الدكتور جوزيف عبد الله
الشيخ إبراهيم الصالح
حسن ملاط
جرى ترسيم الحدود بين
لبنان وفلسطين سنة 1922 بغياب الطرف اللبناني والطرف الفلسطيني وبحضور ثلاثة أطراف
هي: بريطانيا وفرنسا والوكالة اليهودية (الصهيونية).
ترسيم الحدود اللبنانية
الفلسطينية
كتب الدكتور مجذوب في مجلة الجيش اللبناني العدد 78 - تشرين الأول 2011: تولَّت المُفوضيّة العليا الفرنسيّة تحديدها بالتفاوض مع السلطات
البريطانيّة المُنتدَبة على فلسطين. كانت الحدود بين البلدين تتمثَّل بخطّ مُستقيم
بين الناقورة وشرق بحيرة طبريا. ولكن في المُباحثات بين دولتيْ الإنتداب، فرنسا
وبريطانيا، كانت الوكالة اليهوديّة تُشرف، إلى جانب السلطات البريطانيّة في
فلسطين، على رسم هذه الحدود متراً متراً، ولم يكن للجانب اللبناني أي وجود. ولذا
بَدَل الخطّ المُستقيم الذي كان مرسومًا في السابق، وجد البريطانيّون، إرضاء
للوكالة اليهوديّة وتحقيقًا لرغباتها، إقامة «نتوءة» عند الحدود الشرقيّة، شملت
سهول الحولة وبحيرة طبريا ومياه الأردن وقسمًا من الروافد اللبنانيّة والسوريّة.
ويجدر بالإشارة إلى أنّ مُعظم مالكي سهول الحولة كانوا آنذاك من اللبنانيّين
والسوريّين والفلسطينيّين.
وقد تمّ الإتفاق بين
سلطتيْ الإنتداب، الفرنسيّة والبريطانيّة، على رسم الحدود اللبنانيّة -
الفلسطينيّة بصورة نهائيّة في 3 شباط 1922 (إتفاق Paulet – Newcombe)، تنفيذًا للأحكام
الواردة في الاتفاقية الموقّعة في 23 كانون الأوّل 1920. وبعد تبادل المذكّرات بين
السفارة البريطانيّة في باريس ووزارة الخارجية الفرنسيّة في 7 آذار1923 أُبرم هذا
الاتفاق وأصبح الترسيم الذي قامت به اللجنة بين البحر الأبيض المتوسِّط والحمّة
نافذًا بدءًا من 10 آذار 1923. وتكرَّس الاتفاق عندما «أقرَّ مجلس عصبة الأمم، في
دورته السادسة والثمانين
(1934)، إتفاقيّة
الحدود للعام 1923».
و«هكذا وُلِد الخطّ
الحدودي المعروف «نيوكومب» (أي بولِه – نيوكومب) لكنّه لم يكتمل إلاّ بقضم المزيد
من الأراضي مع تسويف البريطانيّين في إقراره، فانتهى إلى تعديل حدودي آخر مع توقيع
الجانبين الفرنسي والبريطاني في 23 حزيران 1923 (2 شباط 1926) ما أسمياه «إتِّفاق
(إتفاقيَّة) حسن الجوار» بين دولتيْ الإحتلال. وبموجب هذا التعديل كان مزيد
من أراضي إصبع الجليل وسهل الحولة قد سُلخ عن لبنان ونُقل من السيطرة الفرنسيّة
إلى منطقة النفوذ البريطانيّة».
ولكن «هناك إشكالان.
الأوّل هو أنّ حدود 1923 لم تُثبِّت حدود 1920 في لبنان الكبير لاستثنائها القرى
السبع. الثاني هو أنّ تلك الحدود جرى ترسيمها من قبل سلطتيْ الإنتداب لأنّه لا يحق
لدول الإنتداب إحداث تغيير ديموغرافي في الدولة المُنتدبة. وهذا ما يُخالف صكّ
الإنتداب الذي صدر عام 1922، عندما حظر على دولة الإنتداب إجراء تعديل ديموغرافي في الدولة المُنتدَبة».
وبالتالي يكون اتفاق
بولِه - نيوكومب قد «عدَّل بعض المناطق لمصلحة لبنان وبعضها الآخر لمصلحة فلسطين.
ولكن بشكل عام أعطى ما لا يقلّ عن 192 كلم2 إلى فلسطين».
ولا بد من الإشارة هنا
أن تصريحات المسؤولين الإسرائيليّين وأقوالهم في مُناسبات مُعيَّنة قد تضمَّنت إقرارًا
بأنّ إسرائيل لا تعترف بالحدود اللبنانيّة - الفلسطينيّة وباتِّفاقيّة الهُدْنة
للعام 1949. فهل يُعدّ هذا الإقرار تصرّفًا مُلزمًا لها؟ وهل تُعتبر هذه الأقوال
بحكم التعهُّد المُلزم لإسرائيل؟ أي: هل للتصريحات التي يُدلي بها المسؤولون في
مُناسبات مُعيّنة قيمة مُساوية للقيمة القانونيّة التي تنطوي عليها الوثائق
المكتوبة؟
تضمَّنت الاتفاقيّة،
التي أصبحت نافذةً في 10 آذار/ مارس 1923، تحديد 71 نقطة فصل، 38 منها في الحدود
اللبنانيّة - الفلسطينيّة، أي من النقطة الرقم 1 حتّى 38، والباقي، أي من النقطة
39 (BP 39) إلى النقطة 71
في الحدود السوريّة - الفلسطينيّة. وقد أُرفقت بها ثلاث خرائط.
وتُظهر الخريطة
الثانية، ما يلي:
- تبدأ حدود شمالي
فلسطين قرب بانْياس وتسير بخطّ مُتعرِّج بعض الشيء في اتجاه شمال المْطُلَّة.
- لا دخل لفلسطين بجبل
الشَيْخ الذي هو جبل لبناني – سوري.
وقد خسر لبنان من جرّاء
اتفاق بولِه - نيوكومب شريطًا يضيق تارةً ويتَّسع طورًا آخر. فأُزيح خطّ الحدود
المُتَّفق عليه في اتفاقية 1920 حوالى كيلومترين أو ثلاثة إلى الشمال لتبدأ
من رأس الناقورة وتسير إلى الجنوب قليلًا من قرية علما الشعب ثمّ تنحرف
شمالًا عند حدود رميش ويارون، ويستمرّ الإنحراف حتى شمال غرب المطلّة، ثم تنحرف
مُجدّدًا فتمرّ بجسر البراغيث وجسر الحاصباني بدلًا من مرورها بتل القاضي وتل دان.
وفيما بعد صدر في 9
نيسان/ أبريل 1925 القرار الرقم 3066 الذي نظَّم، إداريًّا، دولة لبنان الكبير.
وتألَّفت محافظة مرجعيون من 32 قرية، ومديريّة حاصْبَيّا من 26 قرية.
ويتبيَّن من هذا القرار
ما يلي:
- ورود قرية
النْخَيْلة، ممّا يؤكد أنّ الحدود الجنوبيّة لقضاء حاصْبَيّا تُلامس حدود فلسطين.
- لبنانيّة مزارع
شِبْعا (باستثناء مزرعة مُغر شبعا) طالما أنّها تقع خلف النْخَيْلة.
إنّ الغموض في تأكيد
الحدود الجنوبيّة للبنان سهَّل قضم مناطق حدوديّة إضافيّة. وقد عزَّز الغموض صدور
الدستور في 23 أيار/ مايو 1926، إذ نصَّت مادته الأولى على أنّ حدود لبنان
الجنوبيّة هي «حدود قضاءي صور ومرجعيون الجنوبيّة الحاليّة». وأَتَت كلمة
«الحاليّة» بعد اتفاق حسن الجوار في 2 شباط/ فبراير 1926 الذي استند إلى اتفاق
بولِه – نيوكومب. وهذا يعني إخراج منطقة، يراوح عرضها بين 3 إلى 5 كلم، من
الانتداب الفرنسي، أي أنها سَلَخت قرى وخِرَب من «أعمال صور»، هي التالية: البصّة،
وخربة معصوب، وخربة عين حور، وخربة جِرْدِية، وخربة سمخ، وتربيخا، وإقرت، وخربة
الصوانة، والمنصورة، وحانيتا. وكذلك سَلَخت من ناحية إصبع الجليل الشريط الآهل
المُمتدّ غربي سهل الحولة من «أعمال مرجعيون»، وهي التالية: آبل القمح، والسنبرية،
والخصاص، والمنصورة، والزوق التحتاني، والزوق الفوقاني، والخالصة، ولزازة، وقيطية،
والعباسية، والناعمة، والدوارة، والصالحية، والزاوية، وصلحة، والمالكية، وقدس،
والنبي يوشع، وهونين، والمنارة، والمنشية، ودفنة، والمطلة، وخان الدوير، وتل حاي،
وجاحولا، والشوكة التحتا، والبويزية، وميس، وكفر برعم.
ومع هدنة 1948 عملت
إسرائيل على تدعيم أو تزخيم حدودها الشمالية فاحتلَّت قوّاتها بعضًا من أراضي
البلدات والقرى التالية: رميش، ويارون، وعيترون، وبليدا، ومحيبيب، وميس الجبل،
وحولا، ومركبا، والعديسة، وكفركلا، ودير ميماس، وطلوسة، وبني حيان، ورب ثلاثين،
والطيبة، ودير سريان، وعلمان.
يكون لبنان قد خسر بين
تاريخ إعلان دولة لبنان الكبير في 1 أيلول/ سبتمبر 1920 واندحار إسرائيل عن مُعظم
الأراضي اللبنانية العام 2000 نحو 172 كلم2 على الشكل التالي:
- شريط القرى السبع
وأخواتها (120 كلم2).
- الشطر الغربي من
مزارع شِبْعا (36 كلم2).
- الأراضي التي احتلَّت
العام 1949 (16 كلم2).
الترسيم الجديد
بعد أن تبين وجود النفط
والغاز في مياه المتوسط، نشطت الدول على محاولة استغلال هذه الثروة في مياهها
الإقليمية والاقتصادية منها أيضاً.
كان السباق منها في هذا
المجال هو الكيان الصهيوني الذي يقوم باستغلال المياه الفلسطينية لاستخراج النفط
والغاز وبيعه للدول المجاورة مثل مصر والأردن. هاتان الدولتان اللتان تدوسان على
الرابطة القومية التي تربطهما بالفلسطينيين وغيرها من الروابط، بالإضافة الى أنه
لا يحق للصهاينة احتلال فلسطين وطرد أهلها.
وفي هذا المجال، حدد الكيان الصهيوني حدوده مع مصر وقبرص وبقي تحديد الحقوق مع
لبنان.
بوساطة أمريكية، كلف
لبنان وفداً عسكرياً القيام بهذه المهمة وليس سياسياً حتى لا يكون هناك شبهة تطبيع
مع العدو.
طالت هذه المفاوضات ولم
تصل الى نتيجة خاصة أن الوفد اللبناني هو الوحيد الذي قدم دراسة مفصلة وموثقة عن
حقوق لبنان في مياهه. أما العدو الصهيوني، فيريد حدوداً تستجيب لمصالحه وليس للتوثيق
الذي جرى تاريخياً.
تعقدت المفاوضات
وتوقفت. بدأ العدو بالتنقيب عن الغاز والنفط في المياه الاقتصادية اللبنانية، في
كاريش الذي يقع على الخط 29، الذي اعتبرته دراسة الجيش الموثقة من حق لبنان.
بعد توقف المفاوضات مرة أخرى، طلب لبنان من المفاوض الأمريكي التدخل مجدداً وحمّله
الرؤساء الثلاثة رؤيتهم للترسيم والذي يبدو فيها أنها لا تتمسك بالخط 29 الذي
يعتبره الجيش حقاً للبنان بناءً لأول تخطيط اُقيم بين بريطانيا وفرنسا رغم الغبن
الكبير الذي لحق بلبنان من جرائه.
وصرح الرئيس عون أن
الخط 29 ليس من حق لبنان ولا يطالب به. (قال النائب مارك ضو، الذي زار عون ضمن مجموعة من
البرلمانيين المستقلين، إن الرئيس أبلغ النواب بأنه "لا يمكنه الإصرار على
الخط 29" كنقطة انطلاق.
وأضاف ضو "أبلغنا الرئيس عون أن
لبنان ليس لديه الأسس الفنية لبناء قضية للخط 29 لأن الحكومات السابقة فشلت في
تقديم وثائق رسمية للحفاظ على هذا الموقف". )
كما
أن السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله قال: "لتتكل الدولة على الله
وتفاوض، ممتدحا صلابة مواقف الرئيس العماد ميشال عون، متمنيا الابتعاد عن
المزايدات الشعبية هنا وهناك، لأن الوقوف خلف الرئيس سيكون مهما للدفاع عن حق
لبنان"، مطالبا
بالـ "خروج من الزواريب ومتاهات الأكثرية والأقلية".
جرت هذه السرعة في المواقف بعد أن استقدم العدو باخرة الحفر وأخرى لاستخراج الغاز
أو النفط من حقل كاريش.
ماذا
يعني ما حصل؟
هذا
يعني أن السلطات اللبنانية لم تكن مهتمة بالتنقيب عن الثروات النفطية والغازية
والدليل أنها لم تقم بالتنقيب. أما القول بأن الإدارة الأمريكية تمنع على لبنان
التنقيب، لم نسمع يوماً من أحد من المسؤولين أنه أراد التنقيب ومنعته الإدارة
الأمريكية. كما ونضيف السؤال التالي: لماذا سمحت السلطة اللبنانية للكيان الصهيوني
بالتنقيب في حقل كاريش علماً أن الوثائق التي أظهرها الجيش تبين أن كاريش يقع على
الخط 29 الذي هو من حق لبنان.
وهل
كان لحزب الله الحق بتأييد السلطة بالتخلي عن حقوق الشعب اللبناني في غازه ونفطه؟
بدأ الصهاينة بالحفر قبل الاتفاق مع الجانب اللبناني ولم يتعرض
أحد للصهاينة. فالتصريح من قبل المسؤول عن المفاوضات له صفة الالزام دولياً حتى
وان لم يكن مكتوباً.
أورد الدكتور طارق المجذوب في دراسته الهامة ما يلي: هل للتصريحات التي يُدلي بها المسؤولون في مُناسبات مُعيّنة قيمة
مُساوية للقيمة القانونيّة التي تنطوي عليها الوثائق المكتوبة؟
«يبدو، بالاستناد إلى
سوابق الإجتهاد الدولي، أنّ طابع الالتزام والإلزام في تصريحات المسؤولين أصبح من
القواعد الراسخة في أحكام محكمة العدل الدوليّة. ففي الحكم المُتعلِّق بالنـزاع
(بين النروج والدانمارك) حول السيادة على جزيرة غرينلاند الشرقيّة (Eastern Greenland)، إستندت الدانمارك،
في مُرافعتها أمام محكمة العدل الدوليّة الدائمة، إلى تصريح شفوي صادر عن وزير
خارجيّة النروج بشأن احترام السيادة الدانماركيّة على الجزيرة. واعتبرت المحكمة،
في حكمها الصادر في 11/ 5/ 1933، أنّ هذا التصريح مُلزم لحكومة النروج، من دون أن
يرقى إلى مرتبة المعاهدة المُبرمة بين الطرفين.
وتفسير
هذا الاتجاه الذي أصبح مُستقرًا في الفقه والاجتهاد الدوليّين يكمُن في أنّ
التصرّف الذي يصدر بالإرادة المُنفردة عن ممثلي الدول، سواءٌ أكان في صورة إعلان
أو تصريح أو احتجاج أو إقرار بوضع مُعيَّن، يُعدّ مصدرًا للحقوق والالتزامات على
المستوى الدولي، شرط أن يكون موضوع التصرّف بالإرادة المُنفردة مشروعًا وغير
مُخالفٍ للقواعد القانونيّة الآمرة.
مما
تقدم، نستنتج أن تصريح الرئيس عون عن أن لبنان لا حق له بالخط 29 أصبح مُلزماً
للبنان ولا يمكنه بعد هذا التصريح المطالبة بهذا الحق.
تزامن الأحداث
في
هذه الأثناء، كانت تجري محادثات بين ايران والإدارة الأمريكية حول الملف النووي،
لم تُتوج بالنجاح. بل أدت الى قيام حملات بين الجانبين. رافق هذه الحملة قيام حزب
الله بارسال ثلاث مسيرات غير مسلحة فوق حقل كاريش. تمكن العدو من انزالها. بعدها،
صعّد الحزب حملته الدعائية رافعاً شعار عدم السماح للعدو باستخراج الغاز أو النفط
الاّ في حال السماح للبنان باستخراج ثروته النفطية والغازية.
كان
هذا الشعار يحمل الكثير من الديماغوجية. فقد انتقل من حقوق لبنان في مياهه
الاقتصادية وتحديدها الى حق لبنان باستخراج ثرواته من مياهه الاقتصادية. وهل
يستخرج لبنان ثرواته من البحر من دون تحديد أين تقع هذه الحدود؟
هذا
يعني وبوضوح تام أن المسيرات لم يكن لها علاقة بلبنان وبحقوقه. فالعدو يحفر في
كاريش. وكاريش حسب الرئيس عون، المسؤول الرسمي عن المعاهدات الدولية أعلن عدم حق
لبنان بكاريش. وهذا يعني بالتالي أن الرئيس قد رفع الغطاء عن قيام حزب الله بارسال
المسيرات كتهديد للعدو.
لذلك سارع العدو بتقديم شكوى باعتداء الحزب على مياهها الاقتصادية.
ما
العمل حالياً؟
لا بد لتصحيح الأوضاع التي وصلنا اليها والتي تُبين تخلي لبنان عن حقوقه في التراب
وفي البحر منذ ما قبل الاستقلال وما بعده وحتى الآن، من النضال من أجل قيام حكومة
وطنية تحدد بدقة حقوق لبنان في البر والبحر
وتجند شعبها من أجل تحصيل حقوقه كاملة من غير انتقاص.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق