أسباب التحاق أوروبا القديمة في ركب أمريكا
حسن ملاط
سوف يجتمع الرئيس الفرنسي الجديد نيكولا ساركوزي بالرئيس الأمريكي في الولايات المتحدة الأمريكية في زيارة تسودها الحميمية ، و ذلك لعظم اعجاب الرئيس الفرنسي برئيس الولايات المتحدة و بسياساته الخلاقة. و لا أعلم ان كان سيقدم له فروض الطاعة تكفيرا عن ذنب سلفه ، جاك شيراك، الذي لم يرض أن يسانده في حربه على الشعب العراقي.
و للمصادفة ، ربما ، تأتي هذه الزيارة عشية الاحتفال التقليدي بذكرى انتصار الثورة البلشقية الروسية على الرأسمالية في بلدها . و هي الثورة الشيوعية الأولى في التاريخ الحديث. و نقولها فقط للذكرى لأن الرأسمالية تمكنت من الانتصار مجددا على هذه الثورة و عات الرأسمالية الى روسيا، و ان كانت بشكل مختلف عن نظيراتها في الدول الغربية.
و للمصادفة أيضا فقد ذكرني وجود الرئيس الفرنسي الذي جاء يساند الطاغوت الأكبر بكاتب الخرافات الفرنسي المشهور "لافونتين" و بخرافته الشهيرة " الذبابة و العربة" ( La mouche et la charrue ). و هذه الخرافة تتحدث عن تعثر العربة عندما كان يجرها ثوران عظيمان ، و قد لاحظت الذبابة ذلك و جاءت لتساند هذين الثورين فراحت تقرص الأول و تقرص الآخر و تتفرج ثانية على نتاج جهودها الجبارة في مساعدة هذه الحيوانات. اذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية و آلتها العسكرية التي لم يشهد التاريخ مثالا لها لم تتمكن من الانتصار على الشعب العراقي و مقاومته البطلة، و ان كان هذا الطاغوت لم يتمكن من الانتصار على الشعب الأفغاني و مقاومته المظفرة، و الذي يملك من القوة ما يمكنه من تدمير الكرة الأرضية عدة مرات ، فأين سيجد الرئيس الفرنسي له مكانا في هذه المعمعة ؟ و للذكرى نقول أنه بعد حرب أمريكا و حليفها الاتحاد الأوروبي على يوغوسلافيا السابقة (صربيا) و بعد الانتصار، اجتمع وزراء الحرب في الاتحاد الأوروبي و درسوا الحرب و نتائجها و توصلوا الى النتيجة التالية: انهم متخلفون عسكريا و ليس بامكانهم خوض حرب حديثة. فعليهم ، ان كانوا يبغون وجودا مستقلا عن الولايات المتحدة أن يطوروا صناعتهم العسكرية و الا فسوف يظلون معتمدين على قوة أمريكا. و حيث أنهم لم يقوموا بتطوير هذه الصناعة ، يمكننا فهم السبب الذي يجعل ساركوزي و حليفته و (عدوته ) التقليدية ألمانيا تتجه نفس الاتجاه. أوروبا القديمة ، شيراك و شرويدرو اسبانيا، التي وقفت ضد الولايات المتحدة في غزوها للعراق، عادت على عهد ميركل و ساركوزي لتقدم فروض الطاعة لحامية استغلالهما للشعوب ، أعني الولايات المتحدة الأمريكية.
و حيث أن الشيء بالشيء يذكر ، نسأل ما الذي بامكان بوش أن يتذكره من حليفته الجديدة القديمة فرنسا ؟ اليكم هذا الشريط من الذكريات: قبل أن تستقل الهند الصينية (فييتنام، لاوس و كمبوديا ) و تتخلص من جنود الاحتلال الأمريكي ، كانت مستعمرة فرنسية. و أبت هذه الشعوب الذل و انتفضت على الاستعمار الفرنسي و بدأت حرب هذه الشعوب التي لم تهدأ الا بعد أن أجبرت الجنود الفرنسيين على الانسحاب المذل بعد معركة "ديان بيان فو" الشهيرة و التي انسحب بعدها آلاف الجنود الفرنسيين مطأطئي الرؤوس أمام الحفاة العراة من المقاومين الفييتناميين رافعي الهامات الفرحين بالنصر على المستكبرين. و حيث أن الأمريكان الحاليين هم حفدة الفرنسيين و البريطانيين فقد حملوا هذه الذكرى و أعادوا انتاجها بشكل أكثر اذلال من جدودهم . دخل الأميركيون الى فييتنام بمئات الآلاف من الجنود ، ظانين بأن كثرة العدد ربما ستحقق لهم النصر الذي لم يتمكن أسلافهم الفرنسيون من تحقيقه. و كانت النتيجة معركة سايغون ( هو شي منه ) الشهيرة أيضا و التي على اثرها انسحب مئات الآلاف من الجنود الأمريكان ذليلون ، مطأطئو الرؤوس كما أسلافهم الفرنسيين.
دعونا نترك بوش يتذكر كيف انسحب جنوده أمام الصوماليين أو غيرهم من الأفارقة. أو دعونا نأتي الى لبنان فكما انسحب الفرنسيون انسحب بعدهم جنود المارينز الأمريكان ، جنود النخبة. اذن علينا أن نستنتج أن ذكريات الأمريكان مع الفرنسيين ذكريات مذلة فهل يا ترى سوف يفرح بوش بهذه الزيارة أم أنها ستفجر لديه هذه الذكريات المأسوية؟
على كل فان نجاح ساركوزي في الانتخابات الفرنسية ، أعطت المعلقين في الصحف مادة دسمة . و لكن الملاحظ أن جميع التعليقات كانت بنفس الاتجاه . تقول ليندا هيرد ما يلي : نيكولا ساركوزي المناصر بقوة لسياسات إدارة بوش الخارجية والذي وصفه المراقبون بأنه "محافظ جديد أمريكي بجواز سفر فرنسي" والذي يلقبه العامة بأنه "ساركو الأمريكي."
ثم تضيف قائلة : وقال حينها ( ساركوزي): "لا داعي لأن أؤكد على الارتباط العضوي لكل يهودي بإسرائيل باعتبارها وطناً ثانياً له. ليس هناك ما يضير في هذا الأمر. إن في داخل كل يهودي خوفاً يتوارثه جيلاً بعد جيل، وهم يعرفون أنهم إن فقدوا الإحساس بالأمان في يوم من الأيام في البلاد التي يعيشون فيها فإن هناك على الدوام مكاناً مستعداً لأن يستقبلهم. وهذا المكان هو إسرائيل." ( نفس الاتجاه البوشي بالنسبة لتأييد اسرائيل).
و تقول أيضا : هذه القدرة على التعاطف مع اليهود التي لساركوزي ربما يزيد من قوتها حقيقة نسبه اليهودي. فجده لأمه، آرون ملاح، الذي كان ساركوزي شديد التعلق به في طفولته كان يهودياً يونانياً من سالونيكا ومنها هاجر إلى فرنسا عام 1917. أما باقي أفراد العائلة فكانوا ناشطين بارزين في الحركة الصهيونية.
أولاً، يقال إن ساركوزي صديق مقرب جداً من بنيامين نتنياهو، السياسي الإسرائيلي اليميني ورئيس الوزراء السابق الذي يريد خلافة إيهود أولمرت بعد الفضيحة التي تسببت له بها حرب إسرائيل الأخيرة في لبنان.
ثانياً، شأن معظم الساسة الأمريكيين الراغبين في خلافة الرؤساء، فقد قدم ساركوزي فروض الطاعة للإيباك، اللوبي الأمريكي الموالي لإسرائيل، وزار القدس واعتبر أن زيارته لنصب فاد فاشيم للمحرقة اليهودية مثلت نقطة انعطاف في حياته. أما وعوده بزيارة الضفة الغربية وقطاع غزة فلم تتحقق حتى الآن....
نهاية مايو الماضي أعلن ساركوزي عن تشكيلة حكومته الجديدة والتي تضمنت السياسي الاشتراكي بيرنار كوشنير المناصر بقوة للولايات المتحدة وغزو العراق ليكون وزيراً للخارجية. كما عين وزيرة الدفاع السابقة ميشيل أليو ماري العازمة على استعادة العلاقات القوية مع الولايات المتحدة في منصب وزيرة الداخلية. كما عين ساركوزي صديقه بريس هورتفيو وزيراً للهجرة والهوية الوطنية.
وكان هورتفيو عقب أحداث الشغب في 2005 قد ألقى باللائمة عنها على عدم قدرة المهاجرين من دول المغرب العربي على الانسجام مع المجتمع الفرنسي. وقال حينها إن "السياسة الحضرية الفرنسية منذ 20 عاماً وهي تعمل على رتق الشقوق غير أنها لم تتمكن حتى الآن من حل المشكلات الجوهرية التي تخص استيعاب المهاجرين من شمال إفريقيا وأبنائهم في المجتمع الفرنسي" كما تعهد "بإيجاد طريقة للخروج من هذه الحالة بالتصميم والعزم."
على قمة أولويات السياسة الخارجية لساركوزي تأتي قضية تعزيز العلاقات بين باريس وواشنطن التي اعتراها التوتر نتيجة غزو العراق. وقال في خطابه لأنصاره بعد فوزه بالانتخابات: "أريد أن اتصل بأصدقائنا الأمريكيين لأقول لهم إن بمقدورهم الاعتماد على صداقتنا."
ولم ينتظر ساركوزي طويلاً قبل أن تأتيه مكالمات التهنئة من بوش وبلير، فيما قال السيناتور الديمقراطي تشارلز سكامر لسي إن إن: "أتمنى أن يكون لفرنسا رئيس لا يتصف بمواقف مسبقة ضد الولايات المتحدة."
وكان ساركوزي قد عبر عن تضامنه مع الرئيس جورج بوش بخصوص العراق خلال زيارته للرئيس الأمريكي في سبتمبر الماضي. وهناك في واشنطن انتقد ساركوزي بشدة مواقف بعض وزراء حكومته لمواقفهم المعارضة للحرب وقال لمضيفيه: "إنه ليحق لكم أن تشعروا بالقرف منا على هذه المواقف."
و جاء في أحد المواقع الاخبارية المغربية مايلي : مقتطفات من مقالة بعنوان الوجه الخفي لساركوزي
هل هناك وجه خفي لنيكولا ساركوزي؟ هل للرجل توجهات يمينية محافظة تقترب من خط "المسيحية الصهيونية"؟ وبماذا يفسر ساركوزي كل هذا الحرص على حماية "أمن إسرائيل"؟ هل لجذور "ساركوزي" ووزير خارجيته "كوشنير" اليهودية تأثير في السياسة الخارجية المساندة للإسرائيليين؟ هذه أسئلة أصبحت تتردد في الساحة السياسية الفرنسية مع بروز المواقف المتشددة لساركوزي ولوزير خارجيته "برنار كوشنير" إزاء الملف الإيراني؛ الأمر الذي وصل بالخارجية الفرنسية إلى تبني خيار "احتمال الحرب".
في مسألة مساندة نيكولا ساركوزي لإسرائيل بالذات فجّر النائب الاشتراكي "جورج فريش" والمعروف بانتصاره لإسرائيل قنبلةً صامتة أهملتها وسائل الإعلام الفرنسية، وكانت عقب انتخاب ساركوزي رئيسًا لفرنسا مباشرة؛ ففي حفل نظّمه المركز الثقافي اليهودي بمدينة مونبلييه جنوب غرب فرنسا يوم 24/6/2007، خاطب فريش الحضور قائلاً: "أنا فخور بأن فرنسا قد انتخبت بالانتخاب المباشر والعام رجلاً يهوديًّا رئيسًا للجمهورية"، وأضاف فريش: "لقد كان لنا (أي اليهود) ليون بلوم رئيس وزراء، وكان لنا منداس فرونس رئيس وزراء كذلك، ولكن لم يكن لنا أبدًا يهودي رئيسًا للجمهورية"، وختم فريش قائلاً: "والآن لكم كذلك كوشنير وزيرًا للخارجية (يهودي) فماذا تريدون أكثر؟".
خطاب فريش الذي لم تتناقله وسائل الإعلام الفرنسية -التي تهمل تقليديًّا كل المعلومات الشخصية المتعلقة بالانتماء الديني بحكم طابع الدولة للعلمانية الفرنسية- تضمّن عبارة مثيرة للاهتمام أيضًا، وهي أنه تعرّف على نيكولا ساركوزي على ضفاف بحيرة طبرية قرب الجولان على الحدود السورية الإسرائيلية في حزيران/ يونيو 1967 بعد أيام قليلة من احتلال إسرائيل لقطاعات كبيرة من الأراضي العربية، إضافة إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، وهو "النصر" الذي اعتبره العديد من ساسة إسرائيل "نصرًا إلهيًّا لشعب الله المختار".
ماذا كان نيكولا ساركوزي يفعل على ضفاف بحيرة طبرية على تخوم الجولان المحتل حديثًا، في فترة أدان فيها العالم الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية؟ هذا سؤال لم يجب عنه جورج فريش.
أوليفيا زامور، منسقة منظمة "أورو فلسطين" الفرنسية المساندة لحقوق الشعب الفلسطيني، ترى أن السياسة الفرنسية الخارجية تجاه القضية الفلسطينية تغيرت منذ انتخاب ساركوزي، وتقول: "إن ساركوزي ووزير خارجيته أخذا مكان توني بلير في الولاء للولايات المتحدة".
في الساحة السياسة الفرنسية بدأت ملامح الانتقادات تظهر إزاء التغيير الجديد في السياسة الخارجية الفرنسية، أول الانتقادات جاء من الحزب الحاكم نفسه، حيث انتقد دومينيك دوفيلبان الوزير الأول السابق ووزير الخارجية الأسبق والذي ألقى خطاب فرنسا الشهير المناهض لغزو العراق سنة 2003.. انتقد ما اعتبره "انحرافًا" في سياسة فرنسا الخارجية.
بينما انتقدت الجبهة الوطنية اليمينية سياسة وزير الخارجية وأصدرت بيانًا تعجبت فيه من حادثة غريبة وقعت في مقر الخارجية الإسرائيلية يوم 11 أيلول/ سبتمبر 2007، حينما حضر وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير ندوة صحفية جمعته مع نظيرته الإسرائيلية تسيبي ليفني؛ فيومها -يقول بيان الجبهة- وجّه صحفي إسرائيلي سؤالاً لوزير الخارجية الفرنسي حول موقف فرنسا من الاختراق الجوي الإسرائيلي للأراضي السورية، والغريب كما يقول الحضور أن وزيرة الخارجية الإسرائيلية كتبت في الوقت ذاته ورقة صغيرة وضعتها أمام برنار كوشنير الذي قرأها وقال "إن فرنسا ليس لها علم بما وقع"، وعلّق بيان حزب الجبهة الوطنية قائلاً: "برنار كوشنير وزير خارجية من؟"، أي بعبارة أخرى: هل أصبح برنار كوشنير وزير خارجية إسرائيل؟.
و كتب محمد صلاح : وعندما تسلّم ساركوزي مقاليد الحكم في بلاده بدأت إرهاصات هذه السياسة تتبلور؛ فقد استبعد استئناف الحوار على مستوى رفيع مع سوريا بحجة عدم توفر الظروف الملائمة لذلك, وقال في لقاء مع وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس: "إنه في الوقت الراهن الظروف لاستئناف الحوار على مستوى رفيع مع السلطة السورية غير متوافرة". وهي السياسة نفسها التي تسير عليها الولايات المتحدة.
كما دعا ساركوزي المجتمع الدولي إلى إبداء المزيد من الشدة إزاء السودان، في حال رفضها التعاون بشأن إقليم دارفور... كما سار ساركوزي على الخطى الأمريكية في الشأن الفلسطيني وانحاز لعباس في خلافه مع حماس.
و كتب محمد بوبوش : انه لشرف لهوبير فيدرين أنه رفض هذا المنصب (منصب وزير الخارجية) الذي عرض عليه قبل كوشنير، أو قل إنه وضع شروطاً للقبول به. نقول ذلك ونحن نعلم أن فيدرين الذي كان وزيراً للخارجية لمدة خمس سنوات في عهد جوسبان يرفض التبعية لأميركا على عكس كوشنير وساركوزي. وعلى الرغم من ان هذا الأخير قال له بأنه ليس أطلسياً، أي بوشياً، الى الحد الذي يصورونه، إلا أن الجميع يعلم أن السياسة الخارجية الفرنسية ستكون متناغمة تماماً مع واشنطن هذه المرة.
وهكذا فلتت حقيبة الخارجية من يد فيدرين وذهبت الى كوشنير الذي يتمتع بخبرة طويلة عريضة أيضا في مجال السياسة الخارجية. وهو صاحب شعار حق التدخل في شؤون الدول الأخرى اذا ما اضطهدت شعوبها أو إحدى فئاتها أو اذا ما داست على مبدأ حقوق الإنسان. وهذا يشبه شعار الحرب الوقائية لبوش. أما فيدرين فيرى في هذا المصطلح الذي اخترعه كوشنير نوعاً من العودة إلى زمن الاستعمار.. وعموماً فإن الرجلين يختلفان على معظم ملفات السياسة الخارجية الفرنسية، سواء أكان الأمر يتعلق بالصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، أم بالعلاقة مع الولايات المتحدة، أم بقضايا أخرى.
ثم يضيف قائلا : وفي ما يخص الصراع العربي ـ الإسرائيلي لم يعد لديغول من وجود. فالتطابق أصبح الآن كاملا بين السياسة الخارجية الفرنسية والسياسة الخارجية الأميركية والإسرائيلية.
و بالنسبة للحريات يقول بوبوش : بقيت مسألة الحريات الداخلية في فرنسا. الكثيرون قلقون بسبب هيمنة النظام الجديد على كل وسائل الإعلام الفرنسية تقريبا.
قالت صحيفة لوفيغارو إن القلق الروسي والارتباك الصيني والمخاوف العربية والتململ التركي من التوجهات الدبلوماسية للرئيس الفرنسي الجديد نيكولا ساركوزي وما يقابل ذلك من ترحيب أميركي وتحمس بريطاني (وسرور إسرائيلي) كلها مؤشرات على مدى اختلاف ردات الفعل العالمية على السياسة الخارجية المرتقبة لهذا القادم الجديد على الساحة الدولية.
لكن لوفيغارو لاحظت هوة كبيرة بين الأحكام الخارجية على هذه التوجهات وبين تحليل خبراء السياسة الخارجية في باريس, مشيرة إلى تقليل هؤلاء الخبراء من أهمية فكرة "القطيعة" الدبلوماسية التي يجري الحديث عنها.
ونقلت الصحيفة عن عدد من المحللين السياسيين الفرنسيين ذهابهم إلى الاعتقاد أنه سيفضل الخيار الواقعي في تعامله مع السياسة الخارجية, مشيرين إلى أن ورقة "القيم" التي لوح بها ساركوزي مساء الأحد الماضي أمام العالم لا بد أن تتماشى مع الحقائق الصعبة على الأرض, ومع ميزان القوى الدولية, ومع المصالح الاقتصادية.
وحسب هؤلاء المحللين فإن التقلبات الكبيرة التي توقعها بعض الناس في الخارج وخشيها بعض آخر لن تكون بتلك الحدة بسبب براغماتية القادم الجديد على الساحة الدولية, الحريص على إبراز اختلافه عن سلفه دون أن يعني ذلك استعداده للتضحية من أجل أيديولوجية جديدة.
أما صحيفة لاكروا فذكرت أن ساركوزي حاول في السنوات الأخيرة اكتساب تجربة على الساحة الدولية, ففضلا عن أوروبا التي يعرفها جيدا سافر الرئيس الفرنسي الجديد خلال هذه السنوات إلى أفريقيا والصين والولايات المتحدة وإسرائيل, وفي كل مرة كان يحظى باستقبال على أعلى المستويات.
وحرصا منه على الحصول على مكانة دولية لم يترك ساركوزي إبان توليه وزارة الداخلية أو وزارة المالية فرصة سفر إلى الخارج إلا اغتنمها, مشيرة إلى أنه حاول في كل مرة إبراز اختلافه مع الرئيس الفرنسي جاك شيراك.
وقالت الصحيفة إنه بدأ تلك الجهود منذ 2002 بزيارة لبريطانيا ثم للصين ثم للسنغال فمالي وبنين... إلخ.
ونبهت إلى أنه لم يترك خلال تنقلاته تلك فرصة مقابلة زعيم أية دولة يزورها إلا قابله, بل وصل ذلك إلى إبرام صداقات حميمة مع بعض الرؤساء كالرئيس الغابوني عمر بونغو.
ويتوقع المحللون أن لا يحدث تغير كبير لسياسة فرنسا تجاه روسيا والصين بسبب تنسيق فرنسا لمواقفها مع حلفائها في الاتحاد الأوروبي فيما يخص هاتين الدولتين, لكنهم رجحوا تناقص ما كان يطبع تلك العلاقات من حميمية.
أما الولايات المتحدة فتنقل لوفيغارو عن المحللين قولهم إنهم يرون أن هناك عائقين أساسيين أمام مصالحة ساركوزي معها, أولهما النية المعلنة لساركوزي في مراجعة الوجود الفرنسي بأفغانستان الأمر الذي لن يكون مصدر ارتياح لدى الأميركيين, وثانيهما الالتزام القوي الذي قطعه الرئيس الفرنسي الجديد على نفسه يوم الأحد الماضي بشأن معاهدة كيوتو والاحتباس الحراري.
أما موقفه من قضية الشرق الأوسط, فإن لاكروا تؤكد أن ساركوزي مناضل لا يمل ضد ما يسمى "معاداة السامية" وأنه بذلك يعتبر في إسرائيل صديقا قويا.
أما لبنان فإن ساركوزي -حسب لاكروا- لا يشاطر شيراك الأهمية التي يوليها له, لكنه قال بعيد مقابلة له مع الرئيس المصري حسني مبارك يوم 18 أبريل/نيسان الماضي إنه لن يهمل لبنان, بل يعتبره "مهما جدا", لكنه "ليس الوحيد..".
أما المغرب العربي فإن الصحيفة ذكرت أن ساركوزي حين كان وزيرا للداخلية عقد مع دوله علاقات, فزار المغرب أربع مرات والجزائر ثلاث مرات وتونس مرتين.
وأضافت أنه يود ضم تلك الدول وإسرائيل ودول أخرى على البحر الأبيض المتوسط إلى "الوحدة المتوسطية" التي يرغب في أن ترى النور.
وقال بيرل في مقابلة له اليوم مع لوفيغارو إنه يرحب بمقدم رئيس فرنسي متحرر من الهوس الديغولي بالتميز عن خط السياسة الأميركية, رئيس لا يأتي من الأوساط التي تنظر إلى فرنسا كمعارض للولايات المتحدة.
وأكد أن "السياسة العربية" لفرنسا كانت من أسوأ وأفشل السياسات الخارجية في العالم الحديث.
وتساءل بيرل عن ما جنته فرنسا من تلك السياسة, قائلا "أوجدوا لي أي فائدة في سياسة فرنسا المحابية للدكتاتوريات العربية".
وقال إن فرنسا في ظل شيراك لم تعارض غزو أميركا للعراق فحسب, بل عملت ما في وسعها لتعقيد المهمة الأميركية هناك, الأمر الذي قال إنه يخالف روح الصداقة.
هذا بشأن السياسة الخارجية الفرنسية ، أما بالنسبة لسياسة ميركل الخارجية فانه مع علمنا بأنها لا ترتدي تلك الأهمية الا اننا علينا أن نشير انها أصبحت أكثر نشاطا مما كانت عليه في السابق و أنها باتجاه السير في ركاب الولايات المتحدة .
جاء في جريدة القبس الكويتية مايلي : تاريخ الطباعة: 18/10/2007
أما على صعيد السياسة الخارجية وبالخصوص ملف الشرق الأوسط، فيرى الصحفي اللبناني أن ألمانيا لم تستطع تحقيق نجاحات ملموسة. يعزوغسان أبو حمد ذلك إلى ثلاثة أسباب، وهي ارتباط السياسة الخارجية الألمانية بالسياسة الخارجية الأمريكية، و طبيعة قضايا الشرق الأوسط الشائكة والمعقدة، كما أن فترة الرئاسة قصيرة ومن ثم من الصعب تحقيق أي نجاحات خلالها.
و كتب باتريك سيل في، ديلي تلغراف، 8 يناير
وكانت المستشارة الألمانية ميركل، قد سجلت زيارة قريبة لواشنطن، حيث جمعتها مأدبة عشاء عمل مشتركة مع الرئيس جورج بوش. هذا ويعرف عن ميركل عمق إيمانها وشدة حماسها لضرورة بناء علاقات تحالف وطيدة بين أوروبا والولايات المتحدة، مع العلم بأن هذه العلاقات كانت قد شرختها وصدعت جدرانها حرب بوش الأخيرة على العراق.
وفي عمق رؤية ميركل، إنشاء سوق عبر أطلسية عملاقة مشتركة بين جانبي المحيط الأطلسي، أي بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية وكندا. وفي اعتقاد ميركل أن في وسع سوق كهذه أن تعزز تدفقات التجارة والاستثمارات بين أكبر معسكرين اقتصاديين عالميين.
ومن قناعات ميركل أنه ليس في مقدور أوروبا وحدها أن تلعب دوراً في الشرق الأوسط، دون شراكة فاعلة بينها وبين الولايات المتحدة الأميركية.
و كتبت مراسلة جريدة عكاظ عهود مكرم : وقالت منسقة العلاقات الامريكية الالمانية كارستين فوجت لـ «عكاظ» ان التوجه الالماني الجديد يهدف الى اعادة الدفء للعلاقات بين البلدين واعادة التوافق حول الاوضاع في البلقان وافغانستان مع ان برلين تفضل الحلول الدبلوماسية للازمة الايرانية.
و من الجدير ذكره أن ساركوزي و ميركل كانا قد أعلنا عن القيام بمهام تخفف الضغط عن الولايات المتحدة : برلين 10 سبتمبر 2007 (وا ت) أعلن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزى والمستشارة الالمانية انغيلا ميركل الاثنين في ختام قمة غير رسمية في ميزيبرغ في ألمانيا أن البلدين سيعززان التعاون بينهما في أفغانستان من خلال تدريب جنود وكوادر.
وقالت ميركل لقد التزمنا معا في مكافحة الارهاب واعادة الاعمار مضيفة ان البلدين سيعملان معا على تدريب جنود افغان في اطار لوجستية مشتركة بينهما.
من جهته قال ساركوزى نريد العمل مع اصدقائنا الالمان للمساعدة على اعادة اعمار افغانستان وعلى تدريب مسؤولين في الدولة الافغانية واحلال بعض السلام والامن في بلد بامس الحاجة اليهما.
ويقوم خمسين مدربا فرنسيا حاليا بتدريب الجيش الافغاني ومن المقرر رفع عددهم الى مئتين بحلول نهاية السنة.
وذكرت صحيفة سودويتشي تسايتونغ ان 186 جنديا المانيا من اصل حوالى ثلاثة الاف ينتشرون في افغانستان يتولون تدريب القوات الافغانية كما تقود المانيا قوة اوروبية من 160 شرطيا وخبيرا مكلفة تدريب الشرطة الافغانية.
و أخيرا لا بد من طرح السؤال التالي : لماذا تريد فرنسا و ألمانيا أن تنتهجا في السياسة الخارجية نهجا محابيا للولايات المتحدة و ليس نهجا مستقلا؟
أعتقد أنه في السياسة الدولية لا مكان للعواطف و المحاباة، انما المصالح هي التي تلعب الدور الرئيس في اختيار السياسات. لقد مر معنا في سياق هذه المقالة أن وزراء الدفاع في الاتحاد الوروبي قد توصلوا الى نتيجة تقول بأن الاتحاد الأوروبي متخلف عسكريا. و بعد أن تبين واضحا بأن المال بحاجة لمن يحميه لذلك لا بد للاتحاد الأوروبي من حام له و قوي . و هذا الدور ليس بامكان سوى الولايات المتحدة أن تلعبه. خاصة و أن العولمة الليبيرالية هي ليبيرالية بقدر ما تحقق مصالح المستثمرين التابعين للمركزأي للولايات المتحدة. فآلية رأسمال الخاصة ليس لها أن تفعل الا من ضمن مصالح الأقوى. أما الآلية الخاصة للرأسمال و المستقلة عن السياسة ليس لها وجود الا في كتب الاقتصاد و الاقتصاد السياسي . اليكم هذا المثال : فقد كسبت احدى شركات ادارة الموانىء في دبي عقدا لاستثمار ميناء نيويورك. ماذا جرى . لم تقبل الولايات المتحدة بهذه الصفقة علما أنه لا مشاكل قانونية بالنسبة لها ، الا أن الادارة الأمريكية ، حتى تجبر هذه الشركة العربية التخلي عن هذا الاستثمار اعتبرت أن ادارة الشركة الاماراتية لميناء نيويورك يشكل خطرا على الأمن القومي الأمريكي . و النتيجة أن هذه الشركة أجبرت على التخلي عن هذا الاستثمار المربح. أين الآلية الخاصة للرأسمال و التي يبشر بها الرأسماليون القابضون على زمام السلطة؟
اعتقادي أن الاتجاه الفرنسي و اللماني في السياسة الخارجية و الذي يتجه للتبعية للولايات المتحدة المريكية و بصرف النظر عن هوية القابضين على السلطة في واشنطن، ان كانوا جمهوريين أو ديموقراطيين /ا هو الا لتأمين الحماية العسكرية لنهبهم للعالم الثالث، حيث أنهم غير قادرين على تأمين مثل هذه الحماية لأنفسهم . علما أن هناك سببا أقل أهمية و هو عدم السماح بهزيمة الولايات المتحدة على أيدي الشعوب المستضعفة سواء في العراق أو افغانستان او الصومال أو فلسطين... و علينا أن لا ننسى أن سلف ساركوزي ، جاك شيراك كان قد صرح في قمة الخلاف مع الولايات المتحدة أن مايجمعه بأمريكا هو ما نسبته 97% . و بعد أن تعثرت مهمة الولايات المتحدة في دمقرطة العراق و لاحت في الأفق هزيمة الولايات المتحدة ، انبرى شيراك و بصوت عال للقول أنه لن يقبل لا هو و لا العالم الحر بهزيمة الولايات المتحدة . أي على جميع دول الاستكبار التجمع و الاتحاد للانقضاض على الشعوب المستضعفة. قديما قيل ملة الكفر واحدة.
العرب والعولمة تشرين الثاني - نوفمبر 2007
بحث هذه المدونالهجرة النبويةة الإلكترونية
حسن ملاط
- فكر وتربية
- القلمون, طرابلس, Lebanon
- كاتب في الفكر الاجتماعي والسياسي والديني. تربوي ومعد برامج تدريبية ومدرب.
الثلاثاء، 30 سبتمبر 2008
التقوى
التقوى
حسن ملاط (لبنان)
hassanmallat@yahoo.fr
مع إطلالة رمضان لا بد لنا من التحدث في موضوع من وحي هذا الشهر الفضيل. فهذا الشهر يحمل ذكريات وذكريات: يوم الفرقان (يوم بدر)، فتح مكة، تحرير القدس أيام صلاح الدين، الحرب الوحيدة التي حققت فيها الجيوش العربية اختراقا للعدو الصهيوني كانت في رمضان. انه رمضان الخير.
يقول تبارك وتعالى: "كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون". فالصيام إنما للتقوى! سوف يكون حديثنا عن التقوى.
يقول تعالى في محكم آياته: "وتزودوا فان خير الزاد التقوى".
وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأحسن قال: أتقاكم.
التقوى في اللغة كما جاء في "لسان العرب" لابن منظور عن أبي بكر أنها الاسم من فعل توقى أو اتقى والمعنى أنه موق نفسه من العذاب والمعاصي بالعمل الصالح.
أما المدلول الديني للتقوى فمخافة الله وطاعته والعمل لوجهه تبارك وتعالى. أي أن عمل المؤمن لا يكون من أجل منفعة دنيوية يتوخاها في الأصل إنما لمرضاة الله عز وجل. فالمسلم الذي يذهب إلى الحرب للحصول على مغانم لا يكون عمله لإعلاء كلمة الله فلا يؤجر بالتالي على مشاركته في الحرب. وإلا ما الذي دفع مجاهدي المقاومة الإسلامية لمحاربة أعتى قوة في المشرق، أعني الكيان الصهيوني الغاصب، وتحقيق الانتصار تلو الانتصار لولا طمعهم في مرضاة الله وطمعا في جنته. أحبوا الشهادة بحبهم لله. وكذلك يفعل أقرانهم في المقاومة الإسلامية في العراق الذين يقاتلون أشرس وأبغى قوة عرفتها البشرية حتى الآن، غير آبهين بهذا العدو مسطرين أروع ملاحم البطولة ضد هذا العدو الباغي.
ما هو شرط التقوى؟ لا تقوى من دون التوحيد. إن الإيمان بلا اله إلا الله هو الشرط المطلق لوجود التقوى. وهذا الإيمان يكون مطلقا أيضا. بمعنى أن الإنسان الذي يؤمن بالتوحيد يعلم أن الله هو الخالق والعالم والمالك والقدير والرزاق ...الخ
يقول تعالى: "يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله... أي عدم عبادة القوة المادية أو الاقتصادية أو القنبلة الذرية، أو أميركا أو إسرائيل كما يحصل اليوم في ساحتنا اللبنانية حيث نرى البعض ممن ينتمون إلى شعبنا يتبارون في التقرب من مختلف أنواع الأعداء تآمرا على إخوانهم في الدين والوطن. كما ويتبارون أيضا بالتآمر على السلاح الذي حقق الانتصارات المتتالية على العدو الإسرائيلي، مستخدمين أسف أنواع التحريض المذهبي والطائفي، عوض أن تكون المباراة مع هؤلاء المجاهدين في: من بإمكانه أكثر من الآخر تحقيق الانتصارات على هذا العدو الغاصب.
عدم اتخاذ بعضنا بعضا أرباباً من دون الله تعني أيضا عدم طاعة الزعيم كطاعتنا لله أو أشد من ذلك. وعدم خوفنا منه وخشيته أكثر من خشيتنا لله كما جاء في الكتاب الكريم. إن الانقياد وراء الزعماء السياسيين بما لا يرضي الله إنما هو نوع من أنواع الشرك. ومن كان كذلك لا يمكنه أن يكون من المتقين المبشرين بأحسن الثواب من رب العالمين. نعبد الزعيم من أجل حصة غذائية، أو من أجل قطعة سلاح نقتل فيها أبناء جلدتنا وليس أعداء الأمة وأعداء الشعب وأعداء الله. نلتحق بالزعيم كالأنعام يأخذنا حيث يشاء ويقاتل فينا منافسيه من غير أن ندري لماذا نصاحب فلانا أو لماذا نعادي فلانا. يقول تعالى مخاطبا النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم: "وشاورهم في الأمر وإذا عزمت فتوكل على الله". لا زعيم معصوم ولا زعيم يشاور محازبيه. ألله تبارك وتعالى يحترم عباده أما الزعيم فيحتقر عباده ورغم هذا يتبعونه كتلك الأغنام التي تلحق براعيها كيفما ذهب. وقانا الله. إن المتقين هم الذين يعبدون الله وحده لأنه الوحيد أهل للعبادة ولا يشاركه أحد في هذا الأمر:
يحيي ويميت.
والله يرزق من يشاء بغير حساب.
والله يعلم وأنتم لا تعلمون. وعلم آدم الأسماء كلها.
فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير.
والله يؤيد بنصره من يشاء. وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى.
إن الإنسان الذي ينبع إيمانه بالتوحيد مما تقدم من الآيات الكريمة وغيرها الكثير مما يراه ويلمسه يوميا، هذا الإنسان هو الذي يمكنه أن يخاف الله كأنه يراه. هذا الإنسان هو الذي يمكنه أن يجابه الطواغيت من غير وجل ولا فزع. لأن الطواغيت مهما علوا هم لا شيء أمام عظمة الله عز وجل. إن من رأى عظم قوة العدو الإسرائيلي أبان عدوان تموز الأخير يتيقن كل اليقين أن النصر التي حققه مجاهدو المقاومة الإسلامية إنما هو نصر الهي وبكل ما للكلمة من معنى. إنها رمية إلهية رماها هؤلاء المقاومون: وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى.
أما شرطية التوحيد لوجود التقوى فهي ظاهرة وواضحة من الآيات الكريمة التالية:
يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون– الذين آمنوا وكانوا يتقون– وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون. فالتقوى إذن كما ترون تأتي دائما مع الإيمان.
أسباب التقوى:
يقول تبارك وتعالى: "وكان الإنسان أكثر شيء جدلا".
أن الإيمان بالله لا يكون لمصلحة آنية للمؤمن؛ علما أن الله لم يطلب من الإنسان الإيمان هكذا ومن دون تفكر في خلق الله وآياته، لأنه يعلم أن الإنسان أكثر شيء جدلا، فهو خالقه. لذلك يعطي الإنسان أسبابا وعللا لإيمانه، فكيف لتقواه؟ فالتقوى تكون لأسباب أوردها الله عز وجل حتى يفهم الإنسان ويعي وتكون تقواه عن دراية ومعرفة وتدبر. يقول تبارك وتعالى:
واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين.
واتقوا الله واعلموا أن الله شديد العقاب.
واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون.
واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين.
هذه من الأسباب وغيرها الكثير تجعل الإنسان الذي يملك أدنى درجة من الوعي يعلم مدى ضرورة التقوى له حتى يكون أولا من الناجين مما أعد للكافرين ويبشَر بما أعد للمتقين.
آثار التقوى:
للتقوى آثار تظهر عند المتقين. وقد بينها الله في كتابه الكريم سوف نذكر بعضا منها، على سبيل المثال لا الحصر.
الهدى: يقول تعالى: "ألم، ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين". كلام واضح ومنير. الكتاب كتاب الله هدى للمتقين. فالهدى يكون للمتقين لأن التقوى هي أسبق من الهدى. ولا يهتدي إلا المتقون. فالإيمان بوحدانية الخالق أولا والتقوى ثانيا وبعدها الهدى: "هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين". فالبيان للناس جميعا ولكن الهدى والموعظة هي للمتقين فقط.
الفرائض: يمكن لكل إنسان أن يقوم بالفرائض التي أوجبها الله تبارك وتعالى على المسلمين ولكن القيام بالفريضة ليس تقليدا مفروضا ولكنه تقوى. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له" أي أن الفريضة يجب أن تترك آثارها على سلوك المسلم. لذلك نرى القيام بالفرائض مربوطاً بالتقوى:
الصيام: كُتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون.
الزكاة: فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة.
الصلاة: واتقوه وأقيموا الصلاة.
الحج: ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب.
الجهاد: اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون.
السلوك: يقول تبارك وتعالى: "ليس البرَّ أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبّه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا، والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس، أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون".
من هذه الآية الكريمة يظهر بوضوح أثر التقوى على سلوك المؤمن وذلك:
1- الوفاء بالعهد: بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين.
2- الصبر: وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا- من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين.
3- الصدق: فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا.
4- الأمانة: فليؤد الذي اؤتمِن أمانته وليتق الله ربه.
5- الإحسان والعطاء: فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى- للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم- إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون.
6- الإصلاح: وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورا رحيما- فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
7- العمل ومحاسبة النفس: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد.
8- عدم أكل الربا: لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تشكرون.
من الصعب علينا إحصاء جميع آثار التقوى على سلوك الإنسان المؤمن ولكنه لا بأس من الاكتفاء بذكر هذه الصفات عسى أن يجعلنا الله من المتقين.
المقالات تعبر عن آراء كاتبيها
المصدر: مجلة العرب والعولمة
تشرين الأول - اوكتوبر 2007
حسن ملاط (لبنان)
hassanmallat@yahoo.fr
مع إطلالة رمضان لا بد لنا من التحدث في موضوع من وحي هذا الشهر الفضيل. فهذا الشهر يحمل ذكريات وذكريات: يوم الفرقان (يوم بدر)، فتح مكة، تحرير القدس أيام صلاح الدين، الحرب الوحيدة التي حققت فيها الجيوش العربية اختراقا للعدو الصهيوني كانت في رمضان. انه رمضان الخير.
يقول تبارك وتعالى: "كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون". فالصيام إنما للتقوى! سوف يكون حديثنا عن التقوى.
يقول تعالى في محكم آياته: "وتزودوا فان خير الزاد التقوى".
وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأحسن قال: أتقاكم.
التقوى في اللغة كما جاء في "لسان العرب" لابن منظور عن أبي بكر أنها الاسم من فعل توقى أو اتقى والمعنى أنه موق نفسه من العذاب والمعاصي بالعمل الصالح.
أما المدلول الديني للتقوى فمخافة الله وطاعته والعمل لوجهه تبارك وتعالى. أي أن عمل المؤمن لا يكون من أجل منفعة دنيوية يتوخاها في الأصل إنما لمرضاة الله عز وجل. فالمسلم الذي يذهب إلى الحرب للحصول على مغانم لا يكون عمله لإعلاء كلمة الله فلا يؤجر بالتالي على مشاركته في الحرب. وإلا ما الذي دفع مجاهدي المقاومة الإسلامية لمحاربة أعتى قوة في المشرق، أعني الكيان الصهيوني الغاصب، وتحقيق الانتصار تلو الانتصار لولا طمعهم في مرضاة الله وطمعا في جنته. أحبوا الشهادة بحبهم لله. وكذلك يفعل أقرانهم في المقاومة الإسلامية في العراق الذين يقاتلون أشرس وأبغى قوة عرفتها البشرية حتى الآن، غير آبهين بهذا العدو مسطرين أروع ملاحم البطولة ضد هذا العدو الباغي.
ما هو شرط التقوى؟ لا تقوى من دون التوحيد. إن الإيمان بلا اله إلا الله هو الشرط المطلق لوجود التقوى. وهذا الإيمان يكون مطلقا أيضا. بمعنى أن الإنسان الذي يؤمن بالتوحيد يعلم أن الله هو الخالق والعالم والمالك والقدير والرزاق ...الخ
يقول تعالى: "يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله... أي عدم عبادة القوة المادية أو الاقتصادية أو القنبلة الذرية، أو أميركا أو إسرائيل كما يحصل اليوم في ساحتنا اللبنانية حيث نرى البعض ممن ينتمون إلى شعبنا يتبارون في التقرب من مختلف أنواع الأعداء تآمرا على إخوانهم في الدين والوطن. كما ويتبارون أيضا بالتآمر على السلاح الذي حقق الانتصارات المتتالية على العدو الإسرائيلي، مستخدمين أسف أنواع التحريض المذهبي والطائفي، عوض أن تكون المباراة مع هؤلاء المجاهدين في: من بإمكانه أكثر من الآخر تحقيق الانتصارات على هذا العدو الغاصب.
عدم اتخاذ بعضنا بعضا أرباباً من دون الله تعني أيضا عدم طاعة الزعيم كطاعتنا لله أو أشد من ذلك. وعدم خوفنا منه وخشيته أكثر من خشيتنا لله كما جاء في الكتاب الكريم. إن الانقياد وراء الزعماء السياسيين بما لا يرضي الله إنما هو نوع من أنواع الشرك. ومن كان كذلك لا يمكنه أن يكون من المتقين المبشرين بأحسن الثواب من رب العالمين. نعبد الزعيم من أجل حصة غذائية، أو من أجل قطعة سلاح نقتل فيها أبناء جلدتنا وليس أعداء الأمة وأعداء الشعب وأعداء الله. نلتحق بالزعيم كالأنعام يأخذنا حيث يشاء ويقاتل فينا منافسيه من غير أن ندري لماذا نصاحب فلانا أو لماذا نعادي فلانا. يقول تعالى مخاطبا النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم: "وشاورهم في الأمر وإذا عزمت فتوكل على الله". لا زعيم معصوم ولا زعيم يشاور محازبيه. ألله تبارك وتعالى يحترم عباده أما الزعيم فيحتقر عباده ورغم هذا يتبعونه كتلك الأغنام التي تلحق براعيها كيفما ذهب. وقانا الله. إن المتقين هم الذين يعبدون الله وحده لأنه الوحيد أهل للعبادة ولا يشاركه أحد في هذا الأمر:
يحيي ويميت.
والله يرزق من يشاء بغير حساب.
والله يعلم وأنتم لا تعلمون. وعلم آدم الأسماء كلها.
فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير.
والله يؤيد بنصره من يشاء. وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى.
إن الإنسان الذي ينبع إيمانه بالتوحيد مما تقدم من الآيات الكريمة وغيرها الكثير مما يراه ويلمسه يوميا، هذا الإنسان هو الذي يمكنه أن يخاف الله كأنه يراه. هذا الإنسان هو الذي يمكنه أن يجابه الطواغيت من غير وجل ولا فزع. لأن الطواغيت مهما علوا هم لا شيء أمام عظمة الله عز وجل. إن من رأى عظم قوة العدو الإسرائيلي أبان عدوان تموز الأخير يتيقن كل اليقين أن النصر التي حققه مجاهدو المقاومة الإسلامية إنما هو نصر الهي وبكل ما للكلمة من معنى. إنها رمية إلهية رماها هؤلاء المقاومون: وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى.
أما شرطية التوحيد لوجود التقوى فهي ظاهرة وواضحة من الآيات الكريمة التالية:
يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون– الذين آمنوا وكانوا يتقون– وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون. فالتقوى إذن كما ترون تأتي دائما مع الإيمان.
أسباب التقوى:
يقول تبارك وتعالى: "وكان الإنسان أكثر شيء جدلا".
أن الإيمان بالله لا يكون لمصلحة آنية للمؤمن؛ علما أن الله لم يطلب من الإنسان الإيمان هكذا ومن دون تفكر في خلق الله وآياته، لأنه يعلم أن الإنسان أكثر شيء جدلا، فهو خالقه. لذلك يعطي الإنسان أسبابا وعللا لإيمانه، فكيف لتقواه؟ فالتقوى تكون لأسباب أوردها الله عز وجل حتى يفهم الإنسان ويعي وتكون تقواه عن دراية ومعرفة وتدبر. يقول تبارك وتعالى:
واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين.
واتقوا الله واعلموا أن الله شديد العقاب.
واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون.
واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين.
هذه من الأسباب وغيرها الكثير تجعل الإنسان الذي يملك أدنى درجة من الوعي يعلم مدى ضرورة التقوى له حتى يكون أولا من الناجين مما أعد للكافرين ويبشَر بما أعد للمتقين.
آثار التقوى:
للتقوى آثار تظهر عند المتقين. وقد بينها الله في كتابه الكريم سوف نذكر بعضا منها، على سبيل المثال لا الحصر.
الهدى: يقول تعالى: "ألم، ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين". كلام واضح ومنير. الكتاب كتاب الله هدى للمتقين. فالهدى يكون للمتقين لأن التقوى هي أسبق من الهدى. ولا يهتدي إلا المتقون. فالإيمان بوحدانية الخالق أولا والتقوى ثانيا وبعدها الهدى: "هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين". فالبيان للناس جميعا ولكن الهدى والموعظة هي للمتقين فقط.
الفرائض: يمكن لكل إنسان أن يقوم بالفرائض التي أوجبها الله تبارك وتعالى على المسلمين ولكن القيام بالفريضة ليس تقليدا مفروضا ولكنه تقوى. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له" أي أن الفريضة يجب أن تترك آثارها على سلوك المسلم. لذلك نرى القيام بالفرائض مربوطاً بالتقوى:
الصيام: كُتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون.
الزكاة: فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة.
الصلاة: واتقوه وأقيموا الصلاة.
الحج: ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب.
الجهاد: اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون.
السلوك: يقول تبارك وتعالى: "ليس البرَّ أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبّه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا، والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس، أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون".
من هذه الآية الكريمة يظهر بوضوح أثر التقوى على سلوك المؤمن وذلك:
1- الوفاء بالعهد: بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين.
2- الصبر: وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا- من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين.
3- الصدق: فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا.
4- الأمانة: فليؤد الذي اؤتمِن أمانته وليتق الله ربه.
5- الإحسان والعطاء: فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى- للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم- إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون.
6- الإصلاح: وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورا رحيما- فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
7- العمل ومحاسبة النفس: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد.
8- عدم أكل الربا: لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تشكرون.
من الصعب علينا إحصاء جميع آثار التقوى على سلوك الإنسان المؤمن ولكنه لا بأس من الاكتفاء بذكر هذه الصفات عسى أن يجعلنا الله من المتقين.
المقالات تعبر عن آراء كاتبيها
المصدر: مجلة العرب والعولمة
تشرين الأول - اوكتوبر 2007
الاندماج في المجتمعات الغربية
الاندماج في المجتمعات الغربية
مقدمة :
مسألة الاندماج في المجتمعات الغربية ، و نعني اندماج المهاجرين من المستعمرات السابقة في دول المركز، هي مسألة مطروحة منذ بدء حركة الهجرة و لما تنته. كما و يمكننا أن نؤكد أن امكانية حلها صعب جدا. و أهم الأسباب هو أن المجتمعات الغربية لا تريد تقبل اندماج هؤلاء. و قد تحدث الكثير في هذا الموضوع و تمت دراسته من وجهات متعددة ، و رغم ذلك لم نتقدم الى الأمام.
أما الاندماج فهو : سعي المهاجر إلى التأقلم مع المجتمع، الذي يحيا فيه، وذلك دون أن يفقد هويته الخاصة.
رؤى حول المشكلة:
المعلق السياسي بيتر فيليب يرى "بأنه يجب تقليل الخطر (خطر المهاجرين ح.م) بأن تعطى كل الأقليات بما فيها الأقلية المسلمة الشعور بأنها تنتمي إلى المجتمع وبذا تتم مساعده هذه الأقليات وتتم مساعدة المجتمع كافة أيضا". و هذا السياق يدلل بأن السيد فيليب يرى بأن المجتمعات الغربية هي التي تتحمل وزر عدم الاندماج و ليس المهاجرين انفسهم. و هل يمكن أن يتحمل المهاجرون مسؤولية عدم اندماجهم؟ نعم فاليهود هم الذين لا يريدون الاندماج في المجتمعات التي يعيشون فيها ، علما ان هذه المجتمعات لا نقول أنها تتقبل اندماجهم بل يمكننا القول بأنها تريد اندماجهم . فالمطلعون على الفكر السياسي ، يعلمون أن الكثير من المفكرين السياسيين قد تحدثوا عن عنوان هو "المسألة اليهودية"، و طبعا المسألة اليهودية في المجتمعات الغربية (أوروبا الشرقية و الغربية). و منهم على سبيل المثال لا الحصر :" قبل ظهور الفكر الصهيوني الذي تمثل في تأسيس الحركة الصهيوينة، كانت هناك كتابات وضعت حلولاً للمشكلة، فمن الكتاب الذين كتبوا حول المسألة اليهودية: كارل ماركس، جان بول سارتر، سيجموند فرويد، مارتن بوبر، ويل ديورانت، تشمبر لين، فيودور دوستويفسكي، فمنهم من رأى الحل في تخلي اليهودي عن ديانته واعتناق المسيحية وأديان الشعوب التي يحيون بينها، وآخرون رأوا أن الاندماج في المجتمعات القائمة هو الحل، وغيرهم رأوا أن المشكلة لها جوانب اقتصادية واجتماعية ونفسية وطبقية". (المسـألة اليهودية والحل الصهيوني : ناهض زقوت).
و المسألة المطروحة كانت : عدم تقبل اليهود الاندماج في هذه المجتمعات!!
نابليون بونابارت حاول حل هذه المسألة (المسألة اليهودية) بأن توصل الى عقد مع اليهود في سنة 1807 اذ جمع في بلدية باريس المؤسسة الدينية ليهود فرنسا السانهدرين Sanhedrin لتحويل يهود فرنسا إلى "مواطنين صالحين"، وذلك عبر تكييف أحكام الشريعة اليهودية مع القيم الفرنسية العلمانية، ليصبح اليهود جزءًا من الأمة الفرنسية بعد أن كانوا في العهد البائد مجموعة دينية منطوية على نفسها. ردّ السانهدرين بالإيجاب على مطلب نابليون وقامت سنة 1808 مؤسسة الكونسيستوار (الجالية في consistoire) وأعلنت أنّ المظاهر السياسية للتوراة لم تعد صالحة (valides)، لأنّ اليهود لم يعودوا يشكلون أمة (nation). لذلك تمّ التخلّي عن كل شكل من الاستقلال الشرعي اليهودي.(العفيف الأخضر).
و من الجدير ذكره أن ماركس و الآخرين قد أصدروا كتبهم عن "المسألة اليهودية" بعد هذا التاريخ بكثير و هذا دليل أن هذا الاتفاق لم يدفع اليهود الى القبول بالاندماج في المجتمع الفرنسي.
و لكن بعد تأسيس دولة اسرائيل على حساب الشعب العربي الفلسطيني الذي طرد من أرضه بفضل الديموقراطية الغربية ( التي تساعد اللبنانيين على الخروج من أزمتهم في هذه الأيام !!) ، و بعد أن تبين لليهود أن تأسيس دولة اسرائيل لم يكن الترياق الذي يوصل الى السعادة ، أعادوا النظر في مسألة اندماجهم في المجتمعات التي يعيشون فيها . فمنهم الآن من يعيش في هذه المجتمعات كمواطن عادي لأنه تقبل العيش في هذا المجتمع( ليس كما المواطن العربي أو المسلم أو الأفريقي يمنع من الاندماج في هذه المجتمعات).
في حوار مع القسم العربي بموقع دويتشه فيلّه أكد الدكتور ديتر جراومان، عضو رئاسة المجلس الأعلى لليهود في ألمانيا، على أهمية تأقلم المهاجرين المقيمين في ألمانيا مع المجتمع، لكن دون فقدان هويتهم الخاصة. "لا أحد من المهاجرين سيصبح مواطناً ألمانياً بصورة أفضل عندما ينسى هويته اليهودية. ولا غرو أن الإقرار بالهوية الخاصة والحفاظ عليها لا يتعارض بأى حال من الأحوال مع كون المرء مواطناً ألمانياً مقدراً لواجباته. هذا الأمر لا ينطبق على المهاجرين اليهود فحسب، وإنما ينطبق على كافة المهاجرين المقيمين في ألمانيا (هذا ليس صحيحا. ح.م).الدين بحد ذاته لا يشكل عائقاً أمام اندماج المهاجرين في المجتمع الألماني (على أن لا يكون الاسلام ح.م) ، كما أنه لا يساعد على الاندماج.لا أريد أن ألقن أحداً درساً ولكن اليهود في ألمانيا لديهم تجربة على هذا الصعيد تتلخص في أنه من المفيد ألا نشتت قوانا وأن نوحد صفوفنا. من يوحد صوته وقواه يؤخذ مأخذ الجد ويحظى بثقل سياسي،( و هذا ما يسمى اللوبي الصهيوني. ح.م) على عكس ما هو عليه الحال عندما تقوم عدة منظمات متفرقة بتمثيل مجموعة واحدة من المهاجرين. المحافظة على وحدة الموقف السياسي لا تعدو أمراً سهلاً بالنسبة لنا دائماً، لذالك فإننا نبذل باستمرار قصارى الجهد للحفاظ على وحدة الصف".
هذا من حيث عدم تقبل المهاجر للاندماج، أما القضية التي نناقشها فهي خلاف ذلك : عدم قبول المجتمعات بالوافدين اليهم رغم حاجتهم الماسة لهم.
المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث المنعقد في مدينة سراييفو / البوسنة والهرسك ناقش عملية الاندماج الى جانب مسائل أخرى تهم المهاجرين المسلمين و أهل البلاد من المسلمين الذين يصيبهم بعض شظايا التمييز.
في الفترة من: 28 ربيع الآخر – 2 جمادى الأولى 1428هـ الموافق لـ 15-19 أيار (مايو) 2007 ربيع الآخر – 2 جمادى الأولى 1428هـ
ناقش المؤتمر ما يلي:
المحور الأول: الإطار الشرعي للمواطنة والاندماج.
واستعرض فيه البحثان التاليان:
- 1 – الإطار العقدي والمقاصدي للمواطنة والاندماج. للدكتور يوسف القرضاوي.
- 2 – الولاء بين الدين والمواطنة. للشيخ عبدالله بن بية.
وانتهت خلاصة البحثين إلى أن مواطنة المسلمين في المجتمع الأوروبي واندماجَهم فيه أمر مشروع من حيث المبدأ، تسعه مقاصد هذا الدين، إذ هذه المواطنة تمثل جسراً بين العالم الأوروبي والعالم الإسلامي مما يعود على العلاقة بين الطرفين بالخير. ولا يتعارض اندماج المسلمين مع مبدأ الولاء والبراء، فهذا إذا ما أعيد إلى معناه الأصلي الذي دلت عليه نصوص الكتاب والسنة فإنه لا يكون معارِضاً لمواطنة المسلمين وتفاعلهم مع المجتمع الأوروبي.
وقد أكدت المناقشات والتعقيبات على أن اندماج المسلمين ينبغي أن يكون اندماجاً فاعلاً، يقدمون لمجتمعهم الخير المادي والمعنوي، ولكن سُجلت مداخلاتٌ كثيرة تُظهر قصور المسلمين إلى حد الآن في هذا الشأن، وغفلتهم عن هذا الهدف الذي هو أحد المداخل المهمة للاندماج.
المواطنة ومقتضياتها:
تم استعراض ومناقشة عدد من البحوث العلمية في قضية المواطنة، وحيث إن المجلس قد أصدر قراراً سابقاً (قرار 3/16)، فإنه خلص إلى توكيده، مع إضافة ما يلي:
الصواب صحة المواطنة في غير ديار الإسلام سواءٌ للمسلم الأصلي أم المتجنس، وأدلة المانعين إما صحيحة لا تدل على المنع أو أحاديث غير صحيحة لا يعتد بها في الاستدلال الفقهي.
ورأى أن المواطنة لا تخالف الولاء الشرعي، إذ لا يلزم من وجود المسلم في غير ديار الإسلام الالتزام بما يخالف دينه من مقتضيات المواطنة، كالدفاع عنها إذا اعتدي عليها، والأصل أن يكون المسلمون في مقدمة من يدفع الضرر عن بلده (الأصلي أو الذي يعيش فيه ، و هذا ما يقتضيه السياق ح.م)، كما لا يحل له (للمسلم) أن يشارك في أي اعتداء تقوم به بلده على أي بلد آخر سواء كان إسلامياً أم لا.
ومن واجبات المواطنة التعايش واحترام الآخر، والتزام القيم الأخلاقية كالعدالة والتعاون على الخير، والنصح من خلال القوانين السائدة لإصلاح ما يضر البلاد أو العباد.
قرار 2/17
تحديد مفهوم الاندماج ومقتضياته
مما تحصَّل من الأبحاث والمناقشات التي تناولت موضوعات الدورة، قرر المجلس ما يلي:
إن سياسات "الاندماج" المتبعة في الدول الأوروبية تتراوح بين اتجاهين:
اتجاه يغلّب جانب الانصهار في المجتمع ولو أدّى ذلك إلى التخلي عن الخصوصيات الدينية والثقافية للفئات المندمجة.
واتجاه آخر يرى ضرورة الموازنة بين مقتضيات الاندماج ومقتضيات الحفاظ على الخصوصيات الثقافية والدينية.
ويرى المجلس أن الاتجاه الثاني هو الذي يعبّر عن الاندماج الإيجابي، الذي يجب أن تحدد مقتضياته بوضوح: أن مقتضيات اندماج المسلمين في المجتمعات الأوروبية مسؤولية مشتركة بين المسلمين أفراداً ومؤسسات من جانب، وبقية المجتمع الأوروبي أفراداً ومؤسسات من جانب آخر. وإن من أهم مقتضيات الاندماج التي تُطلب من المسلمين، التي لا حرج فيها عليهم، بل إن الإسلام يحث عليها، ما يلي:
أ - ضرورة معرفة لغة المجتمع الأوروبي وأعرافه ونظمه، والالتزام تبعاً لذلك بالقوانين العامة، في ضوء قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) [المائدة: 1
ب - المشاركة في شؤون المجتمع والحرص على خدمة الصالح العام، عملا بالتوجيه القرآني: (وافعلوا الخير لعلكم تفلحون)[الحج: 77].
ج - العمل على الخروج من وضع البطالة؛ ليكون المسلم فاعلاً منتجاً يكفي نفسه وينفع غيره، عملاً بالهدي النبوي الشريف: "اليد العليا خير من اليد السفلى، فاليد العليا هي المنفقة، واليد السفلى هي السائلة" (متفق عليه من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما).
وإن من أهم مقتضيات الاندماج التي نرجو أن يحققها المجتمع:
أ - العمل على إقامة العدل وتحقيق المساواة بين جميع المواطنين في سائر الحقوق والواجبات، وبالخصوص حماية حرية التعبير والممارسة الدينية، وكفالة الحقوق الاجتماعية وعلى رأسها حق العمل وضمان تكافؤ الفرص.
ب - مقاومة مظاهر العنصرية والحدّ من العوامل المغذية لمعاداة الإسلام، وخصوصاً في مجال الإعلام.
ج - تشجيع مبادرات التعارف الديني والثقافي بين المسلمين وغيرهم بما يحقق التفاعل بين أبناء المجتمع الواحد.
ولتحقيق الاندماج الإيجابي المتوازن:
ـ يدعو المجلس المسلمين إلى العمل على حفظ شخصيتهم الإسلامية دون انغلاق وانعزال أو تحلل وذوبان في المجتمع، وإلى إقامة المؤسسات الدعوية والتربوية والاجتماعية اللازمة لذلك.
ـ ويدعو المجتمعات الأوروبية، وخصوصاً الهيئات المعنية بقضية الاندماج، إلى الانفتاح على المسلمين والتواصل مع المؤسسات الإسلامية، كالمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، لدراسة مقتضيات الاندماج وتيسير السبل المحققة له، بما يفيد المجتمع ويدعم استقراره وازدهاره، وبما يمكّن المسلمين من الحفاظ على هويتهم الإسلامية الأوروبية. انتهى.
لا أعلم ان كان من الضروري أن أضيف أن جميع هذه التوجيهات ، بالرغم من أهميتها و وجاهتها ، لم تساعد أهل البلاد على تقبل الوافدين اليهم .
و قد دخل فوكوياما على خط الحديث عن الاندماج و دراسة الظاهرة : "كما عبَّر فوكوياما عن اعتقاده بأن الفرضية التي تقوم عليها الحرب الأمريكية على الإرهاب والتي تسعى لنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط للقضاء على الإرهاب هي فرضية خاطئة، حيث رأى فوكوياما أن مرتكبي أحداث الحادي عشر من سبتمبر وهجمات مدريد ولندن هم بالأساس مجموعة من الأفراد الذين عانوا الاغتراب داخل المجتمعات الأوروبية والغربية بسبب صدمتهم مع الحداثة التي تعيشها تلك المجتمعات. لذا أكد فوكوياما في مقاله - المنشور بعد أبريل 2006 من دورية جرنال الديمقراطية - أن الإسراع بعجلة الديمقراطية والحداثة بالمجتمعات المسلمة التقليدية سوف يزيد من شعور الجماعات المسلمة المتشددة بالاغتراب مما قد يدفعها لاتجاه أكثر تشدداً. في المقابل رأى فوكوياما أن الأجدر بالدول الغربية التركيز على دمج الأقليات المسلمة التي تعيش على أراضيها كأسلوب أفضل في مكافحة الإرهاب، كما رأى فوكوياما أن أوروبا هي الموقع الحقيقي للحرب على الإرهاب وليس الشرق الأوسط أو المجتمعات المسلمة التقليدية. ويقول فوكوياما أن النموذج الأمريكي يقوم على ثلاث خصائص أساسية هامة ومفيدة أولها الفصل الكامل للدين عن الدولة وعدم إعطاء أية مزايا سياسية لدين بعينه أو لمجموعة دينية معينة، وهنا يرى فوكوياما أن فصل الدين عن الدولة بالصورة الأمريكية يساوي بين الأديان كما أنه يقضي على مصادر خلافات دينية سياسية عديدة. الدعامة الثانية هي طبيعة الهوية الأمريكية المفتوحة وقوة المشاعر الوطنية الأمريكية، ويقول فوكوياما بأن الأمريكيين يتميزون بالفخر بهويتهم الوطنية وبالاحتفال بها بشكل متكرر في الوقت الذي تعتبر فيه الهوية الأمريكية هوية مفتوحة لا ترتبط بخلفية إثنية أو عرقية معينة فأي مهاجر يمكنه أن يصبح مواطناً أمريكياً، كما أن احتفال الأمريكيين بهويتهم الوطنية يقلل من فرص الجماعات اليمينية المتشددة في مهاجمة الأقليات بحكم أن الحوار حول الهوية الأمريكية حوار مفتوح وثري وقابل للخلاف السياسي بين اليسار واليمين. في المقابل تعاني المجتمعات الأوروبية من أزمة في التعامل مع هوياتها الوطنية فقد أقنعت ويلات الحرب العالمية الثانية تلك المجتمعات بضرورة التخفيف من نعراتها القومية والذوبان في هويات إنسانية عالمية مختلفة، في المقابل أثبت الواقع الراهن - كما يرى فوكوياما - أن المجتمعات الغربية فشلت في إذابة هوياتها الوطنية والتي ما زالت قائمة خاصة مع صعود حركات اليمين الراديكالي وانتشارها في أوروبا. أما الدعامة الإيجابية الثالثة لأسلوب الاندماج الأمريكي - كما يراه ويروج له فوكوياما - فهي الحد من المساعدات الاجتماعية والاقتصادية التي تقدمها الدولة لمواطنيها وللمهاجرين الجدد ضمن ما يُعرف ببرامج الرفاهية، حيث يرى فوكوياما أن تبني الدول الأوروبية لبرامج رفاهية يضعف من قدرتها على دمج الأقليات الجديدة لأن برامج الرفاهية تسمح للمهاجرين الجدد بالحصول على مساعدات من الدولة في حالة البطالة مما يضعف من رغبة هؤلاء المهاجرين في التنافس في سوق العمل القاسي ويدفعهم إلى التقوقع على أنفسهم مما يجعلهم فريسة لمشاعر الاغتراب عن المجتمعات التي يعيشون فيها. في المقابل يرى فوكوياما أن النظام الرأسمالي الأمريكي والذي تنخفض فيه مساعدات الدولة للمواطنين بشكل كبير خاصة إذا قورن بأوروبا يدفع المهاجرين الجدد إلى الانخراط الدائم في سوق العمل مما يساعدهم على الانخراط في المجتمع كما يساعدهم على الشعور بالعديد من المشاعر الإيجابية بحكم قدرتهم على العمل والإنتاج والاكتفاء الذاتي، وبذلك يصبح العمل أداة رئيسية في يد بوتقة الصهر الأمريكية، وهي أداة ينصح فوكوياما الأوروبيين بتبنيها". واشنطن - مكتب «الرياض ."
هذا الرأي لفوكوياما يعتبر ايجابيا بالنسبة لاندماج المهاجرين و لا يحمل ضغينة أو تمييزا يؤدي الى استبعادهم في المجتمعات التي يعيشون فيها . كما و أن توصيفه للمجتمعات الأوروبية فيه الكثير من الواقعية و الصحة.
أما العفيف الأخضر فهو يسير في منحى لم يرتاده غيره . فصاحبنا ملكي أكثر من الملك و هو أيضا مواطن كوني يعيش في "لامجتمع" أعني مجتمع لا يحمل أية صفة من صفات المجتمعات الواقعية الموجودة على الأرض. فلنقرأ هذه المداخلة و لنعجب:
... في الواقع لا توجد إلى اليوم إلا حضارة واحدة عالمية لكن توجد ثقافات عدة لا تستطيع أن تكون مقبولة إلا إذا كيفت تقاليدها البربرية (يقصد الاسلام ح.م) أحياناً مع قيم حقوق الإنسان.
الاتجاه المعادي للاندماج يستمد قوته من أربعة عوامل أساسية:
1- من كون الخطاب الديني أي خطب الجمعة، الوعظ والتعليم الإسلامي الخاص والإعلام... محتكراً من أنصار هذا الاتجاه
2 - العامل الثاني البترودولارات التي تتدفق على أنصار الاتجاه المعادي للاندماج لتكون له صحافة خاصة به، وليترجم كتب القرضاوي ( القرضاوي غير مقبول حاليا ممن يدعون "متشددون". ح.م) إلى اللغات الأوروبية، وليكون دعاة يرسلهم إلى الضواحي وجميع المدن الفرنسية لحشو أمخاخ مسلمي أوربا بدعايته المضادة للاندماج والمحرضة على انتهاك قيم حقوق الإنسان...( مر معنا رأي القرضاوي في الاندماج ح.م)
3- العامل الثالث تنظيم المسلمين في أوربا وخاصة في فرنسا يحابي الاتجاه المضاد لاندماج الإسلام الأوروبي في المجتمعات الأوروبية على حساب الاتجاه المطالب باندماجهم.
4- العامل الرابع فقه الولاء والبراء أي الولاء حصراً للمؤمنين والبراء الكامل من الكفار.( مر معنا أيضا رأي المجمع الفقهي من هذه المسألة ح.م)
صعوبة اندماج المسلمين في المجتمعات غير المسلمة سببه ثقافة الكراهية هذه التي رضعوها في التعليم والإعلام في بلدانهم: من هنا ضرورة وقف تكوين الكادر الديني الإسلامي الأوربي بهذا الفقه الانطوائي (autiste) والعنصري جدير بالأقليات المسلمة الفرنسية تقليد السانهدرين.
لا يمكنني التأكيد أو النفي ان كان هذا اللامنتمي قد أصبح مقبولا من المجتمعات الغربية أم لا؟ علما أن ما يطرحه هذا العفيف الأخضر هو قطعا ما يريده الأوروبيون من المهاجرين المسلمين : قوة عملهم و تنكرهم لقيمهم. و لكنه ليت أنه قرأ رأي الدكتور ديتر جراومان المسؤول اليهودي الألماني بالاندماج.
أما جمال البنا فقد حاول ان يقارب الموضوع و لكن بصيغة مختلفة عن مقاربة العفيف الأخضر. و لكنها مقاربة ، أزعم أنها لا تلبي طموحات الأوروبيين و ممجوجة من أكثرية المسلمين.
"وقضية الهوية من أعقد المشكلات الحضارية التي يتعرض لها المجتمع الإسلامي المعاصر، نتيجة لأن ثقافته، وأصوله، ومثالياته.. وآماله كلها ترتبط بالماضي المجيد، بينما يثير الحاضر في وجهه مشكلات معقدة كما يعرض رؤى ساحرة لها جاذبيتها، ولكنها لا تتفق – إن لم تكن تتعارض- مع مثله، ومن هنا يأتي التمزق والحيرة ما بين الشرق وماضيه.. وما بين الغرب وحاضره"..
"على أن هذه المشكلة إذا كانت تمثل تحدياً من أكبر التحديات بالنسبة للمجتمعات الإسلامية، فإنها بالنسبة للأقليات الإسلامية في أوروبا وأمريكا تمثل أعظم التحديات قاطبة، وفى نظرنا أن المسلكين خاطئان.. فالمسلك الأول يقضى على الشخصية الخاصة للمغترب طالباً أو عاملاً دون أن يكسب – ضرورة – الشخصية الأوروبية الأمريكية – ويغلب دائماً أن يستشعر نوعاً من النقص إزاء المجتمع الجديد الذي لم يبح له بكل أسراره ولم يفتح له كل أبوابه واعتبره رغم استعداده للذوبان دخيلاً. كما أن الرفض والتقوقع لن يمكن صاحبه من أن يفيد مما يقدمه المجتمع من مزايا وفرص وسيعسر عليه أن يحقق تماماً ما جاء من أجله دراسة أو تجارة أو مهنة".
"الموقف السليم، وهو صعب وشائك وحساس، لا يمكن التوصل إليه بالتلقائية أو العشوائية أو الهوى أو حتى الاجتهاد الفردي. فهو مرتبط بعوامل موضوعية قدر ما هو مرتبط بنزعات ذاتية، وهناك عدد من المبادئ والأصول تحكمه وتحدده وتقيمه على أساس "أيدلوجي" أو على الأقل "مبدئي" بعيدا عن الهوى والعواطف"،
أولاً: أن المسلم "النمطي" بريء من عقدة النقص أو نزعة الاستعلاء..
ثانيا- يرتبط بالصفتين السابقتين وينشأ عنهما أن أصبح للإسلام طبيعة موضوعية وليست ذاتية.. بحيث تكون" الحكمة ضالة المؤمن ينشدها أنَّا وجدها"،
ثالثاً: إن الإسلام ليس عبادات فحسب"...
"إن العبادة ليست إلا مكونا واحدا من مكونات الإسلام.. ومن المكونات الأخرى العمل وما يرتبط بالعمل من صلة بالمجتمع أو علاقات بين الناس من وفاء بالالتزامات وصدق في المعاملات وإحسان في الأداء، ومن مكونات الإسلام الشريعة وكل ما يدخل في عالم السياسة والاقتصاد والقانون وإتاحة الحرية والطمأنينة للناس وتحقيق العدالة الخ...
1 - . قضية الزي: ليس الزي جزءً من العقيدة".
"... وبالنسبة للمرأة المسلمة فالمفروض أن تلتزم بآداب الحشمة الإسلامية وهذا لا يعنى ضرورة التمسك بالحجاب المألوف وإذا أرادت أن تستر شعرها فيمكن أن ترتدي قبعة تحقق المطلوب. ويجب أن نتذكر أنه قد كان من أسباب الحجاب "ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين" وهذه الحكمة نفسها تُملي صرف النظر عن الحجاب التقليدي حتى لا يؤذين، المهم أن لا يكون هناك تبذل أو تبرج "الجاهلية الأولى".
2. الأكل والشرب: يحرم الإسلام كما هو معروف – لحم الخنزير كما يحرم شرب الخمر وليس هناك صعوبة في اجتنابهما تماما وسيمكن للطالب المغترب أن يلم بالأطعمة التي يدخلها لحم أو شحم الخنزير فيتجنبها.
3. الحياة الاجتماعية والعلاقة بالمرأة: إن دخول المرأة في المجتمع الأوروبي بالصورة التي نعرفها قد يوجد حرجا شديدا للطالب المغترب في حالات عديدة، فقد يدعى إلى حفلات راقصة تعقدها اتحادات الطلبة وغيرها في مختلف المناسبات ويصعب على الطالب المغترب مقاطعتها لأن ذلك يمكن أن يمس وضعه فى الجامعة أو يعطى انطباعا معينا عنه. والأمر في الحقيقة يتطلب قدراً من الكياسة فيمكن الاعتذار
4. العلاقات الجنسية: هذه هي أشد القضايا حرجا وإرهاقا للطالب المغترب وقد يرى فيها تحديا يكون عليه أن ينتصر بإيمانه عليه فيسمو بغرائزه ويوجهها نحو مختلف المجالات السليمة. ولكن هذا إن صدق بالنسبة لواحد فإنه يصعب بالنسبة للآخرين لأن الغريزة غلابة والطالب المغترب والعامل المهاجر قد يقضى في دار غربته بضع سنوات في ريعان الشباب ووسط المغريات ولن يكون مفر من إقامة علاقات جنسية. وقد وضع الإسلام الحل لهذه القضية ولكن المسلمين لا يريدون الإفادة من الرخصة التي قررها ومن الحل الذي وضعه الرسول وفرضوا على أنفسهم العنت الذي رفضه الرسول "لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم". وهذا الحل هو ما يطلق عليه الفقهاء "نكاح المتعة" وكلمة المتعة في حد ذاتها توضح لنا كيف تجرد المسلمون الأول من "العقد" التي استبعدت ألفاظ المتعة والاستمتاع والتمتع كما لو كانت خروجا على سمت الإسلام وما ينبغي له من حفاظ، والله تعالى أعلم من المؤمنين بأنفسهم وهو يعلم من الناس ما يخفون وهو أقرب إليهم من حبل الوريد. وقد رخص الرسول بهذا النوع من الزواج المحدد المدة وجعل أحكامه كأحكام الزواج باستثناء المدة وقيل إن الرسول نهى عنه بعد ذلك ولكن المسلمين ظلوا يمارسونه طوال خلافة أبى بكر وجزءا من خلافة عمر حتى نهى عنه عمر وحرّمه. وتحريم عمر يفهم منه بوضوح أنه هو الذي حرمه وليس الرسول ولو كان نهي عمر مبنيا على نهى الرسول لما احتاج إلى أن ينهى هو ولأحال الأمر على نهى الرسول فهو أولى. ويكاد يكون من المحقق أن عمر رضى الله عنه خشي إساءة استخدام الناس لهذه الرخصة فبادر بسد بابها وكان مصيبا في اجتهاده هذا. ولكن التحليل والتحريم مردهما إلى الله تعالى وليس إلى أحد من البشر وتحريم عمر لها لا يعنى استمرار تحريمها إذا جدت الأسباب التي من أجلها رخص الشارع فيها. وهو ما نعتقد أنه ينطبق على الحالة التي نحن بصددها، حالة المغتربين.
(ملاحظة: ان المؤتمر الاسلامي الذي عقد في سراييفو قد أفتى بما يسمى " الزواج بنية الطلاق" ( زواج المتعة) بما يلي : فتوى 7/17
الزواج بنية الطلاق
"كما أن هذا الزواج يقع خارج إطار المشروعية القانونية، في دوائر التوثيق المدني، وفي إطار المراكز الشرعية التي تقوم بالتأكد من انطباق الأركان والشروط المتعلقة به، وقد سبق للمجلس أن قرر في الدورة الخامسة عشرة ضرورة التزام المسلمين بتوثيق عقود الزواج في الدوائر المدنية مع إجرائه في المراكز الإسلامية حفظاً للحقوق المتعلقة بالزوجين والأولاد"). ( هذه الملاحظة لنا. ح.م )
يضيف جمال البنا : "إن الأخذ بفكرة الاندماج يجب أن يكون عن طريق "استراتيجية" بعيدة المدى لها أهداف قد لا تتم إلا في المستقبل البعيد وبعد عدة أجيال".
"إن الاندماج في المجتمع الأوروبي – الأمريكي قد يتطلب الأخذ بمعظم مظاهر الحياة الاجتماعية والاقتصادية، ولكنه لا يتطلب – ضرورة – الأخذ بها كلها.
1. البعد عن المحرمات صراحة كشرب الخمر واكل لحم الخنزير والزنا.
2. ممارسة الصلاة وصيام رمضان
3. الحفاظ على اللغة العربية بأن يتحدث بها الأب فى المنزل مع الأبناء ويعلمهم إياها من الصغر ولا يهمل هذا الواجب فإنه سيكون الرباط بينهم وبين عالم الإسلام بحيث يمكن للأبناء أن يتحدثوا ويقرأوا ويكتبوا العربية.
4. يجب أن توجد تجمعات وتكتلات وتنظيمات تضم شمل الجالية الإسلامية وتعنى بمشاكلها وتساعدها للتغلب عليها وتطمئن على مُضى الاستراتيجية الموضوعة".
* فصل من كتاب "مسؤولية فشل الدولة الإسلامية في العصر الحديث وبحوث أخرى". وفي هذا الفصل يوصي جمال البنّا بإمكانية أن ترتدي المرأة المسلمة القبّعة في الغرب، وبإمكانية زواج المتعة، الذي قال عنه الإمام علي: لولا أن عمر حرّم نكاح المتعة لما زنا إلا شقي. ويبدو أن هذين الموضوعين هما ما دفع الأزهر لمصادرة كتاب البنّا.
جمال البنا - jamala55@hotmail.comالحوار المتمدن - العدد: 1765 - 2006 / 12 / 15
و هذه مداخلة أخرى فيها توصيف للواقع القائم في المجتمعات الأوروبية.
في أوروبا 16 مليون مسلم.. وهم غير مندمجين تماماً في المجتمعات الأوروبية.. ليس لأنهم لا يرغبون في الاندماج ولكن لأن هذه المجتمعات ترفض استيعابهم والاعتراف بأنهم جزء لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي.
يقول سايمون كيوبر ان هذا الاستعداد يحبط رفضا اجتماعيا من خلال تعامل تمييزي ضد شباب المهاجرين يمارسه المجتمع الأوروبي بتشجيع ضمني غير مباشر وغير معلن من أجهزة الدولة، فبعد 50 عاماً من هجرة الجيل الأول وحتى اليوم تبقى معدلات البطالة بين الشباب المسلمين عالية جداً رغم انهم مواطنون بحكم القانون، فالمؤسسات الإنتاجية والخدمية سواء في القطاع العام أو القطاع الخاص تمارس تحايلاً على القانون بشتى الوسائل لحرمانهم من التوظيف.
هستيريا «الحرب على الإرهاب» التي انطلقت بعد «أحداث سبتمبر» في الولايات المتحدة عام 2001 شحنت المشاعر الأوروبية ضد الأقليات المسلمة.. لكن التمييز ضد المسلمين المهاجرين سابق على هذه الأحداث بعشرات السنين،... احمد عمرابي عن صحيفة البيان الاماراتية6/10/2007.
أما الآن فسوف نقرأ مقاربة مسيحية للاندماج في المجتمعات الأوروبية: نحو مستقبل مشترك
بين المسلمين والمسيحيين
د.عادل تيودور خورى
أستاذ بكلية اللاهوت الكاثوليكية بجامعة مونستر
مدير معهد علوم الأديان المقارنة بألمانيا
كتب البابا بولس السادس سنة 1972 بمناسبة عيد الفطر إلى الأمة الإسلامية " ولماذا لا نقوم بتوسيع هذا اللقاء (بين المسيحيين والمسلمين)؟ فإن الغرض منه أن نقدم أمام وعى الناس بطريقة أشد شهادتنا للعدل والاحترام والمحبة… وبما أننا مشتركون فى الإيمان بالله الواحد، فعلينا أن ندعوه لكي يقربنا بعضنا إلى بعض كل يوم أكثر، حتى نستطيع، كل على طريقته، أن نعمل معا في سبيل حقيقة أسمى، وفى سبيل العدل والسلام في العالم. "(6).
. وإن المؤتمر الثاني المسيحي الإسلامي الدولي الذي عقد في فيينا من 14 إلى 16 أيار/ مايو 1997 قد اتخذ قرارا بهذا الصدد عن اقتراح قدمه الزميل الأستاذ الدكتور على مراد، أستاذ الإسلاميات في جامعة السربون في باريس. وينص القرار على ما يلي:
" إننا نؤيد عقد معاهدة صداقة بين المسيحيين والمسلمين على أساس الأهداف التالية:
بالنظر إلى عبء تاريخنا المشترك، نعلن رغبتنا وجهدنا في وضع حد نهائي لاتهاماتنا المتبادلة وفى التغلب على أخطائنا ومظالمنا بالغفران والتصالح المتبادلين.
إننا لا نتنكر لهذا التاريخ بل نقابله جاهدين في استنباط عبره وتخطى نقائصه. إننا نريد أن نبحث معا عن الطرق المؤدية إلى تسوية الخلافات بالوسائل السليمة وإلى تنحية أسبابها والحد من مظاهر التوتر المختلفة.
أما بالنسبة إلى الحاضر والمستقبل، فإننا نريد أن نعمل معا على أن نسهم إسهاما مشتركا في بناء حاضر أكثر إنسانية ونعد للأجيال المقبلة عالما يستطيع فيه المسلمون والمسيحيون أن يقيموا علاقة شراكة ويشدوا أواصر الصداقة فيما بينهم.
إن معاهدة الصداقة هذه نعيها كانفتاح عريض على الكل وكدعوة موجهة إلى الجميع."
إن مثل هذا القرار لمن دواعى الأمل بالنظر إلى مستقبل العلاقات بين المسلمين والمسيحيين.
ا- أسئلة موجهة إلى المجتمع الأوروبى
إن هناك أولا قضية مبدئية تتعلق بإرادة البلدان الأوروبية استقبال المسلمين القادمين من أقطار مختلفة وتسهيل إقامتهم فى ربوع أوروبا والعمل على صهرهم فى المجتمع الأوروبى صهرا لا يلاشى ذاتيتهم ولا يجعل منهم من بعد أجانب قابعين فى زواياهم يتنكرون للمجتمع المضيف وأنظمته وثقافته وأساليب حياته. وينجم عن هذا الوضع السؤال عن الوسائل الناجعة للوصول إلى هذه الغاية. فإن المجتمع الأوروبى والمسلمين الذى قدموا إلى أوروبا لم يعوا فى الوقت المناسب خطورة هذه القضية ولم يستعدوا الاستعداد الملائم للعمل على إيجاد حل موافق يتنبه إلى جميع أبعاد القضية.
وهناك أسئلة أخرى جذرية يجب التعرض لها بإمعان، ويمكن التعبيرعنها بالكلمات التالية:
- كم يستطيع مجتمع ما، والمعنى هنا هو المجتمع الأوروبى والغربى، أن يتحمل ويستسيغ من الاختلاف والخلاف فى إطار نظامه وبمقتضى وعيه لأسس ذاته الخاصة؟
- ما مبلغ التوافق (وينبغى أن يتم الاتفاق على ذلك) اللازم لكى نبلغ إلى مجاورة سلمية ايجابية للأنظمة المختلفة؟
- ما مبلغ التوافق الممكن نظريا والممكن البلوغ إليه عمليا لننتقل من مجاراة الأنظمة ومجاورتها إلى مرحلة التعاون فيما بينها؟.
2- أسئلة موجهة إلى المسلمين فى المجتمع الأوروبى والغربى
- إن السؤال الأول، وهناك حاجة ملحة للأجابة عنه إجابة صريحة، هو هل يحق للمسلم وهل يمكنه، دون أن يفقد ذاتيته الإسلامية، أن يعيش فى بلد ديمقراطى قانونه ليس الشريعة الإسلامية، ولكنه يضمن لجميع المواطنين صيانة حياتهم ومالهم وحرية دينهم عقيدة وعبادات، كما هو الحال فى بلدان أوروبا والغرب؟
- والسؤال الثانى هو هل يرغب المسلمون فى الاندماج بالمجتمع الأوروبى والغربى، علماً بأن هذا المجتمع يحترم دينهم كما ورد فى المقطع السابق؟
هل هم مستعدون أن يشجعوا أولادهم على سلوك هذا الطريق لكى لا يبقوا غرباء فى الأوطان التى نزحوا إليها قابعين فى زاويتهم دون الاشتراك مع مواطنيهم فى ميادين الثقافة والحضارة؟ وهل هم مستعدون وهل عندهم الكفاءة اللازمة كى يشتركوا فى تصميم نماذج هذا التعايش الإيجابى مع غير المسلمين؟
- وأما السؤال الثالث فيتعلق بموقف المسلمين. نشأ كلام كثير عن قيام "إسلام أوروبى" ولكن القضية فى ذلك أنه لا يكفى مجرد وجود مسلمين فى أوروبا حتى يقوم " إسلام أوروبى" السؤال هو أن على المسلمين اتخاذ موقف واضح من أمور أساسية تتعلق بأنظمة المجتمع الأوروبى ومفاهيمه وهى الديمقراطية، والحرية الدينية للجميع، وحقوق الإنسان، ونظام الأسرة بما فيه مكانة المرأة فى الأسرة والمجتمع، وقوانين الحدود والعقوبات. وهناك أيضا ضرورة أخذ موقف واضح من نظام الدولة العلمانى، ولا تعنى العلمنة معاداة الدين فى أكثر بلدان أوروبا، بل توزيع الوظائف فى نطاق المجتمع دون تعرض الدين للتسلط على الدولة.
كل هذا يقتضى أن يكون لدى المسلمين علماء يقودونهم سبل الرشاد علماء متضلعون في علوم الإسلام عقيدة وشريعة، يتنبهون إلى أوضاع الجماعات الإسلامية فى البلدان المختلفة.
إننا مسيحيون ومسلمون نظرا إلى وعينا لمسئوليتنا المشتركة فى سبيل إقامة نظام اجتماعى عادل، يقع على عاتقنا واجب تضامن بعضنا مع بعض وجمع قوانا وتشغيل إمكاناتنا لإيجاد حلول موافقة لمشاكل عالمنا المشترك.
لا يجوز للمسيحيين والمسلمين أن يظلوا خصوما وأن يعمل الواحد منهم ضد الآخر. عليهم أن يضحوا شركاء يعمل الواحد منهم مع الآخر. أجل، وهناك أكثر من ذلك. عليهم أن يمسوا أصدقاء يعمل الواحد منهم فى سبيل الآخر ويعملون معاً فى سبيل البشرية جمعاء؛ أصدقاء تربطهم المودة التى ذكرها القران الكريم فى سورة المائدة: (ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى) .
حديث جميل جدا لا ينقصه الا أن يقبله الغرب الأوروبي و خاصة الكاثوليكي الذي ينطق باسمه البابا الذي بدأنا فيه مداخلة السيد خوري. ليت أننا نعي أنه لا قيمة للدين في الغرب ان لم يكن خادما للسياسة.
و هذا السيد خليل العناني يبين في مقالة له بعنوان "أوروبا العلمانية في مواجهة أوروبا الدينية" كيف يمارس المجتمع الفرنسي، الرسمي و المدني، مع المسلمين. أي بشكل لا يمكن أن يؤدي بأية حال الى الاندماج.
"بادئ ذي بدء تجدر الإشارة إلى أن قضية الحريات الدينية ـ خاصة فيما يتعلق بالمسلمين في أوروبا ـ ترتبط ببعدين أساسين:
أولهما: يتعلق بمدى القدرة على الحفاظ على أكبر قدر من التوازن بين ممارسة الحريات، وبين فصل الانعكاسات السياسية لهذه الحريات عن المجتمعات الأوروبية، أي فصل الدين عن الدولة فيما يعرف مجازاً بـ «العلمانية».
والبعد الثاني: هو مدى التأثير الذي يمكن أن تتركه ممارسات المسلمين في أوروبا على غيرهم من ذوي الديانات الأخرى.
وعليه فإن التفرقة بين سلوكيات المسلمين وعاداتهم بشكل عام وبين سلوكيات وتصرفات الأديان الأخرى كالمسيحية واليهودية تثير تساؤلات عديدة حول حقيقة التعاطي الأوروبي مع الأقليات المسلمة في أوروبا بشكل عام.
؛ فعلى سبيل المثال بات يُنظر إليه( أي سلوك المسلمين ح.م.) في فرنسا باعتباره عنواناً للأقلية المسلمة التي تعيش هناك، وتحولت المعاداة والريبة من قطعة القماش ( المقصود الحجاب ح.م) إلى النسيج الاجتماعي نفسه، ومن الحجاب إلى الديانة الإسلامية. وأصبحت مناطق الحظر تتوسع، وأخذ إطار الحرية لهذه الأقلية يتقلص شيئاً فشيئاً. فمن المدرسة أصبح الحديث عن المستشفيات، وطالب بعضٌ بأن تحترم العلمانية من طرف الطبيب والمريض؛ حيث تبين أن بعضاً من الطاقم الطبي النسائي يلبسن الحجاب؛ فقبل أن تكون طبيباً أو مريضاً عليك أن تكون علمانياً، ثم تم غلق مسبح كان يسمح فيه لسويعات معدودة في الأسبوع للنساء المسلمات بالترفيه عن أنفسهن بعيداً عن أعين الغرباء، حتى لا يتناقض مع مياه العلمانية التي ترفض الفصل بين المواطنين! ثم قام رئيس بلدية إحدى الضواحي الباريسية (Nogent sur marne) برفض الإشراف وقبول الزواج المدني لعروس؛ لأنها رفضت نزع الخمار، بدعوى عدم احترام القيم العلمانية للدول؛ لأن مقر البلدية رمز ومكان مبجل للجمهورية، ثم تلاه رفض أحد مديري المدارس دخول أولياء متحجبات إلى المدرسة لحضور حوار داخلي دعت إليه الدولة لمناقشة دور المدرسة، بدعوى علمانية المكان.
وكل هذه المظاهر الجديدة في المجتمع الفرنسي ليست شواذاً، ولكنها تعبير خطير عن عقلية جديدة بدأت تُنسج خيوطها في البيت السياسي أولاً، ثم تفشت في النسيج الاجتماعي، وهي الخوف والتوجس من هذا الدين ومن أصحابه، واعتبار أن جزءاً من هذا الوطن غير مرغوب فيه.
. ومن هنا فإن فرنسا لم تخفق في محاولتها دمج المسلمين في المجتمع الفرنسي، وإنما تعمدت تهميشهم، وحصارهم داخل المناطق والجماعات المهمشة، وحشرهم داخل الأطر المشابهة، غير المؤهلة بطبيعتها للتمدد والتأثير الثقافي."
و في دراسة عن أوضاع المسلمين في أوروبا يقول د. توفيق بن عبدالعزيز السديري ما يلي: ... فمثلاً الوافدون من البلاد التي كانت مستعمرة من فرنسا فإنهم يفدون إليها، والذين كانت بلادهم مستعمرة من المملكة المتحدة فإنهم يفدون إلى انجلترا وهكذا، نسبة لروابط وعوامل ثقافية واقتصادية معروفة وبشكل عام فان الاقليات المسلمة في اوروبا تتشكل من فئات أربع وهم:
-1- الدارسون.
2- - الباحثون عن العمل.
-3- المسلمون من سكان البلاد الأصليين.
-4- اللاجئون السياسيون.
ففي بريطانيا تأتي أغلبية المسلمين من شبه القارة الهندية، أما في ألمانيا فالغالبية العظمى تركية المنشأ، وفي فرنسا حيث توجد أربع وعشرون جنسية مسلمة فإن معظم المسلمين من شمال افريقيا وبقية الدول الأفريقية، والمهاجرون المسلمون إلى أوروبا هم من الطبقة العاملة ومن البيئات الريفية، ونتيجة لذلك فإن المجتمعات المسلمة في أوروبا وبخاصة في بريطانيا وفرنسا وألمانيا تتضمن بصورة عامة مهاجرين فقراء مهرة أو غير مهرة حاولوا خلق نسخ عن بيئتهم الريفية في البلاد التي يقيمون فيها حديثاً، أما المستوى الثقافي والتنظيمي لهذه المجتمعات فهو متواضع، وقد ظهرت مشكلات جدية في التواصل حين تفاعلت مجتمعات الأقليات هذه مع المجتمعات المضيفة.
ففي بريطانيا توضح جميع الدلائل المتوفرة أن التمييز العنصري الواسع الانتشار يمثل عاملاً اساسياً يساهم في ارتفاع نسبة البطالة بين الأقليات العرقية وفي نوعية الأعمال الضئيلة الدخل التي يمارسونها، هناك ثلاثة وأربعون بالمائة من الباكستانيين والبنغلادشيين عاطلون عن العمل، بينما نجد في بعض مناطق لندن أن نسبة العاطلين عن العمل بين الأقليات العرقية بمن فيهم المسلمون هي نحو ستين إلى سبعين في المائة، ونجد النموذج ذاته في مدينة برادفورد التي يعيش فيها عدد كبير من السكان المسلمين.
اما الذين يعملون فلديهم مهن ذات أجور ضئيلة ومرتبة اجتماعية أقل من العمال البريطانيي المنشأ، وقد بينت الأبحاث ان المسلمين يواجهون تمييزاً عنصرياً حتى في الوظائف الإدارية وفي بعض المهن مثل الطب والتعليم. وفي دراسة حول الأطباء تبين أنه في حين يشكل الأطباء المسلمون الذين يعملون وراء البحار ثلث عدد جميع اطباء المستشفيات في إنجلترا وويلز، إلا أنهم ينحصرون في المراتب الدنيا وفي اختصاصات غير مفضلة، وتبين الدراسة أيضاً أن هؤلاء الأطباء ينتظرون مدة اطول من أجل ترقيتهم، وعليهم تقديم طلبات أكثر من زملائهم البريطانيين لشغل المناصب، وقد وجدت دراسة اخرى ان المعلمين من المسلمين قد وضعوا في اسفل السلم التصنيفي بشكل غير متكافىء مع زملائهم البريطانيين، وأظهرت دراسة جرت حول الذين يتخرجون في الجامعات انه يصعب على المتخرجين من الأقليات العرقية الحصول على عمل مقارنة مع زملائهم البريطانيين الذين يماثلونهم في الكفاءات.
وهكذا نجد الغربيين ينظرون إلى المسلمين في ديارهم على أنهم وجود غير مرغوب فيه، والغربيون في تصورهم أن الصدام بين الإسلام والغرب لابد منه، ففي سنة 1993م كتب مدير معهد الدراسات الإستراتيجية بجامعة هارفارد «هانتينجتون» كتابه عن حتمية الصدام بين الحضارات وزعم ان الصدامات العسكرية المستقبلية ستحدث على طول الشريط الواقع بين المناطق الحضارية وخاصة بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية.
فالذهنية الغربية بل الاستراتيجية الغربية صراع وصدام لا تعايش ووئام، وفي هذا النحو المشحون بالكراهية والتربص كيف نتخيل أن تعيش الأقليات المسلمة في دول الغرب آمنة ومطمئنة. و نحن من جهتنا نوافق على استنتاج الكاتب.
و في دراسة هامة عن إشكاليات حوار الثقافات في عالم متغيّرللدكتور عبدالله تركماني
التاريخ: 2005/08/18يقول
اختلاف المرجعيات الثقافية: يعود السبب الرئيسي لفشل الحوار العربي ـ الإسلامي مع الغرب عامة وأمريكا خاصة إلى اختلاف المرجعيات الثقافية والعقائدية والتجارب التاريخية، والذاكرات الجماعية التي ينطلق منها كل فريق حين يخاطب الآخر من ناحية، وتباين طرق الحياة والتفكير السائدة في مجتمعات المتحاورين من ناحية ثانية، وتباعد وأحيانا تناقض الأهداف التي يسعى كل فريق إلى تحقيقها من خلال قيامه بمحاورة الآخر من ناحية ثالثة.
الدعوة إلى " صراع الحضارات ": ثمة اتجاهات في الغرب تعمل على تعطيل الميل نحو ثقافة عالمية قائمة على التنوّع البشري الخلاّق، ومن ذلك فكرة " صراع الحضارات " التي أطلقها صموئيل هنتغتون والتي تتناقض مع فكرة العولمة التي يفترض فيها أن تقوم على التنميط أو التوحيد الثقافي. إذ يقول: " إنّ الحضارات هي القبائل الإنسانية، وصدام الحضارات هو صراع قبلي على نطاق كوني ". ويذهب هنتغتون إلى تعريف موضوعه بالقول " إنّ الثقافة والهويات الثقافية، والتي هي على المستوى العام هويات حضارية، هي التي تشكل أنماط التماسك والتفسخ والصراع في عالم ما بعد الحرب الباردة ". ويبشّر بعالم تكون فيه الهويات الثقافية - العرقية والقومية والدينية والحضارية - واضحة، وتصبح " هي المركز الرئيسي، وتتشكل فيه العداوات والتحالفات وسياسات الدول طبقا لعوامل التقارب أو الاختلاف الثقافي ".
ثم أنّ مقولة " صراع الحضارات " تحيل واقعيا إلى مقولة " العدو الضروري " الذي تقتضيه قواعد اللعبة السياسية، بعد أن تم القضاء على " إمبراطورية الشر ". فما أن فرغت الولايات المتحدة الأمريكية من حربها على " المعسكر الاشتراكي " حتى برز الإسلام، و" التطرف الإسلامي " عدوا جديدا يهدد " العالم الحر "، المتمدن، على افتراض أنّ الإسلام هو " القبائل البربرية " التي تهدد حصون روما الجديدة.
هنتغتون الثاني
وحدد هنتغتون في كتابه ثلاثة عوامل تلعب دورا رئيسيا في تكوين الشخصية: اللغة والثقافة والهوية. وقال: إنّ هذه العوامل الثلاثة لدى الكاثوليك المكسيكيين المهاجرين إلى الولايات المتحدة تختلف عن العوامل المكونة لشخصية الأنغلو- سكسون البروتستانت البيض. وأنه نتيجة لذلك فإنّ الولايات المتحدة معرضة لأزمة قد تؤدي بها إلى انقسام يشطرها إلى شطرين وطنيين، ذلك أنه إلى جانب الجذور الإنجيلية البريطانية المتأصلة في التيار السائد في السياسة الأمريكية، تنغرس الآن في المجتمع الأمريكي جذور الكاثوليكية المكسيكية، مما يعني احتمال ـ بل بداية ـ نشوء تيار جديد، ومما يعني تاليا أنه لابد للتيارين الحضاريين من الصدام نظرا للاختلافات وللتباينات العميقة بينهما.
في الكتابين يجعل من الإسلام ومن الكاثوليكية عدوين للقيم البروتستانتية الأنغلو- سكسونية ويدعو إلى مواجهتهما معا. الإسلام في الجبهة الخارجية علي مستوى العالم، والكاثوليكية في الجبهة الداخلية على مستوى المجتمع الأمريكي.
اللاتكافؤ الثقافي وصورة العربي والمسلم في الوعي الغربي
العلاقة بين الطرفين الإسلامي والغربي تتسم بالنزاعات وغياب الثقة، وتعود هذه المشكلات إلى اسباب ثلاثة هي: المصالح المتباينة والسياسات الراهنة والعوامل الثقافية والنفسية. إضافة إلى اتجاه العلاقات التاريخية المتجذرة والتي حكمت الصور السلبية المتبادلة والحذرة، فهذه العلاقات كانت تقوم في مجملها على صراعات سياسية وعسكرية بنت خلافات ثقافية ومعرفية تؤسس للصراع ولا تدعو إلى الحوار.
وللعرب مع السينما الغربية قصة طويلة، هي التي دفعت إلى أبلسة العربي والمسلم تمهيدا للانقضاض عليه، وفي سبيل ذلك استدعى الغرب مخزونا من الوعي الاستشراقي بالمنطقة ترجع بداياته إلى عصور الحروب الصليبية، وابتدع معلومات مشوهة ليس لها جذور على أرض الواقع، اختلط الحق فيها بالباطل، والزيف بالحقيقة، والتضليل بالإعلام، غير أنّ إجمالى عدد الأفلام التي تصور العرب بصورة إيجابية لا يتجاوز عدد أصابع اليدين وتحصي دراسة أعدها جاك شاهين واستمرت 20 عاما 12 فيلما فقط أنتجتها هوليوود وتضمنت صورا إيجابية للعرب وذلك من بين نحو ألف فيلم.
وحول الصور النمطية السلبية الموجودة داخل مناهج التعليم الأمريكية عن العرب والمسلمين، رصدت اللجنة العربية لمكافحة التمييز " A . D . C " الكتب المدرسية فوجدت أنّ هذه الصور تصف العرب بأنهم عبيد الرمال وراكبو الجمال، وأنهم سفاحون ومحاربون ومتطرفون، ومغتصبون، ومضطهدون للمرأة، كما تصف هذه الصور الفلسطينيين بأنهم إرهابيون ومفجرو طائرات، يحاولون تدمير إسرائيل وإغراقها في البحر. أما النساء العربيات فينظر إليهن على أنهن مضطهدات من الرجال، وأنهن راقصات سلبيات عاريات يقعن في حب الرجل الغربي لينقذهن من شر الرجل العربي، ليست لهن شخصية ولا صوت. كما تبين أنّ مناهج الدراسة في عديد من الدول الأوروبية تخلط بين العرب والمسلمين، وتصور الإسلام بأنه دين جبري وقدري لأنه يدعو إلى التسليم للأقدار، ويدفع معتنقيه إلى اتخاذ مواقف تتسم بالاستكانة وعدم التفاعل مع الأحداث، وأنّ هذه الفلسفة الحياتية هي السبب الرئيسي في تأخر المسلمين.
ليس لنا أن ننهي بحثنا من غير أن نطل على جزء من الشعب الفرنسي و الذين يدعون ب "Pieds-Noirs "، اي " الأقدام السوداء" و هؤلاء هم أبناء المستعمرين الفرنسيين الذين اضطروا للبقاء في الجزائر ابان الاستعمار الفرنسي لها. و حيث أنهم اختلطوا بالشعب الجزائري بشكل أو بآخر أصبحوا منبوذين من الشعب الفرنسي. جاء في الموسوععة "ويكبيديا" ما يلي:" بشكل عام شعر "الأقدام السود" أنهم منبوذون عند عودتهم الى فرنسا. كان عليهم أن يجابهوا الشتائم العنصرية ، و خاصة من اليسار الشيوعي الذي اعتبرهم كمستغلين قدامى.
مصابون بالاحباط ، بعد أن فقدوا ما كانوا اغتصبوه في الجزائر وصل هؤلاء الى فرنسا على مراكب محملة بالكثير منهم، استقبلوا من قبل الفيديرالية العامة للعمل، و ذلك في مرسيليا . فما كان من المسؤولين في المدينة الا أن طلبوا مغادرتهم ، على خلفية عنصرية.
أشهر هؤلاء كان "ألبير كامو" "Albert Camus " الحائز على جائزة نوبل للآداب سنة 1957 . و حيث أنه كان يشعر نفس الشعور الذي كان يعانيه أقرانه، كتب روايته "الغريب" "L'étranger " . و هذه الرواية رائعة في رمزيتها.
تتحدث الرواية عن شاب فرنسي يدعى "مورسو" "Meursault" يعيش في الجزائر عندما كانت لا تزال مستعمرة فرنسية. و بعد فترة أبلغ بطل الرواية بواسطة برقية ، أن أمه قد ماتت على التو. ذهب الى مأوى العجزة حيث كانت ترقد أمه. و عوض أن يجلس بجانب أمه المتوفاة بانتظار انتهاء مراسم تهيئتها للدفن راح يحتسي الجعة في المقهى و لم يظهر أي شعور يوحي بأنه ولد مفجوع بوالدته.
بعد زمن التقى بأحد جيرانه و يدعى "ريمون" " Raymond Sintès الذي دعاه الى الذهاب الى الشاطىء . و هذا الأخير كان قاسيا مع عشيقته المغربية و كان يخاف من ردة فعلها. لذلك ترك الشاطىء و ذهب. التقى صاحبنا بأحد العرب ( من غير اسم) و يظهر أنهما تناكفا ، فأخرج العربي سكينا ، فما كان من بطل الرواية الا أن عاجله بعدة رصاصات من مسدس تركه معه جاره الفرنسي، فقتله.
سجن لمدة سنة و حكم عليه بالاعدام لأنه خالف عادات مجتمعه الفرنسي و لم يظهر الأسى على وفاة والدته.
رمزية رائعة! يعيش في الجزائر، بعيد عن أمه (الأم ترمز الى الأرض)، و أعلم بوفاة أمه و لم يظهر الأسى لأن أرضه فرنسا قد نبذته و تركته في الجزائر . جاره أعطاه السلاح . و هكذا كانت تفعل الدولة الفرنسية ،تسلح الموجودين في المستعمرات حتى تتمكن من استغلال هذه المستعمرات و اضطهاد أهلها. فجاره الفرنسي عشيقته مغربية، تؤمن له ما يريد و يعاملها بقسوة. اذن تأمين متطلباته منها واجب عليها، و ليس لها بذلك منة ( و هل هناك عنصرية أكثر من هذا ؟). و نضيف أن العربي الذي التقاه ليس له اسم ( فالعربي دور و وظيفة و ليس انسانا، لذلك يجب أن يموت عندما يحاول أن يدافع عن وجوده).
لم يلتزم بتقاليد المجتمع الفرنسي لأن هذا المجتمع نبذه. لذلك حكم عليه بالاعدام. اذن عليه الخضوع لعادات هذا المجتمع سواء تقبله أم لمن يتقبله . نضيف بأن قتل العربي ،كما تبين الرواية، ليست جريمة يعاقب عليها القانون.
ان روعة هذه الرواية هي باظهارها مدى عظم العنصرية عند الفرنسي . كما و أنها تظهر و بوضوح مدى الاحباط الذي يعيشه " الأقدام السود". و هل نعجب عندما يقول "ألبير كامو" ان بلدي هو اللغة الفرنسية. "Ma patrie est la langue française ".
نسأل : اذا كانت معاملتهم ( السلطات و أبناء المجتمع) لأبناء جلدتهم بهذا القدر من التمييز و العنصرية، فبالله عليكم كيف يعاملون العربي أو الافريقي أو المسلم؟
منذ عدة أيام اصطدمت دراجة نارية صغيرة باحدى سيارات الشرطة في احدى الضواحي الباريسية ونقلت وسائل الإعلام الفرنسية عن شهود ان ركاب سيارة الشرطة لم يكلفوا أنفسهم، التحقق من حال الشابين المرميين أرضاً واكتفوا بمغادرة المكان بواسطة سيارة أُرسلت لهم خصيصاً.
وقالت شاهدة قدمت نفسها على انها من أعضاء المجلس البلدي للمنطقة ان رجال الإسعاف تأخروا كثيراً ولمدة ربما تفوق الساعتين قبل وصولهما الى مكان الحادث. (– أرليت خوري الحياة - 27/11/07//).
و مات هذان الشابان لأنهما تركا ينزفان ، ذلك أنهما من أصول عربية . صحيح أن هذا الحادث قد تسبب بأحداث عنف . و لكن كيف لهؤلاء أن يتحملوا هذه المعاملة و هم يدرسون ليل نهار عن حقوق الانسان و المجتمع المتحضر الذي يحترم الانسان .... الخ من هذه لترهات البالية الذي لا يصدقها الا موهوم، حتى لا نقول خلاف ذلك.
لن نطيل أكثر ، و لكن بقي أن نشير الى نمط مختلف من التحليل لظاهرة عدم الاندماج جاء به د.محمد البشاري في مقالة بعنوان " أبعاد مفهوم الأقليات". يقول :
"الأقلية مفهوم استفزازي: ليس مصطلح "الأقلية" و"الأقليات" مصطلحا حياديا… إنه مصطلح استفزازي، بمعنى أنه مثير للتمايز المزدوج. فمن جهة الأكثرية يعزز المصطلح / المفهوم شعور بالفوقية والاسترخاء في نرجسية راضية عن الذات، مطمئنة إلى سلطانها وهيمنتها، لكنه في الوقت عينه يبعث على "الاسترابة" بالآخر والتشكك فيه. أما من جهة الأقلية نفسها، فالمصطلح / المفهوم يثير الإحساس بالدونية والقلق على الذات والمصير، والرغبة في الاحتياط من خطر الذوبان، أما الاجتياح، أو الابتلاع… وهو خطر قد يكون حقيقيا، وقد يكون ممكنا أو متخيلا أو موهوما… كما أنه محفز للبحث عن ملجأ أو حماية داخلية أو خارجية.إنه من أكثر المصطلحات اكتنازا بمغريات الفتنة والواقعية… والتعريض عليها، فيه ثمة تذكير دائم "باللاأمان" الاجتماعي والسياسي والوجودي والاعتقادي، وبالتالي فهو مفاعل تقسيدي، أو ممانع للحمة، أو قابلية اختراقية".
ان هذا التحليل مهم جدا لعله يكون أحد العوامل التي تدفع الجانبان الى التباعد أحدهما عن الآخر.
نضيف فنقول بأن أحد أهم العوامل التي تساعد ان لم نقل تدفع الى عدم تقبل كل طرف للطرف الآخر هو كون أحد الطرفين كان مستعمرا (بفتح الميم) و الطرف الآخر مستعمرا (بكسر الميم). فالطرف الذي استعمر الشعوب و استخرج خيراتها و خرب بيئتها و ترك هذه البلاد قاعا صفصفا يتحمل وبشكل حتمي مسؤولية ما قدمت يداه . وحيث أن المستعمرين يتصرفون و كأنهم لم يدمروا هذه البلاد ، فهذا ما يترك شعورا في لاوعي الشعوب التي تعرضت للاستعمار بأن لهم دينا مع الدول التي استعمرتهم . لذلك نرى تصرفاتهم تصرفات غير سوية أحيانا و كأنها تعبر عن ردة فعل ازاء مستعمريهم السابقين . و هذا يذكرنا بتصرف العامل ازاء الآلة التي يعمل عليها ، عندما يخربها انتقاما من استغلال رب العمل له باستيلائه على قوة عمله من دون بدل عادل. هذا من جهة الوافد. أما تصرف الغربي ازاء المهاجر فانما يتسم بالفوقية و التمييز لأنه لم يتعود على معاملة الشعوب التي استعمرها كما يجب معاملة الانسان ، فكيف له أن يعامله الآن على سبيل المساواة. فيبدو ذلك شبه مستحيل ، ان لم يكن كذلك.
ما الحل اذن لهذا الوضع؟ هل علينا تأبيد عدم الاندماج ؟ أم علينا التفكير بحل ما؟
لا يمكن المساواة بين هذه الشعوب و تقبل كل منها للآخر قبل أن يأخذ كل ذي حق حقه من الطرف الآخر . و هذا يستدعي :
أولا: التعويض النفسي للشعوب التي كانت مستعمرة (بفتح الميم). و ذلك باعتذار رسمي و شعبي و تلاوة فعل الندامة عما اقترفت أيادي المستعمرين من جرائم بحق هذه الشعوب. يقول كارل ماركس في البيان الشيوعي :"ان شعبا يستعبد شعبا آخر لا يمكن أن يكون حرا".
ثانيا : و حيث ان تلاوة فعل الندامة وحده لا يكفي ، لذلك يجب على هذه الدول التعويض العادل لهذه الشعوب عن استغلالهم للأراضي الزراعية و استغلال المناجم و استيلائهم على الخامات و تخريبهم البيئة ، بيئة البلاد التي استعمروها سابقا.
ثالثا: مساعدة الشعوب على النهضة الفعلية في جميع الصعد الاقتصادية و السياسية و التربوية ....
ان مثل هذا التعويض سوف يؤمن نوعا من المساواة بين هذه الشعوب مما يمكنها من التعايش سوية من غير أي نوع من أنواع عقد النقص الدونية منها أو الفوقية. و هذا ما يؤمن حسب تصورنا امكانية الاندماج . فجميع النصائح و الفتاوى و زواج المتعة أو الرقص مع الفتيات أو وضع القبعة بدل الحجاب أو التخلي عن الدين، جميع ما تقدم لا يؤمن الاندماج . ان ما يمكن الطرفان من الاندماج هو شعورهم بالمساواة و بحاجة كل طرف للآخر بحيث يمكنهما معا من تامين التكامل الذي يحتاجانه.
حسن ملاط – القلمون
mallat8@googlemail.com
كانون الأول - ديسمبر 2007
مقدمة :
مسألة الاندماج في المجتمعات الغربية ، و نعني اندماج المهاجرين من المستعمرات السابقة في دول المركز، هي مسألة مطروحة منذ بدء حركة الهجرة و لما تنته. كما و يمكننا أن نؤكد أن امكانية حلها صعب جدا. و أهم الأسباب هو أن المجتمعات الغربية لا تريد تقبل اندماج هؤلاء. و قد تحدث الكثير في هذا الموضوع و تمت دراسته من وجهات متعددة ، و رغم ذلك لم نتقدم الى الأمام.
أما الاندماج فهو : سعي المهاجر إلى التأقلم مع المجتمع، الذي يحيا فيه، وذلك دون أن يفقد هويته الخاصة.
رؤى حول المشكلة:
المعلق السياسي بيتر فيليب يرى "بأنه يجب تقليل الخطر (خطر المهاجرين ح.م) بأن تعطى كل الأقليات بما فيها الأقلية المسلمة الشعور بأنها تنتمي إلى المجتمع وبذا تتم مساعده هذه الأقليات وتتم مساعدة المجتمع كافة أيضا". و هذا السياق يدلل بأن السيد فيليب يرى بأن المجتمعات الغربية هي التي تتحمل وزر عدم الاندماج و ليس المهاجرين انفسهم. و هل يمكن أن يتحمل المهاجرون مسؤولية عدم اندماجهم؟ نعم فاليهود هم الذين لا يريدون الاندماج في المجتمعات التي يعيشون فيها ، علما ان هذه المجتمعات لا نقول أنها تتقبل اندماجهم بل يمكننا القول بأنها تريد اندماجهم . فالمطلعون على الفكر السياسي ، يعلمون أن الكثير من المفكرين السياسيين قد تحدثوا عن عنوان هو "المسألة اليهودية"، و طبعا المسألة اليهودية في المجتمعات الغربية (أوروبا الشرقية و الغربية). و منهم على سبيل المثال لا الحصر :" قبل ظهور الفكر الصهيوني الذي تمثل في تأسيس الحركة الصهيوينة، كانت هناك كتابات وضعت حلولاً للمشكلة، فمن الكتاب الذين كتبوا حول المسألة اليهودية: كارل ماركس، جان بول سارتر، سيجموند فرويد، مارتن بوبر، ويل ديورانت، تشمبر لين، فيودور دوستويفسكي، فمنهم من رأى الحل في تخلي اليهودي عن ديانته واعتناق المسيحية وأديان الشعوب التي يحيون بينها، وآخرون رأوا أن الاندماج في المجتمعات القائمة هو الحل، وغيرهم رأوا أن المشكلة لها جوانب اقتصادية واجتماعية ونفسية وطبقية". (المسـألة اليهودية والحل الصهيوني : ناهض زقوت).
و المسألة المطروحة كانت : عدم تقبل اليهود الاندماج في هذه المجتمعات!!
نابليون بونابارت حاول حل هذه المسألة (المسألة اليهودية) بأن توصل الى عقد مع اليهود في سنة 1807 اذ جمع في بلدية باريس المؤسسة الدينية ليهود فرنسا السانهدرين Sanhedrin لتحويل يهود فرنسا إلى "مواطنين صالحين"، وذلك عبر تكييف أحكام الشريعة اليهودية مع القيم الفرنسية العلمانية، ليصبح اليهود جزءًا من الأمة الفرنسية بعد أن كانوا في العهد البائد مجموعة دينية منطوية على نفسها. ردّ السانهدرين بالإيجاب على مطلب نابليون وقامت سنة 1808 مؤسسة الكونسيستوار (الجالية في consistoire) وأعلنت أنّ المظاهر السياسية للتوراة لم تعد صالحة (valides)، لأنّ اليهود لم يعودوا يشكلون أمة (nation). لذلك تمّ التخلّي عن كل شكل من الاستقلال الشرعي اليهودي.(العفيف الأخضر).
و من الجدير ذكره أن ماركس و الآخرين قد أصدروا كتبهم عن "المسألة اليهودية" بعد هذا التاريخ بكثير و هذا دليل أن هذا الاتفاق لم يدفع اليهود الى القبول بالاندماج في المجتمع الفرنسي.
و لكن بعد تأسيس دولة اسرائيل على حساب الشعب العربي الفلسطيني الذي طرد من أرضه بفضل الديموقراطية الغربية ( التي تساعد اللبنانيين على الخروج من أزمتهم في هذه الأيام !!) ، و بعد أن تبين لليهود أن تأسيس دولة اسرائيل لم يكن الترياق الذي يوصل الى السعادة ، أعادوا النظر في مسألة اندماجهم في المجتمعات التي يعيشون فيها . فمنهم الآن من يعيش في هذه المجتمعات كمواطن عادي لأنه تقبل العيش في هذا المجتمع( ليس كما المواطن العربي أو المسلم أو الأفريقي يمنع من الاندماج في هذه المجتمعات).
في حوار مع القسم العربي بموقع دويتشه فيلّه أكد الدكتور ديتر جراومان، عضو رئاسة المجلس الأعلى لليهود في ألمانيا، على أهمية تأقلم المهاجرين المقيمين في ألمانيا مع المجتمع، لكن دون فقدان هويتهم الخاصة. "لا أحد من المهاجرين سيصبح مواطناً ألمانياً بصورة أفضل عندما ينسى هويته اليهودية. ولا غرو أن الإقرار بالهوية الخاصة والحفاظ عليها لا يتعارض بأى حال من الأحوال مع كون المرء مواطناً ألمانياً مقدراً لواجباته. هذا الأمر لا ينطبق على المهاجرين اليهود فحسب، وإنما ينطبق على كافة المهاجرين المقيمين في ألمانيا (هذا ليس صحيحا. ح.م).الدين بحد ذاته لا يشكل عائقاً أمام اندماج المهاجرين في المجتمع الألماني (على أن لا يكون الاسلام ح.م) ، كما أنه لا يساعد على الاندماج.لا أريد أن ألقن أحداً درساً ولكن اليهود في ألمانيا لديهم تجربة على هذا الصعيد تتلخص في أنه من المفيد ألا نشتت قوانا وأن نوحد صفوفنا. من يوحد صوته وقواه يؤخذ مأخذ الجد ويحظى بثقل سياسي،( و هذا ما يسمى اللوبي الصهيوني. ح.م) على عكس ما هو عليه الحال عندما تقوم عدة منظمات متفرقة بتمثيل مجموعة واحدة من المهاجرين. المحافظة على وحدة الموقف السياسي لا تعدو أمراً سهلاً بالنسبة لنا دائماً، لذالك فإننا نبذل باستمرار قصارى الجهد للحفاظ على وحدة الصف".
هذا من حيث عدم تقبل المهاجر للاندماج، أما القضية التي نناقشها فهي خلاف ذلك : عدم قبول المجتمعات بالوافدين اليهم رغم حاجتهم الماسة لهم.
المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث المنعقد في مدينة سراييفو / البوسنة والهرسك ناقش عملية الاندماج الى جانب مسائل أخرى تهم المهاجرين المسلمين و أهل البلاد من المسلمين الذين يصيبهم بعض شظايا التمييز.
في الفترة من: 28 ربيع الآخر – 2 جمادى الأولى 1428هـ الموافق لـ 15-19 أيار (مايو) 2007 ربيع الآخر – 2 جمادى الأولى 1428هـ
ناقش المؤتمر ما يلي:
المحور الأول: الإطار الشرعي للمواطنة والاندماج.
واستعرض فيه البحثان التاليان:
- 1 – الإطار العقدي والمقاصدي للمواطنة والاندماج. للدكتور يوسف القرضاوي.
- 2 – الولاء بين الدين والمواطنة. للشيخ عبدالله بن بية.
وانتهت خلاصة البحثين إلى أن مواطنة المسلمين في المجتمع الأوروبي واندماجَهم فيه أمر مشروع من حيث المبدأ، تسعه مقاصد هذا الدين، إذ هذه المواطنة تمثل جسراً بين العالم الأوروبي والعالم الإسلامي مما يعود على العلاقة بين الطرفين بالخير. ولا يتعارض اندماج المسلمين مع مبدأ الولاء والبراء، فهذا إذا ما أعيد إلى معناه الأصلي الذي دلت عليه نصوص الكتاب والسنة فإنه لا يكون معارِضاً لمواطنة المسلمين وتفاعلهم مع المجتمع الأوروبي.
وقد أكدت المناقشات والتعقيبات على أن اندماج المسلمين ينبغي أن يكون اندماجاً فاعلاً، يقدمون لمجتمعهم الخير المادي والمعنوي، ولكن سُجلت مداخلاتٌ كثيرة تُظهر قصور المسلمين إلى حد الآن في هذا الشأن، وغفلتهم عن هذا الهدف الذي هو أحد المداخل المهمة للاندماج.
المواطنة ومقتضياتها:
تم استعراض ومناقشة عدد من البحوث العلمية في قضية المواطنة، وحيث إن المجلس قد أصدر قراراً سابقاً (قرار 3/16)، فإنه خلص إلى توكيده، مع إضافة ما يلي:
الصواب صحة المواطنة في غير ديار الإسلام سواءٌ للمسلم الأصلي أم المتجنس، وأدلة المانعين إما صحيحة لا تدل على المنع أو أحاديث غير صحيحة لا يعتد بها في الاستدلال الفقهي.
ورأى أن المواطنة لا تخالف الولاء الشرعي، إذ لا يلزم من وجود المسلم في غير ديار الإسلام الالتزام بما يخالف دينه من مقتضيات المواطنة، كالدفاع عنها إذا اعتدي عليها، والأصل أن يكون المسلمون في مقدمة من يدفع الضرر عن بلده (الأصلي أو الذي يعيش فيه ، و هذا ما يقتضيه السياق ح.م)، كما لا يحل له (للمسلم) أن يشارك في أي اعتداء تقوم به بلده على أي بلد آخر سواء كان إسلامياً أم لا.
ومن واجبات المواطنة التعايش واحترام الآخر، والتزام القيم الأخلاقية كالعدالة والتعاون على الخير، والنصح من خلال القوانين السائدة لإصلاح ما يضر البلاد أو العباد.
قرار 2/17
تحديد مفهوم الاندماج ومقتضياته
مما تحصَّل من الأبحاث والمناقشات التي تناولت موضوعات الدورة، قرر المجلس ما يلي:
إن سياسات "الاندماج" المتبعة في الدول الأوروبية تتراوح بين اتجاهين:
اتجاه يغلّب جانب الانصهار في المجتمع ولو أدّى ذلك إلى التخلي عن الخصوصيات الدينية والثقافية للفئات المندمجة.
واتجاه آخر يرى ضرورة الموازنة بين مقتضيات الاندماج ومقتضيات الحفاظ على الخصوصيات الثقافية والدينية.
ويرى المجلس أن الاتجاه الثاني هو الذي يعبّر عن الاندماج الإيجابي، الذي يجب أن تحدد مقتضياته بوضوح: أن مقتضيات اندماج المسلمين في المجتمعات الأوروبية مسؤولية مشتركة بين المسلمين أفراداً ومؤسسات من جانب، وبقية المجتمع الأوروبي أفراداً ومؤسسات من جانب آخر. وإن من أهم مقتضيات الاندماج التي تُطلب من المسلمين، التي لا حرج فيها عليهم، بل إن الإسلام يحث عليها، ما يلي:
أ - ضرورة معرفة لغة المجتمع الأوروبي وأعرافه ونظمه، والالتزام تبعاً لذلك بالقوانين العامة، في ضوء قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) [المائدة: 1
ب - المشاركة في شؤون المجتمع والحرص على خدمة الصالح العام، عملا بالتوجيه القرآني: (وافعلوا الخير لعلكم تفلحون)[الحج: 77].
ج - العمل على الخروج من وضع البطالة؛ ليكون المسلم فاعلاً منتجاً يكفي نفسه وينفع غيره، عملاً بالهدي النبوي الشريف: "اليد العليا خير من اليد السفلى، فاليد العليا هي المنفقة، واليد السفلى هي السائلة" (متفق عليه من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما).
وإن من أهم مقتضيات الاندماج التي نرجو أن يحققها المجتمع:
أ - العمل على إقامة العدل وتحقيق المساواة بين جميع المواطنين في سائر الحقوق والواجبات، وبالخصوص حماية حرية التعبير والممارسة الدينية، وكفالة الحقوق الاجتماعية وعلى رأسها حق العمل وضمان تكافؤ الفرص.
ب - مقاومة مظاهر العنصرية والحدّ من العوامل المغذية لمعاداة الإسلام، وخصوصاً في مجال الإعلام.
ج - تشجيع مبادرات التعارف الديني والثقافي بين المسلمين وغيرهم بما يحقق التفاعل بين أبناء المجتمع الواحد.
ولتحقيق الاندماج الإيجابي المتوازن:
ـ يدعو المجلس المسلمين إلى العمل على حفظ شخصيتهم الإسلامية دون انغلاق وانعزال أو تحلل وذوبان في المجتمع، وإلى إقامة المؤسسات الدعوية والتربوية والاجتماعية اللازمة لذلك.
ـ ويدعو المجتمعات الأوروبية، وخصوصاً الهيئات المعنية بقضية الاندماج، إلى الانفتاح على المسلمين والتواصل مع المؤسسات الإسلامية، كالمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، لدراسة مقتضيات الاندماج وتيسير السبل المحققة له، بما يفيد المجتمع ويدعم استقراره وازدهاره، وبما يمكّن المسلمين من الحفاظ على هويتهم الإسلامية الأوروبية. انتهى.
لا أعلم ان كان من الضروري أن أضيف أن جميع هذه التوجيهات ، بالرغم من أهميتها و وجاهتها ، لم تساعد أهل البلاد على تقبل الوافدين اليهم .
و قد دخل فوكوياما على خط الحديث عن الاندماج و دراسة الظاهرة : "كما عبَّر فوكوياما عن اعتقاده بأن الفرضية التي تقوم عليها الحرب الأمريكية على الإرهاب والتي تسعى لنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط للقضاء على الإرهاب هي فرضية خاطئة، حيث رأى فوكوياما أن مرتكبي أحداث الحادي عشر من سبتمبر وهجمات مدريد ولندن هم بالأساس مجموعة من الأفراد الذين عانوا الاغتراب داخل المجتمعات الأوروبية والغربية بسبب صدمتهم مع الحداثة التي تعيشها تلك المجتمعات. لذا أكد فوكوياما في مقاله - المنشور بعد أبريل 2006 من دورية جرنال الديمقراطية - أن الإسراع بعجلة الديمقراطية والحداثة بالمجتمعات المسلمة التقليدية سوف يزيد من شعور الجماعات المسلمة المتشددة بالاغتراب مما قد يدفعها لاتجاه أكثر تشدداً. في المقابل رأى فوكوياما أن الأجدر بالدول الغربية التركيز على دمج الأقليات المسلمة التي تعيش على أراضيها كأسلوب أفضل في مكافحة الإرهاب، كما رأى فوكوياما أن أوروبا هي الموقع الحقيقي للحرب على الإرهاب وليس الشرق الأوسط أو المجتمعات المسلمة التقليدية. ويقول فوكوياما أن النموذج الأمريكي يقوم على ثلاث خصائص أساسية هامة ومفيدة أولها الفصل الكامل للدين عن الدولة وعدم إعطاء أية مزايا سياسية لدين بعينه أو لمجموعة دينية معينة، وهنا يرى فوكوياما أن فصل الدين عن الدولة بالصورة الأمريكية يساوي بين الأديان كما أنه يقضي على مصادر خلافات دينية سياسية عديدة. الدعامة الثانية هي طبيعة الهوية الأمريكية المفتوحة وقوة المشاعر الوطنية الأمريكية، ويقول فوكوياما بأن الأمريكيين يتميزون بالفخر بهويتهم الوطنية وبالاحتفال بها بشكل متكرر في الوقت الذي تعتبر فيه الهوية الأمريكية هوية مفتوحة لا ترتبط بخلفية إثنية أو عرقية معينة فأي مهاجر يمكنه أن يصبح مواطناً أمريكياً، كما أن احتفال الأمريكيين بهويتهم الوطنية يقلل من فرص الجماعات اليمينية المتشددة في مهاجمة الأقليات بحكم أن الحوار حول الهوية الأمريكية حوار مفتوح وثري وقابل للخلاف السياسي بين اليسار واليمين. في المقابل تعاني المجتمعات الأوروبية من أزمة في التعامل مع هوياتها الوطنية فقد أقنعت ويلات الحرب العالمية الثانية تلك المجتمعات بضرورة التخفيف من نعراتها القومية والذوبان في هويات إنسانية عالمية مختلفة، في المقابل أثبت الواقع الراهن - كما يرى فوكوياما - أن المجتمعات الغربية فشلت في إذابة هوياتها الوطنية والتي ما زالت قائمة خاصة مع صعود حركات اليمين الراديكالي وانتشارها في أوروبا. أما الدعامة الإيجابية الثالثة لأسلوب الاندماج الأمريكي - كما يراه ويروج له فوكوياما - فهي الحد من المساعدات الاجتماعية والاقتصادية التي تقدمها الدولة لمواطنيها وللمهاجرين الجدد ضمن ما يُعرف ببرامج الرفاهية، حيث يرى فوكوياما أن تبني الدول الأوروبية لبرامج رفاهية يضعف من قدرتها على دمج الأقليات الجديدة لأن برامج الرفاهية تسمح للمهاجرين الجدد بالحصول على مساعدات من الدولة في حالة البطالة مما يضعف من رغبة هؤلاء المهاجرين في التنافس في سوق العمل القاسي ويدفعهم إلى التقوقع على أنفسهم مما يجعلهم فريسة لمشاعر الاغتراب عن المجتمعات التي يعيشون فيها. في المقابل يرى فوكوياما أن النظام الرأسمالي الأمريكي والذي تنخفض فيه مساعدات الدولة للمواطنين بشكل كبير خاصة إذا قورن بأوروبا يدفع المهاجرين الجدد إلى الانخراط الدائم في سوق العمل مما يساعدهم على الانخراط في المجتمع كما يساعدهم على الشعور بالعديد من المشاعر الإيجابية بحكم قدرتهم على العمل والإنتاج والاكتفاء الذاتي، وبذلك يصبح العمل أداة رئيسية في يد بوتقة الصهر الأمريكية، وهي أداة ينصح فوكوياما الأوروبيين بتبنيها". واشنطن - مكتب «الرياض ."
هذا الرأي لفوكوياما يعتبر ايجابيا بالنسبة لاندماج المهاجرين و لا يحمل ضغينة أو تمييزا يؤدي الى استبعادهم في المجتمعات التي يعيشون فيها . كما و أن توصيفه للمجتمعات الأوروبية فيه الكثير من الواقعية و الصحة.
أما العفيف الأخضر فهو يسير في منحى لم يرتاده غيره . فصاحبنا ملكي أكثر من الملك و هو أيضا مواطن كوني يعيش في "لامجتمع" أعني مجتمع لا يحمل أية صفة من صفات المجتمعات الواقعية الموجودة على الأرض. فلنقرأ هذه المداخلة و لنعجب:
... في الواقع لا توجد إلى اليوم إلا حضارة واحدة عالمية لكن توجد ثقافات عدة لا تستطيع أن تكون مقبولة إلا إذا كيفت تقاليدها البربرية (يقصد الاسلام ح.م) أحياناً مع قيم حقوق الإنسان.
الاتجاه المعادي للاندماج يستمد قوته من أربعة عوامل أساسية:
1- من كون الخطاب الديني أي خطب الجمعة، الوعظ والتعليم الإسلامي الخاص والإعلام... محتكراً من أنصار هذا الاتجاه
2 - العامل الثاني البترودولارات التي تتدفق على أنصار الاتجاه المعادي للاندماج لتكون له صحافة خاصة به، وليترجم كتب القرضاوي ( القرضاوي غير مقبول حاليا ممن يدعون "متشددون". ح.م) إلى اللغات الأوروبية، وليكون دعاة يرسلهم إلى الضواحي وجميع المدن الفرنسية لحشو أمخاخ مسلمي أوربا بدعايته المضادة للاندماج والمحرضة على انتهاك قيم حقوق الإنسان...( مر معنا رأي القرضاوي في الاندماج ح.م)
3- العامل الثالث تنظيم المسلمين في أوربا وخاصة في فرنسا يحابي الاتجاه المضاد لاندماج الإسلام الأوروبي في المجتمعات الأوروبية على حساب الاتجاه المطالب باندماجهم.
4- العامل الرابع فقه الولاء والبراء أي الولاء حصراً للمؤمنين والبراء الكامل من الكفار.( مر معنا أيضا رأي المجمع الفقهي من هذه المسألة ح.م)
صعوبة اندماج المسلمين في المجتمعات غير المسلمة سببه ثقافة الكراهية هذه التي رضعوها في التعليم والإعلام في بلدانهم: من هنا ضرورة وقف تكوين الكادر الديني الإسلامي الأوربي بهذا الفقه الانطوائي (autiste) والعنصري جدير بالأقليات المسلمة الفرنسية تقليد السانهدرين.
لا يمكنني التأكيد أو النفي ان كان هذا اللامنتمي قد أصبح مقبولا من المجتمعات الغربية أم لا؟ علما أن ما يطرحه هذا العفيف الأخضر هو قطعا ما يريده الأوروبيون من المهاجرين المسلمين : قوة عملهم و تنكرهم لقيمهم. و لكنه ليت أنه قرأ رأي الدكتور ديتر جراومان المسؤول اليهودي الألماني بالاندماج.
أما جمال البنا فقد حاول ان يقارب الموضوع و لكن بصيغة مختلفة عن مقاربة العفيف الأخضر. و لكنها مقاربة ، أزعم أنها لا تلبي طموحات الأوروبيين و ممجوجة من أكثرية المسلمين.
"وقضية الهوية من أعقد المشكلات الحضارية التي يتعرض لها المجتمع الإسلامي المعاصر، نتيجة لأن ثقافته، وأصوله، ومثالياته.. وآماله كلها ترتبط بالماضي المجيد، بينما يثير الحاضر في وجهه مشكلات معقدة كما يعرض رؤى ساحرة لها جاذبيتها، ولكنها لا تتفق – إن لم تكن تتعارض- مع مثله، ومن هنا يأتي التمزق والحيرة ما بين الشرق وماضيه.. وما بين الغرب وحاضره"..
"على أن هذه المشكلة إذا كانت تمثل تحدياً من أكبر التحديات بالنسبة للمجتمعات الإسلامية، فإنها بالنسبة للأقليات الإسلامية في أوروبا وأمريكا تمثل أعظم التحديات قاطبة، وفى نظرنا أن المسلكين خاطئان.. فالمسلك الأول يقضى على الشخصية الخاصة للمغترب طالباً أو عاملاً دون أن يكسب – ضرورة – الشخصية الأوروبية الأمريكية – ويغلب دائماً أن يستشعر نوعاً من النقص إزاء المجتمع الجديد الذي لم يبح له بكل أسراره ولم يفتح له كل أبوابه واعتبره رغم استعداده للذوبان دخيلاً. كما أن الرفض والتقوقع لن يمكن صاحبه من أن يفيد مما يقدمه المجتمع من مزايا وفرص وسيعسر عليه أن يحقق تماماً ما جاء من أجله دراسة أو تجارة أو مهنة".
"الموقف السليم، وهو صعب وشائك وحساس، لا يمكن التوصل إليه بالتلقائية أو العشوائية أو الهوى أو حتى الاجتهاد الفردي. فهو مرتبط بعوامل موضوعية قدر ما هو مرتبط بنزعات ذاتية، وهناك عدد من المبادئ والأصول تحكمه وتحدده وتقيمه على أساس "أيدلوجي" أو على الأقل "مبدئي" بعيدا عن الهوى والعواطف"،
أولاً: أن المسلم "النمطي" بريء من عقدة النقص أو نزعة الاستعلاء..
ثانيا- يرتبط بالصفتين السابقتين وينشأ عنهما أن أصبح للإسلام طبيعة موضوعية وليست ذاتية.. بحيث تكون" الحكمة ضالة المؤمن ينشدها أنَّا وجدها"،
ثالثاً: إن الإسلام ليس عبادات فحسب"...
"إن العبادة ليست إلا مكونا واحدا من مكونات الإسلام.. ومن المكونات الأخرى العمل وما يرتبط بالعمل من صلة بالمجتمع أو علاقات بين الناس من وفاء بالالتزامات وصدق في المعاملات وإحسان في الأداء، ومن مكونات الإسلام الشريعة وكل ما يدخل في عالم السياسة والاقتصاد والقانون وإتاحة الحرية والطمأنينة للناس وتحقيق العدالة الخ...
1 - . قضية الزي: ليس الزي جزءً من العقيدة".
"... وبالنسبة للمرأة المسلمة فالمفروض أن تلتزم بآداب الحشمة الإسلامية وهذا لا يعنى ضرورة التمسك بالحجاب المألوف وإذا أرادت أن تستر شعرها فيمكن أن ترتدي قبعة تحقق المطلوب. ويجب أن نتذكر أنه قد كان من أسباب الحجاب "ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين" وهذه الحكمة نفسها تُملي صرف النظر عن الحجاب التقليدي حتى لا يؤذين، المهم أن لا يكون هناك تبذل أو تبرج "الجاهلية الأولى".
2. الأكل والشرب: يحرم الإسلام كما هو معروف – لحم الخنزير كما يحرم شرب الخمر وليس هناك صعوبة في اجتنابهما تماما وسيمكن للطالب المغترب أن يلم بالأطعمة التي يدخلها لحم أو شحم الخنزير فيتجنبها.
3. الحياة الاجتماعية والعلاقة بالمرأة: إن دخول المرأة في المجتمع الأوروبي بالصورة التي نعرفها قد يوجد حرجا شديدا للطالب المغترب في حالات عديدة، فقد يدعى إلى حفلات راقصة تعقدها اتحادات الطلبة وغيرها في مختلف المناسبات ويصعب على الطالب المغترب مقاطعتها لأن ذلك يمكن أن يمس وضعه فى الجامعة أو يعطى انطباعا معينا عنه. والأمر في الحقيقة يتطلب قدراً من الكياسة فيمكن الاعتذار
4. العلاقات الجنسية: هذه هي أشد القضايا حرجا وإرهاقا للطالب المغترب وقد يرى فيها تحديا يكون عليه أن ينتصر بإيمانه عليه فيسمو بغرائزه ويوجهها نحو مختلف المجالات السليمة. ولكن هذا إن صدق بالنسبة لواحد فإنه يصعب بالنسبة للآخرين لأن الغريزة غلابة والطالب المغترب والعامل المهاجر قد يقضى في دار غربته بضع سنوات في ريعان الشباب ووسط المغريات ولن يكون مفر من إقامة علاقات جنسية. وقد وضع الإسلام الحل لهذه القضية ولكن المسلمين لا يريدون الإفادة من الرخصة التي قررها ومن الحل الذي وضعه الرسول وفرضوا على أنفسهم العنت الذي رفضه الرسول "لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم". وهذا الحل هو ما يطلق عليه الفقهاء "نكاح المتعة" وكلمة المتعة في حد ذاتها توضح لنا كيف تجرد المسلمون الأول من "العقد" التي استبعدت ألفاظ المتعة والاستمتاع والتمتع كما لو كانت خروجا على سمت الإسلام وما ينبغي له من حفاظ، والله تعالى أعلم من المؤمنين بأنفسهم وهو يعلم من الناس ما يخفون وهو أقرب إليهم من حبل الوريد. وقد رخص الرسول بهذا النوع من الزواج المحدد المدة وجعل أحكامه كأحكام الزواج باستثناء المدة وقيل إن الرسول نهى عنه بعد ذلك ولكن المسلمين ظلوا يمارسونه طوال خلافة أبى بكر وجزءا من خلافة عمر حتى نهى عنه عمر وحرّمه. وتحريم عمر يفهم منه بوضوح أنه هو الذي حرمه وليس الرسول ولو كان نهي عمر مبنيا على نهى الرسول لما احتاج إلى أن ينهى هو ولأحال الأمر على نهى الرسول فهو أولى. ويكاد يكون من المحقق أن عمر رضى الله عنه خشي إساءة استخدام الناس لهذه الرخصة فبادر بسد بابها وكان مصيبا في اجتهاده هذا. ولكن التحليل والتحريم مردهما إلى الله تعالى وليس إلى أحد من البشر وتحريم عمر لها لا يعنى استمرار تحريمها إذا جدت الأسباب التي من أجلها رخص الشارع فيها. وهو ما نعتقد أنه ينطبق على الحالة التي نحن بصددها، حالة المغتربين.
(ملاحظة: ان المؤتمر الاسلامي الذي عقد في سراييفو قد أفتى بما يسمى " الزواج بنية الطلاق" ( زواج المتعة) بما يلي : فتوى 7/17
الزواج بنية الطلاق
"كما أن هذا الزواج يقع خارج إطار المشروعية القانونية، في دوائر التوثيق المدني، وفي إطار المراكز الشرعية التي تقوم بالتأكد من انطباق الأركان والشروط المتعلقة به، وقد سبق للمجلس أن قرر في الدورة الخامسة عشرة ضرورة التزام المسلمين بتوثيق عقود الزواج في الدوائر المدنية مع إجرائه في المراكز الإسلامية حفظاً للحقوق المتعلقة بالزوجين والأولاد"). ( هذه الملاحظة لنا. ح.م )
يضيف جمال البنا : "إن الأخذ بفكرة الاندماج يجب أن يكون عن طريق "استراتيجية" بعيدة المدى لها أهداف قد لا تتم إلا في المستقبل البعيد وبعد عدة أجيال".
"إن الاندماج في المجتمع الأوروبي – الأمريكي قد يتطلب الأخذ بمعظم مظاهر الحياة الاجتماعية والاقتصادية، ولكنه لا يتطلب – ضرورة – الأخذ بها كلها.
1. البعد عن المحرمات صراحة كشرب الخمر واكل لحم الخنزير والزنا.
2. ممارسة الصلاة وصيام رمضان
3. الحفاظ على اللغة العربية بأن يتحدث بها الأب فى المنزل مع الأبناء ويعلمهم إياها من الصغر ولا يهمل هذا الواجب فإنه سيكون الرباط بينهم وبين عالم الإسلام بحيث يمكن للأبناء أن يتحدثوا ويقرأوا ويكتبوا العربية.
4. يجب أن توجد تجمعات وتكتلات وتنظيمات تضم شمل الجالية الإسلامية وتعنى بمشاكلها وتساعدها للتغلب عليها وتطمئن على مُضى الاستراتيجية الموضوعة".
* فصل من كتاب "مسؤولية فشل الدولة الإسلامية في العصر الحديث وبحوث أخرى". وفي هذا الفصل يوصي جمال البنّا بإمكانية أن ترتدي المرأة المسلمة القبّعة في الغرب، وبإمكانية زواج المتعة، الذي قال عنه الإمام علي: لولا أن عمر حرّم نكاح المتعة لما زنا إلا شقي. ويبدو أن هذين الموضوعين هما ما دفع الأزهر لمصادرة كتاب البنّا.
جمال البنا - jamala55@hotmail.comالحوار المتمدن - العدد: 1765 - 2006 / 12 / 15
و هذه مداخلة أخرى فيها توصيف للواقع القائم في المجتمعات الأوروبية.
في أوروبا 16 مليون مسلم.. وهم غير مندمجين تماماً في المجتمعات الأوروبية.. ليس لأنهم لا يرغبون في الاندماج ولكن لأن هذه المجتمعات ترفض استيعابهم والاعتراف بأنهم جزء لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي.
يقول سايمون كيوبر ان هذا الاستعداد يحبط رفضا اجتماعيا من خلال تعامل تمييزي ضد شباب المهاجرين يمارسه المجتمع الأوروبي بتشجيع ضمني غير مباشر وغير معلن من أجهزة الدولة، فبعد 50 عاماً من هجرة الجيل الأول وحتى اليوم تبقى معدلات البطالة بين الشباب المسلمين عالية جداً رغم انهم مواطنون بحكم القانون، فالمؤسسات الإنتاجية والخدمية سواء في القطاع العام أو القطاع الخاص تمارس تحايلاً على القانون بشتى الوسائل لحرمانهم من التوظيف.
هستيريا «الحرب على الإرهاب» التي انطلقت بعد «أحداث سبتمبر» في الولايات المتحدة عام 2001 شحنت المشاعر الأوروبية ضد الأقليات المسلمة.. لكن التمييز ضد المسلمين المهاجرين سابق على هذه الأحداث بعشرات السنين،... احمد عمرابي عن صحيفة البيان الاماراتية6/10/2007.
أما الآن فسوف نقرأ مقاربة مسيحية للاندماج في المجتمعات الأوروبية: نحو مستقبل مشترك
بين المسلمين والمسيحيين
د.عادل تيودور خورى
أستاذ بكلية اللاهوت الكاثوليكية بجامعة مونستر
مدير معهد علوم الأديان المقارنة بألمانيا
كتب البابا بولس السادس سنة 1972 بمناسبة عيد الفطر إلى الأمة الإسلامية " ولماذا لا نقوم بتوسيع هذا اللقاء (بين المسيحيين والمسلمين)؟ فإن الغرض منه أن نقدم أمام وعى الناس بطريقة أشد شهادتنا للعدل والاحترام والمحبة… وبما أننا مشتركون فى الإيمان بالله الواحد، فعلينا أن ندعوه لكي يقربنا بعضنا إلى بعض كل يوم أكثر، حتى نستطيع، كل على طريقته، أن نعمل معا في سبيل حقيقة أسمى، وفى سبيل العدل والسلام في العالم. "(6).
. وإن المؤتمر الثاني المسيحي الإسلامي الدولي الذي عقد في فيينا من 14 إلى 16 أيار/ مايو 1997 قد اتخذ قرارا بهذا الصدد عن اقتراح قدمه الزميل الأستاذ الدكتور على مراد، أستاذ الإسلاميات في جامعة السربون في باريس. وينص القرار على ما يلي:
" إننا نؤيد عقد معاهدة صداقة بين المسيحيين والمسلمين على أساس الأهداف التالية:
بالنظر إلى عبء تاريخنا المشترك، نعلن رغبتنا وجهدنا في وضع حد نهائي لاتهاماتنا المتبادلة وفى التغلب على أخطائنا ومظالمنا بالغفران والتصالح المتبادلين.
إننا لا نتنكر لهذا التاريخ بل نقابله جاهدين في استنباط عبره وتخطى نقائصه. إننا نريد أن نبحث معا عن الطرق المؤدية إلى تسوية الخلافات بالوسائل السليمة وإلى تنحية أسبابها والحد من مظاهر التوتر المختلفة.
أما بالنسبة إلى الحاضر والمستقبل، فإننا نريد أن نعمل معا على أن نسهم إسهاما مشتركا في بناء حاضر أكثر إنسانية ونعد للأجيال المقبلة عالما يستطيع فيه المسلمون والمسيحيون أن يقيموا علاقة شراكة ويشدوا أواصر الصداقة فيما بينهم.
إن معاهدة الصداقة هذه نعيها كانفتاح عريض على الكل وكدعوة موجهة إلى الجميع."
إن مثل هذا القرار لمن دواعى الأمل بالنظر إلى مستقبل العلاقات بين المسلمين والمسيحيين.
ا- أسئلة موجهة إلى المجتمع الأوروبى
إن هناك أولا قضية مبدئية تتعلق بإرادة البلدان الأوروبية استقبال المسلمين القادمين من أقطار مختلفة وتسهيل إقامتهم فى ربوع أوروبا والعمل على صهرهم فى المجتمع الأوروبى صهرا لا يلاشى ذاتيتهم ولا يجعل منهم من بعد أجانب قابعين فى زواياهم يتنكرون للمجتمع المضيف وأنظمته وثقافته وأساليب حياته. وينجم عن هذا الوضع السؤال عن الوسائل الناجعة للوصول إلى هذه الغاية. فإن المجتمع الأوروبى والمسلمين الذى قدموا إلى أوروبا لم يعوا فى الوقت المناسب خطورة هذه القضية ولم يستعدوا الاستعداد الملائم للعمل على إيجاد حل موافق يتنبه إلى جميع أبعاد القضية.
وهناك أسئلة أخرى جذرية يجب التعرض لها بإمعان، ويمكن التعبيرعنها بالكلمات التالية:
- كم يستطيع مجتمع ما، والمعنى هنا هو المجتمع الأوروبى والغربى، أن يتحمل ويستسيغ من الاختلاف والخلاف فى إطار نظامه وبمقتضى وعيه لأسس ذاته الخاصة؟
- ما مبلغ التوافق (وينبغى أن يتم الاتفاق على ذلك) اللازم لكى نبلغ إلى مجاورة سلمية ايجابية للأنظمة المختلفة؟
- ما مبلغ التوافق الممكن نظريا والممكن البلوغ إليه عمليا لننتقل من مجاراة الأنظمة ومجاورتها إلى مرحلة التعاون فيما بينها؟.
2- أسئلة موجهة إلى المسلمين فى المجتمع الأوروبى والغربى
- إن السؤال الأول، وهناك حاجة ملحة للأجابة عنه إجابة صريحة، هو هل يحق للمسلم وهل يمكنه، دون أن يفقد ذاتيته الإسلامية، أن يعيش فى بلد ديمقراطى قانونه ليس الشريعة الإسلامية، ولكنه يضمن لجميع المواطنين صيانة حياتهم ومالهم وحرية دينهم عقيدة وعبادات، كما هو الحال فى بلدان أوروبا والغرب؟
- والسؤال الثانى هو هل يرغب المسلمون فى الاندماج بالمجتمع الأوروبى والغربى، علماً بأن هذا المجتمع يحترم دينهم كما ورد فى المقطع السابق؟
هل هم مستعدون أن يشجعوا أولادهم على سلوك هذا الطريق لكى لا يبقوا غرباء فى الأوطان التى نزحوا إليها قابعين فى زاويتهم دون الاشتراك مع مواطنيهم فى ميادين الثقافة والحضارة؟ وهل هم مستعدون وهل عندهم الكفاءة اللازمة كى يشتركوا فى تصميم نماذج هذا التعايش الإيجابى مع غير المسلمين؟
- وأما السؤال الثالث فيتعلق بموقف المسلمين. نشأ كلام كثير عن قيام "إسلام أوروبى" ولكن القضية فى ذلك أنه لا يكفى مجرد وجود مسلمين فى أوروبا حتى يقوم " إسلام أوروبى" السؤال هو أن على المسلمين اتخاذ موقف واضح من أمور أساسية تتعلق بأنظمة المجتمع الأوروبى ومفاهيمه وهى الديمقراطية، والحرية الدينية للجميع، وحقوق الإنسان، ونظام الأسرة بما فيه مكانة المرأة فى الأسرة والمجتمع، وقوانين الحدود والعقوبات. وهناك أيضا ضرورة أخذ موقف واضح من نظام الدولة العلمانى، ولا تعنى العلمنة معاداة الدين فى أكثر بلدان أوروبا، بل توزيع الوظائف فى نطاق المجتمع دون تعرض الدين للتسلط على الدولة.
كل هذا يقتضى أن يكون لدى المسلمين علماء يقودونهم سبل الرشاد علماء متضلعون في علوم الإسلام عقيدة وشريعة، يتنبهون إلى أوضاع الجماعات الإسلامية فى البلدان المختلفة.
إننا مسيحيون ومسلمون نظرا إلى وعينا لمسئوليتنا المشتركة فى سبيل إقامة نظام اجتماعى عادل، يقع على عاتقنا واجب تضامن بعضنا مع بعض وجمع قوانا وتشغيل إمكاناتنا لإيجاد حلول موافقة لمشاكل عالمنا المشترك.
لا يجوز للمسيحيين والمسلمين أن يظلوا خصوما وأن يعمل الواحد منهم ضد الآخر. عليهم أن يضحوا شركاء يعمل الواحد منهم مع الآخر. أجل، وهناك أكثر من ذلك. عليهم أن يمسوا أصدقاء يعمل الواحد منهم فى سبيل الآخر ويعملون معاً فى سبيل البشرية جمعاء؛ أصدقاء تربطهم المودة التى ذكرها القران الكريم فى سورة المائدة: (ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى) .
حديث جميل جدا لا ينقصه الا أن يقبله الغرب الأوروبي و خاصة الكاثوليكي الذي ينطق باسمه البابا الذي بدأنا فيه مداخلة السيد خوري. ليت أننا نعي أنه لا قيمة للدين في الغرب ان لم يكن خادما للسياسة.
و هذا السيد خليل العناني يبين في مقالة له بعنوان "أوروبا العلمانية في مواجهة أوروبا الدينية" كيف يمارس المجتمع الفرنسي، الرسمي و المدني، مع المسلمين. أي بشكل لا يمكن أن يؤدي بأية حال الى الاندماج.
"بادئ ذي بدء تجدر الإشارة إلى أن قضية الحريات الدينية ـ خاصة فيما يتعلق بالمسلمين في أوروبا ـ ترتبط ببعدين أساسين:
أولهما: يتعلق بمدى القدرة على الحفاظ على أكبر قدر من التوازن بين ممارسة الحريات، وبين فصل الانعكاسات السياسية لهذه الحريات عن المجتمعات الأوروبية، أي فصل الدين عن الدولة فيما يعرف مجازاً بـ «العلمانية».
والبعد الثاني: هو مدى التأثير الذي يمكن أن تتركه ممارسات المسلمين في أوروبا على غيرهم من ذوي الديانات الأخرى.
وعليه فإن التفرقة بين سلوكيات المسلمين وعاداتهم بشكل عام وبين سلوكيات وتصرفات الأديان الأخرى كالمسيحية واليهودية تثير تساؤلات عديدة حول حقيقة التعاطي الأوروبي مع الأقليات المسلمة في أوروبا بشكل عام.
؛ فعلى سبيل المثال بات يُنظر إليه( أي سلوك المسلمين ح.م.) في فرنسا باعتباره عنواناً للأقلية المسلمة التي تعيش هناك، وتحولت المعاداة والريبة من قطعة القماش ( المقصود الحجاب ح.م) إلى النسيج الاجتماعي نفسه، ومن الحجاب إلى الديانة الإسلامية. وأصبحت مناطق الحظر تتوسع، وأخذ إطار الحرية لهذه الأقلية يتقلص شيئاً فشيئاً. فمن المدرسة أصبح الحديث عن المستشفيات، وطالب بعضٌ بأن تحترم العلمانية من طرف الطبيب والمريض؛ حيث تبين أن بعضاً من الطاقم الطبي النسائي يلبسن الحجاب؛ فقبل أن تكون طبيباً أو مريضاً عليك أن تكون علمانياً، ثم تم غلق مسبح كان يسمح فيه لسويعات معدودة في الأسبوع للنساء المسلمات بالترفيه عن أنفسهن بعيداً عن أعين الغرباء، حتى لا يتناقض مع مياه العلمانية التي ترفض الفصل بين المواطنين! ثم قام رئيس بلدية إحدى الضواحي الباريسية (Nogent sur marne) برفض الإشراف وقبول الزواج المدني لعروس؛ لأنها رفضت نزع الخمار، بدعوى عدم احترام القيم العلمانية للدول؛ لأن مقر البلدية رمز ومكان مبجل للجمهورية، ثم تلاه رفض أحد مديري المدارس دخول أولياء متحجبات إلى المدرسة لحضور حوار داخلي دعت إليه الدولة لمناقشة دور المدرسة، بدعوى علمانية المكان.
وكل هذه المظاهر الجديدة في المجتمع الفرنسي ليست شواذاً، ولكنها تعبير خطير عن عقلية جديدة بدأت تُنسج خيوطها في البيت السياسي أولاً، ثم تفشت في النسيج الاجتماعي، وهي الخوف والتوجس من هذا الدين ومن أصحابه، واعتبار أن جزءاً من هذا الوطن غير مرغوب فيه.
. ومن هنا فإن فرنسا لم تخفق في محاولتها دمج المسلمين في المجتمع الفرنسي، وإنما تعمدت تهميشهم، وحصارهم داخل المناطق والجماعات المهمشة، وحشرهم داخل الأطر المشابهة، غير المؤهلة بطبيعتها للتمدد والتأثير الثقافي."
و في دراسة عن أوضاع المسلمين في أوروبا يقول د. توفيق بن عبدالعزيز السديري ما يلي: ... فمثلاً الوافدون من البلاد التي كانت مستعمرة من فرنسا فإنهم يفدون إليها، والذين كانت بلادهم مستعمرة من المملكة المتحدة فإنهم يفدون إلى انجلترا وهكذا، نسبة لروابط وعوامل ثقافية واقتصادية معروفة وبشكل عام فان الاقليات المسلمة في اوروبا تتشكل من فئات أربع وهم:
-1- الدارسون.
2- - الباحثون عن العمل.
-3- المسلمون من سكان البلاد الأصليين.
-4- اللاجئون السياسيون.
ففي بريطانيا تأتي أغلبية المسلمين من شبه القارة الهندية، أما في ألمانيا فالغالبية العظمى تركية المنشأ، وفي فرنسا حيث توجد أربع وعشرون جنسية مسلمة فإن معظم المسلمين من شمال افريقيا وبقية الدول الأفريقية، والمهاجرون المسلمون إلى أوروبا هم من الطبقة العاملة ومن البيئات الريفية، ونتيجة لذلك فإن المجتمعات المسلمة في أوروبا وبخاصة في بريطانيا وفرنسا وألمانيا تتضمن بصورة عامة مهاجرين فقراء مهرة أو غير مهرة حاولوا خلق نسخ عن بيئتهم الريفية في البلاد التي يقيمون فيها حديثاً، أما المستوى الثقافي والتنظيمي لهذه المجتمعات فهو متواضع، وقد ظهرت مشكلات جدية في التواصل حين تفاعلت مجتمعات الأقليات هذه مع المجتمعات المضيفة.
ففي بريطانيا توضح جميع الدلائل المتوفرة أن التمييز العنصري الواسع الانتشار يمثل عاملاً اساسياً يساهم في ارتفاع نسبة البطالة بين الأقليات العرقية وفي نوعية الأعمال الضئيلة الدخل التي يمارسونها، هناك ثلاثة وأربعون بالمائة من الباكستانيين والبنغلادشيين عاطلون عن العمل، بينما نجد في بعض مناطق لندن أن نسبة العاطلين عن العمل بين الأقليات العرقية بمن فيهم المسلمون هي نحو ستين إلى سبعين في المائة، ونجد النموذج ذاته في مدينة برادفورد التي يعيش فيها عدد كبير من السكان المسلمين.
اما الذين يعملون فلديهم مهن ذات أجور ضئيلة ومرتبة اجتماعية أقل من العمال البريطانيي المنشأ، وقد بينت الأبحاث ان المسلمين يواجهون تمييزاً عنصرياً حتى في الوظائف الإدارية وفي بعض المهن مثل الطب والتعليم. وفي دراسة حول الأطباء تبين أنه في حين يشكل الأطباء المسلمون الذين يعملون وراء البحار ثلث عدد جميع اطباء المستشفيات في إنجلترا وويلز، إلا أنهم ينحصرون في المراتب الدنيا وفي اختصاصات غير مفضلة، وتبين الدراسة أيضاً أن هؤلاء الأطباء ينتظرون مدة اطول من أجل ترقيتهم، وعليهم تقديم طلبات أكثر من زملائهم البريطانيين لشغل المناصب، وقد وجدت دراسة اخرى ان المعلمين من المسلمين قد وضعوا في اسفل السلم التصنيفي بشكل غير متكافىء مع زملائهم البريطانيين، وأظهرت دراسة جرت حول الذين يتخرجون في الجامعات انه يصعب على المتخرجين من الأقليات العرقية الحصول على عمل مقارنة مع زملائهم البريطانيين الذين يماثلونهم في الكفاءات.
وهكذا نجد الغربيين ينظرون إلى المسلمين في ديارهم على أنهم وجود غير مرغوب فيه، والغربيون في تصورهم أن الصدام بين الإسلام والغرب لابد منه، ففي سنة 1993م كتب مدير معهد الدراسات الإستراتيجية بجامعة هارفارد «هانتينجتون» كتابه عن حتمية الصدام بين الحضارات وزعم ان الصدامات العسكرية المستقبلية ستحدث على طول الشريط الواقع بين المناطق الحضارية وخاصة بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية.
فالذهنية الغربية بل الاستراتيجية الغربية صراع وصدام لا تعايش ووئام، وفي هذا النحو المشحون بالكراهية والتربص كيف نتخيل أن تعيش الأقليات المسلمة في دول الغرب آمنة ومطمئنة. و نحن من جهتنا نوافق على استنتاج الكاتب.
و في دراسة هامة عن إشكاليات حوار الثقافات في عالم متغيّرللدكتور عبدالله تركماني
التاريخ: 2005/08/18يقول
اختلاف المرجعيات الثقافية: يعود السبب الرئيسي لفشل الحوار العربي ـ الإسلامي مع الغرب عامة وأمريكا خاصة إلى اختلاف المرجعيات الثقافية والعقائدية والتجارب التاريخية، والذاكرات الجماعية التي ينطلق منها كل فريق حين يخاطب الآخر من ناحية، وتباين طرق الحياة والتفكير السائدة في مجتمعات المتحاورين من ناحية ثانية، وتباعد وأحيانا تناقض الأهداف التي يسعى كل فريق إلى تحقيقها من خلال قيامه بمحاورة الآخر من ناحية ثالثة.
الدعوة إلى " صراع الحضارات ": ثمة اتجاهات في الغرب تعمل على تعطيل الميل نحو ثقافة عالمية قائمة على التنوّع البشري الخلاّق، ومن ذلك فكرة " صراع الحضارات " التي أطلقها صموئيل هنتغتون والتي تتناقض مع فكرة العولمة التي يفترض فيها أن تقوم على التنميط أو التوحيد الثقافي. إذ يقول: " إنّ الحضارات هي القبائل الإنسانية، وصدام الحضارات هو صراع قبلي على نطاق كوني ". ويذهب هنتغتون إلى تعريف موضوعه بالقول " إنّ الثقافة والهويات الثقافية، والتي هي على المستوى العام هويات حضارية، هي التي تشكل أنماط التماسك والتفسخ والصراع في عالم ما بعد الحرب الباردة ". ويبشّر بعالم تكون فيه الهويات الثقافية - العرقية والقومية والدينية والحضارية - واضحة، وتصبح " هي المركز الرئيسي، وتتشكل فيه العداوات والتحالفات وسياسات الدول طبقا لعوامل التقارب أو الاختلاف الثقافي ".
ثم أنّ مقولة " صراع الحضارات " تحيل واقعيا إلى مقولة " العدو الضروري " الذي تقتضيه قواعد اللعبة السياسية، بعد أن تم القضاء على " إمبراطورية الشر ". فما أن فرغت الولايات المتحدة الأمريكية من حربها على " المعسكر الاشتراكي " حتى برز الإسلام، و" التطرف الإسلامي " عدوا جديدا يهدد " العالم الحر "، المتمدن، على افتراض أنّ الإسلام هو " القبائل البربرية " التي تهدد حصون روما الجديدة.
هنتغتون الثاني
وحدد هنتغتون في كتابه ثلاثة عوامل تلعب دورا رئيسيا في تكوين الشخصية: اللغة والثقافة والهوية. وقال: إنّ هذه العوامل الثلاثة لدى الكاثوليك المكسيكيين المهاجرين إلى الولايات المتحدة تختلف عن العوامل المكونة لشخصية الأنغلو- سكسون البروتستانت البيض. وأنه نتيجة لذلك فإنّ الولايات المتحدة معرضة لأزمة قد تؤدي بها إلى انقسام يشطرها إلى شطرين وطنيين، ذلك أنه إلى جانب الجذور الإنجيلية البريطانية المتأصلة في التيار السائد في السياسة الأمريكية، تنغرس الآن في المجتمع الأمريكي جذور الكاثوليكية المكسيكية، مما يعني احتمال ـ بل بداية ـ نشوء تيار جديد، ومما يعني تاليا أنه لابد للتيارين الحضاريين من الصدام نظرا للاختلافات وللتباينات العميقة بينهما.
في الكتابين يجعل من الإسلام ومن الكاثوليكية عدوين للقيم البروتستانتية الأنغلو- سكسونية ويدعو إلى مواجهتهما معا. الإسلام في الجبهة الخارجية علي مستوى العالم، والكاثوليكية في الجبهة الداخلية على مستوى المجتمع الأمريكي.
اللاتكافؤ الثقافي وصورة العربي والمسلم في الوعي الغربي
العلاقة بين الطرفين الإسلامي والغربي تتسم بالنزاعات وغياب الثقة، وتعود هذه المشكلات إلى اسباب ثلاثة هي: المصالح المتباينة والسياسات الراهنة والعوامل الثقافية والنفسية. إضافة إلى اتجاه العلاقات التاريخية المتجذرة والتي حكمت الصور السلبية المتبادلة والحذرة، فهذه العلاقات كانت تقوم في مجملها على صراعات سياسية وعسكرية بنت خلافات ثقافية ومعرفية تؤسس للصراع ولا تدعو إلى الحوار.
وللعرب مع السينما الغربية قصة طويلة، هي التي دفعت إلى أبلسة العربي والمسلم تمهيدا للانقضاض عليه، وفي سبيل ذلك استدعى الغرب مخزونا من الوعي الاستشراقي بالمنطقة ترجع بداياته إلى عصور الحروب الصليبية، وابتدع معلومات مشوهة ليس لها جذور على أرض الواقع، اختلط الحق فيها بالباطل، والزيف بالحقيقة، والتضليل بالإعلام، غير أنّ إجمالى عدد الأفلام التي تصور العرب بصورة إيجابية لا يتجاوز عدد أصابع اليدين وتحصي دراسة أعدها جاك شاهين واستمرت 20 عاما 12 فيلما فقط أنتجتها هوليوود وتضمنت صورا إيجابية للعرب وذلك من بين نحو ألف فيلم.
وحول الصور النمطية السلبية الموجودة داخل مناهج التعليم الأمريكية عن العرب والمسلمين، رصدت اللجنة العربية لمكافحة التمييز " A . D . C " الكتب المدرسية فوجدت أنّ هذه الصور تصف العرب بأنهم عبيد الرمال وراكبو الجمال، وأنهم سفاحون ومحاربون ومتطرفون، ومغتصبون، ومضطهدون للمرأة، كما تصف هذه الصور الفلسطينيين بأنهم إرهابيون ومفجرو طائرات، يحاولون تدمير إسرائيل وإغراقها في البحر. أما النساء العربيات فينظر إليهن على أنهن مضطهدات من الرجال، وأنهن راقصات سلبيات عاريات يقعن في حب الرجل الغربي لينقذهن من شر الرجل العربي، ليست لهن شخصية ولا صوت. كما تبين أنّ مناهج الدراسة في عديد من الدول الأوروبية تخلط بين العرب والمسلمين، وتصور الإسلام بأنه دين جبري وقدري لأنه يدعو إلى التسليم للأقدار، ويدفع معتنقيه إلى اتخاذ مواقف تتسم بالاستكانة وعدم التفاعل مع الأحداث، وأنّ هذه الفلسفة الحياتية هي السبب الرئيسي في تأخر المسلمين.
ليس لنا أن ننهي بحثنا من غير أن نطل على جزء من الشعب الفرنسي و الذين يدعون ب "Pieds-Noirs "، اي " الأقدام السوداء" و هؤلاء هم أبناء المستعمرين الفرنسيين الذين اضطروا للبقاء في الجزائر ابان الاستعمار الفرنسي لها. و حيث أنهم اختلطوا بالشعب الجزائري بشكل أو بآخر أصبحوا منبوذين من الشعب الفرنسي. جاء في الموسوععة "ويكبيديا" ما يلي:" بشكل عام شعر "الأقدام السود" أنهم منبوذون عند عودتهم الى فرنسا. كان عليهم أن يجابهوا الشتائم العنصرية ، و خاصة من اليسار الشيوعي الذي اعتبرهم كمستغلين قدامى.
مصابون بالاحباط ، بعد أن فقدوا ما كانوا اغتصبوه في الجزائر وصل هؤلاء الى فرنسا على مراكب محملة بالكثير منهم، استقبلوا من قبل الفيديرالية العامة للعمل، و ذلك في مرسيليا . فما كان من المسؤولين في المدينة الا أن طلبوا مغادرتهم ، على خلفية عنصرية.
أشهر هؤلاء كان "ألبير كامو" "Albert Camus " الحائز على جائزة نوبل للآداب سنة 1957 . و حيث أنه كان يشعر نفس الشعور الذي كان يعانيه أقرانه، كتب روايته "الغريب" "L'étranger " . و هذه الرواية رائعة في رمزيتها.
تتحدث الرواية عن شاب فرنسي يدعى "مورسو" "Meursault" يعيش في الجزائر عندما كانت لا تزال مستعمرة فرنسية. و بعد فترة أبلغ بطل الرواية بواسطة برقية ، أن أمه قد ماتت على التو. ذهب الى مأوى العجزة حيث كانت ترقد أمه. و عوض أن يجلس بجانب أمه المتوفاة بانتظار انتهاء مراسم تهيئتها للدفن راح يحتسي الجعة في المقهى و لم يظهر أي شعور يوحي بأنه ولد مفجوع بوالدته.
بعد زمن التقى بأحد جيرانه و يدعى "ريمون" " Raymond Sintès الذي دعاه الى الذهاب الى الشاطىء . و هذا الأخير كان قاسيا مع عشيقته المغربية و كان يخاف من ردة فعلها. لذلك ترك الشاطىء و ذهب. التقى صاحبنا بأحد العرب ( من غير اسم) و يظهر أنهما تناكفا ، فأخرج العربي سكينا ، فما كان من بطل الرواية الا أن عاجله بعدة رصاصات من مسدس تركه معه جاره الفرنسي، فقتله.
سجن لمدة سنة و حكم عليه بالاعدام لأنه خالف عادات مجتمعه الفرنسي و لم يظهر الأسى على وفاة والدته.
رمزية رائعة! يعيش في الجزائر، بعيد عن أمه (الأم ترمز الى الأرض)، و أعلم بوفاة أمه و لم يظهر الأسى لأن أرضه فرنسا قد نبذته و تركته في الجزائر . جاره أعطاه السلاح . و هكذا كانت تفعل الدولة الفرنسية ،تسلح الموجودين في المستعمرات حتى تتمكن من استغلال هذه المستعمرات و اضطهاد أهلها. فجاره الفرنسي عشيقته مغربية، تؤمن له ما يريد و يعاملها بقسوة. اذن تأمين متطلباته منها واجب عليها، و ليس لها بذلك منة ( و هل هناك عنصرية أكثر من هذا ؟). و نضيف أن العربي الذي التقاه ليس له اسم ( فالعربي دور و وظيفة و ليس انسانا، لذلك يجب أن يموت عندما يحاول أن يدافع عن وجوده).
لم يلتزم بتقاليد المجتمع الفرنسي لأن هذا المجتمع نبذه. لذلك حكم عليه بالاعدام. اذن عليه الخضوع لعادات هذا المجتمع سواء تقبله أم لمن يتقبله . نضيف بأن قتل العربي ،كما تبين الرواية، ليست جريمة يعاقب عليها القانون.
ان روعة هذه الرواية هي باظهارها مدى عظم العنصرية عند الفرنسي . كما و أنها تظهر و بوضوح مدى الاحباط الذي يعيشه " الأقدام السود". و هل نعجب عندما يقول "ألبير كامو" ان بلدي هو اللغة الفرنسية. "Ma patrie est la langue française ".
نسأل : اذا كانت معاملتهم ( السلطات و أبناء المجتمع) لأبناء جلدتهم بهذا القدر من التمييز و العنصرية، فبالله عليكم كيف يعاملون العربي أو الافريقي أو المسلم؟
منذ عدة أيام اصطدمت دراجة نارية صغيرة باحدى سيارات الشرطة في احدى الضواحي الباريسية ونقلت وسائل الإعلام الفرنسية عن شهود ان ركاب سيارة الشرطة لم يكلفوا أنفسهم، التحقق من حال الشابين المرميين أرضاً واكتفوا بمغادرة المكان بواسطة سيارة أُرسلت لهم خصيصاً.
وقالت شاهدة قدمت نفسها على انها من أعضاء المجلس البلدي للمنطقة ان رجال الإسعاف تأخروا كثيراً ولمدة ربما تفوق الساعتين قبل وصولهما الى مكان الحادث. (– أرليت خوري الحياة - 27/11/07//).
و مات هذان الشابان لأنهما تركا ينزفان ، ذلك أنهما من أصول عربية . صحيح أن هذا الحادث قد تسبب بأحداث عنف . و لكن كيف لهؤلاء أن يتحملوا هذه المعاملة و هم يدرسون ليل نهار عن حقوق الانسان و المجتمع المتحضر الذي يحترم الانسان .... الخ من هذه لترهات البالية الذي لا يصدقها الا موهوم، حتى لا نقول خلاف ذلك.
لن نطيل أكثر ، و لكن بقي أن نشير الى نمط مختلف من التحليل لظاهرة عدم الاندماج جاء به د.محمد البشاري في مقالة بعنوان " أبعاد مفهوم الأقليات". يقول :
"الأقلية مفهوم استفزازي: ليس مصطلح "الأقلية" و"الأقليات" مصطلحا حياديا… إنه مصطلح استفزازي، بمعنى أنه مثير للتمايز المزدوج. فمن جهة الأكثرية يعزز المصطلح / المفهوم شعور بالفوقية والاسترخاء في نرجسية راضية عن الذات، مطمئنة إلى سلطانها وهيمنتها، لكنه في الوقت عينه يبعث على "الاسترابة" بالآخر والتشكك فيه. أما من جهة الأقلية نفسها، فالمصطلح / المفهوم يثير الإحساس بالدونية والقلق على الذات والمصير، والرغبة في الاحتياط من خطر الذوبان، أما الاجتياح، أو الابتلاع… وهو خطر قد يكون حقيقيا، وقد يكون ممكنا أو متخيلا أو موهوما… كما أنه محفز للبحث عن ملجأ أو حماية داخلية أو خارجية.إنه من أكثر المصطلحات اكتنازا بمغريات الفتنة والواقعية… والتعريض عليها، فيه ثمة تذكير دائم "باللاأمان" الاجتماعي والسياسي والوجودي والاعتقادي، وبالتالي فهو مفاعل تقسيدي، أو ممانع للحمة، أو قابلية اختراقية".
ان هذا التحليل مهم جدا لعله يكون أحد العوامل التي تدفع الجانبان الى التباعد أحدهما عن الآخر.
نضيف فنقول بأن أحد أهم العوامل التي تساعد ان لم نقل تدفع الى عدم تقبل كل طرف للطرف الآخر هو كون أحد الطرفين كان مستعمرا (بفتح الميم) و الطرف الآخر مستعمرا (بكسر الميم). فالطرف الذي استعمر الشعوب و استخرج خيراتها و خرب بيئتها و ترك هذه البلاد قاعا صفصفا يتحمل وبشكل حتمي مسؤولية ما قدمت يداه . وحيث أن المستعمرين يتصرفون و كأنهم لم يدمروا هذه البلاد ، فهذا ما يترك شعورا في لاوعي الشعوب التي تعرضت للاستعمار بأن لهم دينا مع الدول التي استعمرتهم . لذلك نرى تصرفاتهم تصرفات غير سوية أحيانا و كأنها تعبر عن ردة فعل ازاء مستعمريهم السابقين . و هذا يذكرنا بتصرف العامل ازاء الآلة التي يعمل عليها ، عندما يخربها انتقاما من استغلال رب العمل له باستيلائه على قوة عمله من دون بدل عادل. هذا من جهة الوافد. أما تصرف الغربي ازاء المهاجر فانما يتسم بالفوقية و التمييز لأنه لم يتعود على معاملة الشعوب التي استعمرها كما يجب معاملة الانسان ، فكيف له أن يعامله الآن على سبيل المساواة. فيبدو ذلك شبه مستحيل ، ان لم يكن كذلك.
ما الحل اذن لهذا الوضع؟ هل علينا تأبيد عدم الاندماج ؟ أم علينا التفكير بحل ما؟
لا يمكن المساواة بين هذه الشعوب و تقبل كل منها للآخر قبل أن يأخذ كل ذي حق حقه من الطرف الآخر . و هذا يستدعي :
أولا: التعويض النفسي للشعوب التي كانت مستعمرة (بفتح الميم). و ذلك باعتذار رسمي و شعبي و تلاوة فعل الندامة عما اقترفت أيادي المستعمرين من جرائم بحق هذه الشعوب. يقول كارل ماركس في البيان الشيوعي :"ان شعبا يستعبد شعبا آخر لا يمكن أن يكون حرا".
ثانيا : و حيث ان تلاوة فعل الندامة وحده لا يكفي ، لذلك يجب على هذه الدول التعويض العادل لهذه الشعوب عن استغلالهم للأراضي الزراعية و استغلال المناجم و استيلائهم على الخامات و تخريبهم البيئة ، بيئة البلاد التي استعمروها سابقا.
ثالثا: مساعدة الشعوب على النهضة الفعلية في جميع الصعد الاقتصادية و السياسية و التربوية ....
ان مثل هذا التعويض سوف يؤمن نوعا من المساواة بين هذه الشعوب مما يمكنها من التعايش سوية من غير أي نوع من أنواع عقد النقص الدونية منها أو الفوقية. و هذا ما يؤمن حسب تصورنا امكانية الاندماج . فجميع النصائح و الفتاوى و زواج المتعة أو الرقص مع الفتيات أو وضع القبعة بدل الحجاب أو التخلي عن الدين، جميع ما تقدم لا يؤمن الاندماج . ان ما يمكن الطرفان من الاندماج هو شعورهم بالمساواة و بحاجة كل طرف للآخر بحيث يمكنهما معا من تامين التكامل الذي يحتاجانه.
حسن ملاط – القلمون
mallat8@googlemail.com
كانون الأول - ديسمبر 2007
البقاء
نهاية الحياة وبدء البقاء
ترجمة تطوعية: حسن ملاط
في سنة 1854 عرض الرئيس الأمريكي على هنود قبيلة "سوكواميش"، في شمال شرق الولايات المتحدة، أن يتركوا أرضهم ويبادلوها بالحياة في احدى المحميات. وهذا هو الجواب الرائع للرئيس (Seattle 1 (1786 – 1866 وهو مشهور ولكنه لم ينشر الا قليلاً كمقتطفات.
كيف يمكنك شراء أو بيع السماء أو حرارة الأرض؟ الفكرة تبدو لنا غريبة. اذا كنا لا نملك رطوبة الهواء وبريق السماء، كيف يمكنك أن تشتريها؟
كل جزء من هذه الأرض مقدس عند شعبي. كل ابرة صنوبر لامعة، كل شاطيء رملي، كل قطعة ضباب في الغابات المعتمة، كل ممر في الغابة وكل طنين من حشرة هو مقدس في ذاكرة وتجربة شعبي.
النسغ الذي يسيل في الأشجار يحمل ذكريات الرجل الأحمر. أموات الرجال البيض ينسون البلد الذي ولدوا فيه عندما يذهبون للتنزه بين النجوم. أمواتنا لا ينسون أبدا هذه الأرض الرائعة، لأنها أم الرجل الأحمر. نحن جزء من هذه الأرض وهي جزء منا. الأزهار العطرية هي أخواتنا. الأيل، الحصان، النسر الكبير، هؤلاء اخوتنا. القمم الصخرية، الغذاء في السهول، حرارة المهر، والإنسان كلهم ينتمون الى نفس العائلة.
أيضا، عندما يبعث الرئيس الكبير في واشنطن يقول أنه يريد أن يشتري أرضنا، هل يطلب الكثير منا؟ الرئيس الكبير يبعث يقول أنه يخصص لنا مكانا يمكننا أن نعيش فيه حياة مريحة. يصبح ابانا ونصبح أولاده. علينا أن نعتبر اذن هبتك بشرائك أرضنا. ولكن هذا لن يكون سهلا. لأن هذه الأرض مقدسة بالنسبة لنا.
هذه الماء المتألقة التي تسيل في السواقي والأنهار ليست ماء فحسب، بل هي دماء أجدادنا. اذا بعناك قطعة من هذه الأرض، عليك أن تتذكر بأنها مقدسة وبأن كل لمعان طيفي في الماء الصافية في البحيرات يتحدث عن وقائع وذكريات شعبي. خرير الماء هو صوت والد أبي.
الأنهار هي أشقاؤنا، فهي تروي عطشنا. الأنهار تحمل زوارقنا وتغذي أولادنا. اذا بعناك أرضنا، يجب عليك من الآن فصاعدا أن تتذكر، وتعلمه لأولادك، أن الأنهار هي اخوتنا وأخوتك، وعليك أن تظهر لها، من الآن فصاعدا، المودة التي تظهرها للأخ والشقيق.
نحن نعلم أن الرجل الأبيض لا يفهم عاداتنا. كل جزء من الأرض، بالنسبة له، مشابه للآخر، لأنه غريب يأتي في الليل ويأخذ من الأرض ما يلزمه. ألأرض ليست أخوه، بل عدوته، وعندما يقتحمها، يذهب بعيدا. فهو يترك قبور أجداده، وهذا لا يقلقه. يغتصب أرض أولاده، وهذا لا يقلقه أيضا. ضريح أجداده وتراث أولاده يقع في النسيان. يتصرف مع أمه، الأرض، وأخيه، السماء، وكأنها أشياء تشترى، وتنهب، أو تباع كما الخراف أو الجواهر اللامعة. شهيته سوف تفترس الأرض وسوف لن تترك وراءه سوى الصحراء.
أنا لا أعلم. عاداتنا تختلف عن عاداتكم. منظر مدنكم يسبب الأذى لعيون الرجل الأحمر. ولكن، من الممكن لأن الرجل الأحمر متوحش ولا يفهم.
لا يوجد مكان هاديء في مدن الرجل الأبيض. لا وجود لموضع يتيح سماع الأوراق وهي تجري نحو الربيع، ولا لسماع صوت أجنحة حشرة وهي تطير. ولكن هل هذا لأني متوحش ولا أفهم؟ الضوضاء تبدو وكأنها وجدت فقط لاهانة الآذان. وأي فائدة من الحياة اذا كان الانسان لا يمكنه سماع الصوت المتفرد للنسر، أو لسماع النقاش الممل للضفادع حول مستنقع في الليل. أنا رجل أحمر ولا يفهم. الهندي يفضل الصوت اللطيف للهواء الذي يهب فوق المستنقع، ورائحة هذا الهواء نفسه، المغسول بمطر الظهيرة أو المعطر بالصنوبر المسنن.
الهواء ثمين عند الرجل الأحمر، لأن كل الأشياء تشترك بنفس الشهيق: الحيوان، الشجرة والإنسان كلهم يتنفسون نفس الهواء. ويظهر أن الرجل الأبيض لا يلاحظ الهواء الذي يتنفسه. وكأنه رجل بحاجة الى عدة أيام للتخلص من هذا الهواء. انه غير حساس للنتانة. ولكن إذا نحن بعناك أرضنا، عليك أن تتذكر أن الهواء نفيس بالنسبة لنا وأنه يشترك بروحه مع كل من يعطيهم الحياة. الهواء الذي أعطى جدنا الأول شهيقه الأول قد تلقى منه زفرته الأخيرة. وإذا نحن بعنا لك أرضنا، عليك أن تحتفظ بها جانبا، وأن تعتبرها مقدسة، وكأنها مكان، يمكن حتى للرجل الأبيض أن يذهب اليه ويتذوق الهواء المعطر بأزهار الحقول.
نحن نثمن منحتك، بأنك ستشتري أرضنا. ولكن إذا قررنا القبول، فسوف أضع شرطا: على الرجل الأبيض أن يعتبر الحيوانات كاخوة له.
أنا متوحش ولا أعلم أسلوبا آخر للحياة. رأيت آلافا من الثيران الفاسدة في البرية، متروكة من الرجل الأبيض بعد أن قتلها بواسطة القطار الذي كان يمر من هناك. أنا متوحش ولا أفهم كيف أن الحصان الحديدي هو أهم من الثور الذي لا نقتله نحن الا ليستمر.
ما قيمة الانسان من غير الحيوان؟ اذا اختفت جميع الحيوانات، يموت الانسان بسبب وحشة روحه الكبيرة. لأن ما يحصل للحيوانات يحصل للانسان أيضا. كل الأشياء تتحد.
عليك أن تعلم أولادك أن الأرض التي يطأها مصنوعة من بقايا أجدادنا. حتى يحترموا الأرض، قل لأولادك بأن الأرض مزودة بحيوات جنسنا. علم أولادك ما علمناه لأولادنا، أن الأرض هي أمنا. كل ما يحدث للأرض يحدث لأولاد الأرض. اذا بصق الناس على الأرض، يبصقون على أنفسهم.
نحن نعلم على الأقل ما يلي: الأرض لا تنتمي للانسان، انما الانسان ينتمي الى الأرض. هذا ما نعلمه نحن. كل الأشياء تتحد كما الدم الذي يوحد العائلة الواحدة. كل الأشياء تتحد.
كل ما يحصل للأرض يحصل لأبناء الأرض. ليس الانسان هو من نسج لحمة الحياة، انما هو خيط منها. كل ما يفعله لهذا النسيج انما يصنعه لنفسه.
حتى الرجل الأبيض، الذي يتحدث معه الإله كما يتحدث صديقان معا، لا يمكنه التخلص من المصير المشترك. بعد كل شيء من الممكن أن نكون اخوة. سوف نرى جيدا. يوجد شيء نعرفه نحن، وربما سيكتشفه يوما الرجل الأبيض، هو أن الهنا وإلهه واحد. ربما تفكر بأنك سوف تمتلكه كما تفكر بامتلاك أرضنا ولكن لا يمكنك ذلك. اته اله الانسان، ورحمته هي واحدة للرجل الأحمر والأبيض. هذه الأرض بالنسبة له شيء نفيس، والتسبب بالأذى لها يعني احتقار مبدعها. البيض سوف يزولون أيضا، ربما أبكر من غيرهم من الأجناس الأخرى. لوث سريرك وسوف تختنق في احدى الليالي بين مخلفاتك أنت. ولكن وأنت ميت، سوف تلمع مع بريق قوي بفضل قوة الاله الذي جاء بك الى هذه الأرض ولأهداف خاصة جعلك تسود عليها وعلى الرجل الأمر. هذا المآل هو عجيب بالنسبة لنا، لأننا لا نفهم عندما تقتل جميع الثران، والأحصنة البرية تروض، والزوايا السرية في الغابة المفعمة برائحة الكثير من الرجال ومنظر التلال المليئة بالأزهار مغشاة بأسلاك تتحدث.
أين الأجمة؟ اختفت. اين النسر؟ اختفى. هي نهاية الحياة وبدء البقاء.
المصدر: مجلة L’ECOLOGISTE Vol. 4 – N 1 – Février 2003
ترجمة تطوعية: حسن ملاط
...................................................................................................................
1 – رئيس الهنود السوكواميش وجه حديثا سنة 1854 لأحد الموظفين الأميركيين المكلف بالقضايا الهندية و بتنفيذ "مبادلات الأراضي". الأثر الأقدم المكتوب لهذا الحديث كان مدونة، عبر ملاحظات مأخوذة سنة 1854 و منشورة في Seattle Sunday Star في 29 تشرين الأول، 1887 بواسطة Henri Smith . النص المنشور هنا هو الترجمة الأجمل و الحرة لهذا المستند الأخير، و لكنه المحتفظ بروحية المستند المكتوب من قبل السيناريست Ted Perry لحاجات الصياغة السينمائية في السبعينات من القرن الماضي. يمكنكم الحصول على النص الأصلي ل Henri Smith على موقع قبيلة السوكواميش على الانترنيت. ويمكنكم الحصول على نصوص أخرى أيضا: www. suquamish.nsn.us.
ترجمة تطوعية: حسن ملاط
في سنة 1854 عرض الرئيس الأمريكي على هنود قبيلة "سوكواميش"، في شمال شرق الولايات المتحدة، أن يتركوا أرضهم ويبادلوها بالحياة في احدى المحميات. وهذا هو الجواب الرائع للرئيس (Seattle 1 (1786 – 1866 وهو مشهور ولكنه لم ينشر الا قليلاً كمقتطفات.
كيف يمكنك شراء أو بيع السماء أو حرارة الأرض؟ الفكرة تبدو لنا غريبة. اذا كنا لا نملك رطوبة الهواء وبريق السماء، كيف يمكنك أن تشتريها؟
كل جزء من هذه الأرض مقدس عند شعبي. كل ابرة صنوبر لامعة، كل شاطيء رملي، كل قطعة ضباب في الغابات المعتمة، كل ممر في الغابة وكل طنين من حشرة هو مقدس في ذاكرة وتجربة شعبي.
النسغ الذي يسيل في الأشجار يحمل ذكريات الرجل الأحمر. أموات الرجال البيض ينسون البلد الذي ولدوا فيه عندما يذهبون للتنزه بين النجوم. أمواتنا لا ينسون أبدا هذه الأرض الرائعة، لأنها أم الرجل الأحمر. نحن جزء من هذه الأرض وهي جزء منا. الأزهار العطرية هي أخواتنا. الأيل، الحصان، النسر الكبير، هؤلاء اخوتنا. القمم الصخرية، الغذاء في السهول، حرارة المهر، والإنسان كلهم ينتمون الى نفس العائلة.
أيضا، عندما يبعث الرئيس الكبير في واشنطن يقول أنه يريد أن يشتري أرضنا، هل يطلب الكثير منا؟ الرئيس الكبير يبعث يقول أنه يخصص لنا مكانا يمكننا أن نعيش فيه حياة مريحة. يصبح ابانا ونصبح أولاده. علينا أن نعتبر اذن هبتك بشرائك أرضنا. ولكن هذا لن يكون سهلا. لأن هذه الأرض مقدسة بالنسبة لنا.
هذه الماء المتألقة التي تسيل في السواقي والأنهار ليست ماء فحسب، بل هي دماء أجدادنا. اذا بعناك قطعة من هذه الأرض، عليك أن تتذكر بأنها مقدسة وبأن كل لمعان طيفي في الماء الصافية في البحيرات يتحدث عن وقائع وذكريات شعبي. خرير الماء هو صوت والد أبي.
الأنهار هي أشقاؤنا، فهي تروي عطشنا. الأنهار تحمل زوارقنا وتغذي أولادنا. اذا بعناك أرضنا، يجب عليك من الآن فصاعدا أن تتذكر، وتعلمه لأولادك، أن الأنهار هي اخوتنا وأخوتك، وعليك أن تظهر لها، من الآن فصاعدا، المودة التي تظهرها للأخ والشقيق.
نحن نعلم أن الرجل الأبيض لا يفهم عاداتنا. كل جزء من الأرض، بالنسبة له، مشابه للآخر، لأنه غريب يأتي في الليل ويأخذ من الأرض ما يلزمه. ألأرض ليست أخوه، بل عدوته، وعندما يقتحمها، يذهب بعيدا. فهو يترك قبور أجداده، وهذا لا يقلقه. يغتصب أرض أولاده، وهذا لا يقلقه أيضا. ضريح أجداده وتراث أولاده يقع في النسيان. يتصرف مع أمه، الأرض، وأخيه، السماء، وكأنها أشياء تشترى، وتنهب، أو تباع كما الخراف أو الجواهر اللامعة. شهيته سوف تفترس الأرض وسوف لن تترك وراءه سوى الصحراء.
أنا لا أعلم. عاداتنا تختلف عن عاداتكم. منظر مدنكم يسبب الأذى لعيون الرجل الأحمر. ولكن، من الممكن لأن الرجل الأحمر متوحش ولا يفهم.
لا يوجد مكان هاديء في مدن الرجل الأبيض. لا وجود لموضع يتيح سماع الأوراق وهي تجري نحو الربيع، ولا لسماع صوت أجنحة حشرة وهي تطير. ولكن هل هذا لأني متوحش ولا أفهم؟ الضوضاء تبدو وكأنها وجدت فقط لاهانة الآذان. وأي فائدة من الحياة اذا كان الانسان لا يمكنه سماع الصوت المتفرد للنسر، أو لسماع النقاش الممل للضفادع حول مستنقع في الليل. أنا رجل أحمر ولا يفهم. الهندي يفضل الصوت اللطيف للهواء الذي يهب فوق المستنقع، ورائحة هذا الهواء نفسه، المغسول بمطر الظهيرة أو المعطر بالصنوبر المسنن.
الهواء ثمين عند الرجل الأحمر، لأن كل الأشياء تشترك بنفس الشهيق: الحيوان، الشجرة والإنسان كلهم يتنفسون نفس الهواء. ويظهر أن الرجل الأبيض لا يلاحظ الهواء الذي يتنفسه. وكأنه رجل بحاجة الى عدة أيام للتخلص من هذا الهواء. انه غير حساس للنتانة. ولكن إذا نحن بعناك أرضنا، عليك أن تتذكر أن الهواء نفيس بالنسبة لنا وأنه يشترك بروحه مع كل من يعطيهم الحياة. الهواء الذي أعطى جدنا الأول شهيقه الأول قد تلقى منه زفرته الأخيرة. وإذا نحن بعنا لك أرضنا، عليك أن تحتفظ بها جانبا، وأن تعتبرها مقدسة، وكأنها مكان، يمكن حتى للرجل الأبيض أن يذهب اليه ويتذوق الهواء المعطر بأزهار الحقول.
نحن نثمن منحتك، بأنك ستشتري أرضنا. ولكن إذا قررنا القبول، فسوف أضع شرطا: على الرجل الأبيض أن يعتبر الحيوانات كاخوة له.
أنا متوحش ولا أعلم أسلوبا آخر للحياة. رأيت آلافا من الثيران الفاسدة في البرية، متروكة من الرجل الأبيض بعد أن قتلها بواسطة القطار الذي كان يمر من هناك. أنا متوحش ولا أفهم كيف أن الحصان الحديدي هو أهم من الثور الذي لا نقتله نحن الا ليستمر.
ما قيمة الانسان من غير الحيوان؟ اذا اختفت جميع الحيوانات، يموت الانسان بسبب وحشة روحه الكبيرة. لأن ما يحصل للحيوانات يحصل للانسان أيضا. كل الأشياء تتحد.
عليك أن تعلم أولادك أن الأرض التي يطأها مصنوعة من بقايا أجدادنا. حتى يحترموا الأرض، قل لأولادك بأن الأرض مزودة بحيوات جنسنا. علم أولادك ما علمناه لأولادنا، أن الأرض هي أمنا. كل ما يحدث للأرض يحدث لأولاد الأرض. اذا بصق الناس على الأرض، يبصقون على أنفسهم.
نحن نعلم على الأقل ما يلي: الأرض لا تنتمي للانسان، انما الانسان ينتمي الى الأرض. هذا ما نعلمه نحن. كل الأشياء تتحد كما الدم الذي يوحد العائلة الواحدة. كل الأشياء تتحد.
كل ما يحصل للأرض يحصل لأبناء الأرض. ليس الانسان هو من نسج لحمة الحياة، انما هو خيط منها. كل ما يفعله لهذا النسيج انما يصنعه لنفسه.
حتى الرجل الأبيض، الذي يتحدث معه الإله كما يتحدث صديقان معا، لا يمكنه التخلص من المصير المشترك. بعد كل شيء من الممكن أن نكون اخوة. سوف نرى جيدا. يوجد شيء نعرفه نحن، وربما سيكتشفه يوما الرجل الأبيض، هو أن الهنا وإلهه واحد. ربما تفكر بأنك سوف تمتلكه كما تفكر بامتلاك أرضنا ولكن لا يمكنك ذلك. اته اله الانسان، ورحمته هي واحدة للرجل الأحمر والأبيض. هذه الأرض بالنسبة له شيء نفيس، والتسبب بالأذى لها يعني احتقار مبدعها. البيض سوف يزولون أيضا، ربما أبكر من غيرهم من الأجناس الأخرى. لوث سريرك وسوف تختنق في احدى الليالي بين مخلفاتك أنت. ولكن وأنت ميت، سوف تلمع مع بريق قوي بفضل قوة الاله الذي جاء بك الى هذه الأرض ولأهداف خاصة جعلك تسود عليها وعلى الرجل الأمر. هذا المآل هو عجيب بالنسبة لنا، لأننا لا نفهم عندما تقتل جميع الثران، والأحصنة البرية تروض، والزوايا السرية في الغابة المفعمة برائحة الكثير من الرجال ومنظر التلال المليئة بالأزهار مغشاة بأسلاك تتحدث.
أين الأجمة؟ اختفت. اين النسر؟ اختفى. هي نهاية الحياة وبدء البقاء.
المصدر: مجلة L’ECOLOGISTE Vol. 4 – N 1 – Février 2003
ترجمة تطوعية: حسن ملاط
...................................................................................................................
1 – رئيس الهنود السوكواميش وجه حديثا سنة 1854 لأحد الموظفين الأميركيين المكلف بالقضايا الهندية و بتنفيذ "مبادلات الأراضي". الأثر الأقدم المكتوب لهذا الحديث كان مدونة، عبر ملاحظات مأخوذة سنة 1854 و منشورة في Seattle Sunday Star في 29 تشرين الأول، 1887 بواسطة Henri Smith . النص المنشور هنا هو الترجمة الأجمل و الحرة لهذا المستند الأخير، و لكنه المحتفظ بروحية المستند المكتوب من قبل السيناريست Ted Perry لحاجات الصياغة السينمائية في السبعينات من القرن الماضي. يمكنكم الحصول على النص الأصلي ل Henri Smith على موقع قبيلة السوكواميش على الانترنيت. ويمكنكم الحصول على نصوص أخرى أيضا: www. suquamish.nsn.us.
"فتح الاسلام وأخواتها"
"فتح الإسلام" وأخواتها
حسن ملاط، كاتب من لبنان
hassanmallat@hotmail.com
لقد كتب الكثير عن "فتح الاسلام" وخاصة في الآونة الأخيرة، بعد أن تفجرت الأحداث المأسوية في الشمال عامة وفي مخيم "نهر البارد" خصوصا. فلا يزال نزيف الأحداث قائما حتى كتابة هذه الأسطر. والمهم في الأمر أن النتائج التي ترتبت عن هذه الأحداث تكاد تكون كارثية ان لم تكن كذلك فعلا. فالعدد الكبير من القتلى الذي خلفته هذه الأحداث يفوق كل تصور. عدد كبير أصاب الكثير من القرى والمدن وخاصة في طرابلس وعكار والمنية. وعندما نقول عكار و المنية فمدلول هذا الكلام أن الخزان الفعلي الذي كان يرفد المقاومة الفلسطينية تاريخيا كانت هذه المناطق. وأهل هذه المناطق هم من المحافظين، وارتباطهم بالدين يجعل عداءهم للصهاينة والأمريكان أشد وأمضى. كما وأن ارتباطهم بالأفكار المناهضة للظلم والظالمين هو أقوى. ولكن المصاب "الشخصي" الذي أصاب الكثير الكثير من العائلات والقرى قد جعل الناس يعبرون وبشكل سلبي عن انغماس المخيم (الفلسطينيين) في المعارك التي قتلت أولادهم. هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فالدمار الكبير الذي أصاب المخيم يجعل من العودة إليه، على المدى المنظور، حلما يصعب الحصول عليه. وهذا من النتائج الكارثية أيضا.
"فتح الإسلام" هي ظاهرة كباقي الظواهر الذي ينتجها المجتمع. وكل ظاهرة اجتماعية لها دورة حياتية معينة. قد تطول أو تقصر تبعا للظروف الذاتية والظروف المحيطة. فالظاهرة كأي كائن حي تولد، تكبر وتموت. وما يؤخر موت ظاهرة ما، هو إمكانيتها على التعايش في المكان الذي تولد فيه. أي الظروف الملائمة للحياة أو ما يمكن تسميته القدرة على التأقلم. كما وأن الظروف الملائمة وحدها لا تكفي، بل يلزمها أيضا الاستعداد الذاتي للحياة والنمو عند الظاهرة ذاتها. فاذا أخذنا مثالا ظاهرة "فتح الاسلام" نرى أن الظروف القائمة في بلادنا ملائمة لنمو مثل هذه الظواهر؛ والدليل على ذلك أن هذه الظواهر تفرخ باستمرار وموجود منها العديد على حد قول الجرائد والصحف الصادرة في بلادنا. فهناك العديد من الخلايا في العديد من الأماكن وفي مختلف البلاد الموجود فيها عرب أو مسلمون. اذن الظروف ملائمة لوجود مثل هذه الظواهر. ولكن في حال تمكن الجيش اللبناني من القضاء على هؤلاء، نقول عندها أن الظروف الذاتية لهذه الظاهرة المحدودة هي التي لم تمكنها من الاستمرار في الحياة بالرغم من ملاءمة الظروف المحيطة. كما وأن علينا التأكيد أن القضاء على "فتح الاسلام" لا يعني بالضرورة عدم صدور ظواهر أخرى مشابهة، وربما تكون أكثر وعيا، لأن ظروف بلادنا الموضوعية مؤاتية لنمو مثل هذه الظواهر.
لقد عرج الكثير من المفكرين الى دراسة هذه الظواهر التي أسموها المجموعات الجهادية. وكان لهؤلاء آراء مختلفة. دعونا نطلع على بعض من هذه الآراء علها تنير لنا الطريق الى فهم الظواهر المشابهة.
يقول عزمي عاشور، وهو باحث: نلحظ أن الواقع الحالي، وعلى رغم مرور مئتي سنة من دخول النهضة الحديثة الى المجتمعات العربية، يشهد ما يشبه حالة الطغيان والهيمنة لسلطة الفقيه والتي ازدادت خطورتها بظهور سلطة الفتوى لدى الجماعات الراديكالية التي وجدت أرضا خصبة وأنصارا لها لتفرض سلطتها، ليس فقط على تابعيها، وإنما على المجتمع والقوى الرسمية الموجودة فيه وكل ذلك تم على حساب العقل والأنواع الأخرى للسلطة العلمية... وخصوصا إذا كانت الخبرة الاسلامية لم تعدم هذه الأنواع في السابق، فقد ترك العلماء والفلاسفة المسلمون إبداعا إنسانيا في مجالات الطب والفلسفة والفيزياء والرياضيات الخ... إلا أن وجه الغرابة يكمن في أن على رغم أن العصر الحديث يتميز بسيطرة السلطة العلمية والمعرفية إلا أننا نجد مجتمعاتنا على العكس طغت فيها في مقابل ذلك السلطة الدينية بتنويعاتها المختلفة والتي تطورت ركائزها المختلفة المتمثلة في الفتوى وخرجت من مجال السلطة الفقهية التقليدية الى ما يشبه العشوائية في صور جماعات أصولية متطرفة تستخدم الفتوى كسلطة تواجه بها ليس السلطة السياسية الرسمية وإنما المجتمع نفسه (الحياة 9 -6- 07).
أما رضوان السيد، وهو باحث معروف، فيقول: إن الثوران الديني السني ما كان مؤسسيا، أي أن الجمهور حتى المتدين ما سارع للانضواء تحت لوائه لافتقاره الى الشرعية التقليدية أو المستجدة. ويضيف: وهكذا هام الثوران السني على وجهه منذ السبعينيات، وانصرف للضربات العشوائية المدمرة ولكن التي لا تسقط أنظمة ولا تقيم أخرى. ثم انقسم في الثمانينيات إلى متطرف ومعتدل، وظل الجزء الصغير المتطرف حتى التسعينيات مفتقرا للقيادة حتى ظهر أسامة بن لادن، وظهرت "القاعدة". وقد تمتعت "القاعدة" لوقت قصير بمركز الانطلاق، هو أفغانستان. لكن النظام هناك ما كان نظامها ولا مثالها، وكما هو معروف، فان الهدف الخيالي: هدف الجهاد العالمي، ضيع عليها ذلك المركز، ودمر المركز نفسه. وأضعفت الهجمة الأمريكية الظاهرة الثورانية ذاتها، بل الأحرى القول أنها زادت من سعارها وتسعيرها، لكنها ضربت القيادة ونظام الضبط والربط ضربة قاصمة، فعاد الأمر بعد 2002 الى ما كان عليه حتى العام 1996. لكن على أي حال، القيادة غير حاضرة، والهدف غير محدد باستثناء الضرب حيث يتاح، والانتهاء انتحارا أو قتلا (الحياة 12 – 6- 07).
أما هلا رشيد أمون، وهي أستاذة جامعية فتقول متحدثة عن رؤية الجماعات الجهادية: ولأن السلفية هي حركة دفاع عن صفاء العقيدة ضد آخرين، ينوون تحريفها وتوظيفها في أشكال فكرية مغايرة لطبيعة الدين، فقد تحول كل من يخالف طروحاتها وأهدافها ورسائلها إلى خصوم يرمون بشتى التهم التكفيرية. وقد اتسعت دائرة هؤلاء الخصوم لتشمل القريب والبعيد، المسلم وغير المسلم، السني والشيعي، الليبرالي واليساري والقومي والإسلامي المنفتح... أي أن أطروحتهم الساسية قد جعلتهم في حالة عداء وكراهية وقطيعة وعزلة عن كل الناس، لا فرق في ذلك بين عربي وأعجمي. ولا شك في أن نزعة التكفير قد خلقت الأساس الموضوعي للعنف والقتل والفرز العقائدي بين الناس، الى جانب الفرز الموجود أصلا سياسيا واجتماعيا. فالناس إما كفار، أو مؤمنون، ولا منزلة وسطى بين المنزلتين. والمسلم الحقيقي الصادق هو الذي ينتمي اليهم، ويؤيد أفكارهم، أما ما عداه فهو كافر، يجب قتاله. ولا عجب بعد أن رأينا أن بعض هذه الجماعات قد كفر بعضها (البعض) الآخر، فقط لأنهم مختلفون في المنهج والوسيلة وليس في الدين والعقيدة.
تضيف: في هذه المنظومة الفكرية يتداخل السياسي والاجتماعي مع المدني والأخلاقي، فالقيم والمقولات لا تقف عند الاطار النظري، بل تتعداها الى صلب الممارسة العملية، لذلك يمكن القول أنه تم– من خلال ثنائية العقيدة والسياسة- توظيف ما هو ديني ومقدس لأغراض سياسية ظرفية، وتم تسخير العقيدة كمبرر ايديولوجي، لخدمة أهداف محددة ( جريدة النهار اللبنانية).
أما خليل العناني، وهو باحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية فيقول متحدثا عما يدفع بعض الشباب المنتمين للتيار السلفي "التقليدي" الى السلفية الجهادية: اولا، تظهر معظم هذه التنظيمات للعلن بشكل فجائي، وذلك بعد أن تتبنى القيام بعملية محددة جرى تنفيذها.
ثانيا، يجري التجنيد في هذه التنظيمات على مرحلتين، الأولى عبر المنظومة السلفية "التقليدية" التي تستند في أدبياتها على الاقتداء بالسلف الصالح والسير على نهجه بشكل "ماضوي" لا يستوعب تحولات الواقع السوسيولوجي... أما المرحلة الثانية فهي التي يتم الانتقال فيها من الخمول الى الحركة، ومن الفكر إلى الممارسة، ومن القول إلى الفعل، أي "الهجرة" من المسجد الى الشارع...
ثالثا، يمثل المركب العمري لأعضاء مثل هذه التنظيمات علامة استفهام كبيرة، بقدر ما يمثل أيضا تجسيدا للأزمة "الحضارية" التي تعيشها الأمة العربية والإسلامية... يتراوح أعمار المنخرطين في صفوف هذه التنظيمات ما بين العشرين عاما والثلاثين عاما (ينقص أو يزيد قليلا). ويكونون عادة "من خيرة شباب البلاد أخلاقا وثقافة وسلوكا ومنهجا وكلهم من عائلات مرموقة في المجتمع".
رابعا، ... اليئة الحاضنة لظهور هذه التنظيمات وذلك على مستوييها المحلي والإقليمي. فعلى المستوى المحلي تنطلق هذه التنظيمات من حال سخط ورفض شديد للواقع الذي تعيشه بلدانها، في المجالين الديني والسياسي، أو ما بينهما. أما المستوى الاقليمي (المرتبط بالدولي ممثلا في التدخل الأمريكي الخشن في المنطقة) فيشكل أرضية صلبة تنطلق منها معظم هذه التنظيمات الجديدة.
وأما عزيز مشواط، وهو باحث سوسيولوجي مغربي، فيقول: وهكذا تتحدد الأصولية الجديدة أو السلفية انطلاقا من عنصرين: نسخها الفقهي ونزعتها الثقافية المعادية للغرب، انها رؤية صارمة وحرفية للرسالة القرآنية في صياغتها الحنبلية... وكما تمت قراءتها حسب ابن تيمية... ولذلك فإنها تلجأ كلما عرض لها عارض الى النص الديني (القرآن أو السنة) للإجابة عن أسئلة الحاضر وهكذا يصبح تفجير برجي التجارة العالمية غزوة والتفجيرات عمليات جهادية في دار الكفار، انه سفر الى الماضي بحثا عن أجوبة الحاضر alghad.dot.jo)).
يضيف عزيز مشواط: ترتبط معظم الحركات الفاعلة على الصعيد الدولي حاليا بالفكر الوهابي حيث لعب السعوديون دورا أساسيا في نشر الأصولية الجديدة فلكي ينزعوا من الحركة القومية العربية ومن الشيعة الإيرانية أو من الشيوعية ما هم أحق به.
ثم يتحدث عن هذه المجموعات قائلا:
كلهم يتجاوزون الحدود الوطنية، انهم لا يعيشون في البلد الذي ولدوا فيه بل لهم في بعض الأحيان جنسيات مختلفة.
كلهم قاموا بدراسات حديثة في الغالب من مستوى عال.
ينتمون في الغالب الى مستوى اجتماعي متوسط.
عاشوا مرحلة الشباب على النمط الغربي.
يعتبر عصر الرسول والصحابة بالنسبة لكافة السلفيات عصر السلفيات ليس فقط للمسلمين ولكن للإنسانية جمعاء...
إن وضع وحدة الأمة في خطر يعتبر خطيئة لا يمكن التساهل معها.
ان الله وعد بالنصر وامتلاك الحقيقة فرقة من عباده والتاريخ لا يمكن أن يخطىء هذه الحقيقة الالهية.
فحيث وجدت مصلحة الجماعة فثمة شرع الله (rezgar.com).
أما لماذا يلجأ بعضهم الى استعمال العنف المسلح والإرهاب. يرى المفكر الاسلامي السوري محمد شحرور ما يلي:
السبب الأول: هو ضعف الطرح السياسي، والخلط بين السياسة والكفر، والإسلام والإيمان، والتقوى والشعائر، والجهاد والعنف المسلح. ونسخ آية الدعوة الى الله بالموعظة الحسنة بآية السيف، واعتماد الترادف في فهم النص مما ينتج عنه أن القتل هو القتال واعتبار ذلك من القراءات المأثورة. كل ذلك لغياب نظرية اسلامية أصيلة معاصرة في الدولة والمجتمع، تضع الجهاد والتقوى والجدال بالتي هي أحسن في مكانها الصحيح.
إن هذا الخلط وغموض الفهم، بوجود عاطفة دينية صادقة جياشة، وبوجود حب حقيقي لله ولرسوله ولكتابه، يمكنه أن يؤدي الى أعمال عنف مسلح...
السبب الثاني: سبب سياسي بحت. فالعالم العربي والإسلامي يعج بحكومات مستبدة، تشعر في أعماقها أن شرعيتها ناقصة ومهزوزة، وتلتمس دعم السلطة الدينية الرسمية. فكان من الطبيعي أن تقاوم محاولات الحركات التي تسعى الى سحب السلطة السياسية منها، فيقع العنف... فطالما أن هناك فقر وبطالة وسوء توزيع للثروة وامتيازات تمنح بلا حساب لطبقة دون أخرى... فالعنف لن ينتهي، ماركسية كانت أم اسلامية أم غير ذلك.
السبب الثالث: فشل حركات التحديث المعاصرة في ضوء ما أظهرته نتائج حرب 1967، ووقوع المسلمين والعرب في فراغ فكري وثقافي ووطني، فجاءت الحركات الاسلامية لتملأ هذا الفراغ. لكنها ملأته بخبرات زائلة تاريخية، أبدعها أصحابها لزمنهم في زمنهم، فرسخت بذلك أخطر ما يمكن أن يترسخ في العقل العربي، وهو الماضوية، وساعدتها المؤسسات الدينية الرسمية على ترسيخ هذه الماضوية في العقل العربي حتى الآن. واستعمل العنف لترسيخ هذه الماضوية على أنها جهاد ديني.
ثم يضيف الدكتور محمد شحرور قائلا: وما أريد قوله هو أن عملية أسلمة الواقع عملية سوسيولوجية بحتة، تخضع لقوانين علم الاجتماع. فالمجتمع المتحضر ينتج اسلاما متحضرا والمجتمع البدوي ينتج اسلاما بدويا. ولعل أسوأ ما أنتجناه نحن، هو حركات اسلامية سياسية تحاول أن تشد المجتمعات العربية الاسلامية بالعنف والقهر إلى الخلف تحت شعار تطبيق الشريعة الاسلامية...
ثم يخلص الى القول: أما إذا فهمنا الشريعة الاسلامية هي آيات الأحكام الواردة في التنزيل الحكيم، وهي السنة النبوية على أنها الاحتمال الأول التاريخي لتطبيق هذه الأحكام ضمن مجال حيوي زماني (تاريخي) ومكاني (جغرافي)، فنقول: لا تعارض مع التعددية ولا تناقض مع المجتمع المدني. انما يبقى علينا أن نشمر عن سواعد عقولنا المؤمنة لانتاج فقه جديد قائم على أدلة وأصول جديدة، تحوي في طياتها ما لا يتعارض مع المجتمع المدني ولا يتناقض مع التعددية، ويتوافق ويوافق على وجود الآخر والرأي الآخر في ظل البرلمانات والانتخابات والاستفتاء. يبقى علينا في زمننا أن نقوم بما قام به الأسلاف في زمنهم، حين قرأوا آيات الأحكام والسنة النبوية قراءة أولى جاءت مطابقة لواقعهم مناسبة لعصرهم، فنقرأ الآيات والسنة قراءة ثانية تعطينا أصولا جديدة للفقه والتشريع... (islam21.net).
أما الأستاذ أحميدة النيفر، وهو أستاذ التعليم العالي في جامعة الزيتونة فيرى ما يلي: ما تثبته المرحلة الحديثة والمعاصرة في العالم العربي الاسلامي أن فجوة هائلة أصبحت تفصل فكر النخب المختلفة عن عموم مجتمعاتها بما أفضى في أكثر من قضية الى نوع من الفصام الذي يدفع المجتمعات الى مبادرات عملية حاسمة لا صلة لها بتوجه رجال النخبة الذين فقدوا وحدتهم وجانبا مهما من فاعليتهم.
ويضيف قائلا: من هنا نقف على جانب مهم من أسباب العنف المدمر لحاضر العالم العربي والإسلامي ومستقبله والذي كثيرا ما يظن أنه كان رديفا للاسلام ولمبدأ الجهاد في حين أنه افراز لرفض النخب أو عجزها عن ايجاد ساحة تواصل مع المجتمع وماضيه ومشاغله.
ثم يزيد: ما تؤكده نظرة تاريخية فاحصة هو أن العنف المستفحل يستمد شراسته من جملة من المصادر هي في القسم الأهم منها حديثة وتحمل الجانب الأوفر من مسؤولياته النخبُ المتعالية على مجتمعاتها والمتشبثة بإيديولوجيات وحتميات راسخة.
ويضيف: هذه النخب العربية، مثقفة وحاكمة أو معارضة هي التي شرعت للعنف قبل أحداث أيلول 2001 بعدة عقود. لقد تصدت أولا تلك النخب الى الفجوة الهائلة التي تفصلها عن مجتمعاتها بمقولة استئصال التراث لكونه السبيل الوحيد لتحرير الجماهير. عندئذ أصبح للعنف معنى تاريخي يبيح استعماله ضد الشعوب ذاتها على اعتبار أن من "الممكن أن يكون أصحاب المصلحة في التغيير أكبر عائق أمامه"، (على ما يقول الماركسيون– الإضافة لنا).
ثم يضيف الأستاذ متحدثا عن ضرورة وجود العالم الذي يعرف قضايا وحاجات شعبه المختلفة كمعرفته بالقضايا الفكرية والنظرية، إلى أن يقول: تنامي تيار العولمة في القرن الحادي والعشرين تخطى وسائل الاتصال والمعلومات وحركة الأموال والبضائع في العالم ليبلغ ما هو أخطر: الغاء "الجغرافيا الثقافية والسياسية" . لقد غدت مباشرة المشاغل الكبرى للمجتمعات ذات طابع عالمي تخترق خصوصية الأقطار والمجتمعات والأعراف. مثل هذا السقوط للحواجز هو الذي قوى من عضد الحركات الاحيائية الجهادية بين المسلمين اذ بدا أن لا معنى لأي تجزئة سواء أكانت قطرية سياسية أم مجتمعية مؤسساتية أم فكرية تاريخية.
ويخلص إلى القول: ذلك هو أحد أهم تحديات المستقبل: قضية العالم المدرك لأرث النبوة، التي تعي في جانبها البشري وعيا روحيا يتحقق في واقع الناس بقدر اعتبار الشروط الموضوعية لذلك الواقع، أو بحسب عبارة محمد اقبال: "الوعي النبوي روحي ووضعي في الآن نفسه"، (الحياة 9 – 6 – 2007). (دعونا نتذكر "غرامشي" عندما يتحدث عن المثقف العضوي الذي نفتقر اليه في مجتمعاتنا كما نفتقر الى الوعي الذي تحدث عنه محمد اقبال رحمه الله) (الإضافة لنا).
وحول المراجعات التي حصلت عند الحركة الجهادية المصرية، يقول كمال السعيد حبيب، وكان أحد القادة المؤسسين: 1- ... فالتكليف يكون بما يطاق وخاصة في أمور المجتمع والسياسة. 2- ... مسائل الاصلاح والتغيير هي من المسائل المتغيرة التي يمثل الاجتهاد أداتها الأساسية (ليست مسألة اعتقادية). 3– الانتباه إلى أن القوة العسكرية لا تنجز وحدها أمر المواجهة، فهناك جوانب دعوية مهمة أخرى، وأدوات مثل النصح والنقد والمراجعة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر... 4– عزل الحركة الاسلامية عن مجتمعها، بحيث جعلت لنفسها مجتمعا موازيا، ونصبت من نفسها فرقة أو طائفة تقوم هي بالتغيير عن مجتمعها... 5- الانتهاء إلى فشل التنظيمات السرية؛ لأنها تأخذ الحركة الى مجاهل السرية، وحصر العلاقة بينها وبين مجتمعها في العلاقة الأمنية الضيقة التي تجعلها محاصرة بالمرشدين والسجون والملاحقة والاختفاء ... (موقع المختصر للأخبار).
أما نحن فنقول أن هذا النمط من الحركات لا تختص به مجتمعاتنا العربية والإسلامية، بل إن الكثير من المجتمعات التي تتميز بالحراك الاجتماعي نجد فيها مثل هذه الحركات "الجهادية". أما الاسم "جهادية " فهو مستعار من تاريخنا كما وأنه يعود إلى الانتماء (الإيديولوجي) لهذه الحركات. وأؤكد أنني استعرت لفظ ايديولوجي لأنه يشير الى ان هذه الحركات تحمل من الأوهام بقدر ما تحمله من المعرفة. فجميع الحركات "اليسارية" (وهي الحركات التي عاشت على تخوم الأحزاب الشيوعية في أوروبا، وقد ميزوها في كتاباتهم باليسارية لأنها تحمل صفات معينة، لا تشترك فيها مع الأحزاب. أود القول علينا عدم فهمها كما هي مستعملة اليوم) كانت تنهج نهجا عنفيا لأسباب عديدة سوف ناتي الى ذكرها. وقد كان فلاديمير ايليتش لينين يسميها "مرض الطفولة اليسارية". وقد خاض هو وحزبه الكثير من المعارك ضد هذه الحركات، إن على الصعيد النظري أو خلافه.
1 – الوهم بأن امتلاكهم للحقيقة يفرض على المجتمع الالتزام بها. علينا الاشارة أن توهمهم امتلاك الحقيقة لا يلزم المجتمع بذلك، كما وأنه لا يعني مطلقا أنهم يملكون الحقيقة فعلا. فالناس عليها ان تمتلك الحقيقة حتى تبادر الى العمل التغييري المتلائم مع الحقيقة كما وعوها. للاشارة فقط: أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما استبدل المدينة بمكة "لم يكن في المدينة بيت الا وتقام به صلاة" اشارة الى انتشار الدعوة الاسلامية بين أوساط الناس والتزامهم بها.
2 – إن التربية التي يمارسونها تجعلهم ينفصلون عن المجتمع. علما أنه من يريد أن يمارس التغيير (والتغيير عادة يكون لصالح الناس، أو باللغة الاسلامية يكون التغيير لسعادة الانسان في الحال والمآل، طاعة لله وفي سبيله) عليه أن يلتصق بالناس لأنهم هم جند التغيير الذي يكون لصالحهم.
3 – الالتزام العقائدي الشديد يجعل المنتمي لهذه الجماعات متعلقا بالآخرة بشكل يجعله يستسهل كل التضحيات أمام تحقيق الأهداف التي يعمل من أجلها. سيما أن احدى الحسنين حاضرة وباستمرار: النصر أو الشهادة: وكلتاهما فوز كبير فمم الخوف اذن؟
4 – من هنا ينتج ما يسمى في العمل الثوري اختصار المراحل أو حرق المراحل. أي كأن نتوهم امكاناتنا على بناء مجتمع اسلامي حتى من دون موافقة الناس على مثل هذا المجتمع. وهذا يعود إلى الجهل بالسنن الالهية بالتغيير. فالله تبارك وتعالى قد جعل سننا وقوانين تحكم جميع المجتمعات علينا معرفتها ودراستها حتى نتمكن من التغيير بالشكل الذي يرضي الله ورسوله ويكون فيه مصلحة لجميع الناس. لا بأس من أن نستذكر هنا صلح الحديبية وكيف استنكره الكثير من الصحابة الكرام، لأنهم اعتبروا فيه تنازلا من الرسول الكريم أمام كفار قريش. وقد خالف الكثير منهم أمر الرسول عندما أمرهم بالحلق الى ان حلق هو أمامهم.
5 – وأهم العوامل على الاطلاق هو الانفصال الحقيقي بين قيادة العمل الاسلامي والعاملين الفعليين. فالقيادة تحشو عقول المحازبين بالأفكار والأوهام ومن ثم تتنكر هي لها. من هنا نرى استسهال الانفصال عن القيادة والاتجاه نحو إنتاج قيادات خاصة بهم لا تتمتع بسعة العلم انما تتميز بالايمان الشديد وحب التضحية مما يجعلها تتوهم بسهولة التغيير. وأهم هذه الأوهام امكانية التغيير بالعنف بغفلة عن الناس والمجتمع.
6 – الناس التي تعيش الواقع التعيس تسبق قيادتها باستمرار وفي جميع المجتمعات. من هنا فان القيادة الواعية هي التي تحس نبض الناس وبشكل يومي. وخلاف ذلك يؤدي الى انفصال القيادة عن الجماهير. (ألم يبعث عمر بن الخطاب أحد جنوده ليحرق باب بيت عمرو بن العاص لأنه يغلقه أمام الناس، ولا يعمل على حل مظالمهم).
7 – كما وأن السلطات التي تتعامل مع مشكلة سياسية تعاملا أمنيا يؤدي الى انعكاسات سيئة. فبدلا من الاتجاه نحو ايجاد حلول معينة لما يعانيه المواطن سواء على الصعيد الاجتماعي أو على الصعيد السياسي، نرى السلطات تزج الشباب في السجون من دون أن تكلف نفسها عناء القيام بواجبها من تأمين الحياة المستقرة لآلاف الشباب العاطلين عن العمل، أو التفتيش عن الأسباب التي تودي بهذا الشباب الى ممارسة العنف.
8 – أنا لا أريد أن أحمل من يريد أن يقوم بالتغيير لما فيه مصلحة الناس مسؤولية تردي الأوضاع الذي وصلنا إليه في كل البقاع. انما التحليل لا يرحم خاصة اذا كانت الغاية الاصلاح لما فيه خير مجتمعاتنا ومجاهديه وناسه جميعا.
وأخيرا ليس وهما ضرورة محاربة المحتلين لأرضنا سواء كانوا صهاينة أم أمريكان ولكن علينا بالمقابل أن لا ندع قعقعة السلاح تعمي أبصارنا وبصيرتنا عن الواقع الفعلي الذي نعيشه. فالانتحار ليس بطولة انما هو راحة من خوض معارك ربما تكون أشرس من جميع ما نراه اليوم. فالأعداء لا يتعبون من استحداث الأسلحة التي تجعلهم يطمئنون الى أنها تؤذي المسلمين وحلفاءهم من الشعوب المستضعفة. لذلك علينا أن نقوي ايماننا بنصر الله لنا وأن لا نتوهم أنه بامكاننا تجاوز الناس والعمل من أجلهم. أليس من المعيب أن يقول ممثل "فتح الاسلام" أنه جر الى معركة مع الجيش اللبناني من دون معرفة الكيفية. ولماذا استمر بها؟ خوفا من السجن؟ أليس السجن أرحم من تهجير عشرات الآلاف من "بيوتهم" أماكن لجوئهم. أليس السجن أهون من قتل عشرات الجنود من الجيش اللبناني الذي لا تزال قيادته حتى اللحظة تقول أن معركتها هي مع الاسرائيلي وليس مع الفلسطيني أو السوري أو المقاوم الذي يوجه سلاحه الى صدور الصهاينة؟
ولماذا لا يموت ابن "فتح الإسلام" أمام الصهاينة وليس أمام الجيش؟
إن الوصول إلى هذا النمط من الممارسات يتحمل مسؤوليته بالدرجة الأولى أولئك الذين أوهموا الناس أن بامكانهم قيادة الناس لما فيه خلاصهم ثم تخلوا عن مسؤولياتهم. نتيجة لذلك يصبح المجتمع حقل تجارب يدفع خيرة الناس أرواحهم افتداء لمن تخلوا عن مسؤولياتهم بعد أن أوهموا الناس بضرورة العمل من أجل التغيير وراحوا يتفرجون على هذا الحراك الاجتماعي ولكن بعد أن انفصلوا عنه.
وفي النهاية علينا عدم التوهم انه اذا قضي على "فتح الاسلام" في حال قضي عليها، أن المجتمع لن ينتج ظواهر مشابهة. بالطبع نعم، فما دامت اسرائيل تحتل فلسطين، وما دامت الولايات المتحدة الأمريكية تحتل العراق، وما دام الظلم قائما، سوف يستمر توالد وإنتاج مثل هذه الظواهر العائد الى السنن الالهية التي تحكم الحراك الاجتماعي. وهذه السنن تكون عادة ثابتة: "ولن تجد لسنة الله تبديلا، ولن تجد لسنة الله تحويلا". والإنسان الذي يريد العمل على تغيير المجتمع ما عليه الا اكتشاف هذه السنن ومن ثم العمل من ضمن آلياتها حتى يصل الى مبتغاه في التغيير. والنجاح في التغيير ليس مرهونا بحسن نية العاملين، إنما باكتشاف السنن والعمل بمقتضاها. ولا ضرورة للإشارة أن الإنسان المؤمن يعلم حق العلم أن النصر والتوفيق هو من عند الله لأن المؤمن يعمل لمرضاة الله. وأما الآخرون فالنصر يكون بمدى التزامهم بضرورات النجاح التي جعلها الله في القوانين الاجتماعية.
لا يمكنني التوهم أنني قد أعطيت الموضوع حقه من الدراسة. ولكن التقصير من صفات العبد، وأنا من عباد الله والحمد لله رب العالمين.
حسن ملاط
العرب والعولمة العدد 40 تموز 2007 يوليو
حسن ملاط، كاتب من لبنان
hassanmallat@hotmail.com
لقد كتب الكثير عن "فتح الاسلام" وخاصة في الآونة الأخيرة، بعد أن تفجرت الأحداث المأسوية في الشمال عامة وفي مخيم "نهر البارد" خصوصا. فلا يزال نزيف الأحداث قائما حتى كتابة هذه الأسطر. والمهم في الأمر أن النتائج التي ترتبت عن هذه الأحداث تكاد تكون كارثية ان لم تكن كذلك فعلا. فالعدد الكبير من القتلى الذي خلفته هذه الأحداث يفوق كل تصور. عدد كبير أصاب الكثير من القرى والمدن وخاصة في طرابلس وعكار والمنية. وعندما نقول عكار و المنية فمدلول هذا الكلام أن الخزان الفعلي الذي كان يرفد المقاومة الفلسطينية تاريخيا كانت هذه المناطق. وأهل هذه المناطق هم من المحافظين، وارتباطهم بالدين يجعل عداءهم للصهاينة والأمريكان أشد وأمضى. كما وأن ارتباطهم بالأفكار المناهضة للظلم والظالمين هو أقوى. ولكن المصاب "الشخصي" الذي أصاب الكثير الكثير من العائلات والقرى قد جعل الناس يعبرون وبشكل سلبي عن انغماس المخيم (الفلسطينيين) في المعارك التي قتلت أولادهم. هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فالدمار الكبير الذي أصاب المخيم يجعل من العودة إليه، على المدى المنظور، حلما يصعب الحصول عليه. وهذا من النتائج الكارثية أيضا.
"فتح الإسلام" هي ظاهرة كباقي الظواهر الذي ينتجها المجتمع. وكل ظاهرة اجتماعية لها دورة حياتية معينة. قد تطول أو تقصر تبعا للظروف الذاتية والظروف المحيطة. فالظاهرة كأي كائن حي تولد، تكبر وتموت. وما يؤخر موت ظاهرة ما، هو إمكانيتها على التعايش في المكان الذي تولد فيه. أي الظروف الملائمة للحياة أو ما يمكن تسميته القدرة على التأقلم. كما وأن الظروف الملائمة وحدها لا تكفي، بل يلزمها أيضا الاستعداد الذاتي للحياة والنمو عند الظاهرة ذاتها. فاذا أخذنا مثالا ظاهرة "فتح الاسلام" نرى أن الظروف القائمة في بلادنا ملائمة لنمو مثل هذه الظواهر؛ والدليل على ذلك أن هذه الظواهر تفرخ باستمرار وموجود منها العديد على حد قول الجرائد والصحف الصادرة في بلادنا. فهناك العديد من الخلايا في العديد من الأماكن وفي مختلف البلاد الموجود فيها عرب أو مسلمون. اذن الظروف ملائمة لوجود مثل هذه الظواهر. ولكن في حال تمكن الجيش اللبناني من القضاء على هؤلاء، نقول عندها أن الظروف الذاتية لهذه الظاهرة المحدودة هي التي لم تمكنها من الاستمرار في الحياة بالرغم من ملاءمة الظروف المحيطة. كما وأن علينا التأكيد أن القضاء على "فتح الاسلام" لا يعني بالضرورة عدم صدور ظواهر أخرى مشابهة، وربما تكون أكثر وعيا، لأن ظروف بلادنا الموضوعية مؤاتية لنمو مثل هذه الظواهر.
لقد عرج الكثير من المفكرين الى دراسة هذه الظواهر التي أسموها المجموعات الجهادية. وكان لهؤلاء آراء مختلفة. دعونا نطلع على بعض من هذه الآراء علها تنير لنا الطريق الى فهم الظواهر المشابهة.
يقول عزمي عاشور، وهو باحث: نلحظ أن الواقع الحالي، وعلى رغم مرور مئتي سنة من دخول النهضة الحديثة الى المجتمعات العربية، يشهد ما يشبه حالة الطغيان والهيمنة لسلطة الفقيه والتي ازدادت خطورتها بظهور سلطة الفتوى لدى الجماعات الراديكالية التي وجدت أرضا خصبة وأنصارا لها لتفرض سلطتها، ليس فقط على تابعيها، وإنما على المجتمع والقوى الرسمية الموجودة فيه وكل ذلك تم على حساب العقل والأنواع الأخرى للسلطة العلمية... وخصوصا إذا كانت الخبرة الاسلامية لم تعدم هذه الأنواع في السابق، فقد ترك العلماء والفلاسفة المسلمون إبداعا إنسانيا في مجالات الطب والفلسفة والفيزياء والرياضيات الخ... إلا أن وجه الغرابة يكمن في أن على رغم أن العصر الحديث يتميز بسيطرة السلطة العلمية والمعرفية إلا أننا نجد مجتمعاتنا على العكس طغت فيها في مقابل ذلك السلطة الدينية بتنويعاتها المختلفة والتي تطورت ركائزها المختلفة المتمثلة في الفتوى وخرجت من مجال السلطة الفقهية التقليدية الى ما يشبه العشوائية في صور جماعات أصولية متطرفة تستخدم الفتوى كسلطة تواجه بها ليس السلطة السياسية الرسمية وإنما المجتمع نفسه (الحياة 9 -6- 07).
أما رضوان السيد، وهو باحث معروف، فيقول: إن الثوران الديني السني ما كان مؤسسيا، أي أن الجمهور حتى المتدين ما سارع للانضواء تحت لوائه لافتقاره الى الشرعية التقليدية أو المستجدة. ويضيف: وهكذا هام الثوران السني على وجهه منذ السبعينيات، وانصرف للضربات العشوائية المدمرة ولكن التي لا تسقط أنظمة ولا تقيم أخرى. ثم انقسم في الثمانينيات إلى متطرف ومعتدل، وظل الجزء الصغير المتطرف حتى التسعينيات مفتقرا للقيادة حتى ظهر أسامة بن لادن، وظهرت "القاعدة". وقد تمتعت "القاعدة" لوقت قصير بمركز الانطلاق، هو أفغانستان. لكن النظام هناك ما كان نظامها ولا مثالها، وكما هو معروف، فان الهدف الخيالي: هدف الجهاد العالمي، ضيع عليها ذلك المركز، ودمر المركز نفسه. وأضعفت الهجمة الأمريكية الظاهرة الثورانية ذاتها، بل الأحرى القول أنها زادت من سعارها وتسعيرها، لكنها ضربت القيادة ونظام الضبط والربط ضربة قاصمة، فعاد الأمر بعد 2002 الى ما كان عليه حتى العام 1996. لكن على أي حال، القيادة غير حاضرة، والهدف غير محدد باستثناء الضرب حيث يتاح، والانتهاء انتحارا أو قتلا (الحياة 12 – 6- 07).
أما هلا رشيد أمون، وهي أستاذة جامعية فتقول متحدثة عن رؤية الجماعات الجهادية: ولأن السلفية هي حركة دفاع عن صفاء العقيدة ضد آخرين، ينوون تحريفها وتوظيفها في أشكال فكرية مغايرة لطبيعة الدين، فقد تحول كل من يخالف طروحاتها وأهدافها ورسائلها إلى خصوم يرمون بشتى التهم التكفيرية. وقد اتسعت دائرة هؤلاء الخصوم لتشمل القريب والبعيد، المسلم وغير المسلم، السني والشيعي، الليبرالي واليساري والقومي والإسلامي المنفتح... أي أن أطروحتهم الساسية قد جعلتهم في حالة عداء وكراهية وقطيعة وعزلة عن كل الناس، لا فرق في ذلك بين عربي وأعجمي. ولا شك في أن نزعة التكفير قد خلقت الأساس الموضوعي للعنف والقتل والفرز العقائدي بين الناس، الى جانب الفرز الموجود أصلا سياسيا واجتماعيا. فالناس إما كفار، أو مؤمنون، ولا منزلة وسطى بين المنزلتين. والمسلم الحقيقي الصادق هو الذي ينتمي اليهم، ويؤيد أفكارهم، أما ما عداه فهو كافر، يجب قتاله. ولا عجب بعد أن رأينا أن بعض هذه الجماعات قد كفر بعضها (البعض) الآخر، فقط لأنهم مختلفون في المنهج والوسيلة وليس في الدين والعقيدة.
تضيف: في هذه المنظومة الفكرية يتداخل السياسي والاجتماعي مع المدني والأخلاقي، فالقيم والمقولات لا تقف عند الاطار النظري، بل تتعداها الى صلب الممارسة العملية، لذلك يمكن القول أنه تم– من خلال ثنائية العقيدة والسياسة- توظيف ما هو ديني ومقدس لأغراض سياسية ظرفية، وتم تسخير العقيدة كمبرر ايديولوجي، لخدمة أهداف محددة ( جريدة النهار اللبنانية).
أما خليل العناني، وهو باحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية فيقول متحدثا عما يدفع بعض الشباب المنتمين للتيار السلفي "التقليدي" الى السلفية الجهادية: اولا، تظهر معظم هذه التنظيمات للعلن بشكل فجائي، وذلك بعد أن تتبنى القيام بعملية محددة جرى تنفيذها.
ثانيا، يجري التجنيد في هذه التنظيمات على مرحلتين، الأولى عبر المنظومة السلفية "التقليدية" التي تستند في أدبياتها على الاقتداء بالسلف الصالح والسير على نهجه بشكل "ماضوي" لا يستوعب تحولات الواقع السوسيولوجي... أما المرحلة الثانية فهي التي يتم الانتقال فيها من الخمول الى الحركة، ومن الفكر إلى الممارسة، ومن القول إلى الفعل، أي "الهجرة" من المسجد الى الشارع...
ثالثا، يمثل المركب العمري لأعضاء مثل هذه التنظيمات علامة استفهام كبيرة، بقدر ما يمثل أيضا تجسيدا للأزمة "الحضارية" التي تعيشها الأمة العربية والإسلامية... يتراوح أعمار المنخرطين في صفوف هذه التنظيمات ما بين العشرين عاما والثلاثين عاما (ينقص أو يزيد قليلا). ويكونون عادة "من خيرة شباب البلاد أخلاقا وثقافة وسلوكا ومنهجا وكلهم من عائلات مرموقة في المجتمع".
رابعا، ... اليئة الحاضنة لظهور هذه التنظيمات وذلك على مستوييها المحلي والإقليمي. فعلى المستوى المحلي تنطلق هذه التنظيمات من حال سخط ورفض شديد للواقع الذي تعيشه بلدانها، في المجالين الديني والسياسي، أو ما بينهما. أما المستوى الاقليمي (المرتبط بالدولي ممثلا في التدخل الأمريكي الخشن في المنطقة) فيشكل أرضية صلبة تنطلق منها معظم هذه التنظيمات الجديدة.
وأما عزيز مشواط، وهو باحث سوسيولوجي مغربي، فيقول: وهكذا تتحدد الأصولية الجديدة أو السلفية انطلاقا من عنصرين: نسخها الفقهي ونزعتها الثقافية المعادية للغرب، انها رؤية صارمة وحرفية للرسالة القرآنية في صياغتها الحنبلية... وكما تمت قراءتها حسب ابن تيمية... ولذلك فإنها تلجأ كلما عرض لها عارض الى النص الديني (القرآن أو السنة) للإجابة عن أسئلة الحاضر وهكذا يصبح تفجير برجي التجارة العالمية غزوة والتفجيرات عمليات جهادية في دار الكفار، انه سفر الى الماضي بحثا عن أجوبة الحاضر alghad.dot.jo)).
يضيف عزيز مشواط: ترتبط معظم الحركات الفاعلة على الصعيد الدولي حاليا بالفكر الوهابي حيث لعب السعوديون دورا أساسيا في نشر الأصولية الجديدة فلكي ينزعوا من الحركة القومية العربية ومن الشيعة الإيرانية أو من الشيوعية ما هم أحق به.
ثم يتحدث عن هذه المجموعات قائلا:
كلهم يتجاوزون الحدود الوطنية، انهم لا يعيشون في البلد الذي ولدوا فيه بل لهم في بعض الأحيان جنسيات مختلفة.
كلهم قاموا بدراسات حديثة في الغالب من مستوى عال.
ينتمون في الغالب الى مستوى اجتماعي متوسط.
عاشوا مرحلة الشباب على النمط الغربي.
يعتبر عصر الرسول والصحابة بالنسبة لكافة السلفيات عصر السلفيات ليس فقط للمسلمين ولكن للإنسانية جمعاء...
إن وضع وحدة الأمة في خطر يعتبر خطيئة لا يمكن التساهل معها.
ان الله وعد بالنصر وامتلاك الحقيقة فرقة من عباده والتاريخ لا يمكن أن يخطىء هذه الحقيقة الالهية.
فحيث وجدت مصلحة الجماعة فثمة شرع الله (rezgar.com).
أما لماذا يلجأ بعضهم الى استعمال العنف المسلح والإرهاب. يرى المفكر الاسلامي السوري محمد شحرور ما يلي:
السبب الأول: هو ضعف الطرح السياسي، والخلط بين السياسة والكفر، والإسلام والإيمان، والتقوى والشعائر، والجهاد والعنف المسلح. ونسخ آية الدعوة الى الله بالموعظة الحسنة بآية السيف، واعتماد الترادف في فهم النص مما ينتج عنه أن القتل هو القتال واعتبار ذلك من القراءات المأثورة. كل ذلك لغياب نظرية اسلامية أصيلة معاصرة في الدولة والمجتمع، تضع الجهاد والتقوى والجدال بالتي هي أحسن في مكانها الصحيح.
إن هذا الخلط وغموض الفهم، بوجود عاطفة دينية صادقة جياشة، وبوجود حب حقيقي لله ولرسوله ولكتابه، يمكنه أن يؤدي الى أعمال عنف مسلح...
السبب الثاني: سبب سياسي بحت. فالعالم العربي والإسلامي يعج بحكومات مستبدة، تشعر في أعماقها أن شرعيتها ناقصة ومهزوزة، وتلتمس دعم السلطة الدينية الرسمية. فكان من الطبيعي أن تقاوم محاولات الحركات التي تسعى الى سحب السلطة السياسية منها، فيقع العنف... فطالما أن هناك فقر وبطالة وسوء توزيع للثروة وامتيازات تمنح بلا حساب لطبقة دون أخرى... فالعنف لن ينتهي، ماركسية كانت أم اسلامية أم غير ذلك.
السبب الثالث: فشل حركات التحديث المعاصرة في ضوء ما أظهرته نتائج حرب 1967، ووقوع المسلمين والعرب في فراغ فكري وثقافي ووطني، فجاءت الحركات الاسلامية لتملأ هذا الفراغ. لكنها ملأته بخبرات زائلة تاريخية، أبدعها أصحابها لزمنهم في زمنهم، فرسخت بذلك أخطر ما يمكن أن يترسخ في العقل العربي، وهو الماضوية، وساعدتها المؤسسات الدينية الرسمية على ترسيخ هذه الماضوية في العقل العربي حتى الآن. واستعمل العنف لترسيخ هذه الماضوية على أنها جهاد ديني.
ثم يضيف الدكتور محمد شحرور قائلا: وما أريد قوله هو أن عملية أسلمة الواقع عملية سوسيولوجية بحتة، تخضع لقوانين علم الاجتماع. فالمجتمع المتحضر ينتج اسلاما متحضرا والمجتمع البدوي ينتج اسلاما بدويا. ولعل أسوأ ما أنتجناه نحن، هو حركات اسلامية سياسية تحاول أن تشد المجتمعات العربية الاسلامية بالعنف والقهر إلى الخلف تحت شعار تطبيق الشريعة الاسلامية...
ثم يخلص الى القول: أما إذا فهمنا الشريعة الاسلامية هي آيات الأحكام الواردة في التنزيل الحكيم، وهي السنة النبوية على أنها الاحتمال الأول التاريخي لتطبيق هذه الأحكام ضمن مجال حيوي زماني (تاريخي) ومكاني (جغرافي)، فنقول: لا تعارض مع التعددية ولا تناقض مع المجتمع المدني. انما يبقى علينا أن نشمر عن سواعد عقولنا المؤمنة لانتاج فقه جديد قائم على أدلة وأصول جديدة، تحوي في طياتها ما لا يتعارض مع المجتمع المدني ولا يتناقض مع التعددية، ويتوافق ويوافق على وجود الآخر والرأي الآخر في ظل البرلمانات والانتخابات والاستفتاء. يبقى علينا في زمننا أن نقوم بما قام به الأسلاف في زمنهم، حين قرأوا آيات الأحكام والسنة النبوية قراءة أولى جاءت مطابقة لواقعهم مناسبة لعصرهم، فنقرأ الآيات والسنة قراءة ثانية تعطينا أصولا جديدة للفقه والتشريع... (islam21.net).
أما الأستاذ أحميدة النيفر، وهو أستاذ التعليم العالي في جامعة الزيتونة فيرى ما يلي: ما تثبته المرحلة الحديثة والمعاصرة في العالم العربي الاسلامي أن فجوة هائلة أصبحت تفصل فكر النخب المختلفة عن عموم مجتمعاتها بما أفضى في أكثر من قضية الى نوع من الفصام الذي يدفع المجتمعات الى مبادرات عملية حاسمة لا صلة لها بتوجه رجال النخبة الذين فقدوا وحدتهم وجانبا مهما من فاعليتهم.
ويضيف قائلا: من هنا نقف على جانب مهم من أسباب العنف المدمر لحاضر العالم العربي والإسلامي ومستقبله والذي كثيرا ما يظن أنه كان رديفا للاسلام ولمبدأ الجهاد في حين أنه افراز لرفض النخب أو عجزها عن ايجاد ساحة تواصل مع المجتمع وماضيه ومشاغله.
ثم يزيد: ما تؤكده نظرة تاريخية فاحصة هو أن العنف المستفحل يستمد شراسته من جملة من المصادر هي في القسم الأهم منها حديثة وتحمل الجانب الأوفر من مسؤولياته النخبُ المتعالية على مجتمعاتها والمتشبثة بإيديولوجيات وحتميات راسخة.
ويضيف: هذه النخب العربية، مثقفة وحاكمة أو معارضة هي التي شرعت للعنف قبل أحداث أيلول 2001 بعدة عقود. لقد تصدت أولا تلك النخب الى الفجوة الهائلة التي تفصلها عن مجتمعاتها بمقولة استئصال التراث لكونه السبيل الوحيد لتحرير الجماهير. عندئذ أصبح للعنف معنى تاريخي يبيح استعماله ضد الشعوب ذاتها على اعتبار أن من "الممكن أن يكون أصحاب المصلحة في التغيير أكبر عائق أمامه"، (على ما يقول الماركسيون– الإضافة لنا).
ثم يضيف الأستاذ متحدثا عن ضرورة وجود العالم الذي يعرف قضايا وحاجات شعبه المختلفة كمعرفته بالقضايا الفكرية والنظرية، إلى أن يقول: تنامي تيار العولمة في القرن الحادي والعشرين تخطى وسائل الاتصال والمعلومات وحركة الأموال والبضائع في العالم ليبلغ ما هو أخطر: الغاء "الجغرافيا الثقافية والسياسية" . لقد غدت مباشرة المشاغل الكبرى للمجتمعات ذات طابع عالمي تخترق خصوصية الأقطار والمجتمعات والأعراف. مثل هذا السقوط للحواجز هو الذي قوى من عضد الحركات الاحيائية الجهادية بين المسلمين اذ بدا أن لا معنى لأي تجزئة سواء أكانت قطرية سياسية أم مجتمعية مؤسساتية أم فكرية تاريخية.
ويخلص إلى القول: ذلك هو أحد أهم تحديات المستقبل: قضية العالم المدرك لأرث النبوة، التي تعي في جانبها البشري وعيا روحيا يتحقق في واقع الناس بقدر اعتبار الشروط الموضوعية لذلك الواقع، أو بحسب عبارة محمد اقبال: "الوعي النبوي روحي ووضعي في الآن نفسه"، (الحياة 9 – 6 – 2007). (دعونا نتذكر "غرامشي" عندما يتحدث عن المثقف العضوي الذي نفتقر اليه في مجتمعاتنا كما نفتقر الى الوعي الذي تحدث عنه محمد اقبال رحمه الله) (الإضافة لنا).
وحول المراجعات التي حصلت عند الحركة الجهادية المصرية، يقول كمال السعيد حبيب، وكان أحد القادة المؤسسين: 1- ... فالتكليف يكون بما يطاق وخاصة في أمور المجتمع والسياسة. 2- ... مسائل الاصلاح والتغيير هي من المسائل المتغيرة التي يمثل الاجتهاد أداتها الأساسية (ليست مسألة اعتقادية). 3– الانتباه إلى أن القوة العسكرية لا تنجز وحدها أمر المواجهة، فهناك جوانب دعوية مهمة أخرى، وأدوات مثل النصح والنقد والمراجعة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر... 4– عزل الحركة الاسلامية عن مجتمعها، بحيث جعلت لنفسها مجتمعا موازيا، ونصبت من نفسها فرقة أو طائفة تقوم هي بالتغيير عن مجتمعها... 5- الانتهاء إلى فشل التنظيمات السرية؛ لأنها تأخذ الحركة الى مجاهل السرية، وحصر العلاقة بينها وبين مجتمعها في العلاقة الأمنية الضيقة التي تجعلها محاصرة بالمرشدين والسجون والملاحقة والاختفاء ... (موقع المختصر للأخبار).
أما نحن فنقول أن هذا النمط من الحركات لا تختص به مجتمعاتنا العربية والإسلامية، بل إن الكثير من المجتمعات التي تتميز بالحراك الاجتماعي نجد فيها مثل هذه الحركات "الجهادية". أما الاسم "جهادية " فهو مستعار من تاريخنا كما وأنه يعود إلى الانتماء (الإيديولوجي) لهذه الحركات. وأؤكد أنني استعرت لفظ ايديولوجي لأنه يشير الى ان هذه الحركات تحمل من الأوهام بقدر ما تحمله من المعرفة. فجميع الحركات "اليسارية" (وهي الحركات التي عاشت على تخوم الأحزاب الشيوعية في أوروبا، وقد ميزوها في كتاباتهم باليسارية لأنها تحمل صفات معينة، لا تشترك فيها مع الأحزاب. أود القول علينا عدم فهمها كما هي مستعملة اليوم) كانت تنهج نهجا عنفيا لأسباب عديدة سوف ناتي الى ذكرها. وقد كان فلاديمير ايليتش لينين يسميها "مرض الطفولة اليسارية". وقد خاض هو وحزبه الكثير من المعارك ضد هذه الحركات، إن على الصعيد النظري أو خلافه.
1 – الوهم بأن امتلاكهم للحقيقة يفرض على المجتمع الالتزام بها. علينا الاشارة أن توهمهم امتلاك الحقيقة لا يلزم المجتمع بذلك، كما وأنه لا يعني مطلقا أنهم يملكون الحقيقة فعلا. فالناس عليها ان تمتلك الحقيقة حتى تبادر الى العمل التغييري المتلائم مع الحقيقة كما وعوها. للاشارة فقط: أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما استبدل المدينة بمكة "لم يكن في المدينة بيت الا وتقام به صلاة" اشارة الى انتشار الدعوة الاسلامية بين أوساط الناس والتزامهم بها.
2 – إن التربية التي يمارسونها تجعلهم ينفصلون عن المجتمع. علما أنه من يريد أن يمارس التغيير (والتغيير عادة يكون لصالح الناس، أو باللغة الاسلامية يكون التغيير لسعادة الانسان في الحال والمآل، طاعة لله وفي سبيله) عليه أن يلتصق بالناس لأنهم هم جند التغيير الذي يكون لصالحهم.
3 – الالتزام العقائدي الشديد يجعل المنتمي لهذه الجماعات متعلقا بالآخرة بشكل يجعله يستسهل كل التضحيات أمام تحقيق الأهداف التي يعمل من أجلها. سيما أن احدى الحسنين حاضرة وباستمرار: النصر أو الشهادة: وكلتاهما فوز كبير فمم الخوف اذن؟
4 – من هنا ينتج ما يسمى في العمل الثوري اختصار المراحل أو حرق المراحل. أي كأن نتوهم امكاناتنا على بناء مجتمع اسلامي حتى من دون موافقة الناس على مثل هذا المجتمع. وهذا يعود إلى الجهل بالسنن الالهية بالتغيير. فالله تبارك وتعالى قد جعل سننا وقوانين تحكم جميع المجتمعات علينا معرفتها ودراستها حتى نتمكن من التغيير بالشكل الذي يرضي الله ورسوله ويكون فيه مصلحة لجميع الناس. لا بأس من أن نستذكر هنا صلح الحديبية وكيف استنكره الكثير من الصحابة الكرام، لأنهم اعتبروا فيه تنازلا من الرسول الكريم أمام كفار قريش. وقد خالف الكثير منهم أمر الرسول عندما أمرهم بالحلق الى ان حلق هو أمامهم.
5 – وأهم العوامل على الاطلاق هو الانفصال الحقيقي بين قيادة العمل الاسلامي والعاملين الفعليين. فالقيادة تحشو عقول المحازبين بالأفكار والأوهام ومن ثم تتنكر هي لها. من هنا نرى استسهال الانفصال عن القيادة والاتجاه نحو إنتاج قيادات خاصة بهم لا تتمتع بسعة العلم انما تتميز بالايمان الشديد وحب التضحية مما يجعلها تتوهم بسهولة التغيير. وأهم هذه الأوهام امكانية التغيير بالعنف بغفلة عن الناس والمجتمع.
6 – الناس التي تعيش الواقع التعيس تسبق قيادتها باستمرار وفي جميع المجتمعات. من هنا فان القيادة الواعية هي التي تحس نبض الناس وبشكل يومي. وخلاف ذلك يؤدي الى انفصال القيادة عن الجماهير. (ألم يبعث عمر بن الخطاب أحد جنوده ليحرق باب بيت عمرو بن العاص لأنه يغلقه أمام الناس، ولا يعمل على حل مظالمهم).
7 – كما وأن السلطات التي تتعامل مع مشكلة سياسية تعاملا أمنيا يؤدي الى انعكاسات سيئة. فبدلا من الاتجاه نحو ايجاد حلول معينة لما يعانيه المواطن سواء على الصعيد الاجتماعي أو على الصعيد السياسي، نرى السلطات تزج الشباب في السجون من دون أن تكلف نفسها عناء القيام بواجبها من تأمين الحياة المستقرة لآلاف الشباب العاطلين عن العمل، أو التفتيش عن الأسباب التي تودي بهذا الشباب الى ممارسة العنف.
8 – أنا لا أريد أن أحمل من يريد أن يقوم بالتغيير لما فيه مصلحة الناس مسؤولية تردي الأوضاع الذي وصلنا إليه في كل البقاع. انما التحليل لا يرحم خاصة اذا كانت الغاية الاصلاح لما فيه خير مجتمعاتنا ومجاهديه وناسه جميعا.
وأخيرا ليس وهما ضرورة محاربة المحتلين لأرضنا سواء كانوا صهاينة أم أمريكان ولكن علينا بالمقابل أن لا ندع قعقعة السلاح تعمي أبصارنا وبصيرتنا عن الواقع الفعلي الذي نعيشه. فالانتحار ليس بطولة انما هو راحة من خوض معارك ربما تكون أشرس من جميع ما نراه اليوم. فالأعداء لا يتعبون من استحداث الأسلحة التي تجعلهم يطمئنون الى أنها تؤذي المسلمين وحلفاءهم من الشعوب المستضعفة. لذلك علينا أن نقوي ايماننا بنصر الله لنا وأن لا نتوهم أنه بامكاننا تجاوز الناس والعمل من أجلهم. أليس من المعيب أن يقول ممثل "فتح الاسلام" أنه جر الى معركة مع الجيش اللبناني من دون معرفة الكيفية. ولماذا استمر بها؟ خوفا من السجن؟ أليس السجن أرحم من تهجير عشرات الآلاف من "بيوتهم" أماكن لجوئهم. أليس السجن أهون من قتل عشرات الجنود من الجيش اللبناني الذي لا تزال قيادته حتى اللحظة تقول أن معركتها هي مع الاسرائيلي وليس مع الفلسطيني أو السوري أو المقاوم الذي يوجه سلاحه الى صدور الصهاينة؟
ولماذا لا يموت ابن "فتح الإسلام" أمام الصهاينة وليس أمام الجيش؟
إن الوصول إلى هذا النمط من الممارسات يتحمل مسؤوليته بالدرجة الأولى أولئك الذين أوهموا الناس أن بامكانهم قيادة الناس لما فيه خلاصهم ثم تخلوا عن مسؤولياتهم. نتيجة لذلك يصبح المجتمع حقل تجارب يدفع خيرة الناس أرواحهم افتداء لمن تخلوا عن مسؤولياتهم بعد أن أوهموا الناس بضرورة العمل من أجل التغيير وراحوا يتفرجون على هذا الحراك الاجتماعي ولكن بعد أن انفصلوا عنه.
وفي النهاية علينا عدم التوهم انه اذا قضي على "فتح الاسلام" في حال قضي عليها، أن المجتمع لن ينتج ظواهر مشابهة. بالطبع نعم، فما دامت اسرائيل تحتل فلسطين، وما دامت الولايات المتحدة الأمريكية تحتل العراق، وما دام الظلم قائما، سوف يستمر توالد وإنتاج مثل هذه الظواهر العائد الى السنن الالهية التي تحكم الحراك الاجتماعي. وهذه السنن تكون عادة ثابتة: "ولن تجد لسنة الله تبديلا، ولن تجد لسنة الله تحويلا". والإنسان الذي يريد العمل على تغيير المجتمع ما عليه الا اكتشاف هذه السنن ومن ثم العمل من ضمن آلياتها حتى يصل الى مبتغاه في التغيير. والنجاح في التغيير ليس مرهونا بحسن نية العاملين، إنما باكتشاف السنن والعمل بمقتضاها. ولا ضرورة للإشارة أن الإنسان المؤمن يعلم حق العلم أن النصر والتوفيق هو من عند الله لأن المؤمن يعمل لمرضاة الله. وأما الآخرون فالنصر يكون بمدى التزامهم بضرورات النجاح التي جعلها الله في القوانين الاجتماعية.
لا يمكنني التوهم أنني قد أعطيت الموضوع حقه من الدراسة. ولكن التقصير من صفات العبد، وأنا من عباد الله والحمد لله رب العالمين.
حسن ملاط
العرب والعولمة العدد 40 تموز 2007 يوليو
النظرة الى الرزق
النظرة الى الرزق
حسن ملاط
استكمالا لبحثنا السابق، وحتى يستقيم المعنى لا بد من هذه الاضافة. وعلينا الإشارة إلى أن التداخل اذا ما حصل لا يسسيء الى الهدف من هذه الدراسة.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: "أللهم اجعل رزق آل محمد قوتا" و في رواية "كفافا". رواه البخاري والترمذي ومسلم.
الرزق إذا هو ما يتقوى به العبد على العبادة، لأن الله تبارك و تعالى قد خلق الجن و الإنس ليعبدوه. و انطلاقا من هذه المسلّمة يستتبع بالتالي النظر إلى هذه الحياة الدنيا على أنها الدار الفانية دار الممر، وجودنا فيها مؤقت. ولكن هذا الوجود المؤقت هو ميدان الاختبار والامتحان لنا من قبل رب العالمين. فكل ما في هذه الدنيا لا يساوي جناح بعوضة عند الله تبارك وتعالى، وبالرغم من ذلك فهو يجزي عباده الصالحين، رحمة منه بهم بالجنة، دار البقاء والخلود.
رب سائل يسأل: طالما أن مهمة الإنسان هي عبادة الله تبارك وتعالى فهل أن الرزق مساق لمن يعبد الله مخلصا له الدين فقط؟
يقول تبارك وتعالى: "كلاّ نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك" والمقصود بهؤلاء وهؤلاء من يريد العاجلة ومن يريد الآخرة. ومن يريد العاجلة هم الكفار أما من يريد الآخرة فهم المؤمنون فعطاء الله بالنسبة لجميع الناس ليس محظورا. فالله تبارك وتعالى رب جميع العالمين يرزقهم سواء أرادوا أم لم يردوا ولكن المؤمنين فقط هم الذين يعلمون أن هذا العطاء من الله تبارك وتعالى هو ليتقووا على عبادته. أما الكفار فلهم اعتقادات شتى، إعتقادات ما أنزل الله بها من سلطان. أما الآن وبعد أن عرفنا ما هو معنى الرزق فلننظر ما موقف الانسان من الرزق.
موقف المشركين:
المشركون جميعا يرون بأن الطبيعة هي التي تمدهم بالرزق. فالانسان عندما يعمل يأكل. واذا لم يعمل لا يمكنه الاستمرار في الحياة. لعل هذه النظرة هي التي جعلت هتلر يقضي على المعوقين لأنهم لا يقدمون شيئا للمجتمع. وكأن الحياة هي منة منه يأخذها حين يشاء. ان عدم التفكر في خلق الانسان وخلق الطبيعة هو الذي يؤدي الى هذا الموقف. وإذا أمعنا النظر في هذا الموقف نراه عبثيا أو عدميا لا فرق. هل يمكن أن يكون الانسان قد وجد عبثا؟ هل يمكن أن لا يكون هناك أية حكمة من وجوده؟ ان التفكر في خلق السماوات والأرض، والتفكر في خلق الانسان ووجوده ، إن هذا التفكر يعطينا الجواب على هذه النظرة القاصرة الى الموقف من الرزق.
موقف المؤمنين:
أما بالنسبة للمؤمنين فهناك ثلاثة مواقف بالرغم من أنهم جميعا ينطلقون من أن الله هو معطي الرزق للناس.
أ – هناك فئة من المؤمنين ترى بأن الرزق مكتوب للانسان من قبل أن يوجد على هذه الأرض، وهذا صحيح، إذن ليس العمل ضروريا من أجل تحصيل الرزق. وهذا خطأ.
إن اعتماد هذه الفئة على آيات قرآنية مجتزأة من سياقها الصحيح يجعلها ترى وكأنها تملك مسوغا شرعيا لموقفها. فالله تبارك وتعالى يقول "وما من دابة الا على الله رزقها"، ويقول أيضا "إن الله يرزق من يشاء بغيرحساب". لذلك نراهم يقعدون عن طلب الرزق، أي لا يعملون. اليكم فهم عمر بن الخطاب لما تقدم، وهو الفهم الصحيح: "لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق ويقول أللهم ارزقني وقد علمتم أن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة، وأن الله يرزق الناس بعضهم من بعض".
الموقف الثاني:
هذه الفئة التي تنظر الى نفسها وكأنها الأساس في تحصيل الرزق. فهي تعمل، تكد وتجتهد، من دون أن تنظر الى الحلال والحرام في تحصيلها للرزق. فهي تغترف كيفما أمكنها ذلك. علما أن الله تبارك وتعالى قد حرم علينا أعمالا وحلل أخرى. فالتجارة حلال والربا حرام وليست التجارة كالربا كما يحلو للبعض أن يقول. فتحصيل الرزق يجب أن يكون مسورا بالحدود التي أحلها الله تبارك وتعالى. فهذه الفئة هي من "ان هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوما ثقيلا".
الموقف الثالث:
وهو الموقف الحنيف. وهذه الفئة هي التي ترى وتعرف أن الرزق هو من عند الله تبارك وتعالى يمن به على عباده الذين يسعون في طلبه. العبد يسعى في طلب الرزق والله هو الذي يعطي. يقول عمر بن الخطاب: "المتوكل الذي يلقي حبة في الأرض ويتوكل على الله".
ويقول علي عليه السلام: "فالله تكفل لكم بالرزق وأمركم بالعمل".
هل الرزق حسب المفهوم الاسلامي هو غير المال؟
المال: عن أبي واقد الليثي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله تعالى: إنا أنزلنا المال لاقام الصلاة وإيتاء الزكاة...". وللحديث تتمة. أخرجه الامام أحمد والطبراني.
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الدينار كنز والدرهم كنز والقيراط كنز". رواه ابن ماجه والحاكم ورواه ابن مردويه عن ابي هريرة.
فالمال إذن هو كل ما يفيض عن الرزق وهو يرد في الأحاديث النبوية الشريفة بلفظ "فضل" والفضل هو ما يفيض عن حاجة الانسان. كما ويرد بلفظ "العفو" كما قال تعالى: "خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين".
ومما لا شك فيه أن المال له أهمية كبيرة في بناء المجتمعات وخاصة المجتمعات الحديثة. وهذا التحديد مفروض علينا سواء أردنا ذلك أم لم نرد. لأن مجتمعنا قد تطور حتى أصبح على الشكل الحاضر من غير إرادتنا. وعلاقاته القائمة مفروضة علينا. وعندما نقول علاقاته فالمقصود بها جميع أشكال هذه العلاقات من سياسية واجتماعية واقتصادية وفكرية ودينية إلخ... ومن يروم بناء مجتمع عليه أن يرى واقع المجتمع الذي يريد تغييره.
إن تراكم المال أو الرأسمال كما يقول علماء الاقتصاد كان عاملا مهما في إيجاد الصناعة وتطويرها. والصناعة كما نعلم هي مهمة جدا في المجتمعات القائمة. ولا أعني بالصناعة صناعة أجهزة الكمبيوتر مثلا ولكن يمكن أن أعني صناعة الجرار الزراعي أو صناعة القدر. وكل هذه الصناعات هي بحاجة لرأسمال.
ولكن ما يحدد طبيعة رأس المال هو الدور الذي يلعبه هذا المال.
يقول علماء الاقتصاد أن للمال آلية خاصة به لا دخل للإنسان بها. فللرأسمال تطور خاص به. إن هذا الكلام صحيح في المجتمعات البورجوازية، الرأسمالية أو الاشتراكية. ولكن هذا الكلام عن الآلية الخاصة للرأسمال لا يمكن أن يصح في المجتمع الاسلامي. وعندما أقول المجتمع الإسلامي أعني المجتمع الذي يلتزم القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.
سوف نرى الآن كيف أن الاسلام لا يترك لهذا المال الفرصة لأن يكون له كيانا خاصا. يقول تبارك وتعالى: "قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين". (التوبة 24).
ويقول تعالى: "يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله والذين يكنزون الذهب والفضة فبشرهم بعذاب أليم. يوم تحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون". (التوبة 34 ، 35).
إن السياق القرآني في الآية الأولى فيه تحريض ضد حب المال. فالمال وسيلة وليس غاية. علما أن المال أي مال هو ملك لله تبارك وتعالى فهو المالك الحقيقي والإنسان مستخلف على كل ما يملك. فملكية الإنسان وظيفة اجتماعية في المجتمع الإسلامي يحاسب عليها من قبل رب العالمين. فالخالق يعلم أن الإنسان يحب المال فعليه العمل حتى لا يستعبده. فالمال وسيلة وليس غاية. وبما أن للمال وظيفة اجتماعية لذلك نرى سياق الآية الثانية مختلف عن الأولى. فسياق الثانية يحرض المؤمنين على أن لا يكتنزوا المال ويوظفوه في سبيل الله. والتوظيف في سبيل الله في دار الإسلام هو بالطريقة التي تجلب الخير للمجتمع الإسلامي، ليس هذا فحسب بل إنّ اكتنازه نتيجته عسيرة جدا يوم القيامة.
فهل من مالك المال مؤمن يجرؤ على اكتناز مال ولا يوظفه في سبيل الله؟ ولا ينفقه في سبيل الله؟.
عن سلمة بن الأكوع قال: كنت جالسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتي بجنازة ثم أتي بأخرى فقال: هل ترك من دين؟ قالوا: لا. قال: فهل ترك شيئاً؟ قالوا: نعم ثلاثة دنانير. فقال: بأصابعه ثلاثة كيات. رواه أحمد ونحوه البخاري وابن حبان.
أين آلية رأس المال فيما نرى من نظرة الإسلام للمال. إن آلية رأس المال التي يتحدث عنها الاقتصاديون ناتجة عن تخلي الإنسان عن إنسانيته، عن حياته وإعطائها للرأسمال من دون مقابل. بينما الإسلام يرى بأن الإنسان هو القيمة الحقة لذلك لا يمكن أن يعطى المال الحرية في التصرف باستقلال عن الإنسان. ولا أخال الأحبار والرهبان الذين تحدثت عنهم الآية الكريمة الثانية إلا رجال الدين الذين يأكلون أموال الناس بالباطل، وذلك بجعلهم القيمة الحقيقية للرأسمال وليس للإنسان.
نلخص ما تقدم: المال حسب أحبار ورهبان الاقتصاد له آلية خاصة، أي أن المال يكون معاد للمجتمع. المال حسب النظرية الإسلامية له وظيفة اجتماعية وهو إنفاقه في سبيل الله. والإنفاق له أوجه عديدة منها بناء المصانع أو استصلاح الأراضي أو إعالة اليتيم أو صدقة لمسكين أما اكتناز المال فجزاؤه الاكتواء به يوم القيامة.
إن كلامنا عن الرزق وعن المال لا يمكن أن يأخذ أبعاده الحقيقية إلا إذا ربطناه بالاستهلاك وبالزهد.
الاستهلاك: نقول عن مجتمع مجتمعاً إنتاجياً إذا اعتمد على نفسه في إنتاج ما يستهلكه. ونقول عن المجتمع استهلاكياً إذا اعتمد على غيره في ما يستهلك أو اذا أنتج السلع الكمالية قبل انتاجه للضرورات.
ولكن الرسول الأعظم قد أعطى الاستهلاك معنىً أوسع وأشمل من كل ما يمكنه أن يخطر ببال، صلى الله عليه وسلم: عن عبادة عن أنس بن شداد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أخوف ما أخاف على أمتي: الإشراك بالله. أما إني لست أقول يعبدون شمساً ولا قمراً ولا وثناً ولكن أعمالاً لغير الله وشهوة خفية"، الترغيب والترهيب ورواه ابن ماجه عن عامر بن عبد الله.
تصوروا مجتمعاً لا ينتج قمحاً ويزرع الحشيشة والأفيون. تصوروا مجتمعاً يؤمن بالله ورسوله يستورد الراديو والفيديو والكمبيوتر ولا ينتج خبزاً ولا يستصلح الأراضي. أليس هذا الشرك. هذه مفاهيم المجتمع الاستهلاكي.
المجتمع الاستهلاكي هو المجتمع الذي يعرف الضرورات وهي المآكل والملبس والمسكن والعلم والعمل، ولا ينتجها. المجتمع المسلم يؤمن هذه الضرورات ومن ثم يمكنه الاتجاه إلى إنتاج ما دون ذلك ولكن قبل ذلك لا يحق له إنتاج إلا ما هو ضروري. فالمسكن من الضرورات ولكن بناء مساكن ليست للسكن منهي عنه. وهذا واضح في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم.
عن أم الوليد بنت عمر قالت: اطلع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات عشية فقال: “يا أيها الناس ألا تستحيون؟ قالوا ممَ ذلك يا رسول الله؟ قال: تجمعون ما لا تأكلون، وتبنون ما لا تعمرون وتأملون ما لا تدركون. ألا تستحيون من ذلك". رواه الطبراني.
علينا أن نستحي إذا جمعنا ما لا نأكل. أين الحياء عندنا الآن ونحن لا نجمع ما نأكل بل نجمع ما يبعدنا عن الله مسافات ومسافات. وإذا زرعنا فلا نزرع ما نأكل بل نزرع ما نضر به أنفسنا وغيرنا، ما نفسد به نفسنا وغيرنا. هذا هو الاستهلاك بعينه والذي نهينا عنه.
الزهد: عن أبي ذر الغفاري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ليست الزهادة في الدنيا بتحريم الحلال وإضاعة المال..."، وللحديث تتمة رواه الترمذي وابن ماجة.
فالزهد حسب المفهوم الإسلامي هو وضع كل شيء بمكانه كما يريد الله ورسوله.
الزهد على الصعيد الاجتماعي هو أولاً الاتجاه إلى تأمين الضرورات الأولية لهذا المجتمع والاستغناء عن ما هو غير ضروري. ليس من المحرمات أن يأكل الإنسان المسلم أطيب المأكولات، ولكنه ليس مستساغاً أبدا أن يأكل الإنسان الطعام الشهي، وأخوه المسلم بجانبه لا يمكنه تأمين لقمة العيش. فالزهد هنا هو بالتخلي عن بعض كمالياته لتأمين ضرورات غيره، وهذا من الحلال المحبب إلى الله ورسوله. هذا على الصعيد الفردي، أما على الصعيد الاجتماعي فالمسلم مستخلف في هذه الدنيا. عليه بناء دار الإسلام، بناء الدار التي يرتضيها الله ورسوله للمؤمنين، بناء الدار التي شعارها: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه".
أما ثنائية الزهد/الاستهلاك، فهي تعني قمع الاستهلاك حتى يكون له الحيز الأصغر في حياة المجتمع لحساب الزهد. كما هو في ثنائية الرزق/المال، أي بتصغير الحيز الذي يشغله المال لصالح الرزق.
ما تقدم يعني أن المجتمع الإسلامي يرتقي بمجموعه. نموه نمو طبيعي، لا نمو سرطاني كالمجتمعات الشيوعية أو المجتمعات الرأسمالية.
من كل ما تقدم نصل إلى النتيجة التالية: إن نظرة الإنسان إلى الرزق هي التي تحدد مساره. إن كان متوافقا مع فطرته سار في مسار الإسلام، وإن لم يكن متوافقا مع فطرته سار في مسار السبل.
يقول تبارك وتعالى: "وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك".
حسن ملاط
العرب والعولمة العدد 39
حسن ملاط
استكمالا لبحثنا السابق، وحتى يستقيم المعنى لا بد من هذه الاضافة. وعلينا الإشارة إلى أن التداخل اذا ما حصل لا يسسيء الى الهدف من هذه الدراسة.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: "أللهم اجعل رزق آل محمد قوتا" و في رواية "كفافا". رواه البخاري والترمذي ومسلم.
الرزق إذا هو ما يتقوى به العبد على العبادة، لأن الله تبارك و تعالى قد خلق الجن و الإنس ليعبدوه. و انطلاقا من هذه المسلّمة يستتبع بالتالي النظر إلى هذه الحياة الدنيا على أنها الدار الفانية دار الممر، وجودنا فيها مؤقت. ولكن هذا الوجود المؤقت هو ميدان الاختبار والامتحان لنا من قبل رب العالمين. فكل ما في هذه الدنيا لا يساوي جناح بعوضة عند الله تبارك وتعالى، وبالرغم من ذلك فهو يجزي عباده الصالحين، رحمة منه بهم بالجنة، دار البقاء والخلود.
رب سائل يسأل: طالما أن مهمة الإنسان هي عبادة الله تبارك وتعالى فهل أن الرزق مساق لمن يعبد الله مخلصا له الدين فقط؟
يقول تبارك وتعالى: "كلاّ نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك" والمقصود بهؤلاء وهؤلاء من يريد العاجلة ومن يريد الآخرة. ومن يريد العاجلة هم الكفار أما من يريد الآخرة فهم المؤمنون فعطاء الله بالنسبة لجميع الناس ليس محظورا. فالله تبارك وتعالى رب جميع العالمين يرزقهم سواء أرادوا أم لم يردوا ولكن المؤمنين فقط هم الذين يعلمون أن هذا العطاء من الله تبارك وتعالى هو ليتقووا على عبادته. أما الكفار فلهم اعتقادات شتى، إعتقادات ما أنزل الله بها من سلطان. أما الآن وبعد أن عرفنا ما هو معنى الرزق فلننظر ما موقف الانسان من الرزق.
موقف المشركين:
المشركون جميعا يرون بأن الطبيعة هي التي تمدهم بالرزق. فالانسان عندما يعمل يأكل. واذا لم يعمل لا يمكنه الاستمرار في الحياة. لعل هذه النظرة هي التي جعلت هتلر يقضي على المعوقين لأنهم لا يقدمون شيئا للمجتمع. وكأن الحياة هي منة منه يأخذها حين يشاء. ان عدم التفكر في خلق الانسان وخلق الطبيعة هو الذي يؤدي الى هذا الموقف. وإذا أمعنا النظر في هذا الموقف نراه عبثيا أو عدميا لا فرق. هل يمكن أن يكون الانسان قد وجد عبثا؟ هل يمكن أن لا يكون هناك أية حكمة من وجوده؟ ان التفكر في خلق السماوات والأرض، والتفكر في خلق الانسان ووجوده ، إن هذا التفكر يعطينا الجواب على هذه النظرة القاصرة الى الموقف من الرزق.
موقف المؤمنين:
أما بالنسبة للمؤمنين فهناك ثلاثة مواقف بالرغم من أنهم جميعا ينطلقون من أن الله هو معطي الرزق للناس.
أ – هناك فئة من المؤمنين ترى بأن الرزق مكتوب للانسان من قبل أن يوجد على هذه الأرض، وهذا صحيح، إذن ليس العمل ضروريا من أجل تحصيل الرزق. وهذا خطأ.
إن اعتماد هذه الفئة على آيات قرآنية مجتزأة من سياقها الصحيح يجعلها ترى وكأنها تملك مسوغا شرعيا لموقفها. فالله تبارك وتعالى يقول "وما من دابة الا على الله رزقها"، ويقول أيضا "إن الله يرزق من يشاء بغيرحساب". لذلك نراهم يقعدون عن طلب الرزق، أي لا يعملون. اليكم فهم عمر بن الخطاب لما تقدم، وهو الفهم الصحيح: "لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق ويقول أللهم ارزقني وقد علمتم أن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة، وأن الله يرزق الناس بعضهم من بعض".
الموقف الثاني:
هذه الفئة التي تنظر الى نفسها وكأنها الأساس في تحصيل الرزق. فهي تعمل، تكد وتجتهد، من دون أن تنظر الى الحلال والحرام في تحصيلها للرزق. فهي تغترف كيفما أمكنها ذلك. علما أن الله تبارك وتعالى قد حرم علينا أعمالا وحلل أخرى. فالتجارة حلال والربا حرام وليست التجارة كالربا كما يحلو للبعض أن يقول. فتحصيل الرزق يجب أن يكون مسورا بالحدود التي أحلها الله تبارك وتعالى. فهذه الفئة هي من "ان هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوما ثقيلا".
الموقف الثالث:
وهو الموقف الحنيف. وهذه الفئة هي التي ترى وتعرف أن الرزق هو من عند الله تبارك وتعالى يمن به على عباده الذين يسعون في طلبه. العبد يسعى في طلب الرزق والله هو الذي يعطي. يقول عمر بن الخطاب: "المتوكل الذي يلقي حبة في الأرض ويتوكل على الله".
ويقول علي عليه السلام: "فالله تكفل لكم بالرزق وأمركم بالعمل".
هل الرزق حسب المفهوم الاسلامي هو غير المال؟
المال: عن أبي واقد الليثي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله تعالى: إنا أنزلنا المال لاقام الصلاة وإيتاء الزكاة...". وللحديث تتمة. أخرجه الامام أحمد والطبراني.
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الدينار كنز والدرهم كنز والقيراط كنز". رواه ابن ماجه والحاكم ورواه ابن مردويه عن ابي هريرة.
فالمال إذن هو كل ما يفيض عن الرزق وهو يرد في الأحاديث النبوية الشريفة بلفظ "فضل" والفضل هو ما يفيض عن حاجة الانسان. كما ويرد بلفظ "العفو" كما قال تعالى: "خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين".
ومما لا شك فيه أن المال له أهمية كبيرة في بناء المجتمعات وخاصة المجتمعات الحديثة. وهذا التحديد مفروض علينا سواء أردنا ذلك أم لم نرد. لأن مجتمعنا قد تطور حتى أصبح على الشكل الحاضر من غير إرادتنا. وعلاقاته القائمة مفروضة علينا. وعندما نقول علاقاته فالمقصود بها جميع أشكال هذه العلاقات من سياسية واجتماعية واقتصادية وفكرية ودينية إلخ... ومن يروم بناء مجتمع عليه أن يرى واقع المجتمع الذي يريد تغييره.
إن تراكم المال أو الرأسمال كما يقول علماء الاقتصاد كان عاملا مهما في إيجاد الصناعة وتطويرها. والصناعة كما نعلم هي مهمة جدا في المجتمعات القائمة. ولا أعني بالصناعة صناعة أجهزة الكمبيوتر مثلا ولكن يمكن أن أعني صناعة الجرار الزراعي أو صناعة القدر. وكل هذه الصناعات هي بحاجة لرأسمال.
ولكن ما يحدد طبيعة رأس المال هو الدور الذي يلعبه هذا المال.
يقول علماء الاقتصاد أن للمال آلية خاصة به لا دخل للإنسان بها. فللرأسمال تطور خاص به. إن هذا الكلام صحيح في المجتمعات البورجوازية، الرأسمالية أو الاشتراكية. ولكن هذا الكلام عن الآلية الخاصة للرأسمال لا يمكن أن يصح في المجتمع الاسلامي. وعندما أقول المجتمع الإسلامي أعني المجتمع الذي يلتزم القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.
سوف نرى الآن كيف أن الاسلام لا يترك لهذا المال الفرصة لأن يكون له كيانا خاصا. يقول تبارك وتعالى: "قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين". (التوبة 24).
ويقول تعالى: "يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله والذين يكنزون الذهب والفضة فبشرهم بعذاب أليم. يوم تحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون". (التوبة 34 ، 35).
إن السياق القرآني في الآية الأولى فيه تحريض ضد حب المال. فالمال وسيلة وليس غاية. علما أن المال أي مال هو ملك لله تبارك وتعالى فهو المالك الحقيقي والإنسان مستخلف على كل ما يملك. فملكية الإنسان وظيفة اجتماعية في المجتمع الإسلامي يحاسب عليها من قبل رب العالمين. فالخالق يعلم أن الإنسان يحب المال فعليه العمل حتى لا يستعبده. فالمال وسيلة وليس غاية. وبما أن للمال وظيفة اجتماعية لذلك نرى سياق الآية الثانية مختلف عن الأولى. فسياق الثانية يحرض المؤمنين على أن لا يكتنزوا المال ويوظفوه في سبيل الله. والتوظيف في سبيل الله في دار الإسلام هو بالطريقة التي تجلب الخير للمجتمع الإسلامي، ليس هذا فحسب بل إنّ اكتنازه نتيجته عسيرة جدا يوم القيامة.
فهل من مالك المال مؤمن يجرؤ على اكتناز مال ولا يوظفه في سبيل الله؟ ولا ينفقه في سبيل الله؟.
عن سلمة بن الأكوع قال: كنت جالسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتي بجنازة ثم أتي بأخرى فقال: هل ترك من دين؟ قالوا: لا. قال: فهل ترك شيئاً؟ قالوا: نعم ثلاثة دنانير. فقال: بأصابعه ثلاثة كيات. رواه أحمد ونحوه البخاري وابن حبان.
أين آلية رأس المال فيما نرى من نظرة الإسلام للمال. إن آلية رأس المال التي يتحدث عنها الاقتصاديون ناتجة عن تخلي الإنسان عن إنسانيته، عن حياته وإعطائها للرأسمال من دون مقابل. بينما الإسلام يرى بأن الإنسان هو القيمة الحقة لذلك لا يمكن أن يعطى المال الحرية في التصرف باستقلال عن الإنسان. ولا أخال الأحبار والرهبان الذين تحدثت عنهم الآية الكريمة الثانية إلا رجال الدين الذين يأكلون أموال الناس بالباطل، وذلك بجعلهم القيمة الحقيقية للرأسمال وليس للإنسان.
نلخص ما تقدم: المال حسب أحبار ورهبان الاقتصاد له آلية خاصة، أي أن المال يكون معاد للمجتمع. المال حسب النظرية الإسلامية له وظيفة اجتماعية وهو إنفاقه في سبيل الله. والإنفاق له أوجه عديدة منها بناء المصانع أو استصلاح الأراضي أو إعالة اليتيم أو صدقة لمسكين أما اكتناز المال فجزاؤه الاكتواء به يوم القيامة.
إن كلامنا عن الرزق وعن المال لا يمكن أن يأخذ أبعاده الحقيقية إلا إذا ربطناه بالاستهلاك وبالزهد.
الاستهلاك: نقول عن مجتمع مجتمعاً إنتاجياً إذا اعتمد على نفسه في إنتاج ما يستهلكه. ونقول عن المجتمع استهلاكياً إذا اعتمد على غيره في ما يستهلك أو اذا أنتج السلع الكمالية قبل انتاجه للضرورات.
ولكن الرسول الأعظم قد أعطى الاستهلاك معنىً أوسع وأشمل من كل ما يمكنه أن يخطر ببال، صلى الله عليه وسلم: عن عبادة عن أنس بن شداد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أخوف ما أخاف على أمتي: الإشراك بالله. أما إني لست أقول يعبدون شمساً ولا قمراً ولا وثناً ولكن أعمالاً لغير الله وشهوة خفية"، الترغيب والترهيب ورواه ابن ماجه عن عامر بن عبد الله.
تصوروا مجتمعاً لا ينتج قمحاً ويزرع الحشيشة والأفيون. تصوروا مجتمعاً يؤمن بالله ورسوله يستورد الراديو والفيديو والكمبيوتر ولا ينتج خبزاً ولا يستصلح الأراضي. أليس هذا الشرك. هذه مفاهيم المجتمع الاستهلاكي.
المجتمع الاستهلاكي هو المجتمع الذي يعرف الضرورات وهي المآكل والملبس والمسكن والعلم والعمل، ولا ينتجها. المجتمع المسلم يؤمن هذه الضرورات ومن ثم يمكنه الاتجاه إلى إنتاج ما دون ذلك ولكن قبل ذلك لا يحق له إنتاج إلا ما هو ضروري. فالمسكن من الضرورات ولكن بناء مساكن ليست للسكن منهي عنه. وهذا واضح في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم.
عن أم الوليد بنت عمر قالت: اطلع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات عشية فقال: “يا أيها الناس ألا تستحيون؟ قالوا ممَ ذلك يا رسول الله؟ قال: تجمعون ما لا تأكلون، وتبنون ما لا تعمرون وتأملون ما لا تدركون. ألا تستحيون من ذلك". رواه الطبراني.
علينا أن نستحي إذا جمعنا ما لا نأكل. أين الحياء عندنا الآن ونحن لا نجمع ما نأكل بل نجمع ما يبعدنا عن الله مسافات ومسافات. وإذا زرعنا فلا نزرع ما نأكل بل نزرع ما نضر به أنفسنا وغيرنا، ما نفسد به نفسنا وغيرنا. هذا هو الاستهلاك بعينه والذي نهينا عنه.
الزهد: عن أبي ذر الغفاري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ليست الزهادة في الدنيا بتحريم الحلال وإضاعة المال..."، وللحديث تتمة رواه الترمذي وابن ماجة.
فالزهد حسب المفهوم الإسلامي هو وضع كل شيء بمكانه كما يريد الله ورسوله.
الزهد على الصعيد الاجتماعي هو أولاً الاتجاه إلى تأمين الضرورات الأولية لهذا المجتمع والاستغناء عن ما هو غير ضروري. ليس من المحرمات أن يأكل الإنسان المسلم أطيب المأكولات، ولكنه ليس مستساغاً أبدا أن يأكل الإنسان الطعام الشهي، وأخوه المسلم بجانبه لا يمكنه تأمين لقمة العيش. فالزهد هنا هو بالتخلي عن بعض كمالياته لتأمين ضرورات غيره، وهذا من الحلال المحبب إلى الله ورسوله. هذا على الصعيد الفردي، أما على الصعيد الاجتماعي فالمسلم مستخلف في هذه الدنيا. عليه بناء دار الإسلام، بناء الدار التي يرتضيها الله ورسوله للمؤمنين، بناء الدار التي شعارها: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه".
أما ثنائية الزهد/الاستهلاك، فهي تعني قمع الاستهلاك حتى يكون له الحيز الأصغر في حياة المجتمع لحساب الزهد. كما هو في ثنائية الرزق/المال، أي بتصغير الحيز الذي يشغله المال لصالح الرزق.
ما تقدم يعني أن المجتمع الإسلامي يرتقي بمجموعه. نموه نمو طبيعي، لا نمو سرطاني كالمجتمعات الشيوعية أو المجتمعات الرأسمالية.
من كل ما تقدم نصل إلى النتيجة التالية: إن نظرة الإنسان إلى الرزق هي التي تحدد مساره. إن كان متوافقا مع فطرته سار في مسار الإسلام، وإن لم يكن متوافقا مع فطرته سار في مسار السبل.
يقول تبارك وتعالى: "وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك".
حسن ملاط
العرب والعولمة العدد 39
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)