنتصار عسكرياً في الصراع، وبعد فشل موسكو في جهودها
المنفردة بتغطية أمريكية، يبدو أنها لم تكن جدية، في إيجاد توافق بين المعارضة
والنظام، تبين ضرورة إعادة النظر في جميع ما تقدم، وخاصة من قبل روسيا، وذلك
لحاجتها للتواجد في الساحة السورية.
تبين أن هناك مستجدات ترتدي أهمية كبيرة، ومنها:
1- عدم قدرة النظام على تحقيق أي انتصار على المعارضة الضعيفة إلا بمعونة من
حلفائه الإيرانيين.
2- انسحاب آلاف الروس الذين كانوا يتواجدون في سوريا، أدى إلى استبدالهم
بأعداد أكبر من الإيرانيين وحلفائهم.
3- ضعف البيئة الحاضنة للنظام، وخاصة العلويين الذين قدموا الكثير من الضحايا
في دعمهم للنظام، بحيث بات من الصعوبة تقديم ضحايا أكثر.
4- اقتصار الجهد العسكري على عدد محدود من العسكر بفئاته المختلفة، جيش
وميليشيات.
5- تفعيل التشاور مع الإيرانيين أخذ الأولوية على التشاور مع الروس أنفسهم.
ففي الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الإيراني، تشاور مع حزب الله بشؤون الوضع
السوري قبل التشاور مع الأسد نفسه. كما وأن وزير الخارجية السوري كان يذهب للتشاور
مع الإيرانيين، حتى قبل الذهاب إلى موسكو أو بعد العودة منها.
6- تبين للإدارة الأميركية أن النفوذ الأول في ىسوريا أصبح للإيرانيين ولم يعد
لروسيا. هذا الأمر يؤثر سلباً على ترتيب الأوضاع في الشرق الأوسط. فامريكا لا تقبل
بالتعامل مع إيران كما تتعامل مع روسيا على سبيل المثال، لأنها لا تقبل بإدخال
إيران إلى نادي الكبار، لذلك أوعزت لروسيا القيام بدور فاعل لإيجاد حل للقضية
السورية وبدعم منها.
7- تبين للروس أن تفعيل دورهم مع النظام السوري يتطلب تواجداً عسكرياً وازناً
في الساحة السورية. وهكذا جاءت الأسلحة من جميع الأنواع وبدأت المناورات.
لم تبعث موسكو بأي تحذير للمعارضة السورية،
ولكنها أعلنت أنها ستدعم الرئيس الأسد بكل قوة ولن تسمح بانهيار نظامه.
إيران أعلنت دعمها للرئيس الأسد أيضاً،
ويُقال أن طهران قد بعثت بتعزيزات من
الحرس الثوري بعد مجيء التعزيزات الروسية. هذا يشير إلى أن طهران قد فهمت أن التعزيزات
الروسية المغطاة أمريكياً هي للتغطية على أولوية الدور الإيراني في سوريا. لذلك
سارعت للبعث بتعزيزات عسكرية.
يمكننا أن نستنتج أن التنافس الروسي الإيراني
على الرئيس الأسد بدأ وسيشتد أكثر بحيث يؤثر على جميع النشاطات داخل الساحة
السورية. وسيطرح قضايا لم يطرحها أحد بشكل جدي حتى الآن؟
من تلك القضايا على سبيل المثال:
أ- تغيرات البنى الديموغرافية في العديد من الأماكن في سوريا. وهذه التغيرات
لم تكن مقصودة في جميع المناطق. من هذه المناطق: البلدات المحاذية للبقاع
اللبناني، بعض الأحياء الدمشقية، اللاذقية وطرطوس...
ب- آلية أخذ القرار السياسي والعسكري.
ت- كيفية إعادة إنتاج توافق ما
بين مختلف الطوائف في سوريا.
ث- الموقف من الكيان الصهيوني خاصة وأن الحفاظ على
هذا الكيان هي من الثوابت لدى الأمريكي والروسي...
ليس هذا فحسب، بل هناك العديد من القضايا
ينبغي حسمها قبل التحدث عن إنتاج حل دائم. والمؤكد أن أولوية الدور الإيراني في
سوريا لن تُنتج حلاً مشابهاً لحل في حال كانت الأولوية للدور الروسي. لذلك ليس
غريباً أن يكون التنافس على من له الأولوية، الروسي أم الإيراني.
هذا لا يعني أننا في الطريق إلى تصادم إيراني
روسي، إنما تنافس فقط، لأن أي تصادم سيكون الخاسران فيه أطرافه فقط والرابح هو
الإدارة الأمريكية.
وأخيراً، حسم هذا الصراع بين الأصدقاء بحاجة
إلى حسم موقف أطرافه جميعها: أمريكا، تركيا، السعودية وقطر. أما الطرف الأهم فهو
الرئيس الأسد نفسه.
12 ايلول 2015
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق