بحث هذه المدونالهجرة النبويةة الإلكترونية

حسن ملاط

صورتي
القلمون, طرابلس, Lebanon
كاتب في الفكر الاجتماعي والسياسي والديني. تربوي ومعد برامج تدريبية ومدرب.

الخميس، 5 فبراير 2009

استثمار الصمود والانتصار في غزة

"استثمار" الصمود و"النصر" في غزة - حسن ملاط


2009-02-05

خاص لمركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق المدنية



الوضع الفلسطيني الحالي يتسم بكثير من الضبابية. وهذا الوصف أعتقد أنه يناسب ما هو قائم ولا يظلم أحدا من أطراف الصراع. الخوف، كل الخوف هو أن يتحول الصراع الحالي من صراع مع العدو الصهيوني الى صراع ما بين المنظمات الفلسطينية بسبب اصطفاف هذه المنظمات في محاور مختلفة. والنتيجة الحتمية للصراع البيني هي الاستفادة المطلقة للعدو الصهيوني. هل من الممكن تجاوز الخلافات البينية؟ الجواب هو بالايجاب وهذا ليس على سبيل التمني انما على سبيل الامكانية العملية.
ان استعراض الحرب الوحشية التي قام بها العدو الاسرائيلي على غزة تساعد القيادة الوطنية الفلسطينية على امكانية الوصول الى الخيار الأسلم في تحركها المستقبلي لما فيه مصلحة قضية الشعب الفلسطيني الوطنية ولما فيه المصلحة الآنية لهذا الشعب من فتح للمعابر واعادة البناء والحصول غير المذل على المواد الغذائية الى آخر القائمة التي لا تنتهي.
أولا: ان من تحمل النتائج الايجابية والسلبية للحرب الظالمة على غزة هو المواطن الغزاوي في المقدمة ومن بعده الشعب الفلسطيني سواء في الداخل أو في الشتات. فالقتل والتدمير والجوع أصاب الغزاوي وهو الذي تحمل وزر هذه الحرب وهذا يستتبع بالتالي معرفة المواطنين الغزاويين بما يمكن أن تؤول اليه الخطوة التالية. وهذه الممارسة لا تقلل من شأن القيادة السياسية في غزة انما تؤكد أواصر الصلة بين الجماهير والقيادة وتسمح للقيادة بخوض المعارك الأكثر شراسة وهي مطمئنة لقبول الناس بما تقوم به لأنها تعبر عن مصالحهم بسبب ممارستها "الشوروية". هنا لا بد من الاشارة أن ما تقوم به بعض الفصائل يبتعد كثيرا عن هذا الخيار. ولكن على خلاف ذلك فقد تحدث البعض عن القيام بحملة اضطهاد لمن يخالف الرأي القيادة السياسية القائمة اليوم. وهذا الأمر يعتبر خطيرا وخاصة اذا أضفنا أن من تحدث عن الاضطهاد ليس من المعادين لحماس ولا لخطها الجهادي.
أما الايجابيات فهي اعادة تموضع القضية الفلسطينية في المكان الصحيح كمسألة تحرر وطني و ليس اغاثة الملهوف.
ثانيا: ان مسارعة أحد المسؤولين في الخط الجهادي الى التحدث عن ايجاد بديل للقيادة الحالية للشعب الفلسطيني، وكان يقصد منظمة التحرير الفلسطينية، يعتبر موقفا لا يتسم بالمسؤولية لأنه أتاح لمن لفظه الشعب الفلسطيني بسبب مواقفه المؤيدة للعدوان على غزة، أن يقوم بهجوم مضاد بتأييد من أكثرية الفلسطينيين، منظمات وأفرادا. في هذه الأزمة الكبيرة على القيادات الوطنية، الواعية لمصالح شعبها، أن توحد صفوفها وتعمل على عزل من خان قضية الشعب الفلسطيني من ضمن الأطر القانونية لمنظمة التحرير الفلسطينية. ان المنظمة كاطار جامع يجب اعادة تشكيل أطرها وذلك لكي يعمل الوطنيون والجهاديون فيها حتى تعود الى تمثيلها الحقيقي لآمال ومصالح الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات. ومن الأكيد أنه لم يفت الوقت على ذلك وانما يجب المسارعة الى هذا العمل.
ثالثا: يكثر الحديث في هذه الأيام عن ضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية أو اتحاد وطني. وهناك الكثير من المتحدثين في هذا الموضوع يتمتعون بالصدق والانتماء الى خط المقاومة. ان زلزال غزة يجب أن يدفع أولئك الذين منّ الله عليهم بسعة العلم والثقافة أن يعيدوا النظر بما يرونه من الثوابت وهو ليس كذلك. فالسلطة الوطنية الفلسطينية التي يجب أن نضعها بين هلالين، والقائمة اليوم، هل بامكانها أن تمارس دورا سياديا في الضفة والقطاع المحتلين؟ الجواب سيكون بالنفي طبعا. أضيف اذا لم يكن بامكان قائد مثل ياسر عرفات أن يمارس هذا الدور فهل بامكان أي قائد آخر أن يلعب هذا الدور؟ الجواب بالنفي أيضا. أضيف بأن هذا الأمر لا يتعلق بشخصية القائد فقط انما، وهذا هو الأهم، يتعلق بالظروف الموضوعية المحيطة بالسلطة وبالقائد على السواء. ان سلطة قائمة في ظل الاحتلال، أي غير حرة، لا يمكنها تأمين الحرية لشعبها. من هنا ضرورة أن تنتقل الممارسة السياسية للقيادة الفلسطينية في أراضي ما يسمى بالسلطة الوطنية الفلسطينية الى خارج الأراضي المحتلة حتى لا يتمكن الاحتلال من ممارسة أ ية ضغوط على القيادة السياسية كما يحصل اليوم مع محمود عباس. نذكر أنه عندما عجز الاحتلال عن اجبار عرفات على الاذعان لشروطه قتله. أي أن القائد لم يتمكن من القيادة.
ان تحول السلطة الوطنية الفلسطينية الى رعاية الشؤون التربوية والاجتماعية والاقتصادية .... الخ من دون التطرق الى الشؤون السياسية التي يجب أن تكون من اختصاص منظمة التحرير بعد اصلاحها سوف يخفف كثيرا من الخلافات القائمة بين مختلف المنظمات. وبذلك يصبح الحديث عن حكومة تكنوقراط كلاما مفيدا. أي حكومة مهمتها تأمين مستلزمات الشعب الفلسطيني الحياتية مع اعادة الاعمار في غزة، وتستمر المنظمات المقاومة بتأمين مستلزمات التمكن من الاستمرار في المقاومة، والمنظمات التي تؤمن بالمقاومة السلمية باعادة العمل ضد جدار التمييز العنصري والذل الذي يسببه مئات الحواجز العسكرية ما بين القرى والمدن في الضفة.
أما الكلام عن حكومة وحدة وطنية في مثل الظروف الحالية وفي نفس الشروط القائمة، أي حكومة سياسية في ظل الاحتلال، فهذا يعني اعادة انتاج الفرقة بين مكونات الشعب الفلسطيني والخضوع لمتطلبات الصراع ما بين الأحزاب الاسرائيلية بما يفيد المعركة الانتخابية لهذه الأحزاب.
رابعا: ان عودة الحديث عن امكانية التصادم ما بين مختلف المنظمات في مخيمات اللجوء في لبنان هو دليل على أن هذه المنظمات لا تعمل من أجل مصالح الشعب الذي تدعي تمثيله، وانما تعمل من أجل مصالح القابضين على السلطة سواء في المخيمات أو في المنظمات أو في الضفة والقطاع. أما الاحتمال الأسوأ فهو أن تكون هذه الصدامات هي لخدمة أحد طرفي صراع المحاور على صعيد الأنظمة العربية.
خامسا: ان ابتعاد قيادة المنظمات المجاهدة عن المحاور المتصارعة هي سياسة تحتمها مصالح الشعب الفلسطيني في الداخل وفي الشتات. ان مهاجمة القيادة المصرية من قبل القيادات الفلسطينية الممثلة للمجاهدين في غزة، لم ينتج عنها الا تغطية هذه القيادة مع حلفائها في الأنظمة العربية لقيادة السلطة الفلسطينية المتواطئة مع العدوان الاسرائيلي. لقد أصدر وزراء الخارجية العرب المجتمعون في دولة الامارات بيانا يؤيدون فيه قيادة عباس رغم انتهاء ولايته. كما وأن عباس هذا لا يزال حتى الآن يبرر العدوان الاسرائيلي الذي تسبب بتدمير غزة وباستشهاد أكثر من ألف وثلاثماية فلسطيني و جرح عدة آلاف منهم. اضافة الى جميع ما تقدم هل بامكان قيادة المقاومة في غزة التخلي عن التعامل مع القيادة المصرية؟ بالطبع لا! فلماذا اذن اعطاء قيادات هذا النظام المبرر لأخذ مواقف تسيء للمقاومة؟ ان اقامة علاقة طيبة مع الجانب المصري هي حاجة ملحة للجانب الفلسطيني. فبالرغم من بشاعة الموقف الرسمي المصري لم تتوقف حركة الأنفاق عن العمل وبتغطية من الرسميين المصريين. ولا يزال الرئيس المصري يجابه جميع الضغوط الدولية لوجود قوات مراقبة دولية لخنق غزة. أليست هذه المواقف تستأهل التنويه؟
ان "استثمار" الصمود و"النصر" في غزة يستدعي القيام بالخطوات التالية:
1- الدعوة الفورية لاجتماع القيادات الفلسطينية من أجل وضع الأسس التي سوف يتم من خلالها اعادة احياء "منظمة التحرير الفلسطينية" كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني في الداخل وفي الشتات.
2- تفعيل جميع الأطر التنظيمية للمنظمة بحيث يعيد النشاط الى فلسطينيي الشتات لأخذ دورهم الطبيعي في النضال من أجل وضع حق العودة موضع التنفيذ.
3- الفصل الفوري بين قيادة منظمة التحرير الفلسطينية ورئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية.
4- الاعلان الفوري عن عدم صلاحية السلطة الوطنية الفلسطينية للقيام بأي دور في شأن المفاوضات السياسية مع العدو الاسرائيلي. ان التفاوض السياسي مع العدو هو من صلاحيات قيادة منظمة التحرير الموجودة خارج أرض فلسطين.
5- المسارعة الى تشكيل حكومة لتأمين مستلزمات الحياة الكريمة للفلسطينيين في الضفة والقطاع والاشراف على اعادة الاعمار مع الاعلان المسبق أن هذه الحكومة لا تملك سلطة مفاوضة العدو في شؤون ذات طابع سياسي.
6- أما في حال عدم قبول العدو بما تقدم، فما على قيادة منظمة التحرير الا أن تعلن أن أراضي الضفة والقطاع هي أراض تحت الاحتلال ومهمة العدو الاسرائيلي ادارتها (وهذا هو واقع الحال الآن) وتحمل مسؤولية الأهالي الموجودين فيها (وهذا ما يناى العدو بنفسه عنه).
7- ضرورة اعادة النظر بشعار الدولتين الذي يعطي المبرر للعدو الاسرائيلي في التحدث عن دولة يهودية (أي طرد فلسطينيي الثامن والأربعين)، بالاضافة الى أن العدو قد قضم معظم أراضي الضفة. فأين ستقام هذه الدولة الحلم؟ هذا ان وجد المبرر لرفع شعار الدولتين.
8- ابتعاد "منظمة التحرير الفلسطينية" عن الاصطفاف في أي محور من محاور الصراع العربي.
ان استمرار الوضع الراهن سوف يكون له انعكاسات سلبية جدا على الوضع الفلسطيني، أقلها استمرار القيادة الحالية للسلطة الوطنية ومنظمة التحرير، ووجود أكثر من "كيان" فلسطيني. وعدم ابتكار حلول للوضع الحالي، حلول تدفع الوضع الفلسطيني في الاتجاه الايجابي سوف يذهب بجميع التضحيات التي قدمها أهلنا في غزة وبالصمود الأسطوري لمجاهدينا الأبطال في مهب الريح وفي طاحونة الأنظمة العربية والأحزاب الاسرائيلية المتنافسة.
ان الاحتفاظ بالنصر هي من مميزات القيادات التاريخية للشعوب.

ليست هناك تعليقات: