بحث هذه المدونالهجرة النبويةة الإلكترونية

حسن ملاط

صورتي
القلمون, طرابلس, Lebanon
كاتب في الفكر الاجتماعي والسياسي والديني. تربوي ومعد برامج تدريبية ومدرب.

الثلاثاء، 30 سبتمبر 2008

دور الفرد في المجتمع

دور الفرد في المجتمع
حسن ملاط

"وجعلناكم خلائف في الأرض" قرآن كريم
ليس هذا العنوان بمستجد، فقد تكلم عن هذا الموضوع الكثير من المفكرين والفلاسفة الاجتماعيين وغيرهم. أما المناسبة لهذا الحديث فليست كما طُرحت في السابق، بل سوف نطرحها بشكل مختلف. وهذا الاختلاف إنما تفرضه الأوضاع القائمة في بلادنا. هذه الأوضاع التي فرضتها الهجمة غير المسبوقة من قبل الادارة الأمريكية وحلفائها، وخصوصاً العدو الإسرائيلي.

إن الهجمة التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية على بلادنا تذكر بالهجمة المغولية على بغداد، تلك الهجمة التي لم تبق ولم تذر. والمستكبرون متشابهون. ولكن التقدم التقني الذي أحرزته قوى الاستكبار العالمي والتي تريده حصرياً في يدها يترك آثاراً تتصف بالكثير من السلبية على عالمنا، من حيث عظم التضحيات المفروضة على شعبنا حتى يتمكن من التصدي لهذه الهجمة. فضربة السيف في عهد الهجمة التترية كانت تسبب موت فرد واحد، ان سببت موت أحد. أما القنبلة اليوم فبامكانها قتل الكثير الكثير بحيث يبدو من شبه المستحيل تقدير الخسائر. فالتقدم التقني الذي يبدو ايجابيا في بعض الأوجه، إنما هو في حقيقة الأمر وبال على شعوبنا وعلى جميع الشعوب المستضعفة في العالم. وذلك بسبب تملكه من قبل الدول المستكبرة. تلك الدول التي لا تقبل بأن يشاركها أحد في امتلاك تلك التقنيات، حتى تحافظ على تفوقها في جميع الميادين السياسية والاقتصادية والعسكرية وغيرها...

إن الاستمرار في عملية النهب المنظم للشعوب المستضعفة يتطلب منع هذه الشعوب من تملك أسباب القوة كما تراها الدول المستكبرة. والدليل الواضح على ما نقول هو من غير أدنى شك تلك الضغوط التي مارستها الادارة الأمريكية على كورية الشمالية حتى تتخلى عن التقنية النووية التي تمكنت من الحصول عليها بفضل المجهودات الجبارة للشعب الكوري المستضعف. ولكن، كما يظهر، أصبح من المستحيل لهذا الشعب أن يصمد أمام الضغوط التي منعته حتى من تأمين قوت يومه نتيجة الحصار الاستكباري ليس على المعدات فقط انما حتى على المواد الغذائية. لذا نراه أخيرا قد تخلى عن صموده نتيجة أوضاعه المزرية. وقد أصبح بإمكان الإدارة الأمريكية الآن التفرغ لمعركتها مع الجمهورية الاسلامية في ايران. فالمعركة مع ايران لا يمكن أن تأخذ نفس الطابع الذي سبق مع كوريا الشمالية، ذلك أن ايران دولة اسلامية. والصحوة الإسلامية هي العدو المعلن والفعلي للاستكبار العالمي.

ما نقوله ليس سرا ولا يستدعي التخمين. فالإدارة الأمريكية أعلنت أكثر من مرة أن عدوها، بعد انتهاء معركتها مع الشيوعية، هو الاسلام. وكان لبوش الأب أسبقية هذا الإعلان. وبما أن "هذا الجدي من هذا التيس"، كما يقول المثل الشعبي، فها هو بوش الابن يكمل ما خطط له بوش الأب. لذا كما أسلفنا، لن تكون معركة تملك التقنية النووية من قبل ايران كما شبيهتها في كوريا، لأن أمريكا لا يمكنها التنازل أمام المسلمين الذين لا تسيطر على قرارهم بالكامل كما في باكستان. كلكم يعلم أن باكستان مشرف قد استقدمت الجيش الأمريكي لحماية قنبلتها النووية. هل من ذل أكبر من هذا الذل. ولمَ القنبلة النووية إن لم تكن لحماية مكتسبات هذه الشعوب؟ نستقدم العدو الأكبر، والذي يمكن أن يكون الأوحد لجميع الشعوب، لحماية السلاح الذي أنشدت له جميع الشعوب المستضعفة الأهازيج تعبيرا عن فرحتها العامرة بامتلاكها له. السلاح الذي سوف تستعمله لحماية نفسها من أعدائها. لقد بات على الشعب الباكستاني أن يطرد الأمريكي وحكامه وقنبلتهم النووية التي دفع هو ثمنها من تضحياته.

لا نريد مما تقدم القول بأن التضحيات التي يقدمها الشعب الايراني المسلم في معركته سوف تكون من غير فائدة كما حصل مع الشعب الباكستاني. إنما أريد القول بأن المعيار الأكيد للقوة في أي دولة من الدول يحدده مدى تسلم هذا الشعب لزمام المبادرة في صراعه مع العدو، ولو كان بقوة أمريكا. فالمقاومة الإسلامية في لبنان قد تمكنت بفضل ايمانها بالله وتماسكها أمام العدو من أن تهزم أعتى قوة عسكرية في الشرق الأوسط ولمرتين على التوالي.

إن ما يحدد دور الانسان في المجتمع هو حسب زعمنا خالق هذا الإنسان، أي الله تبارك وتعالى. وعلينا أن نلاحظ أن استعمالنا للفظ "مجتمع" هو فقط للاشارة الى الدور الوظيفي للانسان. حيث أننا لن نبحث هذه القضية كما طرحت في الأدبيات الغربية.

يقول تبارك وتعالى: "وإذ قال ربك للملائكة اني جاعل في اللأرض خليفة..."، ويقول تبارك وتعالى: "وهو الذي جعلكم خلائف الأرض..."، ويقول تعالى: "قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من اله غيره هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها...".
ما تقدم يبين وبشكل واضح أن الإنسان إنما وجد على هذه الأرض لدور عليه القيام به. هذا الدور هو استعمار هذه الأرض. ولا داعي للإشارة أن "استعمار" هنا تعني العمارة. فالانسان عليه عمارة هذه الأرض، طاعة لله وفي سبيله. والعمارة في الإسلام يجب أن تكون لصالح جميع الناس وليس لصالح فئة معينة أو طبقة ما. كما وأن مفهوم العمارة لا يقوم على ايجاد الحلول للتناقض المزعوم بين الانسان والطبيعة إنما يقوم على التكامل والتناغم ما بين الانسان والكون. فالفعالية هي للإنسان لا كما يتهيأ لكثير من الناس من الانسان المؤمن هو ذلك المتواكل، الذي لا حول له ولا قوة. يسير على غير هدى فهو مسير من غير أن يكون له رأي فيما عليه القيام به أو خلاف ذلك.

كيف لنا أن نعرف أهمية الانسان من وجهة نظر الدين؟
يقول تبارك وتعالى متحدثا عن الانسان :"فاذا نفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين".
والسجود لا يكون الا لله. لكن السجود هنا إنما هو للتكريم. ومتابعة لما جاء في الكتاب الكريم أن الملائكة جميعهم سجدوا إلا إبليس أبى أن يكون من الساجدين، معللا ذلك بأنه أشرف من الانسان المخلوق من طين، وإبليس مخلوق من نار. أي أن إبليس اعتبر أن التكريم يعود إلى المادة الأولى وليس إلى الدور المنوط بالإنسان القيام به. ولكن الله تبارك في علاه هو الذي خلق وهو الذي يحدد.
فالتكريم الأول هو لكون الانسان هو المستخلف في هذه الأرض. أما التكريم الثاني فيأتي من ناحية ممارسة المهمات المكلف هذا الخليفة القيام بها. يقول تبارك في علاه: "إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان...". والأمانة هي الرسالة التي سوف تحررالانسان من عبوديته لغير الله فاطر السماوات والأرض. والتحرر يستدعي طبعا تغيير الأوضاع القائمة التي لا تستقيم مع فطرة الإنسان، أي بصيغة أخرى لا تنسجم مع الأمانة (الرسالة) المكلف بها من رب العالمين. فحيث الاستعباد والاستغلال والاستكبار لا وجود للدين. إذن ما على المؤمنين طاعة لله، إلا العمل على تغيير الأوضاع بالاتجاه الذي يحقق مصالح الناس.
ما الدين؟ ما هو الا معطى إلهي لتحقيق سعادة الانسان في الحال (الدنيا) والمآل (الآخرة). من هنا فإن كل ممارسة لا تنحو هذا المنحى لا تكون من الدين في شيء، الا رسوم وأشكال توحي بالعلاقة بهذا الدين. إن عظمة هذا الدين تتأتى من أن الله تبارك وتعالى قد كلف الإنسان القيام بهذه المهمة: إقامة المجتمع الذي يحقق مصالح جميع العباد، آمنوا أم كفروا. والله عز وجل يساعد الذي يمشي في الطريق الصحيح ويأجره ويعاقب المخالف ولا يساعده على المعصية.
ومن مظاهر تكريم الله للانسان نسبة بعض أفعال الانسان لله عز وجل. ويبدو هذا أكثر ما يبدو في الأمور ذات الطابع المصيري. ففي غزوة بدر، وهذا اليوم هو من أهم أيام الاسلام، نرى الله تبارك وتعالى ينسب فعل المؤمنين لنفسه. يقول تبارك وتعالى: "وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى". ان أهمية المعركة التي كان من أهم نتائجها تثبيت قوة دعوة الاسلام في الجزيرة العربية تستدعي بالتالي تكريما للقائمين بها، تكريما لنقل من نوع آخر، فكانت نسبة فعل المقاتلين لله عز وجل. إن عظمة هذه الصيغة تتأتى من حيث تثبيت الفعل للانسان ومن ثم نسبته لله عز و جل.
ومن مظاهر التكريم أيضا تلك الحرية المعطاة لهذا الانسان الذي سجدت له الملائكة. فالملائكة "يفعلون ما يؤمرون"، كما ورد في القرآن الكريم. أما الإنسان فله كامل الحرية في التصرف: "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر".

لسنا بصدد تعداد الأساليب التي كرم الله بها عباده، إنما ما نقوم به هو تصحيح لبعض المفاهيم التي تتعلق بفعالية الانسان. فنسبة فعل الانسان لله عز وجل ليست إلا هروباً من تحمل المسؤولية الملقاة على عاتق هذا الإنسان.
والحمد لله رب العالمين.

حسن ملاط
نيسان 2007

ليست هناك تعليقات: