بحث هذه المدونالهجرة النبويةة الإلكترونية

حسن ملاط

صورتي
القلمون, طرابلس, Lebanon
كاتب في الفكر الاجتماعي والسياسي والديني. تربوي ومعد برامج تدريبية ومدرب.

الخميس، 12 فبراير 2009

الانتخابات الاسرائيلية في فلسطين المحتلة

الانتخابات الاسرائيلية في فلسطين المحتلة

كنت أود التحدث عن الانتخابات الاسرائيلية قبل حصولها لأنني لا أرى كبير فرق بين أن نتحدث عنها قبل حصولها أو بعد حصولها. ولكن المثير في الأمر أن أكثر التعليقات في الصحافة العربية قد اتفقت أن اسرائيل قد اتجهت نحو اليمين! أين كانت قبل ذلك؟ شارون كان يساريا؟ اولمرت كان يساريا؟ ليفني يسارية أيضا؟ يقولون في الوسط ! وما هو المعيار؟
اذا كان المعيار هو البرامج الانتخابية فنظرة الى برامج الأحزاب "الكبرى"، أعني "كاديما" و"الليكود" و"العمل" تظهر أن البرامج تكاد تكون متطابقة لا متشابهة. فبالنسبة لقضية القدس الشريف مثلاً نتنياهو لا يقبل بتقسيم القدس مجدداً، أما ليفني فهي لا تقبل بتقسيم القدس ولكنها تفاوض (أي تتسلى مع محمود عباس) وحزب العمل لا يقبل بتقسيم القدس. أما "حماس" فهي ارهابية ولا يقبلون التفاوض معها وهي (أي حماس) عدو استراتيجي لاسرائيل. والقضية الهامة الثالثة فهي حق العودة فجميعهم لا يقبلون بحق العودة. علينا أن نعلم اذن ما هو تقييم اليمينية والوسطية واليسارية بالنسبة للأحزاب الاسرائيلية حتى نقبل أن اسرائيل تتجه نحو اليمين.
ربما نجاح ليبرمان وحزبه "اسرائيل بيتنا" بأربعة عشر مقعداً متقدماً على حزب العمل بمقعد واحد هو الدافع لهذا التقييم؟ فليبرمان هذا يريد أن يطرد الفلسطينيين الذين لا يزالون في فلسطين من أرضهم لأنهم أصل البلاء بالنسبة لاسرائيل. (مهزلة العالم المتمدن: روسي يريد أن يطرد الفلسطيني من أرضه ليأخذ مكانه، ولا من يعترض). بم صرحت ليفني منذ عدة أسابيع؟ ألم تقل أنه يجب مبادلة فلسطينيي الثامن والأربعين حتى تصبح اسرائيل دولة يهودية صافية؟ أليس هذا ما يريده ليبرمان؟ أما اذا تحجج البعض بوجود مرشحين من عرب الداخل على قوائم "كاديما" فيوجد من هؤلاء على قوائم "اسرائيل بيتنا" أيضاً. وقد فاز أحدهم في شفاعمرو.
ما تقدم يظهر وبوضوح أن التحدث عن المجتمع الاسرائيلي كما التحدث عن المجتمعات الطبيعية أمر خاطىء. لذلك لا معنى للتحدث عن اليمين واليسار وما شابه.
ان التجارب التي مر فيها الكيان الصهيوني في السنوات القليلة الماضية، وبالتحديد في تجربته مع المقاومة الاسلامية في لبنان، والتي أدت الى هزيمته الأولى في أيار ال2000 ومن ثم هزيمته الثانية في حرب تموز ال2006 قد غيرت الكثير من الثوابت التي وجدت في اسرائيل خلال العقود الماضية. كان المجتمع الدولي يتحدث عن الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط ويعني اسرائيل. أما الآن فيتحدث عن المجازر التي يرتكبها هذا الكيان، عن الجرائم ضد الانسانية. وهل أن هذه التصرفات قد أتت من سراب؟ لا أعتقد ذلك.
ان الهزائم التي ألحقتها المقاومة اللبنانية بالجيش الاسرائيلي قد أدت الى نتائج هامة:
1 – لقد أفضت الى ضرب الطبقة السياسية الاسرائيلية، فباتت هذه الطبقة عقيمة، وأشدد على تعبير عقيمة. فالمواطن الاسرائيلي (بين هلالين) بات لا يصدق طبقته السياسية. وأصبح هناك نوع من الغربة بين الاسرائيلي وقيادته السياسية. وقد بذلت هذه الطبقة الكثير لاعادة التوازن الى العلاقة ما بين المواطنين (بين هلالين) والطبقة السياسية ولكنها لم تفلح. من كان يتخيل، وخاصة الاسرائيليين، أن يرى الجنود الاسرائيليين يفرون بأسلحتهم أمام المواطنين اللبنانيين، ومنهم من لم يكن يحمل السلاح، على شاشات التلفاز؟ كلنا يعلم أن اللحمة في "المجتمع" الاسرائيلي قد أوجدها الجيش. وحيث أن الاسرائيليين قد رأوا جيشهم يفر أمام المقاومة، فلم يعد من بد من وجود من يعيد هذه اللحمة للمجتمع. وهذا ما لما تتمكن الطبقة السياسية في الكيان الصهيوني من ايجاده. وهذا ما قصدته بتعبير العقم.
2 – قامت القيادة الصهيونية بترتيب حرب تموز ال2006 حتى تعيد ثقة الاسرائيليين بجيشهم وحتى تعود اللحمة الى "المجتمع"، فكانت الكارثة. معركة مخطط لها ومنذ مدة وقد قامت القيادة العسكرية بتدريب الجنود على هذا الهجوم وكانت النتيجة الهزيمة الشنعاء؟ أصبحت شعبية رئيس الوزراء لا تتعدى 2% وبالرغم من ذلك بقي في الحكم ولم يجرؤ أحد من السياسيين على التقدم للحلول مكان أولمرت. أما لماذا فالجواب لأنه ما من أحد من السياسيين الاسرائيليين يملك الامكانية على اعادة اللحمة الى هذا المجتمع نتيجة العقم في هذه الطبقة. أين كان نتنياهو في تلك الأيام؟ نتنياهو الذي يريد أن يتبوأ مركز الرئاسة الآن؟
3 – ان القضية المركزية الموجودة الآن، ودعونا نقول الكامنة، عند الاسرائيليين هي قضية "وجودية". أي هل بامكان الدولة اليهودية أن تستمر في الوجود في هذا الشرق بعد أن تبين أن سر بقائها وتماسكها، أعني الجيش، اصبح مشكوكاً بصلاحيته. ان التقارب في عدد الأصوات بين مختلف الأحزاب ان دل على شيء فانه يدل على الارتباك عند الناخب الاسرائيلي. فهو يريد أن ينقذ "مجتمعه" ولكن لا وجود لمن يقنعه بامكانيته على انقاذ هذا المجتمع، وهذا سر التقارب في عدد الأصوات.
4 – على من يريد أن يكتشف الاختلاف بين برامج الأحزاب التي تقدمت الى الانتخابات أن يمتلك مجهراً عملاقاً، ولن يتمكن. وهذا عائد الى أن الاشكال الذي تعيشه اسرائيل هو "الوجود"، لذلك تحدثت جميع البرامج عن الأمن، أي الوجود الآمن.
5 – حرب غزة كان لها مكان بارز في الانتخابات الاسرائيلية. فهي التي أظهرت وهن الجيش الاسرائيلي وعدم امكانيته الحالية ولا المستقبلية على تحقيق أي انتصار على المقاومة مهما كانت الظروف غير مؤاتية. فالقضية عند جميع الأحزاب واحدة: "أمن المجتمع الاسرائيلي". ومن الطبيعي الحديث عن حكومة ائتلافية، تجمع جميع الأطياف السياسية. وعلينا أن نطمئن: العقيم مع العقيم لا ينجب.
6 – حرب غزة هي التي قصمت ظهر البعير. نقول وبالفم الملآن أن أمن الكيان الصهيوني قد أصبح بعد مجزرة غزة من مهمات النظام الرسمي العربي.

ان التهريج الذي تفرجنا عليه في نصرة غزة يظهر أن المنوط بهم حماية الكيان الصهيوني يعرفون المطلوب منهم جيدا. لذلك رأينا البعض يتحدث عن انتظاره لمعرفة نتيجة الانتخابات الاسرائيلية حتى يستأنف المفاوضات، والبعض الآخر يقول أنها عدة أيام وتعود المياه الى مجاريها، في تعليقه على اقفال المكاتب و... أما اعادة الاعمار فيريدها النظام الرسمي العربي مسيرة اذلال للذين مرغوا جبين العدو بالذل والهزيمة، والمراقب لما يقوم به النظام المصري وحلفاؤه العرب يتأكد مما ذهبنا اليه.
الانتخابات الاسرائيلية هي شهادة جديدة على هزيمة الجيش الاسرائيلي من قبل المقاومة الفلسطينية في غزة البطلة بالرغم من كل الصراخ والعويل والانكار من قبل المستكبرين ومن قبل الذين لا يحسنون قراءة الوقائع. ان من يقتل بوحشية يدلل على خوفه الكامن، وهذا ما قام به الجيش الاسرائيلي.
حسن ملاط
11 شباط 2009

ليست هناك تعليقات: