الإشتباك الإيراني – السعودي
حسن ملاط
قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم :"لَزَوَالُ
الدُّنيا أَهْوَنُ عندَ الله مِن قَتلِ رَجُلٍ مُسلِم". رَوَاهُ
النَّسَائِيُّ في سننه.
قامت السلطات السعودية بإعدام مصرياً واحداً وتشادياً
واحداً و45 سعودياً بتهمة الإرهاب. أما إذا لجأنا للمصطلحات السائدة حالياً، فنقول
أنها أعدمت 43 سنياً و4 من الشيعة من ضمنهم الشيخ نمر النمر المعتقل منذ ثلاث
سنوات تقريباً.
تمكنت إحدى المنظمات الدولية من التحدث مع الشيخ النمر،
الذي صرح لها بأنه في حال تضارب مصالح السلطة السعودية مع مصالح طائفته فهو مع
مصالح طائفته وليس مع مصالح الدولة. كما وأبلغها أيضاً بأنه مستعد لطلب المعونة
الخارجية (والمعني إيران) في حال تعرض طائفته للخطر. كما وأعلن لها بأنه يطالب
بفصل المنطقة الشرقية من السعودية وضمها للبحرين، كما كانت تاريخياً، على ما قال.
أما منظمة هيومن رايتس واتش، المهتمة بحقوق الإنسان، فقد
أعلنت بأن الشيخ النمر لم يخضع لمحاكمة عادلة. وهناك أصوات أخرى تقول بأن جميع من
قُتل لم تكن محاكمتهم عادلة. وقد استنكر إعدامه الكثير من القوى الدولية والأمم
المتحدة ومنظمات دولية.
كان تنفيذ الإعدام بالشيخ النمر بمثابة صاعق تفجير
لاحتجاجات عمت أماكن تواجد الشيعة، من إيران إلى العراق، ومن لبنان إلى باكمستان إلى
البحرين... وكلهم يحتجون على إرهاب السلطات السعودية لأنها أعدمت الشيخ النمر وليس
لإعدامها ال47 متهماً.
ما الذي تريده السعودية وإيران من الإعدام وردود الأفعال؟
السعودية
من بادر بالفعل يكون هو المعني الأول بما قام به. للحكام
السعوديين أسباب منها داخلية ومنها خارجية.
أ- الأسباب الداخلية
1- تعثر عاصفة الحزم التي يقودها ولي ولي العهد
يمكن أن تنعكس سلباً على الأوضاع الداخلية في المملكة. فبعد تقدم للحلف السعودي الذي
أصبح على أبواب صنعاء منذ عدة أشهر، عاد فانحسر. وتمكنت قوات الحوثي وعلي عبد الله
صالح من أخذ زمام المبادرة مجدداً. وتمكنت هذه القوات من القيام ب1000 عملية على
الأراضي السعودية المحاذية للحدود اليمنية. وهذا يعني أن الإمدادات الإيرانية التي
جُمدت فترة من الزمن عندما ظهر بصيص نور لتسوية تعم المنطقة، عادت إلى سابق عهدها.
وهذا ما مكن القوات المعادية للسعودية من أخذ المبادرة من جديد. هذا الوضع سيكون له
تداعيات على الوضع الداخلي السعودي، وذلك لوجود عشرات آلاف اليمنيين في السعودية
بصورة دائمة.
2- رأى ولي العهد أن دوره قد جاء
لأخذ زمام المبادرة من غريمه ولي ولي العهد الذي مكنه والده الملك من السيطرة على
المال والجيش والحرس الوطني. ولم تبق خارج سلطانه إلا قوات وزارة الداخلية. ضرب
محمد بن نايف النفير أن أمن المملكة أصبح في خطر، لذلك بادر إلى إعدام المتهمين
بالإرهاب رغم معرفته بأن إعدام الشيخ نمر النمر سيكون له تداعيات سلبية على
العلاقات الإقليمية. فقد طلبت جهات عديدة من السعودية الإفراج عن الشيخ نمر ولو
بمكرمة ملكية، ولم يحصل. وهناك جهات هددت المملكة في حال الإقدام على إعدامه. أي
أن السعودية كانت متأكدة أن للإعدام تداعيات، ورغم ذلك أقدمت عليه. فهي تريد ردود
الأفعال. ردود الأفعال العنيفة ستنقل بوصلة الإهتمام إلى الداخل السعودي بعد أن
كان على الحدود الجنوبية. وبذلك يعود البريق لوزارة الداخلية بدلاً من وزارة
الدفاع. وستنزع من محمد بن سلمان إمكانية المطالبة بضم قوات وزارة الداخلية للجيش
بسبب ظروف الحرب، كما فعل عندما استولى على الحرس الوطني الذي كان يقوده متعب بن
عبدالله. فالأمن الداخلي أهم من أمن الحدود.
3- وحدة المملكة في خطر، إذا تمكنت إيران من أخذ
موافقة دولية على تمثيل الشيعة في السعودية. وهذا مرهون بحركة شيعية ناشطة في
المنطقة الشرقية، حيث الأكثرية الشيعية. وهذا لا يمكن أن يتم إلا بدعم إيراني. من
أجل ذلك كان قطع العلاقات مع طهران هو أول إجراء قامت به السعودية. بحيث يصبح كل
من يتعاون مع إيران مشكوك بولائه "للوطن".
ب - الأسباب الخارجية
وهذه الأسباب تبدو أقل أهمية بالنسبة للداخل
السعودي، لأن دونها عقبات عديدة: عنينا بذلك "آحادية" تمثيل السنة. فمصر
كانت الممثل للسنة في العالم العربي طوال عهد حكم الرئيس جمال عبد الناصر. ورغم كل
المحاولات المترافقة مع المكرمات، لم تتمكن السعودية من انتزاع هذا التمثيل. وقد
دخل على خط تمثيل السنة النظام التركي المتهم بالتعاطف مع السنة. فمعركة التمثيل
يجب أن تُخاض ضد مصر وتركيا في آن. وهذا صعب جداً.
إن تركيز الهجوم الإيراني على السعودية يمكن
أن يُكسبها أوراقاً في حمأة هذا الصراع، ولكنه لن يكون حاسماً. فمصر 90 مليوناً
وتركيا 75 مليوناً على الأقل مع اقتصاد أقوى من الإقتصاد المصري والسعودي مجتمعين.
والسعودية لا يصل عدد سكانها لل40 مليوناً في أحسن الحالات. لذلك هي بحاجة إلى
تركيز العدو (إيران) عليها، وهذا ما يحصل حالياً.
إيران
كان من نصيب إيران رد الفعل وليس الفعل. فهي
لم تبادر. عندما بادرت في المرة السابقة، فشلت. أعني عندما شنت حملة شعواء على
السعودية بسبب الخسائر البشرية التي منيت بها (إيران) بسبب التدافع الذي حصل في
موسم الحج. أما بعد إعدام الشيخ النمر فقد رفعت وتيرة الإحتجاج مباشرة. فقد طلبت
من جميع القوى المرتبطة بها إلى المبادرة بالإحتجاجات.
ففي إيران، جاء التهديد من أعلى مرجعية دينية
وسياسية. وأحرق المتظاهرون السفارة السعودية في طهران والقنصلية في مشهد. وفي
العراق، قام جماعة إيران وجماعة السيستاني بالتظاهر ضد السعودية، وطلبوا إغلاق
السفارة السعودية التي فتحت منذ أيام...
هذا التصعيد مرسوم له في إيران للأسباب
التالية:
1- تمكنت إيران من أخذ موافقة دولية لآحادية تمثيلها للشيعة في العالم. وقد
تمثلت بموافقة موسكو وواشنطن على تسلمها زمام التفاوض بشأن شيعة سوريا. وكان سبق
ذلك تمثيل شيعة أفغانستان. أما في العراق، فقيادة الحشد الشيعي كان لقاسم سليماني
وضباط الحرس الثوري الإيراني. وكانت المساعدات التي تقدمها القوات الأمريكية
لهؤلاء ظاهرة سواء في ديالى أو صلاح الدين.
2- إذا كان تمثيل السنة ينحصر في السعودية وتركيا،
بسبب انشغال مصر بمشاكلها الداخلية، فمن مصلحة إيران أن يكون تمثيل هؤلاء مع الطرف
الأضعف أي السعودية. فشن حملة شعواء على المملكة سيعطيها تعاطفاً سنياً عارماً.
وبذلك تستبدل إيران الثقل العددي للسنة بضعف تمثيلهم السياسي. عندها يمكنها التحدث
عن انتصارها بمعركتها المذهبية التي خططت لها على حساب مصالح الشعب الإيراني الذي
ضحى بلقمة عيشه من أجل بناء ترسانة السلاح التي تحدث عنها أحد الجنرالات
الإيرانيين عندما قال بأن لديهم من الصواريخ أكثر من إمكانيتهم على التخزين. نسي
هذا الجنرال أن الإتحاد السوفياتي عندما انهار كان بإمكانه تدمير الكرة الأرضية عدة
مرات.
مصلحة العرب والمسلمين لن يحققها انتصار أي
طرف من هذه الأطراف. انتصار العرب والمسلمين سيكون فقط بحلف حقيقي بين الدول
العربية وإيران وتركيا. حلف بإمكانه أن يصمد أمام انتهاكات العولمة النيوليبيرالية
لمصالح هذه الشعوب.
4 كانون الثاني 2016
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق