حسن ملاط
بعد أن تمكن الجيش اللبناني وحزب الله من طرد
الفلول المتبقية من النصرة وداعش من جرود القلمون اللبنانية والسورية، اعتقد البعض
أن الحرب قد انتهت وأن الفوز بالجوائز قد بدأ. هذا ما جعل الصحافيين الكتبة
الإدلاء بآرائهم. ومن هؤلاء من يعتقد أن تجربته الغنية تسمح له بإسداء النصح
للآخرين.
الأستاذ إبراهيم الأمين سارع إلى تقديم
النصيحة لحزب الله بالتفرغ لساحته الداخلية أو بالأحرى لبيئته الحاضنة، وتقدم بعدد
من المطالب الملحة:
1-
حل أزمة النفايات
والكهرباء والمسألة الصحية في الضاحية!
2-
الفصل بين الحزب
وجناحه العسكري وأمينه العام.
3-
استقالة الحزب من المسألة الداخلية دفعت ببعض أبناء
بيئته، ممن يعملون في مختلف القطاعات، الى التسلح بهذه الاستقالة للتشابه مع
الآخرين في طريقة إدارة أعمالهم. هكذا «انفجرت» فضائح الاسواق العقارية
والاستهلاكية وفُرّخت المنشآت السياحية والتعليمية والصحية من دون دراسة أو تخطيط.
وهكذا صار الاعتداء على الحق العام والاملاك العامة في هذه البيئة كأنه أمر عادي.
وهكذا تعززت فوضى الانخراط في البناء الداخلي، وصار الركض خلف توظيفات المحاسيب
والأزلام واعتماد طريق الوساطات غير النزيهة لتسهيل أمور فيها الكثير من المخالفات
للقوانين العامة. وهؤلاء لم يتوقفوا يوماً عن حبّهم ودعمهم للمقاومة.
4-
إعلان الحزب استقالته العلنية (قالها السيد حسن نصرالله
بلسانه) من مهمة مواجهة الفساد في لبنان، لا يحاصر هذه التحركات فقط، بل هو يمنح
الحصانة للفاسدين الذين يعرفون أن صرخة حقيقية تصدر عن الحزب وجمهوره كافية لهزّ
الأوضاع كافة.
5-
صار لزاماً عليه ابتداع آلية تتيح لجمهوره الوصول الى
حقوقه المدنية الخاصة من دون منّة من أحد، ومن دون تزلف لأحد. وباتت قيادة الحزب
ملزمة بمراجعة شاملة، تدفعها الى ابتداع هيكليات تنظيمية، وبناء تحالفات اجتماعية
– سياسية، تسمح بتحقيق تغييرات جوهرية.
وكان تركيزه على الضاحية والبقاع.
وكذلك فعل الكاتب في الأخبار الأستاذ محمد
نزال الذي يريد "حل مشكلة الأمن والمشاكل الإقتصادية والإجتماعية عند بيئة
الحزب وخاصة في ضاحية الضاحية"!
أما الكاتبة في الأخبار ليا القزي فقد رأت
أنه «كلّما كانت تنتشر المعلومات عن
إنشاء إمارة تربط طرابلس بالقلمون السوري، وتعلو التهديدات، كان الناس يشدون
رباطهم مع المقاومة أكثر فأكثر». إلا أنّ ذلك لا يُلغي واجب «أن نُلاقيهم. وإذا لم
نُحسّن أوضاعهم، لا نكون نعمل بشكل صحيح». (سامحها الله، ذكرتني بالشهيد ناهض حتر
الذي كان يدعو لحلف الأقليات لأنها تقدمية، بينما الأكثرية السنية حليفة للصهيونية
وأمريكا. كما وذكرتني بمجموعة المقالات في "الأخبار" التي دعت المقاومة
لتسليح المسيحيين حتى يجابهوا (ليس العدو الصهيوني). (لعنة الله على الشيطان)!
غداة نجاح جورج بوش جونيور بالرئاسة الأمريكية للمرة الأولى، نشرت
جريدة "لوموند" الفرنسية تقريراً عن السير الذاتية لمستشاري الرئيس
العتيد. هذه السير تبين أن معظمهم قد كانوا من اليساريين السابقين. وقد تبين أن اشاراتهم
كان لها أسوأ النتائج على شعوب العالم وشعوبنا.
من هنا عدم استغرابنا للنصيحة التي أسميناها مفخخة. أين نجد مقاومة
مذهبية تحبس نفسها في بيئتها وتريد أن تحرر الإقليم؟ يريد من المقاومة الإلتفات
إلى البيئة الشيعية فقط. ويؤكد أن جميع الذين يخالفون القانون هم من محبي
المقاومة. فهو يطلب من المقاومة حماية الناس والذين يستغلون الناس. ويعرف الأستاذ
الكريم أن الأمين العام للحزب يطلب من الدولة الدخول إلى الضاحية لمحاربة المخلين
بالأمن السياسي والإجتماعي لأن الحزب غير قادر على القيام بهذه المهمة.
هل المطلوب من المقاومة الشيعية أن تحرر فلسطين وتبني البيئة الشيعية
في البقاع والضاحية؟ ومن المسؤول عن تغيير بنية المجتمع "المقاوم" من
مجتمع مستهلك يعيش على المساعدات أو المداخيل الغير منظورة وتحويله إلى مجتمع منتج؟
ما الذي يمنع من تحويل سهل البقاع إلى منتج للزراعات الاستراتيجية؟
وكذلك سهل عكار. لا يمكن يا أيها المنظر أن تتحدث عن إنماء أعرج في بلد صغير
كلبنان. هذه الطروحات تعني تكريس الإنقسام الطائفي والمذهبي وتأبيده، ولكن بشعارات
براقة.
المجتمع المقاوم هو الذي ينتج ثقافة توحيدية مقاومة، المجتمع الذي
يزرع الأرض ويستصلحها، المجتمع الذي يُصنع جميع منتجات الأرض ولا يرميها كعلف
للحيوانات، المجتمع الذي لا ينتج المخدرات لأنها مربحة ولكن ينتج الزيوت والحبوب
ووو... مع أنها مكلفة.
المجتمع المقاوم هو المسؤول عن جميع مواطنيه، إلى أي طائفة انتموا.
المجتمع المقاوم هو الذي يحول عبيد الطوائف والمذاهب إلى مواطنين أحرار مقاومين.
المقاومة التي سجلت الإنتصار تلو الإنتصار على العدو، المقاومة التي
رفعت رأسنا عالياً، يريدون أن ينحروها في مقصلة المذهبية: تنمية البقاع والضاحية
وضاحية الضاحية وحلف الأقليات.
إنها وصفات الإنتحار الذاتي!
17 تشرين الأول 2017
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق