قراءة في الوثيقة السياسية لتيار المستقبل اللبناني
وأخيراً ظهر إلى الوجود الحزب الذي يمثل الرأسمال المعولم بقيادة الرئيس سعد الحريري. وأكثر كوادر هذا الحزب (التيار) ينتمون إلى البورجوازية الصغيرة التي تملك الأحلام بالحياة الهانئة، بما يلحقها من الفتات التي تمن عليها به الرأسمالية المعولمة. فبقدر النشاط يكون المردود، أما الذين لا تلحقهم الحظوظ فيفتشون، مستقبلاً، على أماكن أخرى.
لقد أخطأ الرئيس الحريري بإطلاق التيار في هذا الوقت بالذات حيث الألق الحريري بدأ يأخذ اللون الباهت، وهذا ما أظهرته الانتخابات البلدية الأخيرة. خاصة في عكار و المنية الضنية وطرابلس وبيروت الغربية وصيدا والقرى السنية في البقاع الغربي والشمالي. وإذا أضفنا أن هذه المناطق هي مركز النشاط الرئيسي لهذا التيار وهي مصدر كوادره، بدا أهمية ما ذهبنا إليه.
صحيح أن تيار المستقبل ليس حزب السنة كما قال الحريري، ولكنه هو حزب السنة مع ديكور من مختلف الطوائف والمذاهب. السنة المرضي عنهم من النظام الرسمي العربي والعالمي.
لقد أصدر التيار وثيقة سياسية وأخرى إقتصادية، وأصدر بياناً ختامياً في نهاية المؤتمر. سوف نقرأ الوثيقة السياسية والتوصيات في هذا المقال.
جاء في المقدمة: " كان الرئيس الشهيد يرى العولمة تحدياً للعرب وفرصة في الوقت عينه، هي تحد للأنظمة الخائفة والضعيفة، وهي فرصة للأقوياء والمتقدمين بأن يتحولوا الى تكتل سياسي واقتصادي وأن يقيموا سوقاً مشتركة لبناء علاقات متوازنة مع النظام العالمي بدلاً من العلاقات المنفردة".
صحيح هذا الكلام وخاصة إذا كان التوحد من ضمن برنامجهم. ولكن حيث أن دول الوصاية لا تقبل في أي زمان ومكان لدولنا أن تتوحد، لذا فإن العولمة سوف تقضي على ما تبقى من ثرواتنا في أسرع وقت ممكن.
جاء في المقدمة: " حقق الرئيس الحريري باستشهاده ما لم يكن أحد يتوقعه، وهو مصالحة اللبنانيين مع أنفسهم ومع بعضهم بعضا، تلك المصالحة التي انطلقت من أمام ضريح الرئيس الشهيد لتعم البلاد والتي من دونها لما كان بالامكان اطلاق ”انتفاضة الاستقلال“ التي أعادت للبنان حريته ووفرت الظروف المؤاتية لولادة هوية وطنية جامعة لا تقوم على استتباع فريق طائفي لآخر ولا تشترط إلغاء الانتماءات المتعددة، كذلك أعاد استشهاده الاعتبار لفكرة العدالة في بلد سقط فيه على مدى عقود ما لا يقل عن 150 ألف شهيد من دون أن تنكشف الحقيقة مرة واحدة.
ما حصل غداة العملية الاجرامية هو توحد اليمين اللبناني تحت قيادة واحدة ومجلس استشاري لهذه القيادة الموحدة مؤلف من السفير الأمريكي في عوكر. هذا السفير الذي كان يملي وكان البقية من القيادات اللبنانية تنفذ. طلب منهم (أو أمرهم) بأن يوجهوا الاتهام إلى سوريا ففعلوا. طلب منهم أن يطالبوا بانسحاب الجيش السوري، ففعلوا. صحيح أنهم توحدوا، ولكنهم توحدوا تحت شعارات اليمين اللبناني الذي تحالف مع العدو الصهيوني في الحرب اللبنانية. إن القوى التي ادعت تمثيلها لآمال الرئيس رفيق الحريري قد خانته عندما استعْدَت المقاومة التي كان يؤيدها الرئيس الحريري تبعاً لما يقوله السيد حسن نصرالله. أما عن المحكمة الدولية فحدث ولا حرج. محكمة لا تريد أن تعرف لماذا استقدم البعض شهود الزور، ولا تريد أن تعرف من هم هؤلاء البعض، ولا تريد أن تعرف الغاية من التزوير. محكمة لا تريد أن تعرف من الذي يملك المصلحة باغتيال الرئيس الحريري هي محكمة غير عادلة بداية. إن من يملك المصلحة باغتيال الرئيس الحريري هي إسرائيل وحلفاؤها، لأن قتل الرئيس الحريري وحده هو الذي يمكن أن يفجر الوضع اللبناني لصالح الكيان الصهيوني. ولكن المحكمة الحريصة على الحقيقة لم تضع هذا الاحتمال، لأن القيمين على هذه المحكمة من القوى الدولية لا يهمهم سوى المصلحة الاسرائيلية.
لقد كان مقتل الرئيس الحريري أكبر من أن يتحمله الوضع اللبناني . ولكن من الواضح أن من استغل هذا الحدث الجلل هم أعداء لبنان بمعزل عن إرادة عائلة الرئيس الحريري.
تحت عنوان الثوابت تقول الوثيقة: " يلتزم ”تيار المستقبل“ الإجماع اللبناني على رفض التجزئة والتقسيم والتوطين، وعلى اعتبار اسرائيل عدواً للبنان احتل أرضه ومارس العدوان ضد شعبه ودولته ومؤسساته، وهو عدو لن يستقيم السلام معه، قبل تحقيق حل عادل، يقوم على مبادرة السلام العربية التي قررتها قمة بيروت، ويشمل استعادة الأراضي العربية المحتلة".
نحن نوافق على هذه الثابتة ولكن لا نوافق على أن مايسمى مبادرة السلام العربية يمكن أن تضع حداً للصراع العربي الاسرائيلي. لأن هذا الصراع انبثق بسبب اغتصاب اسرائيل للأرض الفلسطينية ومبادرة السلام العربية لا تحل هذه المشكلة.
ثم تقول الوثيقة تحت عنوان الثوابت: " يلتزم ”تيار المستقبل“ تعزيز العلاقات اللبنانية - العربية، ومن ضمنها تصحيح العلاقات اللبنانية - السورية، والارتكاز في ذلك على المصالح المشتركة للشعبين الشقيقين، لتقوم على مبادئ الاحترام المتبادل والندية والصلات التاريخية المتوارثة، وتعزيز دور الجامعة العربية وتطوير مؤسساتها بما يخدم العلاقات الثنائية والجماعية بين هذه الدول، وتفعيل اتفاقات التجارة الحرة العربية سعياً إلى تحقيق التكامل الاقتصادي العربي والسوق العربية المشتركة".
نحن نوافق على هذه النقطة لأن التكامل الاقتصادي العربي والسوق العربية المشتركة هي التي تساهم بحل المشاكل الاقتصادية للشعب العربي خاصة إذا كانت هذه العلاقات باتجاه تكاملي.
ثم تقول الوثيقة تحت عنوان إصلاح الحياة السياسية: " ولن تتمكن الدولة من استعادة حقها الا بتطبيق اتفاق الطائف والقرارات الدولية لا سيما القرار 1701 الذي وضع الأسس العملية للمحافظة على سيادة لبنان وحمايته من الاعتداءات الاسرائيلية والتجاوزات الحدودية".
هذا الكلام غير صحيح لأن إسرائيل تخترق يومياً السيادة اللبنانية وباعتراف قوات اليونيفيل أنفسهم. إن ما يحمي لبنان هو من حرر لبنان من الاحتلال الاسرائيلي، نعني المقاومة. وسيبقى وجود لبنان مهدداً إذا لم تحافظ المقاومة على جهوزيتها.
ثم تضيف الوثيقة تحت نفس العنوان: " الدولة القادرة هي الدولة الفاعلة في محيطها: هي الدولة القادرة على المساهمة في المعركة الدائرة في عالمنا العربي للخروج من الاصطفافات السياسية والفكرية التي فرضتها الحرب الباردة طوال أكثر من نصف قرن، واستعادة حقه في أن يكون صاحب القرار في تحديد مصيره ومستقبله".
نحن نعلم أن هناك معركتين دائرتين في العالم العربي. الأولى هي تلك التي يقودها اليمين العربي واللبناني وهي الاصطفاف في صف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وفيها التخلي عن كل ما يربط العربي بتاريخ أمته، واستبدالها بالتمسك بالقيم الاستهلاكية التي فرضتها العولمة الليبيرالية. والمعركة الثانية هي تلك التي تقودها القوى المقاومة والتي تريد أن تحرر الأرض العربية من الاحتلالات الأمريكية والاسرائيلية. وبالطبع لا يمكننا أن نكون على الحياد إنما نحن مع المقاومة.
ثم تضيف الوثيقة تحت نفس العنوان: " الدولة القادرة هي الدولة التي تعمل لإحلال ثقافة السلام والعيش معاً والوصل مع الآخر محل ثقافة العنف والفصل التي لا تزال سائدة في لبنان والمنطقة والتي ترى أن توكيد الذات لا يتم الا باستبعاد الآخر وصولاً الى إلغائه أو استتباعه".
تقوم معظم المنظمات التي تصرف عليها المخابرات الأمريكية الأموال الطائلة بترويج ثقافة السلام بقصد الحفاظ على إسرائيل. أما تيار المستقبل لم نعلم أنه يغار على السلام إلى هذا الحد لأن العداء لإسرائيل لم يلغه هذا التيار. فكيف نكيف بين قبول الآخر إذا كان هذا الآخر إسرائيل والعداء لها؟
وتحت عنوان "الاقتصاد والنمو" ورد ما يلي: " إن تحفيز النمو يتطلب اتباع سياسات مالية مسؤولة ومعالجة عبء الدين العام، بالاضافة إلى تحرير الاقتصاد من القيود التي تعيق استفادته الكاملة من العولمة المتسارعة، كاحتكار القطاع العام لعدد من القطاعات التي دفع الشعب اللبناني كلفة باهظة جداً بسبب احتكارها، وقطاع الكهرباء أوضح مثال على ذلك".
إذا كانت الادارة فاسدة بسبب فساد الطبقة السياسية فهل هذا يعني أنه علينا إعطاء أموال الشعب اللبناني للاحتكاريين الذين أفقروه بنهبهم خيراته وإيصال الدين العام إلى عتبة ال55 مليار دولار بحجة إعادة الإعمار. مثال الكهرباء هو مثال على فساد الطبقة السياسية بتحالفها مع الرأسمال الذي يريد تيار المستقبل تسليمه أموال الشعب اللبناني.
أما في بيان التوصيات فقد ورد ما يلي: " إن المؤتمر يؤكد أن "تيار المستقبل" لا يرى بديلاً من تحرير مزارع شبعا وكفرشوبا وخراج الهبارية والجزء اللبناني من قرية الغجر، وذلك بالمقاومة الديبلوماسية التي تقوم بها الدولة وقدرتها العسكرية إن دعت الحاجة، ما يحيلنا إلى تصميم دولة الرئيس على توفير التسلح اللازم للجيش اللبناني".
مصر بلد السبعين مليوناً أذلتها المقاومة الديبلوماسية التي تبناها تيار المستقبل. إن دبلوماسية الرئيس رفيق الحريري في نيسان 1996 ما كان نجاحها إلا بسبب صمود المقاومة الاسلامية في جنوب لبنان. واتفاق نيسان الذي ساهم فيه الرئيس رفيق الحريري هو الاتفاق الذي شرعن عمل المقاومة المسلحة وليس المقاومة الديبلوماسية الذي يريده تيار المستقبل حتى ينقلب على كل إيجابية تحسب للرئيس رفيق الحريري. لبنان هو الوحيد الذي أجبر إسرائيل على الانسحاب من أراضيه المحتلة بدون قيد أو شرط بفضل مقاومته المسلحة الذي يريد البعض تسليمها إلى المحكمة الدولية كرمى لعيون إسرائيل.
ثم يضيف البيان: " إن المؤتمر في سياق كل ما تقدّم يرى في تجربة الرئيس فؤاد السنيورة في الحكم في أشد المراحل دقة وخطورة مصدر اعتزاز لـ"تيار المستقبل"، ويحيي صموده وثباته على مبادئ التيار، وخط الرئيس الشهيد".
ليس صحيحاً أنه ثبت على نهج رفيق الحريري. رفيق الحريري ما كان ليقبل من وزير داخليته أن يقدم الشاي لجنود الاحتلال الاسرائيلي كما فعل وزير داخلية فؤاد السنيورة بالوكالة خلال عدوان تموز 2006. لقد تنكر الرئيس السنيورة لأهم ما كان يؤمن به الرئيس رفيق الحريري وهو العداء لاسرائيل. بماذا نفسر حركة الرئيس السنيورة في 5 أيار 2008 عندما أراد أن يخرب شبكة الاتصالات الخاصة بالمقاومة. أليست خدمة للعدو الاسرائيلي؟ أهكذا كان نهج الرئيس رفيق الحريري؟ لو أن تيار المستقبل يتمسك بنهج الرئيس رفيق الحريري حقاً، ما كان عليه إلا أن يرفض نهج الرئيس السنيورة بادارة الحكم.
ثم يضيف البيان: " إن المؤتمر من منطق أن "تيار المستقبل" يؤمن بأن لا تعارض ولا تناقض بين العدالة والسلم الأهلي بل يؤمن بأن السلم الأهلي تصونه العدالة، وبأن العنف والإكراه نقيضان للاستقرار والسلم ويشكلان تدميراً للوطن والدولة، يؤكد أن لا مساومة على العدالة، التي تمثل التزاماً مبدئياً وأخلاقياً ووطنياً أمام الشهداء وعائلاتهم وكل اللبنانيين، ويدعو إلى التوقف عن التهويل وعن افتراض السيناريوهات، وإلى تعاون الجميع من أجل الحقيقة للجميع من أجل لبنان".
العدالة لايؤمنها إلا المشهود له بالعدالة. هل المجتمع الدولي الذي يحمي العدوان الاسرائيلي على الشعب اللبناني وعلى الشعب الفلسطيني ويشرعن العدوان الأميركي على العراق وأفغانستان وعلى إيران هو مجتمع عادل. إن ما تريده عدالة المجتمع الدولي في لبنان هو الفتنة التي تقضي على ما تبقى من لبنان لصالح العدو الاسرائيلي. الفطن هو من يحمي بلده وليس من يرفع الشعارات البراقة.
ثم يضيف البيان: " إن المؤتمر يؤكد دعمه إقرار الحقوق الإنسانيّة للاجئين الفلسطينيين في لبنان، ويشدد على أن لا رابط بين الحقوق الإنسانية الواجبة وبين التوطين المرفوض".
نحن نوافق على هذه النقطة.
ثم يضيف البيان: " إن المؤتمر يعبّر عن ترحيبه بالمرحلة الجديدة التي تمر بها العلاقات من دولة إلى دولة بين لبنان وسوريا، ويؤكد دعمه توجهات دولة الرئيس وخطواته باتجاه فتح صفحة جديدة بين دولتين، وذلك من أجل تطوير العلاقات في المجالات كافة بما يخدم البلدين والشعبين. ويعلن ترحيبه بما تم إقراره من اتفاقات معدلة وبما تم الاتفاق على تطويره في فترات لاحقة. وإذ يسجل أهمية الإنجاز المتمثل بقيام التبادل الديبلوماسي على مستوى السفارة بين بيروت ودمشق، يدعو إلى العمل الدؤوب في سبيل أن تنهض العلاقات المستقبلية على مشروع لبناني ـ سوري مشترك بما يفعّل العلاقات العربية ـ العربية أيضا"ً.
نحن نوافق على ما ورد في هذه النقطة مع التحفظ على الصياغة. كما نتحفظ على الترحيب بإقامة العلاقات الدبلوماسية إذ أننا نؤيد الحدود المفتوحة بين مختلف الدول العربية من دون قيد أو شرط.
هذا أهم ما جاء في الوثيقة والبيان على أنه لابد من الاشارة إلى أن البيان والوثيقة يتسمان بلغة إنشائية لا تميز الوثائق السياسية عادة.
القلمون في 27 تموز 2010 حسن ملاط
وأخيراً ظهر إلى الوجود الحزب الذي يمثل الرأسمال المعولم بقيادة الرئيس سعد الحريري. وأكثر كوادر هذا الحزب (التيار) ينتمون إلى البورجوازية الصغيرة التي تملك الأحلام بالحياة الهانئة، بما يلحقها من الفتات التي تمن عليها به الرأسمالية المعولمة. فبقدر النشاط يكون المردود، أما الذين لا تلحقهم الحظوظ فيفتشون، مستقبلاً، على أماكن أخرى.
لقد أخطأ الرئيس الحريري بإطلاق التيار في هذا الوقت بالذات حيث الألق الحريري بدأ يأخذ اللون الباهت، وهذا ما أظهرته الانتخابات البلدية الأخيرة. خاصة في عكار و المنية الضنية وطرابلس وبيروت الغربية وصيدا والقرى السنية في البقاع الغربي والشمالي. وإذا أضفنا أن هذه المناطق هي مركز النشاط الرئيسي لهذا التيار وهي مصدر كوادره، بدا أهمية ما ذهبنا إليه.
صحيح أن تيار المستقبل ليس حزب السنة كما قال الحريري، ولكنه هو حزب السنة مع ديكور من مختلف الطوائف والمذاهب. السنة المرضي عنهم من النظام الرسمي العربي والعالمي.
لقد أصدر التيار وثيقة سياسية وأخرى إقتصادية، وأصدر بياناً ختامياً في نهاية المؤتمر. سوف نقرأ الوثيقة السياسية والتوصيات في هذا المقال.
جاء في المقدمة: " كان الرئيس الشهيد يرى العولمة تحدياً للعرب وفرصة في الوقت عينه، هي تحد للأنظمة الخائفة والضعيفة، وهي فرصة للأقوياء والمتقدمين بأن يتحولوا الى تكتل سياسي واقتصادي وأن يقيموا سوقاً مشتركة لبناء علاقات متوازنة مع النظام العالمي بدلاً من العلاقات المنفردة".
صحيح هذا الكلام وخاصة إذا كان التوحد من ضمن برنامجهم. ولكن حيث أن دول الوصاية لا تقبل في أي زمان ومكان لدولنا أن تتوحد، لذا فإن العولمة سوف تقضي على ما تبقى من ثرواتنا في أسرع وقت ممكن.
جاء في المقدمة: " حقق الرئيس الحريري باستشهاده ما لم يكن أحد يتوقعه، وهو مصالحة اللبنانيين مع أنفسهم ومع بعضهم بعضا، تلك المصالحة التي انطلقت من أمام ضريح الرئيس الشهيد لتعم البلاد والتي من دونها لما كان بالامكان اطلاق ”انتفاضة الاستقلال“ التي أعادت للبنان حريته ووفرت الظروف المؤاتية لولادة هوية وطنية جامعة لا تقوم على استتباع فريق طائفي لآخر ولا تشترط إلغاء الانتماءات المتعددة، كذلك أعاد استشهاده الاعتبار لفكرة العدالة في بلد سقط فيه على مدى عقود ما لا يقل عن 150 ألف شهيد من دون أن تنكشف الحقيقة مرة واحدة.
ما حصل غداة العملية الاجرامية هو توحد اليمين اللبناني تحت قيادة واحدة ومجلس استشاري لهذه القيادة الموحدة مؤلف من السفير الأمريكي في عوكر. هذا السفير الذي كان يملي وكان البقية من القيادات اللبنانية تنفذ. طلب منهم (أو أمرهم) بأن يوجهوا الاتهام إلى سوريا ففعلوا. طلب منهم أن يطالبوا بانسحاب الجيش السوري، ففعلوا. صحيح أنهم توحدوا، ولكنهم توحدوا تحت شعارات اليمين اللبناني الذي تحالف مع العدو الصهيوني في الحرب اللبنانية. إن القوى التي ادعت تمثيلها لآمال الرئيس رفيق الحريري قد خانته عندما استعْدَت المقاومة التي كان يؤيدها الرئيس الحريري تبعاً لما يقوله السيد حسن نصرالله. أما عن المحكمة الدولية فحدث ولا حرج. محكمة لا تريد أن تعرف لماذا استقدم البعض شهود الزور، ولا تريد أن تعرف من هم هؤلاء البعض، ولا تريد أن تعرف الغاية من التزوير. محكمة لا تريد أن تعرف من الذي يملك المصلحة باغتيال الرئيس الحريري هي محكمة غير عادلة بداية. إن من يملك المصلحة باغتيال الرئيس الحريري هي إسرائيل وحلفاؤها، لأن قتل الرئيس الحريري وحده هو الذي يمكن أن يفجر الوضع اللبناني لصالح الكيان الصهيوني. ولكن المحكمة الحريصة على الحقيقة لم تضع هذا الاحتمال، لأن القيمين على هذه المحكمة من القوى الدولية لا يهمهم سوى المصلحة الاسرائيلية.
لقد كان مقتل الرئيس الحريري أكبر من أن يتحمله الوضع اللبناني . ولكن من الواضح أن من استغل هذا الحدث الجلل هم أعداء لبنان بمعزل عن إرادة عائلة الرئيس الحريري.
تحت عنوان الثوابت تقول الوثيقة: " يلتزم ”تيار المستقبل“ الإجماع اللبناني على رفض التجزئة والتقسيم والتوطين، وعلى اعتبار اسرائيل عدواً للبنان احتل أرضه ومارس العدوان ضد شعبه ودولته ومؤسساته، وهو عدو لن يستقيم السلام معه، قبل تحقيق حل عادل، يقوم على مبادرة السلام العربية التي قررتها قمة بيروت، ويشمل استعادة الأراضي العربية المحتلة".
نحن نوافق على هذه الثابتة ولكن لا نوافق على أن مايسمى مبادرة السلام العربية يمكن أن تضع حداً للصراع العربي الاسرائيلي. لأن هذا الصراع انبثق بسبب اغتصاب اسرائيل للأرض الفلسطينية ومبادرة السلام العربية لا تحل هذه المشكلة.
ثم تقول الوثيقة تحت عنوان الثوابت: " يلتزم ”تيار المستقبل“ تعزيز العلاقات اللبنانية - العربية، ومن ضمنها تصحيح العلاقات اللبنانية - السورية، والارتكاز في ذلك على المصالح المشتركة للشعبين الشقيقين، لتقوم على مبادئ الاحترام المتبادل والندية والصلات التاريخية المتوارثة، وتعزيز دور الجامعة العربية وتطوير مؤسساتها بما يخدم العلاقات الثنائية والجماعية بين هذه الدول، وتفعيل اتفاقات التجارة الحرة العربية سعياً إلى تحقيق التكامل الاقتصادي العربي والسوق العربية المشتركة".
نحن نوافق على هذه النقطة لأن التكامل الاقتصادي العربي والسوق العربية المشتركة هي التي تساهم بحل المشاكل الاقتصادية للشعب العربي خاصة إذا كانت هذه العلاقات باتجاه تكاملي.
ثم تقول الوثيقة تحت عنوان إصلاح الحياة السياسية: " ولن تتمكن الدولة من استعادة حقها الا بتطبيق اتفاق الطائف والقرارات الدولية لا سيما القرار 1701 الذي وضع الأسس العملية للمحافظة على سيادة لبنان وحمايته من الاعتداءات الاسرائيلية والتجاوزات الحدودية".
هذا الكلام غير صحيح لأن إسرائيل تخترق يومياً السيادة اللبنانية وباعتراف قوات اليونيفيل أنفسهم. إن ما يحمي لبنان هو من حرر لبنان من الاحتلال الاسرائيلي، نعني المقاومة. وسيبقى وجود لبنان مهدداً إذا لم تحافظ المقاومة على جهوزيتها.
ثم تضيف الوثيقة تحت نفس العنوان: " الدولة القادرة هي الدولة الفاعلة في محيطها: هي الدولة القادرة على المساهمة في المعركة الدائرة في عالمنا العربي للخروج من الاصطفافات السياسية والفكرية التي فرضتها الحرب الباردة طوال أكثر من نصف قرن، واستعادة حقه في أن يكون صاحب القرار في تحديد مصيره ومستقبله".
نحن نعلم أن هناك معركتين دائرتين في العالم العربي. الأولى هي تلك التي يقودها اليمين العربي واللبناني وهي الاصطفاف في صف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وفيها التخلي عن كل ما يربط العربي بتاريخ أمته، واستبدالها بالتمسك بالقيم الاستهلاكية التي فرضتها العولمة الليبيرالية. والمعركة الثانية هي تلك التي تقودها القوى المقاومة والتي تريد أن تحرر الأرض العربية من الاحتلالات الأمريكية والاسرائيلية. وبالطبع لا يمكننا أن نكون على الحياد إنما نحن مع المقاومة.
ثم تضيف الوثيقة تحت نفس العنوان: " الدولة القادرة هي الدولة التي تعمل لإحلال ثقافة السلام والعيش معاً والوصل مع الآخر محل ثقافة العنف والفصل التي لا تزال سائدة في لبنان والمنطقة والتي ترى أن توكيد الذات لا يتم الا باستبعاد الآخر وصولاً الى إلغائه أو استتباعه".
تقوم معظم المنظمات التي تصرف عليها المخابرات الأمريكية الأموال الطائلة بترويج ثقافة السلام بقصد الحفاظ على إسرائيل. أما تيار المستقبل لم نعلم أنه يغار على السلام إلى هذا الحد لأن العداء لإسرائيل لم يلغه هذا التيار. فكيف نكيف بين قبول الآخر إذا كان هذا الآخر إسرائيل والعداء لها؟
وتحت عنوان "الاقتصاد والنمو" ورد ما يلي: " إن تحفيز النمو يتطلب اتباع سياسات مالية مسؤولة ومعالجة عبء الدين العام، بالاضافة إلى تحرير الاقتصاد من القيود التي تعيق استفادته الكاملة من العولمة المتسارعة، كاحتكار القطاع العام لعدد من القطاعات التي دفع الشعب اللبناني كلفة باهظة جداً بسبب احتكارها، وقطاع الكهرباء أوضح مثال على ذلك".
إذا كانت الادارة فاسدة بسبب فساد الطبقة السياسية فهل هذا يعني أنه علينا إعطاء أموال الشعب اللبناني للاحتكاريين الذين أفقروه بنهبهم خيراته وإيصال الدين العام إلى عتبة ال55 مليار دولار بحجة إعادة الإعمار. مثال الكهرباء هو مثال على فساد الطبقة السياسية بتحالفها مع الرأسمال الذي يريد تيار المستقبل تسليمه أموال الشعب اللبناني.
أما في بيان التوصيات فقد ورد ما يلي: " إن المؤتمر يؤكد أن "تيار المستقبل" لا يرى بديلاً من تحرير مزارع شبعا وكفرشوبا وخراج الهبارية والجزء اللبناني من قرية الغجر، وذلك بالمقاومة الديبلوماسية التي تقوم بها الدولة وقدرتها العسكرية إن دعت الحاجة، ما يحيلنا إلى تصميم دولة الرئيس على توفير التسلح اللازم للجيش اللبناني".
مصر بلد السبعين مليوناً أذلتها المقاومة الديبلوماسية التي تبناها تيار المستقبل. إن دبلوماسية الرئيس رفيق الحريري في نيسان 1996 ما كان نجاحها إلا بسبب صمود المقاومة الاسلامية في جنوب لبنان. واتفاق نيسان الذي ساهم فيه الرئيس رفيق الحريري هو الاتفاق الذي شرعن عمل المقاومة المسلحة وليس المقاومة الديبلوماسية الذي يريده تيار المستقبل حتى ينقلب على كل إيجابية تحسب للرئيس رفيق الحريري. لبنان هو الوحيد الذي أجبر إسرائيل على الانسحاب من أراضيه المحتلة بدون قيد أو شرط بفضل مقاومته المسلحة الذي يريد البعض تسليمها إلى المحكمة الدولية كرمى لعيون إسرائيل.
ثم يضيف البيان: " إن المؤتمر في سياق كل ما تقدّم يرى في تجربة الرئيس فؤاد السنيورة في الحكم في أشد المراحل دقة وخطورة مصدر اعتزاز لـ"تيار المستقبل"، ويحيي صموده وثباته على مبادئ التيار، وخط الرئيس الشهيد".
ليس صحيحاً أنه ثبت على نهج رفيق الحريري. رفيق الحريري ما كان ليقبل من وزير داخليته أن يقدم الشاي لجنود الاحتلال الاسرائيلي كما فعل وزير داخلية فؤاد السنيورة بالوكالة خلال عدوان تموز 2006. لقد تنكر الرئيس السنيورة لأهم ما كان يؤمن به الرئيس رفيق الحريري وهو العداء لاسرائيل. بماذا نفسر حركة الرئيس السنيورة في 5 أيار 2008 عندما أراد أن يخرب شبكة الاتصالات الخاصة بالمقاومة. أليست خدمة للعدو الاسرائيلي؟ أهكذا كان نهج الرئيس رفيق الحريري؟ لو أن تيار المستقبل يتمسك بنهج الرئيس رفيق الحريري حقاً، ما كان عليه إلا أن يرفض نهج الرئيس السنيورة بادارة الحكم.
ثم يضيف البيان: " إن المؤتمر من منطق أن "تيار المستقبل" يؤمن بأن لا تعارض ولا تناقض بين العدالة والسلم الأهلي بل يؤمن بأن السلم الأهلي تصونه العدالة، وبأن العنف والإكراه نقيضان للاستقرار والسلم ويشكلان تدميراً للوطن والدولة، يؤكد أن لا مساومة على العدالة، التي تمثل التزاماً مبدئياً وأخلاقياً ووطنياً أمام الشهداء وعائلاتهم وكل اللبنانيين، ويدعو إلى التوقف عن التهويل وعن افتراض السيناريوهات، وإلى تعاون الجميع من أجل الحقيقة للجميع من أجل لبنان".
العدالة لايؤمنها إلا المشهود له بالعدالة. هل المجتمع الدولي الذي يحمي العدوان الاسرائيلي على الشعب اللبناني وعلى الشعب الفلسطيني ويشرعن العدوان الأميركي على العراق وأفغانستان وعلى إيران هو مجتمع عادل. إن ما تريده عدالة المجتمع الدولي في لبنان هو الفتنة التي تقضي على ما تبقى من لبنان لصالح العدو الاسرائيلي. الفطن هو من يحمي بلده وليس من يرفع الشعارات البراقة.
ثم يضيف البيان: " إن المؤتمر يؤكد دعمه إقرار الحقوق الإنسانيّة للاجئين الفلسطينيين في لبنان، ويشدد على أن لا رابط بين الحقوق الإنسانية الواجبة وبين التوطين المرفوض".
نحن نوافق على هذه النقطة.
ثم يضيف البيان: " إن المؤتمر يعبّر عن ترحيبه بالمرحلة الجديدة التي تمر بها العلاقات من دولة إلى دولة بين لبنان وسوريا، ويؤكد دعمه توجهات دولة الرئيس وخطواته باتجاه فتح صفحة جديدة بين دولتين، وذلك من أجل تطوير العلاقات في المجالات كافة بما يخدم البلدين والشعبين. ويعلن ترحيبه بما تم إقراره من اتفاقات معدلة وبما تم الاتفاق على تطويره في فترات لاحقة. وإذ يسجل أهمية الإنجاز المتمثل بقيام التبادل الديبلوماسي على مستوى السفارة بين بيروت ودمشق، يدعو إلى العمل الدؤوب في سبيل أن تنهض العلاقات المستقبلية على مشروع لبناني ـ سوري مشترك بما يفعّل العلاقات العربية ـ العربية أيضا"ً.
نحن نوافق على ما ورد في هذه النقطة مع التحفظ على الصياغة. كما نتحفظ على الترحيب بإقامة العلاقات الدبلوماسية إذ أننا نؤيد الحدود المفتوحة بين مختلف الدول العربية من دون قيد أو شرط.
هذا أهم ما جاء في الوثيقة والبيان على أنه لابد من الاشارة إلى أن البيان والوثيقة يتسمان بلغة إنشائية لا تميز الوثائق السياسية عادة.
القلمون في 27 تموز 2010 حسن ملاط
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق