حسن ملاط
مقدمة
يكاد لا يمر يوم من دون أن يكون للبنان نصيب لتعليق أو
أكثر في الصحافة العالمية. وتنحصر هذه التعليقات بحزب الله وتأثيره على الكيان
الصهيوني ودوره في الحروب الإقليمية والعلاقة الغير متكافئة بينه وبين الحكومة وأجهزتها
الأمنية والعسكرية، مع العلم أن الحزب جزء منها.
سنحاول أن نطل على هذه الأمور، وذلك بوضعها في إطارها
الصحيح، ونستشف كيف للبنان أن يكون قوياً!
الوضع الدولي
لا تزال الدول والتكتلات الدولية التي بإمكانها أن تكون
فاعلة على الصعيد الدولي تُحجم عن التقدم لأخذ دورها باستقلال عن الإدارة
الأمريكية. فالصين وروسيا لا تقومان بأي مبادرة بمعزل عن الشراكة مع الولايات
المتحدة. وينسحب الأمر نفسه على تكتل البريكس الذي لا يكاد يتقدم خطوة حتى يتراجع
خطوات في مسألة الإستقلال إقتصادياً عن الولايات المتحدة. فلا زال الدولار هو عملة
التقييم لجميع التبادلات القائمة بين دوله.
ولا يختلف مؤتمر شنغهاي عن البريكس. هذا مع العلم أن
ميزة دول مؤتمر شنغهاي عن البريكس بأنها متواصلة جغرافياً مما يسهل المشاريع
الإقتصادية المشتركة بين مختلف دوله. ولكن لا تقدم فعلي بين هذه الدول.
هذا ما يجعلنا نؤكد أن جميع الدول بدون استثناء تعمل بجد
ونشاط على استمرار هيمنة العولمة النيوليبيرالية بقيادة الولايات المتحدة على
العالم.
الوضع الإقليمي
الدول التي تُعتبر ساحات للتنافس والصراع في الإقليم هي:
فلسطين، سورية، العراق، اليمن وليبيا. ولكن الأكثر تأثيراً على لبنان هي العراق
وسورية. ولا نبالغ إذا قلنا بأن الوضع السوري يحظى بالأولوية المطلقة.
والدول الفاعلة في هذا الإقليم هي: أمريكا، روسيا، ايران
وتركيا. من هنا ضرورة توضيح دور كل من هذه الدول.
أمريكا
أكثر المعلومات والتقارير والتحليلات تكاد تُجمع أن
الإدارة الأمريكية الحالية لا تملك سياسة في سورية. فهي تتعامل مع الوضع على أنه
حوادث متعاقبة. من أجل ذلك فهي تتعامل مع كل تطور بمفرده. ولكنها لا تقبل بأي حل
من دون أن تكون فاعلة فيه. فهي تنتظر الآخرين حتى تعطي الهندسة النهائية الممهورة
بختمها لأي حل ممكن.
روسيا
هي الدولة الأكثر فعالية في سورية.فهي الدولة التي مكنت
النظام من أن يكون الطرف الأقوى من بين مختلف الأطراف في أي تصور لحل مستقبلي في
البلاد. كما وأن روسيا تتمتع بعلاقات متينة مع الكيان الصهيوني ومع جميع باقي
الأطراف مثال تركيا وإيران. وهي تقوم حالياً بدور لافت مع أطراف المعارضة السورية
بهدف توحيدها.
رغم جميع ما تقدم، روسيا لا يمكن أن تُقدم على أي محاولة
لحل من دون موافقة الولايات المتحدة من دون البحث بإمكانيتها من عدمها على فعل
ذلك.
إيران
هي الدولة التي تلي روسيا من حيث الفعالية في سورية. فهي
التي مكنت النظام من الصمود حتى بدء التدخل الروسي، سواء بقواتها الخاصة أو بما
استقدمته من مقاتلين من أفغانستان وباكستان والعراق وغيرها من الدول. كما أن إيران
هي الممول الرئيسي للنظام السوري وهي التي تُنفق على جميع العمليات العسكرية
وغيرها. لذلك لا يمكن تجاوز دورها إلا باتفاق حقيقي بين روسيا وأمريكا على استبعاد
دور لها في الحل النهائي. مع عدم إغفال قدرتها على الخربطة في أي وقت.
من هنا ضرورة إحترام الدور الإيراني، إضافة إلى أنها
شريك مضارب للولايات المتحدة في العراق واليمن.
من الملاحظ أن الإدارة الأمريكية لا تزال مصرة على عدم
إعطاء ممر بري يربط إيران بلبنان. فعدم تمكن أمريكا من منعها من الأراضي السورية،
فهذا يعني أن عليها منعها من داخل العراق. وهذا ما سينسف التفاهم الذي ما زال
قائماً منذ بدء الحرب ضد داعش وحتى الآن.
هل يمكن التفاهم بين إيران والإدارة الأمريكية على مختلف
السياسات في الإقليم؟ هذا صعب إن لم يكن مستحيلاً،لأن شرطه الأساسي هو العلاقات
الطبيعية بين إيران والكيان الصهيوني وجعل حزب الله كياناً غير مسلح.
وهذا ما يجعل إمكانية الحل السريع للأوضاع في سورية
مستبعداً. وهذا ما يؤكد على ضرورة بقاء قوات حزب الله في سورية.
سؤال آخر يطرح نفسه عن إمكانية حل في العراق بمعزل عن
الحل في سورية. يبدو هذا الأمر مستحيلاً في ظل التجاذب الأمريكي الإيراني بالنسبة
للعلاقات الخليجية ومسألة الحل في اليمن والعلاقات الإيرانية الخليجية المتوترة.
تركيا
بالرغم من التنافس التركي الإيراني على مجمل قضايا
الإقليم، إلا أن التعاون الوثيق بين الطرفين يتقدم على كل ما عداه. فهما الشريكان
الإقتصاديان النشطان، حيث ارتفعت المبادلات بينهما من خمسة مليارات من الدولارات
إلى ثلاثين مليارا. وهما يتشاركان في الملف الكردي والملف العراقي والملف السوري
والملف السني الشيعي...إلخ. وقد أعلنوا شراكتهم الثلاثية مع روسيا بالنسبة لمجمل
القضايا المطروحة. وهذا ما جعل ملف آستانة يطوي ملف جنيف عملياً وليس نظرياً بما
يتعلق بالحلول في سورية.
التماهي بين الموقفين الإيراني والتركي من المسألة
السورية مستحيل. لذلك لا بد من الحلول الوسط والذي سيشرف عليها الروسي حليف
الصديقين اللدودين والذي سيحاول خربطتها الأمريكي من أجل الملف الخليجي مع إيران.
من هنا كان التحدث عن المناطق الآمنة والتي تتداخل في الشمال والشرق من سورية مما
سيشكل تأخيراً للحلول مما يسبب استنزافاً لمختلف الأطراف باستثناء الولايات
المتحدة...
لبنان
من خلال هذه الصورة البانورامية علينا التحدث عن الوضع
الداخلي في لبنان.
الطرف الأكثر فعالية في لبنان هو حزب الله والذي يرتبط
بإيران سياسياً وفكرياً وتمويلاً، حسب ما يصرح به الأمين العام للحزب. لذلك لا
نبالغ إذا قلنا أن إيران هي على تماس مع الكيان الصهيوني من خلال الحزب. وهذا ما
يجعل لبنان معنياً بتطور الخلاف بين إيران والإدارة الأمريكية كما وبين إيران
وكيان العدو. وهذا يعني في نفس الآن أن لبنان على خط التماس مع العدو بشكل مضاعف:
الأول خلاف العدو مع إيران والثاني هو هزيمة العدو من قبل حزب الله.
ما تقدم يتطلب وبشكل ملح جعل الإستقرار في لبنان على
الأجندة الملحة للحزب الفاعل.
التوافق القائم حالياً على الصعيد الحكومي يوصف بأنه
توافق الضرورة. وهذا يبدو صحيحاً سيما أن من يقول به أطراف عديدة ومن طوائف
متعددة.
من المعروف أن العلاقة بين الطوائف هي علاقة غلبة. وهذا
ما حصل بعد اتفاق الطائف، عندما لعبت الطبقة السياسية السنية الدور الرئيسي. وهذا
ما تقوم به الطبقة السياسية الشيعية حالياً. وهذا ما كانت تقوم به الطبقة السياسية
المارونية سابقاً. ولكن وتبعاً لحساسية الوضع الإقليمي حالياً وترابط الوضع
اللبناني عضوياً بهذا الوضع، وانطلاقاً من إصرار أحد الأطراف على أن يكون فاعلاً
في الإقليم، أصبح من الضرورة الإنتقال بالوضع اللبناني من التوافق إلى الشراكة!
الشراكة تعني شعور أطراف التوافق من الطوائف اللبنانية
أنهم شركاء في أخذ القرار وتنفيذه. فحالياً، كل سياسي يأخذ قراراً توافقياً يُتهم
بالتنازل للأطراف الأخرى وعلى رأسها الطرف الفاعل. فموضوع العلاقة مع النظام
السوري اعتبرتها أطراف هامة أنها مفروضة ولم يتم بحثها في مجلس الوزراء. هذا ما
يسمح لجميع الأطراف بالتحريض لخربطة الإستقرار النسبي القائم حالياً في لبنان. ولا
يخفى على أحد أن الطرف المعني أكثر من غيره بحالة الإستقرار هو الحزب.
وسيصبح الوضع أكثر حساسية في حال قيام العدو بعدوان يؤدي
إلى تهجير داخلي. ففي وضع يتميز بتحريض طائفي ومذهبي على مستويات غير مسبوقة، يصبح
هناك خوف حقيقي من تحول أي عدوان صهيوني إلى قلاقل داخلية.
خلاصة
في الوقت الذي انتقلت فيه الحركة من الأدوات إلى الدول
الفاعلة نفسها، سواء في العراق أو سورية، وحيث أن الوضع اللبناني يتسم بحساسية
كبيرة إزاء وضع هاتين الدولتين، وخاصة سورية، أصبح لزاماً على القوى السياسية
العمل على الحفاظ على أكبر قدر من الإستقرار، وليس التوافق المفروض، حفاظاً على
العيش الواحد، وحفاظاً على الإنتصارات التي حققتها المقاومة في لبنان على العدو
الصهيوني.
16 تشرين الأول 2017
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق