الإختلاف، وجوده مطلق، أما
القبيلة فلا!
حسن
ملاط
"ولو
شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا".
الإختلاف
سنة وضعها الله في المجتمع، كل المجتمعات، لأسباب عديدة، منها المساهمة في إيجاد
حراك داخلي يساهم في تنمية هذا المجتمع أو القضاء على إحدى تشكيلاته لصالح تشكيلة
أخرى أكثر تقدماً أو تطوراً لصالح الناس، جميع الناس.
وهذا
الإختلاف وُجد حتى في المجتمع الذي كان بقيادة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
سنتحدث عن ثلاثة من هذه الإختلافات، ونتحدث عن كيفية معالجتها، حتى نتمكن من
اكتشاف طبيعة هذه الإختلافات وأن كيفية حلها تكون تبعاً لطبيعتها.
في
إحدى الغزوات، اختلف أحد المهاجرين مع أحد الأنصار ونادى الأول المهاجرين لنصرته
ونادى الأنصاري قومه لنصرته.
اعتبر
رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الدعوة جاهلية، وهي كذلك،خاصة وأن المسلمين
كانوا قريبي عهد بالرابطة القبلية. وكان أن طلب النبي عليه السلام من المسلمين ترك
العصبية لأنها "منتنة" كما وصفها. ولم يتقاتل المسلمون مع بعضهم البعض
لأن طبيعة هذا الإختلاف ليست عدائية.
في
غزوة أخرى، تعرض بعض الصحابة لإحدى أمهات المؤمنين. وكان وقع هذا الحدث سلبياً على
شخص النبي عليه الصلاة والسلام، ورغم ذلك صبر ولم يتخذ أي إجراء بحق أحد من
المسيئين. ونتج عن هذه الحادثة درس تربوي جديد لجماعة المسلمين بكيفية حل
اللإختلافات فيما بينهم.
رغم
خطورة الحدث، لم يؤد إلى أي تقاتل بين المسلمين لأن طبيعته لا تفرض حله عن طريق
العنف.
أما
المثال الثالث، فهو نقض العهد ما بين يهود بني قريظة والمسلمين. فقد تآمر هذا الحي
من اليهود مع قريش على المسلمين، علماً أن الصحيفة التي تنظم العلاقات ما بين أهل
المدينة تمنع على أي كان التعامل مع قريش أو التآمر على المسلمين. هذا الإختلاف
كان حله عنيفاً لأن طبيعته تختلف عن باقي الإختلافات التي سبق الحديث عنها.
لقد
أكد النبي عليه السلام منذ قدومه إلى المدينة أن المسلمين مكون يختلف عن المكونات
الأخرى: إنهم أمة. جاء في الوثيقة التي كتبها بين المهاجرين والأنصار، وبين
المسلمين وباقي أهل المدينة، ما يلي: "بسم
الله الرحمن الرحيم . هذا كتاب من محمد النبي بين المؤمنين والمسلمين من قريش
ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم أنهم أمة واحدة من دون الناس" .وهذا يعني أن تعاملهم مع الآخرين يكون على أنهم مكون
إجتماعي واحد رغم اختلاف انتماءاتهم القبلية. فبعد الإنتماء للإسلام، أصبح
الإنتماء القبلي ثانوياً. وهذا تأكيد لوصف رب العالمين لأمة المسلمين: "وإن
هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون (فاعبدون).
المسلمون أمة واحدة هو وصف رب العالمين لهم
رغم أنهم من شعوب ومن قبائل مختلفة، ذلك أن تقييم خيرية الفرد أصبح مختلفاً عما
تعود عليه أهل الجزيرة العربية. يقول رب العزة: "يا أيها
الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند
الله أتقاكم إن الله عليم خبير". الأفضل بين الناس هو الأتقى لأي قبيلة
انتمى. المعايير اختلفت.
أول خلاف وقع بين المسلمين هو بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم،
وكان موضوعه خلافة النبي. وبعد مداولات كان الإتفاق الذي لم يحظ بموافقة الجميع
على تولي سيدنا أبي بكر الخلافة.
كيف تصرف معارضو خلافة سيدنا أبي بكر؟ منهم من أعلن عن عدم موافقته
ومنهم من اعتزل ومنهم من ترك المدينة. ولكن، وهو الأهم، لم يحمل أحد السلاح ويعلن
العصيان المدني أو العسكري على الخليفة، مع أن الجميع يملك السلاح. ذلك أن هذا
الإختلاف ليس من النوع الذي يُحل بالسلاح. إنه اختلاف بين أخوة الدين، إنه خلاف
ضمن الأمة. هل زال الخلاف مع أنه لم يحل. بالطبع لا لأن الإختلاف سنة إلهية سوف
تبقى ما بقي الإنسان.
تولى الخلافة سيدنا عمر. ولم يكن سيدنا علي راضياً عن هذا الأمر،
ولكنه رأى أن الأولوية هي للحفاظ على وحدة الأمة. من هنا جاءت قولة سيدنا عمر
الشهيرة: لولا علي لهلك عمر. ذلك أن سيدنا عمر كان يستنصح سيدنا علي باستمرار وكان
الإمام ينصحه، حفاظاً على وحدة الأمة التي رآها سيدنا علي أولوية.
في خلافة سيدنا عثمان، حصلت فتنة وكان الحامي لبيت عثمان أبناء
الصحابة وفي مقدمهم سيدا شباب أهل الجنة الحسن والحسين. ولكن الحريصين على وحدة
الأمة لم يتمكنوا من منع مقتل سيدنا عثمان. وكان الشرخ داخل الأمة. فقد رُوي أن
سيدنا عثمان قال لقتلته أن المسلمين لن يقاتلوا بعده عدواً تحت لواء واحد. وهذا ما
حصل ولا يزال مستمراً حتى الآن.
كانت الإختلافات في الصدر الأول للإسلام تًحل كما كان يحلها سيدنا
النبي صلى الله عليه وسلم، من دون عداوة. (هذا من دون أن ننسى بعض الشذوذ عن
القاعدة). لذلك اعتُبر الصدر الأول للإسلام استمراراً لعهد النبوة الذي انتهى بعد
مقتل سيدنا الحسن بن علي، على بعض الأقوال.
هل ما يحصل في أيامنا هذه يحمل عهد عصر النبوة (أمة واحدة)؟
منذ أربعة عشر قرناً والمسلمون يستنسخون خلافاتهم. لا يبعثونها من أجل
إيجاد الحلول، إنما من أجل البرهان على أن كل من ليس "أنا" هو في النار.
أما سيدنا رسول الله فمنذ أمره الله تبارك وتعالى "قم فأنذر" لم يرتح.
كان يعمل عليه الصلاة والسلام على إقناع الناس أن يذهبوا إلى الجنة. بعد عصر
النبوة، فتش المسلمون على كل الطرق التي تودي إخوانهم إلى الخلود في نار جهنم.
تخلينا عن سنن النبي عليه الصلاة والسلام وتمسكنا بسنن الذين لا يجدون
سبيلاً إلى النظر إلى خلافات المسلمين على أنها لا تودي بأحد إلى نار جهنم.
المخطىء له أجر والمصيب له أجران. تخلينا عن السنة واتبعنا إرث التنابذ.
الله تبارك وتعالى أراد لنا أن نكون أمة وكذلك أرادنا النبي صلى الله
عليه وسلم، ولكن لم يقبلونا إلا شيعاً وأحزابا. من يتقاتل من أجل الدنيا هو الذي
جعل المسلمين كذلك.
هل قدر شعوبنا التقاتل فيما بينهم وترك أعدائهم يتمتعون بخيراتهم؟
منذ دخوله المدينة، حدد النبي صلى الله عليه وسلم العدو والأصدقاء.
وعلم الناس كيفية التعامل مع الخلافات، وقال أن المؤمنين أمة بالرغم من انتمائهم
إلى قبائل وشعوب مختلفة. كما وأن الإنتماء إلى أمة المؤمنين مفتوح لكل الناس وكذلك
الخروج منها. وأن القيم التي تحكم التعامل فيما بينهم هي قيم الأخوة. هذا ما أوجد الإستقرار
في مجتمع المسلمين رغم تربص قريش وحلفائها بهم.
اللحمة التي تقوم عليها أحزاب المسلمين هي العداء فيما بينهم. تركوا
قتال العدو الصهيوني ليقاتل بعضهم بعضاً. هل من مثال واحد لنستن به من سيرة النبي
صلى الله عليه وسلم يُجيز القتال بين المسلمين؟
الإختلاف سيظل إلى يوم الدين. الذين رحم ربي لا يختلفون إلا
ليتصالحوا. أما القاعدة فهي الإختلاف. وكيفية حلول الإختلافات وجدناها في سيرة
المصطفى عليه السلام. لذلك لا بد من إعادة إنتاج تدين يعتمد كتاب الله وسيرة نبيه
صلى الله عليه وسلم وسنته، منزهاً عن الإرث الذي يهدم وحدة الأمة لصالح أعدائها
ويتيح للناس جميع الناس الحياة الآمنة والسعادة في الحياة الدنيا والسعادة في
الآخرة لمن أراد.
17
كانون الثاني 2016
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق