واقع اللغة العربية في المدارس
نظّمت اللجنة الوطنية لليونسكو طاولة مستديرة عن التجارب الجامعية في «قياس كفاءة الطلاب في اللغة العربية»، بمناسبة اليوم الدولي للغة الأم، بحضور ممثلين عن أقسام اللغة العربية في عدد من الجامعات والثانويات اللبنانية.
وتبيّن من المداخلات أنّ بعض الجامعات يفرض مادة اللغة العربية على جميع الطلاب لنيل أية شهادة في أي اختصاص. من هذه الجامعات الجامعة الأميركية في بيروت التي تعطي مادة «قراءات في الأدب العربي الحديث»، كما قال الأستاذ في الجامعة فواز طوقان. ورأى طوقان أنّ اللغة موقف اجتماعي، ولغتنا العربية تتحوّل إلى لغة ثانية وهامشية عند الطلاب.
وعرض الأستاذ في جامعة القديس يوسف الدكتور هنري عويط تجربة الجامعة في تقويم طلابها عبر اختبار اللغة العربية المتنوع ومحاولة تخطي القوالب الجاهزة لدى الطلاب التي تأتي منها معظم أخطائهم وأبرزها مع كتابة الهمزة، كما لاحظ.
أما الدكتور ربيع أبي فاضل من الجامعة اللبنانية فأحصى خمسين خطأً صرفياً ونحوياً في مسابقة لطالب في السنة الأولى. ولفت فاضل إلى أنّّ الخطأ لا يقع دائماً على عاتق الطالب لأنّ المعلم مسؤول أيضاً. فكرة وافقه عليها الدكتور نادر سراج من الجامعة اللبنانية الذي أكد وجوب قياس كفاءة الأهل والفضاء الإعلامي والبيئة التربوية المحيطة بالطالب لمعالجة أساس المشكلة. وأوضح سراج أنّ هناك مشكلة في نظام القيم لدينا فنفاضل بين الفرنسية والعربية التي نتندر عليها ونسميها المكسيكية.
كذلك أجمع عدد من المشاركين على أهمية المطالعة في تحسين مستوى اللغة العربية. فقالت الأستاذة في الجامعة اللبنانية الأميركية (LAU) سمر مجاعص إنّه رغم لحظ المنهجية الجديدة في المدارس مطالعة كتابين في السنة هناك ندرة كبيرة في المطالعة في صفوف الطلاب. ورأت أنّ اكتساب اللغة يكون بالممارسة وممارسة اللغة الفصحى محدودة جداً.
وأشار الأستاذ في جامعة البلمند نعيم أروادي إلى التراجع في مستوى الطلاب الجدد الذين يتزايد عدد من يحصلون على علامات متدنية، عبر اختبارهم بالطريقة نفسها لثلاث سنوات متتالية. وأوضح أنّ الطلاب يفقدون رغبتهم في اللغة العربية ربما لأنّ نوع النصوص المستخدمة في التعليم تنفّرهم. ووافقت الأستاذة في جامعة المنار سمر كرامي على هذه الفكرة، وأكدت أنّ من الأفضل العمل انطلاقاً من نص يجذب الطالب للوصول إلى القواعد.
أما الأستاذ في جامعة الروح القدس ـ الكسليك جوزيف شريم فقال إنّ الجامعة تضع أسئلة اللغة العربية بطريقة إيجابية كي لا ينال أي طالب أقل من 40 % من العلامة.
وذكّر الأستاذ المتقاعد من الجامعة اللبنانية الدكتور أحمد أبو حاقة بقصيدة كتبها الشاعر حافظ إبراهيم عام 1903 بعنوان «اللغة العربية تنعى حظها» التي لا تزال بعد أكثر من قرن شاهدة على تراجع مستوى اللغة العربية بين الطلاب.
لقدسبق لنا التحدث عن واقع اللغة العربية الأليم وضرورة التصدي لاصلاح هذا الواقع، وذلك انطلاقاً مما توصلت اليه الدراسات المستجدة في موضوع التعليم.
لقد أجريت الكثير من الدراسات في الغرب عن واقع اللغة، وبالتحديد القراءة، وقد تبين نتيجة هذه الدراسات أن هناك واقعا مأسويا بالنسبة للقراءة عند نسبة لا يستهان بها عند الطلاب الذين تجاوزوا المرحلة الابتدائية أي الصف السادس أساسي. ومن الجدير ذكره أن هذه الدراسات جرت في فرنسا وبريطانيا وألمانيا وغيرها من البلدان. وكان اجماعاً من الخبراء في هذه البلدان بأن حل مشكلة "القراءة" لا يتم في مرحلة التعليم الجامعي كما أجمع عليه جميع من تقدم ذكرهم من الخبراء في الجامعات التي سبق ذكرها. وأضيف بأن الكلام في مقدمة المقال منقول حرفيا عن جريدة الأخبار اللبنانية تاريخ 23 شباط فبراير 2009. لقد أجمع الخبراء أن تعلم القراءة يتم في مرحلة الروضات الى الصف الأول. كما وأثبتت الدراسات أن طريقة التعليم تلعب دوراً أساسياً في تعلم الطفل للقراءة. أي بصيغة أخرى، اذا كانت طريقة التعليم غير مناسبة أو خاطئة فهذا من الممكن أن يؤدي الى ما يسمى الديسلاكسيا الغير مرضية (fausse dyslexie )، وهذه تؤدي الى اعاقة تعلم القراءة عند الطفل. كما وأن هذه الدراسات أدت الى كثير من الحقائق التي لا يمكن تجاوزها ومع ذلك نرى أن من بيدهم القرار لا يولون هذه الحقائق أي اعتبار، وأعني المسؤولين في جميع الدول العربية من دون استثناء. ان الاطلاع على هذه الحقائق سوف يثبت صحة ما ذهبت اليه:
1 – لقد تمكن علماء الأعصاب من تصوير كيفية عمل الدماغ عندما يتعلم المرء القراءة، وذلك بواسطة التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي. وقد تبين أن المنطقة التي تنشط هي الجزء الأيسر من الدماغ والمسؤول عن تحليل المعطيات وأن الدماغ لا يقبل الكلمة ك"صورة" انما يحللها الى عناصرها المكونة لها أي الحروف.
ما أهمية ما تقدم على صعيد تعليم القراءة؟ ان الطريقة المتبعة في تعليم القراءة في جميع الدول العربية بدون استثناء هي الطريقة المجملة أو الكلية أو الطرق ذات الانطلاقة الكلية أو المجملة، وهذه الطرق تعلم الطفل القراءة على أن الكلمة هي صورة وهذا ما لايقبله الدماغ كما مر معنا.
2 – لقد أثبتت الدراسات أن العمر الأمثل لتعلم اللغات بالنسبة للانسان هو من الولادة حتى عمر الست السنوات. ولا نرى الوزارات المسؤولة عن تأمين التعليم لأطفالنا تستغل هذه المرحلة العمرية لتأمين أفضل التعليم لأطفالنا.
3 – لقد أثبتت الدراسات أن تعلم الطفل للفونيمات (الأصوات) الممثلة للأحرف لا يتقدم مع العمر انما يتطور بشكله الصحيح اذا تم تعلمه بشكله الصحيح في الطفولة.
4 – لقد تبين أن الطريقة الوحيدة التي تتآلف مع آلية عمل الدماغ في تعلم القراءة هي الطريقة التركيبية والتي تبدأ من تعلم الأصوات والأشكال التي تمثل هذه الأصوات، على أن لا يتعرض الطفل الى أية كلمة لا يعرف جميع أشكالها لأنها سوف تشكل له اعاقة في هذا الموضوع.
5 – ان موضوعاً على هذا القدر من الأهمية على الصعيد القومي لا يحل بالطرق الدونكيشوتية، انما يحل بطريقة مسؤولة تستدعي الرجوع الى جميع ما استجد من الأبحاث والدراسات على الصعيد العالمي.
وقبل أن ننهي هذه المقالة لا بد أن نرد على ما قالته وزيرة التربية اللبنانية تعليقا على ما قامت به لجنة الأونيسكو "لغتنا بخير وتراثنا موجود لكن نحن لا نعرف كيف نتعامل معهما". لغتنا ليست بخير لأنها لا تجد من يهتم بها حتى وان أكد الجميع أنها بخير. ستصبح بخير عندما يتعامل معها المسؤولون بالشكل الجاد الذي يؤدي الى اعادة احيائها وهذا ما يتمناه كل من أعطاه الله أدنى قدر من الحس القومي و الوطني والاسلامي.
24 شباط 2009 حسن ملاط
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق