العلاقة مع الغرب هل هي اشكالية؟
ما أن تقرأ عنوان المقالة عند بعض الكتاب حتى تعلم الى من ينتمون؛ والدكتور أحمد الفراك لا يشذ عن القاعدة. انه يطرح اشكالية العلاقة مع الغرب في مقالتين على موقع مالك بن نبي الالكتروني، انه يطرحها كاشكالية حتى تكون عنصر تشويق للقارىء، وليس لأنها اشكالية. فهناك العديد من المقالات التي كتبها أولئك المنتمون الى مايسمى بتيار "الوسطية" والذين يطرحون نفس "الاشكالية" والذين يجيبون نفس الاجابات التي ساقها الدكتور أحمد الفراك. كان بامكان الكاتب العزيز أن ينصحنا بفتح الصفحة الالكترونية لل"وسطية" وسنجد نفس الكلام الذي جهد نفسه لكتابته، جزاه الله عنا كل خير.
والمتعب في المقالات المشابهة هي أن الكاتب يعرف جواب الأسئلة قبل أن يطرحها، فلماذا يطرحها اذن. ان الكتابة الذرائعية تنزع عن الكتابة الصفة التحليلية، فتصبح المقالة أشبه ما تكون بالدعاية الحزبية، وهي للأسف ممجوجة. ولكن، وانطلاقاً من احترامنا للكاتب سوف نناقش بعض الأطروحات، وان كان سبق لنا مناقشة ما يشبهها.
1 – الغرب، سوف أبدأ بما قاله كارل ماركس عندما نزل في لندن، حيث قال "هنا تعيش أمتان". والغرب، يا أعزائي هو غربان: غرب الحكام وغرب المحكومين. وبغية التلفيق يقوم كتاب ما يسمى ب"تيار الوسطية" بالحديث عن الغرب ككتلة متجانسة (مع أنهم يقولون بأن الغرب ليس متجانساً). عندما قامت الادارة الأمريكية والادارة البريطانية بغزو العراق، خرجت مظاهرة مليونية في بريطانيا تعترض على قرار حكامها المشاركة في غزو هذه الدولة الاسلامية المظلوم شعبها من حكامه ثانيا ومن الغزاة أولا. هل بريطانيا التي تظاهرت ضد حكامها هي التي سوف نقيم العلاقة معها أم بريطانيا التي غزت العراق؟ نرجو الدكتور العزيز أن يجيبنا على هذا السؤال.
2 – وبعد استعراض تاريخي وسوسيولوجي للدول الاسلامية التي تعاقبت على الحكم وكذلك بالنسبة للغرب يصل الى القول: " الحاجة ماسة إذن إلى ما يمكن تسميته ب “علم علاقة المسلمين بالغرب” تؤكدها حاجة الغرب إلى الخروج من كونية الأزمة التي صنعها بيديه والأساطير المؤسسة لعقله الجمعي، وبالتالي حاجته إلى فهم قيم القرآن باعتباره “كتاب كوني معجز صادر عن مصدر متعال متجاوز يعرف كيف يقضي على الأساطير العرقية والعنصرية التي شادت بناءها أساطير علوم الإناسة واللغويات وأصل الأنواع وما بني عليها ليعيد للإنسانية إيمانها بخالقها ثم بوحدتها الإنسانية، ووحدة الكون الذي تعيش عليه، وإعادة بناء العلاقات الطبيعية بين هذه كلها”.
أعتقد أن العلاقة مع الآخر تنطبق على الغرب وغيره. والغرب ليس له الا ميزة واحدة عن غيره من السلطات الأخرى. هذه الميزة هو أنه علينا معاداة الادارة الأمريكية وحلفاءها لأنها تحتل الأرض العراقية الاسلامية والأرض الأفغانية الاسلامية وتمد اسرائيل بجميع أنواع الأسلحة لتحافظ على احتلالها للأرض الفلسطينية الاسلامية وتشريد أهلها.
أما الادارات الغربية التي "شادت بناء أساطير علوم الاناسة واللغويات وأصل الأنواع"، لم تقم بهذا العمل الا من أجل بناء "أخلاقي" أو "وجداني" يبرر لها أمام محكوميها القيام بالمجازر التي قامت بها عندما احتلت أراضي الشعوب الأخرى. فابادة الهنود الحمر من قبل الادارة الأمريكية هي لأنهم متوحشون (بزعمهم)، فمن المؤكد أنكم جميعاً رأيتم أفلام الغرب الأمريكي التي تستمر حتى الآن باقناع الشعب الأمريكي والشعوب الأخرى بأن ابادتها للهنود الحمر كانت مبررة "أخلاقيا". والعلوم التي ذكرها الكاتب كانت مهمتها البرهان أن هذه الشعوب همجية وغير قابلة للحضارة لذلك لا بأس من ابادتها ان لم تكن ابادتها واجبة. وبما أن الشيء بالشيء يذكر، نشير بأن القنابل الفوسفورية التي استعملها الصهاينة في غزة هي من انتاج أمريكي وكان حقل التجارب لقياس فعاليتها (الأسلحة) الشعب العربي المسلم في غزة.
والفرنسيون الذين استعمروا الشعب المغربي من أجل نقله الى مصاف الشعوب المتحضرة، لم يكونوا أقل وحشية من الأمريكان، فالأمريكان هم انتاج أوروبي. وقع ماية ألف قتيل عندما قام الشعب الجزائري بمظاهرة سلمية ضد الاستعمار الفرنسي. فقد رأى المستعمرون (الحضاريون) الفرنسيون أن الطريق المثلى لنقل الجزائريين من الوحشية الى الحضارة هي القضاء عليهم. وعند انسحاب الفرنسيين من الجزائر، لم يقبلوا الاعتراف بفرنسية الفرنسيين الذين خُلقوا في الجزائر لأنهم "تلوثوا" من الجزائريين، وقصة "الغريب" للكاتب "ألبير كامو"الحائز جائزة نوبل للآداب تتحدث عن هذا الموضوع، وكاتبنا العزيز يعرف هذه المواضيع حق المعرفة.
ان من يريد أن يتجاوز عن أخطاء المخطئين، يتجاوز عن أخطاء الناس العاديين وليس عن من يمثلوا الاستعمار بجميع تفاصيله، أعني ساركوزي وادارته والادارة الأمريكية وحلفاءهم.
وحسنا فعلت عزيزي الدكتور، باعتبارك تاريخ الحادي عشر من أيلول محطة أساسية بنى الغرب عليها وحدته. ما هي المحطات الموجودة في تاريخ أمتنا وتستدعي وحدتها؟ هل نعددها؟ أو أن هذه الوحدة ليست من همومنا. فهمومنا هي كيف نحافظ على استغلال الغرب لخيراتنا من غير أن نسبب له أي ازعاج؟ أليس كذلك؟
بعد صلح الحديبية، جاء أبو بصير رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وأشهر اسلامه، ولكن كفار قريش لم يقبلوا لأن الاتفاق كان قد وُقِّع وهو ينص على أن على أبي بصير أن يأخذ اذنا من وليه حتى يلتحق برسول الله صلى الله عليه وسلم. وقبِل النبي بمرافعة كفار قريش. وهام أبو بصير في الصحراء ينتظر قوافل قريش ويهاجمها. لقد أتعبت ممارسات أبي بصير قريش وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يعرف ذلك. لم يستنكر أفعال أبي بصير كرمى لعيون قريش، ولم يتبنها. فأبو بصير لم يطلب اذن النبي صلى الله عليه وسلم. بالله عليك لماذا على الدول العربية والاسلامية الاعتذار والتكفير عن ضرب القاعدة لأبراج نيويورك؟ لقد قام الأمريكان بالعديد من المجازر في الصومال وأفغانستان والعراق، ولم يعتبرها "الوسطيون" محطات لتوحيد الأمة. وهذه اسرائيل تقوم بتهويد القدس على قدم وساق وتهدم البيوت وتشرد من تبقى من المقدسيين، ولم نسمع صراخ الوسطيين الذين يصرخون منذ أيلول الألفين من دون تعب. هل الأمريكي من جنس أحسن من الصومالي أو الفلسطيني أو العراقي حتى يغير التاريخ. الانساني يستنكر كل عمل لا يتوافق مع ما جاء به الدين الحنيف. النبي صلى الله عليه وسلم حدد المفاضلة بالتقوى وليس بالجنس. مقالتك يا حضرة الدكتور لم تذكر فيها أي تاريخ يعنينا كمسلمين. هل أنت محامي دفاع عن مضطهدي شعبنا؟ بالطبع أنا لا أتهمك، ولكن ما أريده من حضرتك التنبه الى أن القضايا الانسانية تهمنا نحن أولا. هل تذكر اغتصاب فلسطين قبل الحادي عشر من سبتمبر وغوانتنامو وأبوغريب بعد هذا التاريخ؟ ولا بأس من السؤال ان كان هجوم أيلول يُعتبر مبرراً لاحتلال أفغانستان والعراق. وهل نؤمن نحن بالمسؤلية الجماعية كما يفعل الأمريكان بتحميل كل الشعب الأفغاني مسؤولية وجود عدد زهيد من مقاتلي القاعدة على الأرض الأفغانية.
3 – يقول الدكتور: " الفكر الإسلامي اليوم باعتباره فكراً مستمداً من رسالة نبوية خاتمة تحمل قيماً إنسانيةً رحيمةً بالإنسان ورفيقةً به مُطالب بالقطع مع تلك المعارك الماضية التي خاض فيها القدامى، والقطع مع العقل التقليدي الصِدامي الذي يشكل عقبة في وجه أية نهضة جديدة للأمة الإسلامية، والتأسيس لمنهج قرآني تجديدي يوسع دائرة المشترك ويؤدي إلى “إبرام عقد اجتماعي دولي” على حد تعبير د.عبد الوهاب المسيري رحمه الله، يتم بمقتضاه تنظيم العلاقة بين المسلمين والغرب على أساس من الاحترام المتبادل والحرية والعدل والتعايش".
هل الرحمة تعني التخلي عن الحقوق لمغتصبيها؟ فالاسلام لا يقبل من المسلم الا أن يكون مثال الانسان، لذلك يطلب منه أن يكون عدلا. والانسان العدل هو الذي يعطي كل ذي حق حقه ولايظلم أحدا. لذلك تراه يقاتل حتى يسترد حقه. والعقل الصدامي هو الذي يوظف قوته في غير المكان المخصص لها. فالفلسطيني الذي لا يقاتل لاسترداد أرضه يكون قد فرط في حقوق الله عز وجل. وفي نفس الوقت لا يكون صدامياً اذا قاتل مغتصبي أرضه انما يقوم بالواجب الذي يفرضه عليه دين الرحمة.
4 - ثم يناقش الكاتب بعض الأطروحات التي حسب زعمي لا تزيد في توضيح الاشكالية انما تخدم تعمية الموضوع بقصد التلفيق. ثم يصل الى الاستشهاد التالي: " قال الله تعالى: {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألاّ نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله} سورة آل عمران، الآية:63. فهذا هو الدين المشترك الذي يضع الأسس الكلية الجامعة التي من شأنها أن تقيم في الإنسان إنسانيته على أتم وجه. فأهل الكتاب دون غيرهم من أهل الأهواء والملل والنحل يشتركون مع المسلمين في مراعاة الكليات الخمس، والسعي إلى تحقيقها والعمل على حفظها. وهذا القدر يشكل أساساً ومرجعاً للاحتكام عند محاورة أهل الكتاب. وهو ما يغيب عند محاورة الطوائف الأخرى . لذا وجب التمييز بين أهل الكتاب وغيرهم، لأنهم أهل كتاب ونبوة".
بالطبع المقصود بأهل الكتاب في الخطاب القرآني ليس من قصدهم كاتبنا العزيز. ان أهل الكتاب الذين جادلهم نبينا صلى الله عليه وسلم لم يكونوا من الذين يحتلون فلسطين والعراق وأفغانستان، انما كانوا من أهل الكتاب الذين يعيشون بوئام مع المسلمين، لذلك جاؤوا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وحتى يتطابق وضع "الغرب" مع النص القرآني، ما على الوسطيين الا أن يقنعوا أهل الكتاب من اليهود بترك فلسطين لأهلها؛ واقناع أهل الكتاب من الأمريكان وأتباعهم بترك العراق وأفغانستان حتى نتمكن من أن نكون واياهم سواءً أمام الكلمة السواء التي دعانا اليها رب العزة.
5 - ثم ينتقل الكاتب الى ما دخل من تصحيف وتحريف على التوراة والانجيل وكأن احتلال أراضي العراق وأفغانستان وفلسطين بحاجة للتوراة أو الانجيل. الى أن يصل الى القول: " الإسلام رحمة كونية تستوعب البشرية كاملة على اختلاف العقول والأماكن والأزمان لذلك وجب على المسلمين علماء ومفكرين ودعاة أن يبدعوا وسائل جديدة في توصيل روح القرآن إلى الغرب، وهذا رأس الجهاد مع الغرب وليس العنف عليه. القرآن يسعى لبناء أمة وليس لبناء مجرد دويلة. الهدف القرآني والهدف النبوي بناء أمة “جُعلت لي الأرض مسجدا وطهورا”، ومن أجل ذلك كاتَبَ النبي صلى الله عليه وسلم الملوك والحكام يدعوهم للإسلام والتعايش، يَعرض عليهم دين الله الخالد وليس دين الأقلية المستضعفة.
والإسلام دين الوسطية {وكذلك جعلناكم أمة وسطا} ، والوسطية رفعة وقوة، قال الإمام علي كرم الله وجهه: “عليكم بالنمط الأوسط يرجع إليه الغالي ويلحق به التالي”، فلا إفراط ولا تفريط، لا قعود ولا تسيب، لا جمود ولا تغريب ولا انغلاق ولا تبعية…".
صحيح أن الاسلام رحمة كونية جاء لبناء أمة من أفراد مؤمنين وبواسطتهم. أما الملوك الذين كاتبهم النبي صلى الله عليه وسلم لم يكونوا محتلي أراضي المسلمين والا لكان الى قتالهم أكثر اجتهاداً منا بقتال أعداء الأمة. والأمة الوسط هي التي لا تتخلى عن حقوقها بل تقاتل من أجل استردادها. ورضي الله عن الامام علي عندما قال قولته التي خلدها التاريخ "كلام حق يراد بها باطل". نحن لا نريد أن نستبدل ديننا الحنيف بالوسطية التي تريدنا أن نستسلم لأعدائنا بحجة الارهاب أو غيرها من مفردات قاموس الأمريكان والوسطيين.
6 - ثم يصل بنا الكاتب الى القول:" إن تجديد الدين اليوم لا بد أن يمر عبر تجديد آليات قراءة النص ومنه تجديد آليات التعامل مع إشكالية علاقة المسلمين مع الغرب، فمادام التجديد عملية متجددة فلم لا تكون العلاقة مع الغرب أيضاً متجددة بمفاهيمها وقضاياها وإشكالاتها وأسئلتها وأجوبتها. في الحديث الصحيح الذي رواه أبو داوود وغيره عن أبي هريرة: “إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجّدد لها دينه” وفي رواية: “من يجّدد لها أمر دينها”، فالتجديد من صميم الدين ومرتبط بطبيعته. يقول الدكتور يوسف القرضاوي: “يوجب علينا أن نجتهد لعصرنا ..وأن نفكر بعقولنا لتنظيم حياتنا… وأن نراعي زماننا وبيئتنا وأحوال عيشنا إذا أفتينا أو قضينا أو بحثنا أو تعاملنا مع أنفسنا أو مع الآخرين،… وأن نقتبس من غيرنا ما ينفعنا…وأن نبتكر في أمور دنيانا كما ابتكروا”
بالعودة الصادقة المخلصة التامة إلى القرآن المكنون قوله تعالى: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم}. يمكن أن تبدأ مسيرة الأمة الإسلامية الكبرى وانطلاقتها الشاملة لتأسيس “البديل الحضاري الإسلامي العالمي” القائم على الهدى والحق، فالقرآن بخصائصه باستطاعته الهيمنة على سائر المناهج المطروحة في عالم اليوم، وبإمكانه إعادة صياغتها ضمن منهاجه الكوني، وذلك من خلال التوصل إلى منهجية معرفية قرآنية، منهجية قائمة على قراءة تستوعب مشكلات الوجود الإنساني وأزماته الفكرية والحضارية".
أنا أوافق على ما جاء به دكتورنا العزيز شرط تخليه عن اشكالية العلاقة مع الغرب لأن هذه الاشكالية قد وضعها جورج و. بوش عندما طلب من الملوك والأمراء والرؤساء التصدي الى تغيير المناهج التربوية بعد محطة أيلول التي قُتل فيها عدد من الأمريكان. ووجد الحكام أنفسهم مجبرين على طاعة السيد، ولكن نحن (الشعوب) لسنا مجبرين، فنحن لا نخسر عروشنا، انما نخسر قيودنا. وقام الملك الأردني عبد الله الثاني باستبدال الاسلام بتيار الوسطية، وجند له أصحاب الأقلام من حملة الشهادات العالية والذين لا ينتمون الى شعوبهم، بل ينتمون الى ملوكهم. وتموضع هؤلاء مع الحكام في صف الأمريكان. وكان تيار الوسطية الذي أشهد له بالنشاط والحيوية. وأصبحت العلاقة مع الغرب هي الصفة المميزة لهذا التيار، وكأن لا هم لشعوبنا الا كيف يتعاملون مع الغرب. أين التنمية، أين التحرر، أين التربية أين...؟
أما التجديد في الفكر الاسلامي فانه يبدأ مع "محمد اقبال" و "مالك بن نبي". هذان الشخصيتان اللذان تمكنا من تَمثُّل ثقافة الغرب من دون اعجاب أو شعور بالدونية. ودرسوا تجربة الغرب ووضعوا خطة عمل للمسلم حتى يعود لاسلامه حتى يتمكن من التحرر وبناء الأمة. لم نر عند اقبال اشكالية العلاقة مع الغرب كمحرك للتاريخ كما يريدها تيار الوسطية. وبن نبي لم يعتبر الغرب مسؤولاً عن تخلفنا، انما اعتبر المرض فينا نحن كشعوب عندها قابلية للاستعمار. فالاشكالية كانت كيفية تخلصنا من تخلفنا. لذلك تحدث عن مشكلات الحضارة ومشكلة الثقافة...
7 - ثم يبدأ دكتورنا بالنصح فيقول: "لا ينبغي أن يعول الفكر الإسلامي المعاصر على التفكير السياسي اللحظي الذي يلفه الحريق اليومي للأحداث، مثلما لا ينبغي أن يعول على اجتهادات السابقين المظروفة بظروفهم والمقيدة بمعرفتهم واجتهادهم. والتي لا تكاد تجاوز النظر التقليدية التي تُقسم العالم إلى دار إسلام ودار حرب".
أوافق شرط أن يقبل الغرب الذي يتحدث عنه كاتبنا بالتخلي عن ممارساته التي تجبرنا على الاهتمام بالحدث اليومي. ونحن لا نبني موقفنا من العولمة الليبرالية تبعاً للحدث اليومي، ولكن تبعاً للممارسة الاستكبارية التي تميز الغرب المتسلط، منذ لعب دور القائد لهذه العولمة. نحن نتمنى الراحة و لكن الغرب لا يسمح لنا أن نعيش الا كعبيد، ونحن لا نقبل أن نكون عبيداً الا لله لأننا موحِّدون.
8 - يقول دكتورنا العزيز: " الغرب اليوم غالب بتقنيته وتقانته وعلومه واقتصاده وقوته العسكرية ونفوذه السياسي والثقافي والإعلامي، يهجم علينا بمفاهيمه وقضاياه مثلما يغرقنا بسلعه المختلفة، ويفرض علينا التبعية والانقياد. لكن القرأن يخاطب فيه الإنسان من حيث هو مخلوق مستخلف ومسؤول. فكيف نقنعه بهذه الرسالة ؟ بل كيف نحاوره حوارا نديا يلغي الفروق المادية من أجل التفاهم. أفلا يوجد من حل سوى رفضه كُلية أو تلقفُه كما هو؟ أليس لنا من خيار سوى الالتحاق “الممسوخ” بالغرب أو التدثر بذاتية عاجزة؟".
الغرب يهجم علينا بصواريخه المدمرة وليس بمفاهيمه، ويملك ترسانة من الأسلحة يجربها باللحم الحي لشعوبنا. أما من حيث محاورته فهي ممكنة باحدى الطرق التالية:
1 – حرب شعبية تنتهي بعد تحرير أفغانستان والعراق وفلسطين.
2 – انتاج أسلحة متفوقة على أسلحته ومحاورته ونحن نقف على هذه الترسانة التي لا يمكنه مجابهتها.
3 – تخليه عن احتلاله لبلادنا ومحاورتنا.
ما تقدم يبين أن هناك امكانية للعيش بسلام مع الغرب هذا اذا اراد ذلك.
9 - ثم ينتقل الكاتب الى القول أننا متفوقون على العولمة لأننا نملك رابطة الدين بشهادة هنتنغتون، ومع ذلك لا تزال فلسطين مغتصبة. ثم يصل الى الجوهري فيقول: " نحتاج اليوم إلى منهاج قرآني يمكننا من إدراك النص، وإدراك الواقع، وإدراك كيفية إنزال هذا النص على الواقع…حتى نؤسس لرؤية عالمية تجمع بين الرحمة والحكمة، وبين الاختلاف والتسامح، وبين التعدد والتعاون، نحتاج إلى منهاج تغييري كُلي يعالج إشكالاتنا التاريخية الموروثة بنظرة تجديدية نقدية تمحيصية فحصية، مثلما يعالج إشكالاتنا المعاصرة الموجودة، يجمع بين ما أثله العقل المسلم من قواعد بعد عرضها على القرآن. منهاج مؤيد بالنص المطلق باعتباره النص الهادي المرشد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، لا بالتاريخ المقيد بفهم الناس وظروفهم وتأويلهم وثقافتهم، منهاج جامع بين الغيب والشهادة، وبين العلم والعمل، وبين الحل الفردي والحل الجماعي، وبين العاجل والآجل، وبين حل الأنفس وحل الأكوان. منهاج يعكس عالمية الإسلام وشموليته وربانيته ووسطيته وواقعيته وإنسانيته".
مع الموافقة ولكن باضافة أن فهم النص القرآني يستدعي حده بالسنة النبوية الشريفة أو بأحداث السيرة التي تساعدنا على معرفة الكيفية التي تعامل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع النص القرآني، والا ما معنى "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر".
واضافة أخرى، وهي أن القرآن الكريم هو الذي يحثنا ويدفعنا الى الاتعاظ بالتاريخ. لذا لا يمكننا لفهم الحاضر الا معرفة الماضي والاتعاظ به. وهناك العديد من الآيات الكريمة التي تبدأ بصيغة "أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كانت ....
أختم فأقول أن أحداث أيلول في أمريكا لا يتحمل المسلمون وزرها. انما على الغرب أن يدرس لماذا هو مكروه من كل الناس من دون استثناء. واذا كان تعامل الغرب معنا تعاملاً لا تقره شرائع الغرب نفسه، فلماذا علينا نحن أن ندرس اشكالية اضطهاد الغرب لنا، وهي اشكالية غربية، وسوف تؤدي بنا الى ضرورة التحضير لمجابهته. ان العقاب الجماعي هو نوع من الممارسة البربرية (ضد حضارية) ويمارسها الغرب ضد شعوبنا علماً أنه هو من علمنا أن هذه الممارسة ممجوجة ومرفوضة. فبدلاً من تبريرنا للغرب جرائمه ضد شعوبنا بحجة الارهاب، فلندرس المنهاج الرباني، كما يريد الدكتور، الذي يساعدنا على الانتقال من الاستعباد الى الحرية. عندها يمكننا التعامل مع الغرب بالندية المطلوبة عند تعاون المجتمعات فيما بينها.
حسن ملاط
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق