أبو حسان
حسن ملاط
لم يرض أبو حسان الا أن يعيش حياته كلها. تمسك بها لأنه يعمل لآخرته كأنه يموت غدا. حاول المرض أن يقعده، ولكن أبا حسان رفض. يدخل "الكوما" (الغيبوبة) وعندما كان يستفيق ويقوى على المشي، يسير حتى يلتقي من يدعوهم الى تقوى الله والتخلي عن عبادة العباد. انه يحفظ جيدا قول الله تبارك وتعالى "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون". فالدعوة الى الله، والدعوة إلى إحقاق الحق وإزهاق الباطل، والدعوة إلى منع الظلم وإقامة العدل هي من لب العبادة عند أبي حسان. كان يقوم بجميع الفرائض، كان لا يحتكر العلم. قليلون جدا هم الذين لم يتحدث اليهم أبو حسان داعيا اياهم للتمسك بأهداب الدين. كان شعاره "أدع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة"، "وجادلهم بالتي هي أحسن". وهذا الشعار كان يرتبط لديه بمقولة أخرى على نفس القدر من الأهمية: "ومثل كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين باذن ربها". فهو عندما كان يدعو يكون على يقين أن الزرع الذي يزرعه سوف يثمر يوما ما. فهو مسؤول عن الزراعة أولا ويتمنى الإنتاج ثانيا، ولكن الإنتاج ليس ملك يمينه، انما الدعوة هي ما يقوى عليه.
كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويؤمن بالله. كان يقول أن الظلم ظلمات يوم القيامة. لذلك كان يحرص أن لا يظلم أحدا وكان يحب أن يحشر مع المظلومين في الآخرة. كان ينصح باياك والظلم . علينا أن نحارب الظلم انى وجد. فما بالك والظلم بين ظهرانينا؟ هذه إسرائيل ترتع وتلعب في ملعبنا. تقصف وتقتل وتعربد متى شاءت وأنى شاءت. ولولا خوفها من تلك العصابات المؤمنة التي تجعلها تفكر مليا قبل أن تستمر بظلمها لرأينا منها الويلات. ولكن رغم بغضه الشديد لإسرائيل كان يرى بأن ما جعل اسرائيل تستمر بوجودها حتى الآن هو نحن، وليس العدو فحسب. فالعيب فينا وليس بعدونا. والعجب العجاب أن العدو يدافع عن جوره باستماتة منقطعة النظير أما نحن فلا ندافع عن حقنا؟
ما سبق لم يدفعه للتهاون بعدائه لعدو أمتنا وشعبنا وجميع الشعوب المستضعفة، إنما كان يقول بأن اسرائيل عدو وعلينا التعامل معها كعدو مغتصب كما أمر الله تبارك وتعالى. أي قد بدت العداوة والبغضاء بيننا إلى يوم يزول الكيان الغاصب.
أما العدو الآخر لأبي حسان فقد كانت الظالمة الأولى، الظالمة الأكبر أمريكا. فهي التي تمد اسرائيل بالسلاح لتقتيل الشعب الفلسطيني واللبناني وكل من تحدثه نفسه بمساعدتهما. هذا قبل أن تبدأ احتلالها الفعلي للعراق. فكيف الآن؟ عداءنا أصبح اكبر. كان الحديث عن عداء أمريكا للاسلام يكاد يكون نظريا. لأنه كان علينا البرهان على أن العدو الأكبر لأمريكا هو الإسلام، حتى وإن صرح بوش الأب بذلك. فمن أبناء شعبنا المرتبطين ببعض الزعامات المتسلقة والمرتبطة بالسفارات الأجنبية على تنوعها، لا يقتنعون الا بما يصرح به الزعيم. فمنهم من صرح على رؤوس الأشهاد أن أمريكا صديق حتى وهي تسلم إسرائيل القنابل الذكية لقتل شعبنا، أي قتلنا نحن. لم يكن أبو حسان ليرضى بالتهاون بهذا الأمر الخطير حتى وإن قام به هؤلاء المغرر بهم كرمى لعيون زعمائهم. فأمريكا هي التي تقتل المسلمين في أفغانستان وهي التي تقتل المسلمين في الصومال، وهي التي تبعث بالموت الى الفلسطينيين. ولنختصر فهي عدوة جميع الشعوب المستضعفة من دون استثناء. فما علينا، حسب ما كان يرى أبو حسان، إلا أن نتخذ أمريكا عدوا. ان الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا.
كان أبو حسان يبشرنا بالانتصار على أمريكا وإسرائيل لأنهما يمثلان شياطين هذا العصر، والله تبارك وتعالى قد أخبرنا أن كيد الشيطان كان ضعيفا. لذلك علينا أن نكون على ثقة بالنصر اذا ما التزمنا بسنن النصر التي علمنا اياها ربنا عز وجل.
وأكثر ما يحز في قلب أبي حسان، كان تفرق صفوف المؤمنين. فهو لا يرى أي مسوغ لهذا التفرق. فالعدو لا يفرق بين مؤمن وآخر. والاستكبار بعدائه للشعوب ملة واحدة. فلماذا لا يكون المستضعفون ملة واحدة بمجابهة أعدائهم؟ كان أبو حسان يعلم حق المعرفة أن ما تقدم هو أبرز سمات التخلف. ولكن لا بد من التبشير بالوحدة والتوحيد. ولا بد من أن نرتفع الى المستوى الذي أرادنا عليه الاسلام الحنيف. أي أن نكون خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله. وهذا ما يمكننا من القضاء على التخلف والانتصار على أعدائنا كافة.
لا يمكنني أن أصدق أن هذه الكتلة التي كانت تضج بالحياة قد توقفت عن الحركة. لقد تخيلت مرارا أن أوراق النعوة سوف تتخلص من وجودها على الحيطان وتغادرها وتبشر الناس بالنصر على أعداء الله وأعدائها إن هي لم ترهب اسرائيل وأمريكا. سوف تترك الحيطان لأن أبا حسان لا يمكنه أن يبقى ساكنا بلا حراك.
في أحد الأيام، ومنذ فترة ليست ببعيدة جئت لزيارة ابي حسان، ولكني لم أجده. ذهبت لأفتش عنه فوجدت اصحابه يساعدونه على الجلوس. لأنه لا يقوى على الجلوس وحده. جئته وتباوسنا وأخبرني أنه قد استفاق من الغيبوبة التي دامت عدة أيام منذ حوالي الساعة، ولكنه لم يسترسل بالحديث عن نفسه بل بادرني بالسؤال عن فلسطين وحماس والعراق والمقاومة العراقية، وأخبرني بأن النصر هو من نصيب المقاومين أينما وجدوا في لبنان والعراق وفلسطين وفي كل مكان... ألم أقل لكم أن أبا حسان قد عاش كل أيامه؟
يموت ابن آدم فينقطع عمله الا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له. إني أشهد بأن أبا حسان قد علمنا جميعا.
العرب والعولمة العدد 38
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق