حسن ملاط
كانت الإنطلاقة الكبرى للمقاومة الفلسطينية عقب هزيمة
الأنظمة العربية في تصديها للعدوان الصهيوني على بلاد الطوق في 1967. وقد تمكنت
هذه المقاومة بمختلف تسمياتها من إعادة الأمل للشعب الفلسطيني بإمكانية عودته إلي
بلاده. وتمكنت أيضاً من إعادة الكرامة لهذا الشعب التي أهدرتها مختلف الأنظمة
العربية تحت العديد من الحجج الواهية.
ولكن المقاومة لم تتنبه إلى أن الأنظمة التي تتعامل معها
هي التي هزمها الكيان الصهيوني. ولم تتنبه أيضاً إلى أن النصائح التي يمكن أن
تسديها هذه الأنظمة لا ينتج عنها إلا الدمار لهذه المقاومة. فقد انغمست هذه
المقاومة باتفاقات وتوافقات مع هذه الأنظمة، حتى باتت ممارساتها اتجاه شعبها
وجمهورها تكاد تكون نسخة متطابقة مع ممارسات الأنظمة اتجاه شعوبها. وتنعمت
بالأموال التي أُغدقت عليها، مما أدى إلى انفصال القيادات عن جماهيرها. وأصبح
العمل الفدائي عملاً مدفوع الأجر بخلاف جميع الثورات الشعبية في العالم.
هذا الوضع أدى إلى استتباع العمل الفلسطيني من قبل دول
الإقليم. هذه الدول التي ترتبط بها المنظمات الفلسطينية من حيث التمويل. وأصبح
بالتالي القرار الفعلي والنهائي بيد الممول لهذه المنظمات وليس بيد قيادة
المنظمات.
لقد تمكن المقاتل الفلسطيني من تحقيق انجازات هامة في
حربه مع الكيان الصهيوني. ومن أبرز هذه الإنجازات إجبار العدو على الإنسحاب من
غزة. والإنجاز الآخر الذي لم تشارك المنظمات الفلسطينية بتحقيقه وهو إجبار
الصهاينة على التراجع عن جميع ما قاموا به لتنظيم الدخول إلى المسجد الأقصى!
ما الذي يحصل حالياً؟
بعد أن استقلت كل من فتح وحماس نسبياً بسلطتها على جزء
من فلسطين، الأولى على الضفة الغربية والثانية على غزة، تبين لحماس عدم إمكانيتها
على حكم غزة في ظل المقاطعة الدولية لها وخاصة من قبل عباس ومصر والكيان الصهيوني.
فلم يعد بإمكان المواطن الغزاوي الحصول على ضرورات الحياة. وحماس لا يمكنها تأمين
هذه المتطلبات، لذلك، كان لا بد لها من التصالح مع مصر وبشروط الأخيرة.
طرحت مصر المصالحة الفلسطينية وبإشرافها. وافقت فتح
وحماس على الموضوع وجاءت الحكومة الفلسطينية واستلمت الوزارات في غزة تحت إشراف من
مصر. ولكن الحكومة الفلسطينية لم تخفف الإجراءات ضد غزة ولم تقبل باعتبار موظفي
الحكومة المعينين من قبل حماس رسميين إلا بعد اتفاق فتح وحماس اللتين ستتفاوضان
برعاية مصرية...
عباس يضغط على حماس للقبول بسياسته التفاوضية مع العدو،
وعنوانها الأبرز هو التخلي عن السلاح. حماس تريد إخراجاً معيناً لموضوع السلاح
يسمح لها بأن يكون لها اليد الطولى في حكم غزة في ظل التوافق الفلسطيني...إلخ
مصر هي الحكم في هذا الموضوع... مصر المتصالحة مع العدو،
مصر التي أجرت مناورات عسكرية مشتركة مع العدو، مصر الذي يساعدها طيران العدو بقصف
السيناويين وبالسيطرة على سيناء...إلخ
ما هو مستقبل القضية الفلسطينية؟
المصالحة التي تحصل حالياً هي الذروة التي وصلت إليها منظمات
المقاومة الفلسطينية التي ولدت عقب هزيمة الأنظمة. هذه المنظمات التي لم يعد
بإمكانها أن تقدم أي شيء إيجابي لقضية تحرير فلسطين من الإحتلال الصهيوني.
ولكن بما أن الليل يبشر دائماً بفجر جديد، فقد بدأ
المقاوم الفلسطيني يعتمد على نفسه بتحديد أهداف نضاله وتحديد الأدوات التي يمكنه
استخدامها، فنحن الآن، مع وداع تجربة سابقة، أمام استقبال شكل جديد من صراع
المواطن الفلسطيني (في كل فلسطين) مع العدو.
لن ننتظر إلا التراجعات من التنظيمات القائمة حالياً.
فهدفها جميعها كيفية تأمين استمرارها بيولوجياً. فسياسياً أصبحت مرهونة لغيرها.
الغانم من هذه المنظمات هو الذي يعتذر من الشعب الفلسطيني على فشل التجربة التي
بدأت في ال1967 وانتهت في ال2017، واعداً نفسه وجمهوره بالتفتيش عن شكل جديد
للصراع مع العدو الوجودي لا يكون مرهونا إلا للشعب الفلسطيني.
هذا ليس رثاءً للتجربة، إنما هو انفتاح على شكل جديد
للصراع مع العدو الصهيوني. فطالما الذاكرة الفلسطينية حية، فستظل تُنتج مقاومين من
أجل الحرية السياسية وتحرير الأرض.
5تشرين الأول 2017
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق