لماذا ربح العدالة
والتنمية؟
حسن ملاط
ربح حزب العدالة والتنمية الإنتخابات التركية، بقيادة
أحمد داود أوغلو وإشراف من الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي يمنعه القانون التركي أن
يكون حزبياً! وهذا الفوز لم يكن متوقعاً حتى من الحزب نفسه. كما وأن استطلاعات
الرأي، حتى المنحازة لأردوغان، لم تعط الحزب أكثر من 43% من الأصوات، علماً أنه
فاز بأقل قليلاً من 50%.
ما هي العوامل التي أدت إلى هذا الفوز الكبير؟
للإجابة على هذا السؤال علينا أن نعيد إحياء المشهد
التركي العام، وخاصة ذلك الفاصل ما بين انتخابات حزيران 2015 وتشرين الثاني من
العام نفسه. فترة تميزت بعدم استقرار كبير أعاد الأتراك إلى الحقبات التي سبقت حكم
حزب العدالة والتنمية والتي كانت سمتها الأساسية عدم الأمان السياسي والإقتصادي
والنفسي. حكم كان يسيطر عليه العسكر الذي صادر الحريات الخاصة والعامة ومنع الناس
من التعبير عن أنفسهم. بعكس الحقبة التي سيطر فيها حزب العدالة والتنمية على
السلطة والتي أعادت الإستقرار إلى المجتمع التركي على جميع الصعد، حيث أبعد العسكر
عن التدخل في السياسة وتضاعف دخل الفرد عدة مرات واستقر سعر صرف الليرة التركية
إزاء العملات الرئيسية. أما الدخل القومي فقد تضاعف حجمه مرات عديدة. ويكفي أن
نقول أن تصنيف تركيا كان من أسوأ التصنيفات، فأصبحت من الدول الأوائل.
أما عن الخمسة أشهر التي سبقت انتخابات الإعادة، فقد
كانت صورة مكررة لما كانت عليه الأوضاع السياسية ما قبل مرحلة العدالة والتنمية:
عدم استقرار أمني، عدم استقرار إقتصادي، حيث تراجعت الليرة التركية مرات عدة أمام
الدولار رغم تدخل البنك المركزي. ضياع مركز القرار، سياسياً وأمنياً وإقتصادياً...
وعليه، يمكننا التفصيل:
أولاً: سياسياً
1- خبر الأتراك جميع أنواع الحكومات العسكرية منها واليسارية واليمينية
والإسلامية. منها ما كان يسيطر عليه الحزب الواحد ومنها ما كان ائتلافياً. جميع
هذه الحكومات لم تؤمن الإستقرار السياسي للمواطن التركي. فقط في عهد العدالة
والتنمية تمكن المواطن التركي أن يعيش عهداً مستقراً سياسياً رغم ما شابه من بعض
الممارسات الغير ديموقراطية والتي تميز شخصية رجب طيب أردوغان، والذي كان يحد منها
علاقاته الشخصية بالناس وقربه منهم نتيجة تجربته الغنية في العمل الشعبي والمدني
عندما كان رئيساً لبلدية اسطنبول.
2- ممارسة الأحزاب الثلاثة التي دخلت البرلمان إلى جانب العدالة والتنمية،
أظهرت بعدها عن الهموم الحقيقية للناخب التركي. استخدمت هذه الأحزاب التكتيكات
التقليدية والتي تُظهر أن هذه الأحزاب تفتش عن مصالحها وليس عن مصالح المواطن. دعونا
نأخذ مثالاً حزب الشعوب الديموقراطي، وهو الحزب الأحدث وهو الذي يمثل الكتلة
الكردية. ما إن دخل البرلمان حتى نسي من يمثل، وراح يفتش عن مصلحته الحزبية وفتح
معركة على حزب العدالة والتنمية، علماً أن هذا الحزب هو الحزب الوحيد منذ تأسيس
الجمهورية التركية الذي قبل التحدث عن حقوق الأكراد الخاصة ضمن الدولة التركية،
والذي فتح حواراً مع أوجلان ممثل حزب العمال الكردستاني والذي يعتبر حزباً
إرهابياً. حزب الشعوب الديموقراطي كان عليه التفاهم مع أوغلو والدخول معه في حكومة
إئتلافية حتى الوصول إلى تنفيذ الإتفاق على حل القضية الكردية. ولكن رئيسه دميرطاش
راح يتلهى بالمناورات السياسية التقليدية. وقد خسر هذا الحزب 22 نائباً من رصيده،
ربحها حزب العدالة والتنمية ومنها في المنطقة الكردية نفسها. وهنا لا بد من
الإشارة إلى أن الموقف السلبي لأوجلان من تسعير الحرب أخيراً كان انعكاسه إيجابياً
بالنسبة للحزب الحاكم.
3- اعتبرت الأحزاب التي جابهت حزب العدالة والتنمية أن السياسة الخارجية
أولوية بالنسبة للناخب التركي، وركزت على موقف أردوغان من الوضع السوري. تبين
أيضاً أن هذه الأحزاب بعيدة عن الحس الجماهيري وهذا ما أظهرته نتيجة الإنتخابات في
إقليم هاتاي (الإسكندرون) والذي يتميز بالأكثرية المطلقة للعلويين، والذي فاز فيها
العدالة والتنمية رغم معارضته المعلنة للرئيس الأسد.
4- الناخب التركي كان يفتش عن الإستقرار السياسي، لذلك أعطى العدالة والتنمية
حتى يحكم بمفرده. وهذا ما يفسر ارتفاع نسبة التصويت في هذه الإنتخابات عن سابقتها
في حزيران الماضي، بالرغم من التفجيرين الإجراميين اللذين أديا إلى العديد من
الضحايا، والتي ارتفعت من 86% إلى 90%.
ثانياً: إقتصادياً
1- لم تشهد تركيا استقراراً اقتصادياً إلا في عهد العدالة والتنمية. هذا من
جهة، ومن جهة ثانية، فإن مضاعفة الدخل الفردي والدخل القومي قد أدى إلى تحويل
تركيا إلى جنة استثمارية. فالإقتصاد التركي يقوم بمجمله على الإستثمار الخارجي ما
يتطلب ضرورة الإستقرار السياسي، وهذا ما يعرفه المواطن التركي.
2- حزب العدالة والتنمية لم يدخل الحرب السورية ولا العراقية رغم كل الإتهامات
بالإنخراط في هذه الحروب. عدم دخوله لم يكن تعففاً، إنما خوفاً من هروب رؤوس
الأموال الأجنبية. ومن المعروف أن بنية الإقتصاد التركي تُعتبر هشة بسبب من
اعتمادها على الإستثمار الأجنبي بنسبة كبيرة. وقد شعر المواطن التركي بنتائج عدم
الإستقرار الذي سببته الحرب الأخيرة ضد الحزب الكردي على الدخل الفردي لكل مواطن.
ثالثاً: المؤسسة الحاكمة
النظام الرأسمالي لا يمكنه أن يستمر إلا بتجديد نفسه
باستمرار. والنظام التركي نظام تابع للعولمة النيوليبيرالية، لا يمكنه أن يُجدد
نفسه بمعزل عن المركز، وذلك لعدم استقلاليته. من أجل ذلك فكر أردوغان بتجديد
المؤسسة الحاكمة، أي بتحويل النظام البرلماني إلى نظام رئاسي وذلك من أجل مركزة
القرار أكثر. وهذا النجاح في الإنتخابات يمكن أن يساعد في هذا الإتجاه.
لا يمكننا التأكيد أن تجديد المؤسسة الحاكمة سيكون له
تأثير إيجابي على الإقتصاد التركي، ولكن ما يمكن تأكيده أن هذا التجديد سيولد دينامية
سياسية نشطة تؤدي، ربما، إلى تجديد الحياة السياسية، وهذا ما يعطي الحزب الحاكم فرصة
إضافية بعد أن وصل إلى حالة من الترهل. هذا الترهل هو ما دفع بالرئيس إلى فتح
معارك باتجاهات مختلفة: العسكر، القضاء، غولين... أما موضوع الفساد فلم يقربه!
لماذا؟
أخيراً، هل سيكون لفوز العدالة والتنمية انعكاسات هامة
على الحرب السورية والعراقية؟
لا يمكن لأي قوة، مهما عظمت، أن تنفذ حلاً في سوريا
والعراق بمعزل عن تركيا. فهذه الأخيرة قوة إقليمية هامة، مصالحها متداخلة مع شريحة
لا بأس بها من المجتمع السوري والعراقي، لذلك لا بد من أخذ مصالحها بعين الإعتبار.
رأيها وازن في التفتيش عن الحلول. ولكن، بالرغم مما تقدم، لا نعتقد بأن نجاح حزب
العدالة والتنمية سيكون له تأثير مباشر، في الوقت الراهن، على الأحداث السورية
والعراقية.
3 تشرين الثاني 2015
hassanmallat.blogspot.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق