بمناسبة انعقاد المؤتمر الثاني للوسطية في طرابلس - لبنان تيار الوسطية - حسن ملاط
2009-02-20
خاص لمركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق المدنية
ظروف نشأة ما يسمى ب"تيار الوسطية"
ان نشوء تيار الوسطية كان لأسباب سياسية بامتياز، ولم يكن لتذكر البعض أن الدين الاسلامي هو دين الوسطية. فهذا "الابتكار أو الابداع والخلق" قد عرفه المتقدمون من العلماء المسلمين، حيث أنهم نالوا حظ قراءة القرآن الكريم وتدبره وقرأوا الآية الكريمة التي تقول بأن الله تبارك وتعالى قد جعلنا أمةً وسطاً، ولم تكن أمتنا بحاجة للانتظار حتى عام 2002 حتى تعلم أن الاسلام هو دين الوسطية. فبدلاً من العمل بمقتضيات الآية الكريمة رأينا البعض يسارع الى انشاء تيار يسمى "بتيار الوسطية" وغايته العمل بما يناقض مقتضيات الآية الكريمة وبما يناقض كل ما أمر به الله عز وجل، أللهم الا الرسوم والأشكال على ما جاء عند شيخ الاسلام ابن القيم الجوزية. فالذين يوالون الشيطان ويقومون بحركات الصلاة أو يمتنعون عن الأكل والشراب لا يمكن تسميتهم بمقيمي الصلاة أو بالصائمين طاعةً لله. لأنه من غير المقبول طاعة الله في أمر ما ومخالفته في أمر آخر مع معرفتك بأنك تخالفه. وبذلك تصبح الصلاة هي أقرب لاقامة الحركات منها لاقامة الصلاة كما أمر بها ربنا تبارك وتعالى، الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر. وموالاة المستعمرين والمستكبرين هي فحشاء ومنكر. ومن"لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فليست بصلاة"
بعد انهيار برجي نيويورك، طلبت أمريكا من الدول الاسلامية تغيير مناهجها التعليمية: أي اقصاء الاسلام عن نفوس الناشئة. وأصبح الارهاب والاسلام لهما نفس الدلالة في الغرب نتيجة الضخ الاعلامي الأمريكي بشكل خاص والغربي بشكل عام. وهذه عينة من الرؤية الغربية لقضايانا العادلة وكيفية تجاوب قادة الغرب معها:
بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في العقد الأخير من القرن الماضي ، أعلن الرئيس الأمريكي "بوش الأول" أن عدو الغرب أصبح ”الاسلام“.
انتقد بريجنسكي ، رئيس مجلس الأمن القومي سابقا، الرئيس الأميركي جورج بوش على خلفية تشبيه الأخير الأصولية الاسلامية بالشيوعية. وهذا النقد هو على خلفية الممارسة السياسية السيئة وليس على خلفية احترام المسلمين.
ولا تزال خلفيات الحروب الصليبية أيضا تحرك العديد من الأوساط والجهات في العالم الغربي ضد الإسلام والمسلمين (على حد تعبير أحد المفكرين الذي أشاطره الرأي) ومن ذلك تصريح الرئيس الأمريكي "بوش الثاني" بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 عندما أشار إلى الحروب الصليبية ثم تراجع عن التصريح وليس عن المضمون إضافة إلى تصريح برلسكوني (رئيس وزراء ايطاليا الحالي) الشهير الذي اعتبر أن الحضارة العربية الإسلامية حضارة هجينة وكذلك الإساءة للقرآن الكريم في معتقلات باغرام وغوانتانامو إضافة إلى منع المسلمين من أداء الصلاة في المسجد الأقصى الأسير...وغيرها كثير.
جاء بوش "الصغير" الى فلسطين لتهنئة الصهاينة باغتصابها.
قال بوش إنّ : ”أسفي الوحيد يكمن في أنّ أحد قادة إسرائيل الكبار ليس هنا لمشاركتنا هذه اللحظة... صلوات الشعب الأميركي لأرييل شارون“.
وأضاف : ”نجتمع للاحتفال بمناسبة مهمة، فقبل ستين عاماً أعلن ديفيد بن غوريون استقلال إسرائيل، مؤسساً بذلك الحق الطبيعي للشعب اليهودي بتقرير مصيره، وكان ذلك التزاماً بالوعد القديم لإبراهيم وموسى وداوود، بمنح الشعب المختار وطناً له“.
ورأى بوش أنّ : ”القاعدة وحزب الله وحماس ستلحق بهم الهزيمة حيث يدرك المسلمون في كل مكان بعدم عدالة قضيتهم“.
وأضاف: ”ستكون للفلسطينيين دولتهم المستقلة وسينتهي حزب الله وحركة حماس“.
وأكد بوش أنّ : ”التحالف بين الحكومتين الأميركية والإسرائيلية لا يمكن تحطيمه“.
قال «دعوني أكن واضحا... أمن إسرائيل مقدس. هذا أمر غير قابل للتفاوض. الفلسطينيون بحاجة إلى دولة مترابطة وذات تواصل، وهذا سيسمح لهم بالازدهار، ولكن أي اتفاق مع الشعب الفلسطيني يتعين أن يحفظ هوية إسرائيل كدولة يهودية ذات حدود آمنة معترف بها ويمكن الدفاع عنها. وستظل القدس عاصمة لإسرائيل، ويتعين أن تظل موحدة».
أما أوباما عندما جاء الى اسرائيل ليقدم أوراق اعتماده كمرشح للرئاسة الأمريكية فقد قال: إن «إيران تشكل أكبر تهديد لإسرائيل وللسلام والاستقرار في المنطقة. هذا التهديد خطير وحقيقي، وسيكون هدفي هو القضاء على ذلك التهديد». وأضاف «سأفعل كل شيء بوسعي لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي... كل شيء». وصفق له الحضور وقوفا.
قال اوباما «هذا ما أتعهد بالقيام به كرئيس للولايات المتحدة. إن التهديدات لإسرائيل قريبة منها، لكنها لا تنتهي هناك. سوريا تواصل دعم الإرهاب والتدخل في لبنان، وقد قامت سوريا بخطوات خطيرة للحصول على أسلحة الدمار الشامل، ولهذا يمكن تبرير العمل الذي قامت به إسرائيل (الإغارة على سوريا) لإنهاء هذا التهديد».
أما ساركوزي رئيس فرنسا فقد قال: اكتمالاً لوعد تناقلته الأجيال، منذ التشتت، بالعودة إلى مكان ولادة الشعب اليهودي. (احتلال فلسطين وطرد أهلها).
لا توجد أية دولة في العالم أثارت في لحظة ولادتها ذلك الأمل الذي أثارته إسرائيل في صفوف أولئك الذين لم يكلوا عن معارضة البربرية بقوة الروح. (تعظيمه الصهاينة لقتلهم الفلسطينيين أصحاب الأرض، أما دفاع الفلسطينيين عن أرضهم فهو ارهاب).
أريد أن أندد بكل قوة بأسر مواطننا جلعاد شاليت، وأوجه نداءً جديداً لخاطفيه: يجب إطلاق سراح جلعاد. (أسر في حضن أمه).
لم تنجح أمريكا في جميع معاركها الاستئصالية للاسلام: الصومال، أفغانستان، باكستان، لبنان، فلسطين والعراق. فما كان منها الا أن لجأت الى "أصدقائها" (عفواً على التعبير: لأن ليس لها أصدقاء في بلادنا) لاتمام هذه المهمة. فطلبت من هؤلاء المسارعة الى تجفيف كل مصادر المساعدات التي تصل الى المعوزين من المسلمين في جميع أنحاء العالم. وقد تعرض للعقوبات كل من تجرأ وخالف هذا الأمر. وقد تبين لأمريكا وحلفائها أن هذا الاجراء لم يقض على مقاومة الشعوب الاسلامية لها (الارهاب)، فما كان منها الا أن سارعت الى اعطاء الأمر بضرورة تغيير المناهج التعليمية. ونحن نعلم أن القرآن والسنة يحضان على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجهاد المعتدين أي الارهاب حسب التعبير الأمريكي، فما عليها الا أن تمنع هذا التعليم! وحيث أن ما من أحد مهما علا شأنه بامكانه منع تعليم القرآن أو تحريفه فقد لجأ "الأصدقاء" المطيعون الى العمل على تشويه المفاهيم الاسلامية، وكان نشوء "تيار الوسطية" باشراف ودعم من الملك الوسطي عبد الله الثاني. وقد شكل هذا الانجاز فتحاً للمسبحين بحمد أمريكا على امتداد الوطن العربي والبلاد الاسلامية حيث يوجد ما يسمى "الاسلام الجهادي".
هذه هي ظروف نشأة هذا التيار فلنتحدث الآن عن مضمون دعوته.
بعد أن تمكن النظام السعودي من تطويع الشيخ سلمان بن فهد العودة (عارض وجود القوات الأمريكية في السعودية وتأمين ملاذ آمن لها عند غزو العراق) أصبح شيخنا من المؤيدين لتيار الوسطية.يقول في هذا المجال: "والأزمات الحالية تساعد على صناعة المناخ الذي يولد فيه التطرف ويتكاثر، كالأزمات التي يعانيها المسلمون في فلسطين والعراق ولبنان، فهي تشحن النفوس بالغضب والانفعال والشعور بالقهر، مما يجعله أكثر استعداداً للتطرف وأقرب قابلية له".
ثم يردف فيقول: "إن مسؤوليتنا جميعاً أن نشيع الأجواء الهادئة المعتدلة، وننشر القراءة الموضوعية للأشياء، وللعلماء والمصلحين والمؤثرين دورٌ بارزٌ في نشر الوسطية، وصناعة القدوة في التعامل مع الأحداث والأشخاص والأشياء والأفكار، دون تنابز، ولا سخرية، ولا خصام، ولا اتهام".
لقد اعتبر دكتورنا العزيز موضوعة الصدام مع العدو الصهيوني أو الادارة الأمريكية المحتلين تطرفاً كما اعتبر الصدام معهما وكأنه مسألة شخصية، وهذا ما يلجأ اليه البعض حتى يسهل عليه التلفيق. في فلسطين شعب طرده اليهود الصهاينة بمعاونة الغرب من أرضه، عليه أن لا يخاصم وأن يكون وسطياًً. عليه أن يقنع اليهود بالتي هي أحسن اعادة أرضه! وفي العراق حيث الاحتلال الأمريكي يرزح، هل على الشعب العراقي أن لا يحارب الاحتلال حتى لا يكون ارهابيا! وفي لبنان، كذلك رأينا الاحتلال كيف خرج بواسطة الاقناع والوساطة الأمريكية! أليس كذلك؟ لقد اعتبر النبي صلى الله عليه و سلم من يموت دون أرضه شهيداً، وصاحبنا الشيخ يعتبره متطرفاً.
ويجهد "الوسطيون" "الى الدعوة الى قيام شراكة انسانية قويمة، قوامها التبادل العادل للمصالح، والسعي الجاد لخفض أصوات الغلاة من الطرفين". والطرفان اللذان يعنيهما هذا الممثل للوسطية هما اما نحن والغرب، اما نحن واسرائيل أما بالنسبة للغرب فنقول بأن الشراكة القويمة والتبادل العادل للمصالح في عصر العولمة لا تكون الا بين الأقوياء. والمراقب لانعكاسات الأزمة الاقتصادية الحالية يدرك ما نذهب اليه. أما مع العدو الصهيوني فنقول بأن من يقاتل دون أرضه ودون حقه لا يكون مغاليا. انما يقوم بواجبه. ويكون بالتالي وسطياً تبعاً لأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وللدلالة على صحة توجههم "الاقناعي" يقول هؤلاء أن الضمير الغربي قد تأثر مما يحصل في فلسطين! جاء كيري عضو الكونغرس الأمريكي الى غزة ورئيس لجنة الشؤون الخارجية ووقف على أطلال هذه المدينة الصامدة يرثي اسرائيل، نعم اسرائيل، وصعوبة ما تتحمله من اعتداء حماس والشعب الفلسطيني عليها. فما تريده الادارة الأمريكية أن تتخلى حماس والمنظمات المقاومة الأخرى عن سلاحها حتى يتسنى لاسرائيل أن تقضم ما تبقى من فلسطين وتساعدنا أمريكا والغرب باقامة مجلس عزاء "ضخم" للبكاء على ضياع فلسطين. وهم مستعدون لذرف الدموع كدلالة على تأثر ضميرهم مما يحصل في فلسطين. ما يسر الغرب والادارة الأمريكية هو ما فعله الملك الأردني بتخليه عن الأرض للعدو الصهيوني في اتفاقية "وادي عربة"، ولا شيء سوى ذلك.
ويتحدث منظرو الوسطية عن الأمن والسلام و الدعوة الى ما يسمونه "التساكن الحضاري". لا أريد أن أتهمهم بأنهم يريدون القول أن من يقاوم المحتل يكون همجياً أو لاحضارياً، انما أريد القول أن التساكن الحضاري لا يمكن أن يكون بين المحتل والمغتصبة أرضه. هؤلاء يكون بينهم القتال وهذه شريعة الهية ودولية. أما عن الأمن والسلام فما من أحد الا ويعمل من أجل الأمن والسلام ولكن شرطهما مع الغرب هو اعادة الحقوق المسلوبة لشعوبنا، الحقوق السياسية والاقتصادية والأخلاقية (باعتذارهم عن جرائمهم) وغيرها. وبذلك نصل الى ما نصبو اليه. أما من يتخلى عن حقوقه فيكون مرذولاً في الدنيا والآخرة.
ويضيف منظرو الوسطية قائلين: "ولعل ظاهرة التعصب والعنف التي تعصف بالمجتمعات البشرية في عصرنا الحديث، ومنها المجتمعات الإسلامية، يحتم علينا الرجوع إلى مفهوم الإسلام الصحيح القائم على وسطية الحق والعدل".
نقول: التعصب والعنف هي الممارسات التي يقوم بها الغرب والصهاينة ضد المجتمعات الاسلامية، سواء في فلسطين أو العراق أو الصومال... ومجابهة هذا العنف يكون كما قال ربنا تبارك وتعالى :“وأعدوا لهم ما استطتم من قوة“.
وشرح ”الخطيب“ (أحد المنظرين) مختتما كلمته:" الوسطية ليست تساهلاً في الحياة ولا تنازلاً، ونحن بأمس الحاجة للمحافظة على قيمنا وأخلاقنا لكي تستمر الحضارة. والإسلام يدعو الى الحلول الوسط مع شرط التمسك بحقوق الإسلام كاملة والتحضّر جيدا للجهاد لمنع الأذى والعدوان عن الأمة".
لولا أننا لا نعلم تمام العلم أنهم يعتبرون من يدافع عن العدو ويتنازل عن حق بلاده لهذا العدو اماماً لهم لما كان بامكاننا القول "هذا كلام حق يراد به باطل".
هذه اطلالة سريعة على ما يدعو اليه هؤلاء، والتي اعتبرتها ضرورية لخطورة التشويه الذي يدخلونه الى المفاهيم الصحيحة. كما وأنه من الضروري ملاحقة طروحاتهم للرد عليها في أوقاتها، لأن هذا التيار هو من التيارات الأكثر نشاطاً على الصعيد التبشيري تبعا ًلخطورة المهمة المنوط به القيام بها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق